فخور لكونه أسس (الواقعية الوهمية)
إعداد/ ميسون الصادق محمود الجمل قاص وروائي مصري شاب صدرت له مجموعتان قصصيتان وراوية وحيدة. تمتد تجربة الجمل الإبداعية 20 عاماً حيث اصدر مجموعته القصصية الأولى (الخيول) في عام 1981م ثم أصدر مجموعته الثانية (إذا أقبلت) في عام 1989م وتشغله الآن روايته (الذين عثروا على جثتي) التي يقول إنها في كثير من إحداثها تعبر عن تجربته الذاتية في عالم الصحافة التي عمل فيها منذ تخرجه حيث شارك في بدايات التجربة الصحفية المعارضة بالقاهرة والتي كانت مجرد تجربة ديمقراطية وليدة بعد فترة طويلة من الحزب الواحد والفكر الواحد.وأثرت الحياة الشاقة لشاب صغير ارتضى رغم خطورة ذلك القرار في أن يكون (صحافياً ضد الحكومة) وأن يقف في طليعة صحافيي المعارضة المصرية خاصة والجمل لم يكتف بكونه مجرد ( صحافي معارض) وسط جمع كبير من الصحافيين المصريين) بل عاد يفعل الحنين الى الأرض والوطن حيث مسقط رأسه في المدينة البعيدة الساكنة على ساحل البحر الأحمر (السويس) عشقه الأول والأخير وهناك اصدر اول تجربة صحفية إقليمية معارضة في مصر (أحرار السويس) والتي أثارت جدلاً كبيراً ودخلت بالجمل في دوامة المعارك الثقافية والاقتصادية والسياسية الدائرة في المدينة المناضلة وخلقت تجربته الصحفية الصغيرة جيلاً عريضاً من الصحافيين وتوحدت التجربة الشابة مع القوى الثقافية في السويس.وأفرزت تلك الظروف الطبيعية كاتباً جديداً بمذاق خاص يجمع بين ملوحة البحر وعناد المدينة المناضلة ورقتها وقسوة الصحراء وبراءتها وفساد بعض موظفي المحليات وطهارة قلوب الناس في السويس.بداية محمود الجمل قاص جديد وتطلعات إبداعية فكان للبيئة الإقليمية في تجربته الإبداعية تأثير ضخم في كتاباته فتجربته الأولى كانت مشغولة بالتفصيلات الصغيرة والأبنية والشوارع مشغولة بالأشياء الحياتية فهو مفتون بعوالم مثيرة مثل عالم العطارين وعندما كان يكتب كان يشعر برائحة البخور تملأ رئته وتأخذه أجواء سحرية فهو لا يكتب وسط طقوس خاصة حيث يمكنه من الكتابة في كل الظروف وفي المقاهي حيث كتب معظم المجموعتين القصصيتين في مقهى أبي يوسف في السويس والذي يعرفه كل المثقفين في السويس ويعد المقر الدائم للشاعر الشعبي المعروف كابتن غزالي عقب هزيمة 1967م ورفض الاستسلام لحالة الانكسار العربية وظل يقاتل بالأغنية حتى النصر.ويعترف الجمل بأن هناك أصحاب فضل وأساتذة أثروا في تجربته الأدبية ويأتي في المقدمة الأديب الصديق محمد الراوي الذي أرشده إلى إبداع طليعة الكتاب العراقيين وكتاب المغرب العربي وقراءة روايات إبراهيم الكوني فضلاً عن أعمال ديستويفسكي وعشرات الروايات والتي شكلت له القاعدة التي انطلق من خلالها نحو عالمه الخاص حتى صارت له بنية قصصية خاصة به كان عنوانها الأساسي (الواقعية الوهمية).وعلى الرغم أن ماركيز وسائر روائيي أمريكا اللاتينية كانوا أصحاب تأثيرات واضحة في عشرات الكتاب العرب إلا أن تأثيرهم كان ضعيفاً عليه وخافتاً ورغم اعتراف الجمل بجمال وقوة البناء اللغوي وجزالة الجملة عندهم إلا انه شغل بفكرة الواقعية الوهمية وكان حريصاً على صياغة رواية تعبر عن هذا العنوان وهي روايته الأخيرة التي انتهى منها وهي راوية (الذين عثروا على جثتي) وهي في تصوره اول رواية سويسية تسعى إلى تسجيل الواقع السيئ لشعب السويس الذي وقع في براثن فساد المحليات وبعض النخبة وقلة من رجال الأعمال .. وذلك فضلاً عن أكاذيب السياسيين ودخل بعض اللصوص الذين جاؤوا في ثياب نواب الشعب.وفي كتابات الجمل رؤية تشكيلية وبصرية متميزة فميوله الخاص نحو كتابة السيناريو جعله يهيئ نفسه منذ فترة طويلة لكتابة السيناريو وفق أسس فنية وجمالية جديدة تعنى بتقديم عوالم وحشية وغرائبيه عن مجتمعات غير مأهولة يعيش فيها نوعيات من البشر لم تبصرهم كاميرات السينما من قبل.وقد اختار بالفعل مجموعة من الأعمال المتميزة حيث انتهى من كتابة السيناريو والحوار لرواية (الزهرة الصخرية) للأديب محمد الراوي الذي تصور بأن هذا العمل من الممكن أن يعيد مرة أخرى البهاء للنص الروائي خاصة وأن النصوص المكتوبة مباشرة للسينما تتميز بالسطحية.