السؤال المقلق للأوروبيين جاء على شكل إنذار حاد من أن عصر الرفاه العام انتهى، إذ لم يعد هناك افتعال حروب وغزو دول في سبيل نهب الثروات، وفتح الأسواق والخطوط البرية والبحرية قبل أن يكون للفضاء عبور آخر، وهل ما بدا من انشقاقات جديدة تدعو إلى الانفصال عن الدولة المركزية في أسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، والبحث عن هوية جديدة، وأنه من غير المنطقي أن تذهب اقتصادات تلك الكيانات للأقل فقراً في الإقليم هو بداية تشكيل عالم جديد؟ولكن كيف يتم التوافق بين دعوات الانفصال، وبين الوحدة الأوروبية، وهنا يأتي الإشكال بأن الأزمة الاقتصادية القائمة فجرت ما كان مغطى عليه بثروات استنزاف المستعمرات لهذه الدول، ويبدو كما حدث في «تشيكوسلوفاكيا» والبوسنة والهرسك، يجري على هذه الدول قبول الواقع المر، وهذه المرة بدأت تكشف الظروف المستجدة، أن الوعي والثقافة والوحدة الوطنية لأجناس تصالحت وقت الرخاء، بدأت تبحث عن مخرج آخر أي القبول باقتراع حر بالتصويت على استمرار الدولة المركزية، أو التفتيت وهذه الظاهرة تكررت في الحالة «الأوكرانية» وهي صيغة معادة لتفتت الاتحاد السوفياتي، والذي أسعد الغرب وأمريكا من نهاية قوة عظمى..أمريكا قارة هائلة أحدثت تغييراً في داخلها ومن خلال اقتصادها الكبير وفاعلية مجتمعها، استطاعت أن تكون الوريث للاستعمار الغربي بأن غطت الفراغات التي تركها في العالم ثم لتقوم بصد حربين عالميتين لتصبح القوة العظمى مع الاتحاد السوفياتي، والأخير بسبب عوامل الترهل الأيديولوجي انهار، لتبقى أمريكا القطب الأحادي، غير أن مقاييس القوة تبقى نسبية مهما كان وزنها، ونتيجة تورطها في حروب وتدخلات وإملاء قرارات، ثم ضعف حلفائها في تحمل مسؤوليات طيشها العسكري والسياسي، عادت لتواجه أزمة نقدية حادة، وهنا بدأت تظهر أصوات الداخل معلنة المخاوف من تنامي اللاتين والسود وتزايد أعدادهم أمام ضعف إنجاب البيض وتزايد الهجرة من الملونين، بحيث طغت فكرة مستقبل الولايات البيضاء، وفيما إذا كانت الهوية الأمريكية ستتقلص لصالح المستوطنين والقادمين، وأن اللغة الأسبانية التي بدأت ثنائية التداول والثقافة والمعاملات، تجهز لحالات انفصال لولايات ذات أكثرية لاتينية أسوة بما يجري في أوروبا، والعالم الخارجي الذي مزقته الدول الاستعمارية بخلق حدود في الدولة الواحدة ونزاعات قومية ودينية وقبلية، سوف يحل بديلاً عنها حالات انفصال بين جماعات أثنية ولغوية ووفرة مادية..قد يعتقد البعض أن هذه مجرد موجات لأزمة اقتصادية قد تتجاوزها دول القارتين باستحداث أساليب إصلاح اقتصادي وتطور تقني باعتبار الغرب لازال هو المهيمن على مفاصل الحضارة وإدارتها، لكنّ المنافسين هذه المرة دول ناشئة وقوى زاحفة من كل القارات الأخرى، وخاصة آسيا واستراليا، وأمريكا الجنوبية التي تقود اتجاهها للنمو المتصاعد البرازيل والمكسيك وتركيا، وإن بدأت مجرد علامات قد لا تجرد الغرب وأمريكا من مكاسبهما إلاّ أن المخاوف بدأت تظهر وخاصة أن حجم الاقتصادات بدأ ينمو في آسيا بما يضع الصين على القائمة تلحقها الهند، ولتبقى اليابان رأس الحربة في تجاوزها اقتصادات العديد من الدول الأوروبية..الحروب والهيمنة على ممتلكات الشعوب وثرواتها باتتا أمراً بعيداً لكلفة الحروب وأزماتها، لكن قيادة العالم نحو اتجاهات أخرى غير ما جرى قديماً، هو ما قد يغير المعالم الكلاسيكية إلى طفرة جديدة أخرى.
هل انتهى عصر الرفاه الأمريكي - الأوروبي؟!
أخبار متعلقة