للمعنيين فقط
ترى ما الذي يمكن أن يرضي أبا وأم الطفلة مواهب ذات الستة أعوام .. لا بل ما الذي يمكن أن يمحو الحزن الذي سيلحق بجيرانها وسكان حيها وهم يتذكرون ابتسامتها ، حركتها ضحكتها مرددين بعض كلماتها .. وما الذي يمكن أن يسكن روع فجيعة إخوتها وأقاربها وهم يسترجعون تفاصيل تلك الليلة التي قضى فيها انطفاء الكهرباء على نوم مواهب طارقاً جفون عينيها فارضاً عليها الإستيقاظ والتململ فوق سريرها مستثيراً حنق أبيها الذي أقترب منها يطمئنها محاولاً التخفيف عنها من تباريح حلول هذه اللحظة الخبيثة . حاملاً إياها إلى خارج جدران المنزل التي سرعان ما اشتعلت بفيض مساء ساحلي مسائي رطب. أخذها ليستقر معها تحت قبة السماء التي اخذت نجومها المتبقية ترسل وميض حزيناً . وقبل أن تستعيد الطفلة مواهب أنفاسها تحت جنح ظلام تلك الليلة الخانقة أخذت طلقة نارية مرتدة تهوي متثاقلة بغير هدى أو بصيرة لتسكن جسدها الطفولي البض رصاصة نفرت من أصابع يدي مستهتر أحمق أراد أن يتذوق طعم ورائحة الرجولة المسلوبة منه ، رصاصة انطلقت تعلن كومة الزبالة وكتلة العفن المتعطنة التي أخذت تتمايل متباهية بنا أقدمت عليه من فعل بغيض وبليد ودوني لا يصدر إلا عن جبان فاقد المسؤولية والإحساس بالحياة ومعانيها وقيمتها جبان محشو خسة وبشاعة لأنه استطاع أن يجد له مكاناً يأوي إليه بعد أن بلغه ما صنعته رصاصته من مأساة.ما الذي يمكن أن يعوض مفارقة الطفلة مواهب الحياة وما الذي بمقدوره أن يداوي ويلأم الجراحات الغائرة التي ستبقى في نفوس من حولها وفي نفسها هي إذا ما عاشت معوقة مشوهة؟! هل يكفي أن يساق الى تحت أقدامها وأقدام أبويها ومعاريفها وجيرانها وأقرانها كل مدراء ورؤساء الأجهزة الأمنية في المحافظة ضباطا وأفراداً ليقولوا فيهم كلمتهم لقاء تفريطهم المستمر بمسؤوليتهم وواجباتهم في ملاحقة وضبط المستهترين بأمن وسلامة الناس شيوخاً وأطفالاً، رجالاً ونساء ممن كتاب عليهم أن يفقدوا حياتهم برصاصات طائشة مرتدة ؟! هل يكفي أن يصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف لأنهم بسكوتهم وتغافلهم أجازوا وشرعوا قتل وإرهاب وإرعاب الناس الآمنين؟!!كلا لا أعتقد أن هذا يكفي لإرضاء كل محزون ومكلوم بمصاب الطفلة مواهب لا بل أنه لا يرتقي حتى إلى مصاف لحظة من لحظات عمرها القصير عندما كانت تعدو إلى حضن أبيها وأمها أو تعدل ابتسامة من ابتساماتها أو ساعة من ساعات خروجها لتلعب وتلهو مع أقرانها أو توازي حلم واحدا من أحلامها وهي ترى نفسها ذاهبة إلى المدرسة على ظهرها حقيبتها تقفز بفرح وسعادة مستعجلة عودتها إلى دارها بسلام دون رصاص طائش أو راجع أو انقطاع كهرباء.