د.أحمد عبد العزيز الكمارالاحتباس الحراري مصطلح انتشر استخدامه حديثا، ليصف زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وما سيتبعه من امتصاص لأشعة الشمس بدلاً من ارتدادها، في ظاهرة باتت تعرف باسم ((تأثير الصوبة الزجاجية)).فالمؤكد أن درجة الحرارة زادت ما بين 0.2 و 0.6 درجة مئوية خلال القرن الأخير.والواقع أن العلماء يحذرون كل يوم من التأثير السلبي للاحتباس الحراري، والذي يتمثل الجزء الأخطر منه في ذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع منسوب البحر، وإغراق مناطق كثيرة من العالم مثل هولاندا والبنجلاديش و ولاية فلوريدا في أمريكا وشمال الدلتا المصرية، بين ومناطق أخرى عديدة.وليس ارتفاع حرارة الكوكب وارتفاع منسوب البحر هما التأثيران الوحيدان السلبيان للاحتباس الحراري بل هناك مشاكل أخرى مثل المطر الحمضي وتغيير الأس الهيدروجيني لمياه المحيطات، فتتحول من القلوية التي هي عليها الآن إلى الحمضية، وما يستتبع ذلك من تغيرات في النظام الحيوي بصورة عامة.تعد محطات توليد الطاقة هي المنتج الأكبر لغاز ثاني أكسيد الكربون، يليها بعض الصناعات وعلى رأسها صناعة الأسمنت، ذلك لأن ثاني أكسيد الكربون ينتج من عمليتين في وقت واحد، الأولى هي حرق الوقود لإنتاج الأسمنت والثانية هي تكسير معادن الكربونات التي هي المادة الخام الرئيسية لهذه الصناعة.المقدمة السابقة تشير بوضوح إلى أن الوسيلة الأولى والأسهل لمواجهة الإحتباس الحراري تتمثل في زيادة الوعي لدى عموم الناس، فتوفير الطاقة يعني تقليل تشغيل محطات الطاقة، وبالتالي تقليل المنتج من الغاز.ثم يأتي المنهج الأكثر فاعلية الذي يتمثل في تطوير تكنولوجيات إنتاج الطاقة بحيث يزيد المنتج من الطاقة ويقل المستهلك من الوقود.ولعل صناعة السيارات قد شهدت تطورات كبيرة في هذا المجال، حيث تم تطوير محركات التربو، والتي ترفع كفاءة المحرك بصورة كبيرة.وأيضا من الأساليب المتبعة لتقليل الغاز السيئ السمعة، هي تطوير سبل إنتاج الطاقة النظيفة، مثل طواحين الهواء كتلك في الزعفرانة وغيرها، والطاقة الشمسية والضوئية التي لم نعطها ما تستحق من اهتمام حتى الآن، والمفاعلات النووية، التي يعتقد أنها ستدخل في الخدمة بعد عدة سنوات.كما توجد بعض الوسائل الأخرى التي لم تختبر حتى الآن في مصر، من بينها حرارة باطن الأرض، على الرغم من وجود بقع ساخنة في خليج السويس والبحر الأحمر، وطاقة الأمواج، على الرغم من وجود بحرين في مصر.لذلك ترى بعض منظمات البيئة أن استخدام الفحم كوقود أساسي لإنتاج الطاقة وصناعة الأسمنت، يعتبر تحديا جادا للتوصيات التي صدرت في الاتفاقات الدولية ومنها اتفاقية كيوتو. ذلك لأن الفحم ينتج عند الحرق طاقة أقل وثاني أكسيد كربون أكثر مقارنة بالنفط بكافة صوره.لقد كان ما سبق تحديا لبعض الدول التي تعاني مشاكل اقتصادية وعجزاً في توفير الطاقة، كما هو الحال في مصر. إن استخدام الفحم يوفر جزءاً لايستهان به من دعم الطاقة.لذلك فإن تكنولوجيات الحرق استطاعت في السنوات الأخيرة أن ترفع كفاءة حرق الفحم بما يجعله منافسا للبترول. تحتل مصر المرتبة الثامنة والعشرين من حيث إنتاج عاز ثاني أكسيد الكربون، ولكن توجد على رأس القائمة الدول الصناعية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والصين والهند والإتحاد الأوروبي.كل ما سبق لم يستطع الحد من إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون، فما زال تركيزه في الغلاف الجوي حوالي 380 جزءاً في المليون.بيد أن الوسيلة التي توجهت إليها الجهات العلمية المختصة، قبل نهاية القرن الماضي، هي تخزين الغاز. بمعنى أن يدفن الغاز بعد إسالته في طبقات الأرض السفلى.وتبدأ العملية بتجميع الغاز من مناطق إنتاجه، مثلاً يتم جمعه من مداخن محطات الطاقة أو مصانع الأسمنت. ثم تجري عمليات إسالة للغاز.وهذه التقنية (أي الإسالة غير متاحة إلا في الدول المتقدمة).ثم ينقل الغاز المسال إلى مناطق تخزينه. وذلك بحقنه ليستقر محبوسا في طبقات الأرض السفلى. وتم اقتراح مصائد البترول الناضبة كأفضل اختيار لتجميع الغاز، لأن ما كان متاحاً بها من سوائل وغازات قد تم إستنزافه.إذا التتابع المثالي لتخزين الغاز يشمل: التجميع ثم الإسالة، ثم النقل، ثم الحقن في باطن الأرض. يلي ما سبق عمليات رصد دقيقة للتأكد من استقرار الوضع.منهج التخزين في مصائد البترول الناضبة قوبل بمعارضة كبيرة، لأن كثيراً من الدول التي تملك مثل هذه المصائد، ليست منتجة أصلاً للغاز، ويصبح السؤال لماذا تتحمل أخطاء غيرها. لكن الرد المنطقي هو أن غاز ثاني أكسيد الكربون، فور إنتاجه، يفقد الصلة بدولة المنشأ لأنه ينتشر في كل الغلاف الجوي، سواء من أنتج أو لم ينتج.لكن النقطة الأهم هي أن المتخصصين في مجال النفط يؤكدون أن المصائد عندما توصف بالناضبة، فليس معنى هذا عدم وجود نفط بها، ولكن عادة تتواجد بها نسب تتراوح عادة بين 20 و 50 % ولكن الضغط داخل المصيدة، أو طبيعة النفط المتبقي، لا يسمح باستخراجه.تزيد نسبة النفط غير القادر على الخروج للسطح كلما ازدادت لزوجته.مما سبق يتضح أن وصف المصيدة بالنضوب هو نسبي بما هو متاح حاليا من تقنيات استخراج. ولكن مع زيادة سعر النفط، ستعود الكثير من الدول، ومنها مصر، إلى إعادة تشغيل المصائد الناضبة، وبالتالي يصبح تسرعاً أفسادها بتخزين الغاز المسال في داخلها.تم إقتراح التخزين في صخور قاع المحيط، ولكن هذا المقترح له العديد من المحاذير، والخوف من التأثيرات السلبية على ثبات الصخور وعلى النظام الحيوي معاً. لقد تمت تجربة ناجحة لتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في صخور الأرض في المانيا، عام 2008. كما عرضت الدول الصناعية، بوصفها المنتج الرئيسي للغاز، أن تتكفل بعمليات الإسالة والنقل والدعم المادي للدول التي تستضيف عمليات التخزين في أراضيها. من الممكن أن يشهد المستقبل القريب تطورات جادة في تقنيات تخزين الغاز.*الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة
|
ابوواب
حلول لمواجهة الاحتباس الحراري
أخبار متعلقة