صباح الخير
ترددت طويلاً بعد أن عرض علي الأستاذ العزيز الوفي محمد علي سعد رئيس مجلس الإدارة رئيس تحرير صحيفة 14 أكتوبر، العودة للعمل في الصحيفة بعد توقف أربعة أعوام نتيجة إحالتي للتقاعد .. صحيح أن تقاعدي جاء نتيجة انتهاء فترة خدمتي المقررة بالقانون في اليمن خمسة وثلاثين عاماً، غير أنني أحمل في ثنايا قلبي وذاكرتي أسراراً لم أبُح بها لأحد كانت سبب تقاعدي والسرعة في اتخاذ الإجراءات الإدارية خلافاً لزملائي الذين سبقوني للتقاعد .. المهم ليس عمودي مخصصاً لهذا الموضوع الذي ساحتفظ به سراً حتى يريد الله لي ان اكشفه يوماً حتى يستفيد الآخرون من تجربة قاسية ومريرة عشتها في السنوات الأخيرة التي سبقت عام 2010م، عام تقاعدي وجلوسي في البيت براتب لا يتناسب وحجم ما كنت اشغله نائباً لمدير التحرير، وأحياناً كثيرة مديراً للتحرير .. بل قررت اليوم ان أكتب عن سبب ترددي في قبول دعوة الأستاذ الوفي بن سعد بالعودة .. كنت وبعد نحو أربعة أعوام بعيداً عن الصحيفة قد اعتقدت ان عودتي فيها الكثير من المخاطر وأهمها نسيان الزملاء أو العاملين في المؤسسة والصحيفة بأنني يوماً كنت بينهم .. عشت مع الكثير منهم وهم مازالوا حتى اليوم يواصلون مشوار العطاء في هذه المدرسة صحيفة (14 أكتوبر) .. فكرت في أمر العودة طويلاً وكان المرض وثقل الحركة سبباً آخر في تفكيري المتردد .. غير أنني في أول لقاء جمعني بالأستاذ بن سعد بعد تعيينه رئيساً لمجلس الإدارة رئيساً للتحرير .. بعد هذا اللقاء الذي لم يدم طويلاً تبددت مخاوفي وقررت العودة في نهاية فبراير الماضي .. وكانت الصورة عكس ما كنت اتصورها أو اتوقعها .. أولاً وجدت أكتوبر كما تركتها بناسها الطيبين وزملاء جعلوني منذ اللحظة الأولى مدرساً لهم وقبلوا رأسي حتى كادت الدموع لا تتوقف من عيني.وجدت اساتذة لم أعرفهم من قبل ولكنني سمعت عنهم كلاماً جميلاً يشرح الصدر .. نائبا رئيس مجلس الإدارة الأستاذان عبدالرقيب الهدياني وشفيع العبد .. الأول جعلني أخجل من نفسي بأنني أكبر منه سناً وهو شاب يافع يملأ الاحترام كل جوانحه ..شعرت بأنني صغير امام رجل كبير في تقديره لي رغم انه يراني أول مرة .. والثاني العبد ادهشني في أول لقاء به بالقول (انه يعرفني ومن لا يعرف الأستاذ اقبال) كلماته وتواضعه وشبابه جسدت القناعة في داخلي بأنني ساعمل مع أياد أمينة .. وليس شباب طائش كما كنت اعتقد قبل معرفتي بهما .. وهذه حقيقة أقولها بشجاعة مني وليس مجاملة لهما .. فأنا وان كانت المجاملة عدوي اللدود هي سبب تأخري في مشوار حياتي الصحفية.. قرر العزيز الوفي محمد علي سعد أن اعمل مع صديق عمري وأخي الذي لم تلده أمي محمود غلام مدير التحرير.. الذي ومنذ نحو شهرين من العمل معه لم يشعرني بأنه مسؤول عني بل جعلني مستشاراً له في الاخبار والعناوين وحتى المواد الاي يتردد في نشرها بصفحات الجريدة .. وجدت في أكتوبر الصحيفة والمؤسسة الوفاء يسير على قدميه .. لم اسمع من أي زميل أو عامل أو صديق غير كلمة يا أستاذ اقبال .. الكل دون استثناء خاصة الزميلات اللاتي منهن من تتلمذ على يدي واصبحن اليوم كبيرات في المهنة.. لا أستطيع ذكر الكل لانهم كثر وأخاف ان يخونني قلمي وانسى واحداً منهم .. لذلك. ساكتفي بتقديم الشكر لهم جميعاً مؤكداً انني هنا في أكتوبر عرفت ان الوفاء قائم ولن يموت بإذن الله .. عرفت في أكتوبر ان العمل هو نصف الدواء الشافي من المرض الذي ابتلاني الله به ولا أقول أكثر من ذلك ولا اتهم احداً بأنه سبب في مرضي .. عرفت في أكتوبر ان الحروف لا تموت ولا تنسى طالما كنت عاشقاً ومحباً لها ..والعمل مع هذه الحروف وان كان مرهقاً للعقل قبل الجسد كما قال لي ذلك صديقي الوفي وهيب باوزير مدير ادارة الصف الضوئي الذي وجدته كما تركته لا يترك الحروف موحشة بل مؤانساً وصديقاً حميماً لها .. عرفت في أكتوبر أن الحب لا يموت وإن ماتت اجسادنا يظل الحب كرائحة الياسمين تفوح كالثمار التي لا تذبل اغصانها حتى ولو غاب عنها الماء طويلاً.الكثير والكثير شاهدته في أكتوبر بعد عودتي التي أسال الله تعالى ان تدوم هذه المرة ولا يفرقني عنها إلا الموت وإن كنت أشعر بانه قريب مني وهذا حق علينا جميعاً.