يشيع عن بعض الناس أن مُـسْـتَـلْـزمات الإبداع أن يكون المُـبْـدع فوضوياً غير مُـنظَّـم، أو خيالياً بعيداً عن المنطق والتحليل العلمي، أو مشاغباً متمرداً على القيم والمبادئ والأخلاق، أو مبتذلاً نتن الرائحة كريه المنظر، أو ... الخ.والحقيقة أن هذا فهم خاطئ للعملية الإبداعية، ويُـعَـد إساءة لهذه المهارة الكريمة والمنهج السديد.إن وجود بعض المبدعين المُـتَّـصِـفين بهذا الإهمال والتمرُّد لا يعني أن الصواب في صنيعهم، بل نقول أن هؤلاء استثناء، لديهم شيء من النقص ينبغي أن يستدركوه حتى يكتمل إبداعهم ويستقيم منهجهم.إن السماوات والأرض قامتا على تنظيم دقيق من خالق عظيم، لذا أود أن أُؤكد على أمر مهم يغفل عنه كثير من الناس، وهو التوسط والتوازن والاعتدال، كما قال الله تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } ( البقرة: 143). وهذا يعني أن المبدع الفذ الناجح هو الذي يجمع ما بين أعمال المخ الأيمن والأيسر، بمعنى أن يجمع بين الخيال وبين التحليل العلمي المنهجي، وكلما جمع الإنسان بين هذين الأمرين كان أكثر إبداعاً وأقرب إلى التفكير الإبتكاري المفيد.إن أكبر خطأ نرتكبه عندما نُـعَـرِّف الإبداع ونحصره بالخيال فحسب، إذ لا قيمة ولا فائدة من خيال لا يتحول إلى فكرة عملية وإنتاج مفيد إلا إذا تنقَّـل عبر مراحل علمية منهجية.إن العلماء يخبروننا بأن هناك علاقة بين جانبي المخ الأيمن والأيسر فعندما يتحرك الإنسان (الجانب الأيسر من المخ) فإن هذا يؤدي إلى إراحة الجانب الأيمن من المخ، وهناك يبدأ الخيال بالعمل، لذا إذا واجهتك مشكلة لم تستطع حلها، فاتركها وانشغل بأي أمر عضلي ( كالمشي، والسباحة ) وهناك ستأتيك الأفكار الإبداعية لحل مشكلتك إن شاء الله تعالى.خلاصة ما أريد أن أصل إليه - عزيز القارئ، عزيزتي القارئة - هو أن الإبداع عملية مُـهَـذَّبة سامية، فيها خيال خَـصْـب، وتفكير منطقي، وعمل مُـنظم، وتحليل علمي، ونظرة واقعية، ومنهج قويم، وأدب جم.ولكي نقترب أكثر فأكثر من الإبداع، سَـأُحدِّثكم بهذه القصة...يُروى أن أحد الناس أراد أن يكون مُـبدعاً، فجاء بضفدعة ووضعها أمامه وقال للضفدعة: نُـطِّـي (أي اقفزي)، فأمسك القلم وكتب: قلنا للضفدعة نُـطِّـي فَـنَـطَّـت، ثم قطع يدها اليمنى وقال لها نطي، فنطت، فكتب: قطعنا اليد اليمنى للضفدعة وقلنا لها نُـطِّـي، فنطَّـت، ثم قطع يدها اليسرى وقال لها نُـطِّـي، فنطَّـت، فكتب: قطعنا يَدَيْ الضفدعة اليمنى واليسرى وقلنا لها نطي فنطَّـت، ثم قطع قدمها اليمنى وقال لها نطِّـي، فنطَّـت بصعوبة، فكتب: قطعنا قدمها اليمنى وقلنا لها نطِّـي فنطَّـت، ثم قطع قدمها اليسرى وقال لها نطي،.... نطي ....، فلم تنط، فكتب: قطعنا يَـدَيْ الضفدعة، ورجلَـيْـها وقلنا لها نطي، فلم تنط، ومن هنا أثبتت الدراسات العلمية من خلال التجارب العملية أن الضفدعة إذا قُـطِـعَـتْ يداها ورجلاها معاً فإنها تُـصَـاب بالصمم الدائم، وعليه فإننا نُـثْـبِـت أن هذه الضفدعة أضحت مبدعة، عندما كانت تسمع فقط.وكانت المفاجأة لدى مُـبدعنا أن ضفدعته ما لبثت إلا أن ماتت.إننا لا نُـريد هذا النوع من الإبداع، الذي لا منطق فيه ولا عقل، لذا أهمس في أُذُن كل حصيف: احذرْ أن تكون كصاحب الضفدعة.
قتلها .. ليجعلها ضفدعة مبدعة
أخبار متعلقة