قبسات من شهر الصيام
فيصل بن غالبقال الله سبحانه وتعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) "النور 31".وقال: (يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) "التحريم 8".فالتوبة ليست خاصة بالمذنب الجاني فحسب، بل هي عامة في حق جميع المؤمنين الذين يريدون الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وفي حق غيرهم من غير المؤمنين. فإن أعظم نعم الله عز وجل على عباده أن جعل باب التوبة مفتوحاً للتائبين وجعله فجراً تبدأ معه رحلة العودة إلى الله جل جلاله بقلوب منكسرة ودموع مسكوبة وجباه خاضعة وأعناق متذللة له. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) اخرجه مسلم.وقال أيضاً (من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) اخرجه مسلم. وقال أيضاً (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر).فباب التوبة مفتوح لن ينغلق أبداً إلى ان تطلع الشمس من مغربها وهذه رحمة من الله سبحانه وتعالى للعاصين حتى لا يقنطوا من رحمته سبحانه.أعلم أخي المسلم ان رمضان فرصة عظيمة للتوبة إلى الله والرجوع إليه وتجديد العهد مع خالقك سبحانه وتعالى وأحذر ان تكون من المغبونين والخاسرين، وذلك بأن ينقضي عليك هذا الشهر ولم يغفر لك عياذاً بالله من ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (.... رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل ان يغفر له ..).فيجب على العبد ان يجتهد في التوبة ويسارع في الرجوع والأوبة فليس له مستراح إلا تحت شجرة طوبى، ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد فالبدار البدار بالتوبة إلى الله قبل ان تقضي عليك المعاصي والذنوب وتتلقاك الآثام والخطوب ألا فلتستيقظ من سباتك ولتفق من غفلتك فالأيام تمضي والعمر يجري ولا رجعة فيه فاحذر ان تكون من الخاسرين في هذه الدنيا بزهدك في جنات النعيم المقيم وسارع إلى التوبة والندم على ما فات قبل فوات الأوان، فإن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) سيد الأولين والآخرين وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك لا يفتر ان يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة عن ابي هريرة (رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (والله اني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) اخرجه البخاري.وقال أيضاً (يا ايها الناس توبوا إلى الله فاني اتوب إليه في اليوم والليلة مائة مرة) اخرجه مسلم.فليكن لك في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة فلا تؤجل التوبة ولا تسوف بها ودع عنك (سوف) واخواتها قال الله سبحانه وتعالى: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) "آل عمران 185".فيا من ضيعت يومك وضيعت أمسك بوقوعك في أوحال المعاصي والذنوب ارجع إلى ربك وأُب إليه واندم على ما فرطت في حق علام الغيوب واسكب الدمع على تلك الذنوب وتذلل إلى مولاك بالتوبة النصوح وتأكد انك إذا تبت إلى الله ورجعت إليه فرح بك فرحاً شديداً.قال رسول الله (صلى اله عليه وسلم): (لله اشد فرحاً بتوبة عبد حين يتوب إليه ...) اخرجه البخاري ومسلم.أرأيت كيف يفرح الله بعبده حين يتوب ويرجع إليه، وأنت العبد الفقير الذليل الضعيف الذي ليس لك حول ولا قوة إلا بالله وهو الله ملك الملوك وجبار السموات والأرض بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى.فلا تقنط من رحمة الله فإن الله يحبك فارجع إليه وتقرب منه وأعلم ان الله جل جلاله لا يتعاظمه ولا يعجزه ذنب ان يغفره ولا عبد مذنب جاء إليه ان يقبله فهو سبحانه وتعالى واسع العفو، كثير الغفران وغافر الذنوب وقابل التوب وسعت رحمته كل شيء، يحب التوابين ويتوب عنهم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون ليغفر لهم) رواه أحمد.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (قال الله تعالى يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو اتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) اخرجه الترمذي.فاحمد الله ان بلغك شهر رمضان ومن عليك فيه بالتوبة والغفران واجتهد فيه لتنال الثواب العظيم والجنان.أسأل الله سبحانه وتعالى باسمائه الحسنى وصفاته العليا ان يجعلنا في هذا الشهر من التائبين المرحومين فيه وان يجعلنا من عتقائه ونسأله سبحانه وتعالى الثبات على الحق حتى يأتينا اليقين والحمد لله رب العالمين وصوماً مقبولاً إن شاء الله سبحانه وتعالى.