إعداد/ ميسون عدنان الصادق روى صمت الوجوه التي احتلت لوحات الرسام السوري ومدير معهد الشارقة للفنون طلال المعلا في معرض أقيم أخيراً في دبي خيبات الحاضر كما ظهر (الصمت) في عيون مصدومة يائسة متلقية مستسلمة فاقدة القدرة على التحليل وفي وجوه تجيد التسمر أمام شاشات التلفزيون وتشهد على توالي النكبات وعلى غياب الأسئلة كتب المعلا الشعر (ديوان «موت الماء» الذي صدر عام 1998م عن مؤسسة الانتشار العربي) والمقالات النقدية لكنه بدأ حياته الفنية بالرسم.. لا أذكر نفسي قبل أن أحب الرسم الذي بدأته منذ وعيت الحاجة إلى التعبير والذي حاولت معه خلال مرحلتي الصبا والشباب أن أكتب القصة والشعر كما جربت خلال السنوات الجامعية الإخراج المسرحي لكنني انتبهت إلى أن التوزيع بين حالات التعبير يشتت عملي. ووجدت نفسي في التحليل والصورة اللذين رأيتهما مرتبطين فاخترت النقد والرسم كشكلين من أشكال التعبير اللذين يلبيان حاجة أساسية عندي. لا يفصل المعلا بين حاجته إلى الرسم وبين حاجته إلى ممارسة النقد الفني «أرى كلام البعض عن عفوية ولادة اللوحة من حالة بوهيمية يعيشها الفنان غير صحيح فالفن أو الإبداع الذي يتجلى في حالات التعبير كلها التي تنبض بالقيم والتي تسمح للفنان بنقل الواقع واستشراق المستقبل ورصد مشاعر الناس ونقل حالته نابعة من التفكير والتحليل والملاحظة لذلك أربط بين بناء الصورة وبين طريقة تحليلها كتابة إذا استخدمت في الوقت نفسه اللغة والصورة التي تختصرها كما أحس بأن النقد والرسم يعبران عني. إضافة إلى أنني أميل إلى الأدب في شكل واضح وأقدر على التعبير عن الأفكار التي أتخيلها خارج الشكل مما أتاح لي التعبير من خلال نصوص تشكيلية أو مقاطع تقترب من الشعر لكنني طالما أصررت على أن لا أسميها شعراً وظللت أسميها نصوصاً تشكيلية أو تشكيلات باللغة وأذكر نصاً تشكيلياً لي نثر عام 1975م في مجلة الطريق اللبنانية ترافقت فيه الصورة مع النص الذي أستطيع أن أقول إذا راجعته الآن إنه يميل إلى الشعر أكثر من ميله إلى التشكيل. وربما خجلت من أن أخوض تجربة أستمد من خلالها شاعراً أخاف من أن تهرب مني الصورة التي تضيع الحدود بين اللوحة والقصيدة». لا تتطلب اللوحة من المتلقي عناء خصوصاً أننا نسعى إليه.نحمل لوحاتنا ونتوجه إليه أو ندعوه كي يحتفل معنا بالتفرج عليها في صالة عرض أو في مهرجان، أنتجت ثمانية كتب لكنها لا تقدم الدعوة نفسها التي تقدمها اللوحة أو «الكرنفال» نفسه الذي يولد من حولها في صالة عرض يتوجه إليها المتلقون مرتدين أزياءهم محتفلين بها. دعوة الكتاب إلى قراءته لا يرافقها احتفال مثل دعوة اللوحة الجديدة في مجتمعاتنا والتي لبت رغبة الطبقات الأرستقراطية ثم رغبة المثقفين في منتصف القرن الماضي في الاحتفال بها كما أحتفل بها المجتمع الأوروبي وفي أن يملكوا تراثاً في العلاقة مع هذا العمل الإبداعي التصويري أحسست بالانتماء إلى اللوحة ربما لرغبتي في أن أتتبعها في المغامرة التي تخوضها في مجتمعاتنا في محاولة جر نفسها خصوصاً أنها مازالت تستعين بعكازين بعد مرور قرن على ولادة التجربة التشكيلية في المنطقة العربية.حين يحس المعلا في هذه المرحلة بالحاجة إلى التعبير يرسم وجوهاً ليست مع اعتماد أسلوب واحد في الرسم بل اعتبر الأسلوب يؤطر مرحلة زمنية أو مرحلة فكرية يعيشها الفنان وربما ميز أسلوب معين أعمال فنان خلال فترة طويلة لكننا إذا بحثنا بعين نقدية عن اختلافات أو تغيرات في لوحات فنانين نجدها حادة في أعمال البعض في أعمالي مثلاً أو منسجمة متناغمة في أعمال البعض الآخر.أرسم في هذه المرحلة الوجوه ولا أتكلم هنا عن الوجوه بقدر ما أتكلم عن الصمت الذي تخبئه هي مرحلة عامة تعبر عن الحزن والعجز والصمت والرجاء وتقدم وجوهاً تكتل هذه التجربة تحاكي تجربة خضتها في السبعينات حين كنت أعمل على الجسم الإنساني وعلى الوجوه في إطار تعبيري وفي إطار التشويه القاسي الذي لم يكن في تلك الفترة مقبولاً من الجمهور في سوريا والذي لم يشغلني وحدي بل شغل عدداً من الفنانين في تلك الفترة من بينهم سعدي كن ويوسف عبد لكي أتكلم عن مرحلة السبعينات أي مرحلة ما بعد النكسة وبدأ بروز حالات الإحباط الذي أصاب عديدين. تعاملنا في تلك الفترة مع اللوحة من خلال الواقع السياسي الذي كان مطروحاً على المنطقة ويبدو أننا الآن نعيش مرحلة أصعب من النكسة فقد عادت مرحلة الاحتلالات وكلما أحسسنا بأننا أمة تستطيع النهوض نكتشف أننا صغار وأننا لا نستحق أن يكون لنا مشروعنا الحضاري الذي كنا نحلم به والذي حدثنا عنه.يركز المعلا الآن على الإنسان «بات الوجه سيد لوحتي التي يطغي على مساحتها ويحتل فضاثها أريد أن أقول أن الوجه الإنساني يمثل المشكلة ولا تمثلها الأبنية أو الأرض أو الأشجار لذلك ركزت على الوجه الإنساني الذي قدمت له قراءات عديدة تطرح أحداها قدرته على إطلاق لغة الرجاء التي أصبحنا نطلقها كي نحلم كنا نحلم من دون ر جاء لكننا أصبحنا اليوم نستجدي الحلم.لا يؤثر الفن في الخطط والمصالح التي تصنع أحداثاً تغير حياتنا. «نشهد على ما يمكن أن يمر به الإنسان في المستقبل وعلى ما يمر به حالياً نوثق لمرحلة ما فاللوحة وثيقة بالتأكيد وتشهد على مرحلة إذا لم نقل أنها سياسية قلنا أنها إنسانية في شكل عام ترصد اللوحة مثل أي عمل إبداعي آخر مثل مسرحية أو فيلم سينمائي مشاعر وحالات عامة ومواقف.ترتبط علاقة المعلا بالألوان بالمرحلة التي يرسم خلالها المرحلة السابقة لمرحلة الوجوه تجريبية بحتة ركزت فيها على رمزين سوريين قديمين هما الصليب والحلزون أردت أن أعرف إذا مازالا قادرين على التعبير واستخدمت في هذه المرحلة اللون الذهبي غير الطبيعي الذي يمكن أن يعبر عن اختراع إنساني أو صناعي أو روحاني يقصي الطبيعة كما اعتمدت في مرحلة التجريد على الألوان الطبيعية التي كنت أحصرها بنفسي من قشر الجوز مثلاً أو الشاي أردت أن اعبر عن الشفافية استمرت هذه المرحلة ستة أعوام قدمت من خلالها أكثر من معرض باحثاً عن تصوير المركز النقطة حيث تتقاطع الأشكال والصراعات في مرحلة أسبق استمرت ثلاثة أعوام رسمت ثنائيات في مجموعة كبيرة من اللوحات التي اعتمدت على اللون في شكل أساسي للتعبير عن العلاقة الحميمة بين عناصر مختلفة.يفرض اختيار الموضوع أو الحالة التعبيرية أو السياق العام الذي يعبر من خلاله الفنان حالة لونية وفنان في لبنان تختلف الألوان التي يلجأ إليها عن فنان من العراق أو في أوروبا كما تختلف الألوان بين رسام في بعلبك ورسام في بيروت يمتلك كل فنان قاموساً لونياً يختار منه الحالة اللونية التي يريد التعبير عنها. عملية الرسم متكاملة في شكل عام وتحليلها يقودنا إلى أن نتعرف إلى الفنان المبدع ما أن تقع العين على لوحته ودون أن نفهم إلى ضرباته اللونية أو المساحات التي ينتقل عبرها من لون إلى آخر ينظر المتلقي إلى العمل الفني دون أن يرى هذه المعارف متجلية في خط أو نقطة أو لوحة المهم نحس بأنه يقبلها وبأنها تترك لديه أثراً . موهبة الفنان تحددها الخبرة وتراكم المعرفة وهي محاولة لجمع العالم في حالة واحدة للتعبير عنه.لجأ المعلا إلى وسائل متنوعة سمحت له بالتعبير كالنحت والتجهيز والفيديو أحاول أن استفيد من طرق التعبير سواء من خلال اللوحة التي يسندها حامل أو أي عمل فني آخر كالفيديو أو التجهيز أو التركيب يمكن أن يقدم معلومة معرفية ومتعة للآخرين عبر مراقبة أنفسهم فيه لن أمانع من أن أفتح أي نافذة يمكن أن تسمح لي بأن أطل على أي جديد ليست الوسيلة المقصودة بل المقصود هو التعبير عن الذات الإنسانية في سياقها الاجتماعي والسياسي والحياتي. وقد وجدت الانطباعية في مرحلة مهدت لمجيء فنان عظيم مثل بيكاسو الذي أعجبته الألوان الجميلة البراقة والضوء الفيزيائي العجيب لكنه كان أشد ارتباطاً بمجتمعه ولم يرد تزييف الواقع بل أعاد للوحة صلتها بالحقيقة نتأثر حين نرى صورة انعكاس الماء البراق لكننا نتأثر أكثر حين تكون مشاعرنا على حدود الألم في مواجهة لوحة غرنيكا لبيكاسو.
|
ثقافة
الرسام السوري طلال المعلا : أصبحنا نستجدي الحلم
أخبار متعلقة