للمعنيين فقط
لم أكره شيئاً في حياتي أكثر من كرهي للحظة التي أجد فيها نفسي واقعاً تحت طائلة سؤال يوجهه لي أحد ما قد أعرفه وقد لا أعرفه، وأنا جالس على مقعد في مقهى أحتسي فنجان شاي أو في مقيل أو وأنا في بطن حافلة أثناء انتقالي من مكان إلى آخر أو... قائلاً لي .. كيف تشوف بكرة؟ أو ما رأيك بما هو حاصل؟ أو إلى أين تعتقد أننا نتجه؟ سؤال ما أن اسمعه يوجه لي، أو أتوقع سماعه من أي كان حتى ينتابني الاكتئاب والضيق والنفور والتململ، وبالذات في الحالات التي أكون فيها على يقين من صدق من يسألني ومن رغبته الملحة في الحصول على إجابة يحتاجها ويركن إليها. فلا اكتشف عندها مدى حقيقة عجزي وجهلي وعدم قدرتي على امتلاك الإجابة التي تقنعني أنا قبل غيري على أسئلة من هذا النوع أصبحت تدار دون توقف في دخيلة وعلى لسان كل إنسان في مجتمعنا أيامنا هذه ومنهم وفي مقدمتهم أنا. وإنما أيضاً اكتشفت فيما اكتشفت - وهذا الأكثر إحباطاً بالنسبة لي - أنني أسوأ الناس حظاً وأفقرهم عندما اخترت طريق الصحافة والكتابة مهنة لي. في مجتمع أقصى ما يستطيع أن يحصل عليه الصحافي والكاتب فيه هو الإشهار للصورة والاسم، الذي عليك أن تنتهي عنده وتكتفي بالاشتغال عليه، وعدم محاولة تخطيه إلى ما سواه من الإحساس بالمسؤولية والبحث عن الحقيقة وتبني البحث عنها ومحاولة الحصول على مزيد من ضمانات وحرية امتلاك المعلومة وحق طرحها ونقدها وتصويبها دون موانع أو كوابح أو ترهيب أيا كان نوعه ومصدره . إلا في الحدود المشوشة وغير الواضحة التي يرضى بها صاحب الفكرة أو المعلومة أو القناعة, والتي على الصحافي أو الكاتب الصحافي أن يبقى أسير حسابات وتوهمات وتوقعات تدفع به إما إلى المخاتلة والكذب والتمسح، وإما إلى التحول إلى مجرد بوق ينفخ من خلاله وعبره من يريد أن ينفخ ويزفر بما في صدره . وإما أن يصوم عن الكتابة والكلام باحثاً عن مخارج تنجيه ممن على استعداد لإلحاقه بخانة الإلغاء والنفي والشطب.