كتب/ علي الذرحانيسأتناول هذه القصيدة الغنائية من جهة القراءة النثرية التي تهدف إلى فهم معانيها وإعادة تقريب دلالاتها ومضامينها اللغوية للقارئ على الرغم من سهولة كلماتها وتراكيب صيغها وبساطة ألفاظها المعروفة والسلسة الفهم العميقة المعنى والدلالة ولن أتطرق إلى قضايا ومشاكل النقد الأدبي والفني للقصيدة كالوزن والإيقاع والموسيقى الداخلية للأبيات الشعرية أو الحشو والزحاف لأن هذا ليس من اختصاصي وسأكتفي بالقول بأن هذه الغنائية وكلماتها وألفاظها مزيج مركب ومستلهم من خبرات او بعفوية وتمثل امتداداً لنكهة وعبق وروح وظلال ومعاني فنانين معروفين رحلوا عن دنيانا ومازال فنهم في وجداننا وأضافوا الشيء الكثير والجديد للفن والإبداع العربي محلياً وإقليمياً وعربياً .وعصام هذا الفنان الطاقة الإبداعية التي وجدت في ظروف صعبة وعصر مضطرب مازال يبحث عن نفسه وذاته الإبداعية التي بدأها كرياضي ثم كمنشد في فرقة الإنشاد بوزارة الداخلية ثم مطرب يبحث عن تميز وفرادة وخصوصية في كلماته والحانه ونمط أسلوبه ثم كاتب للشعر وأصبح ملحناً وأخيراً ناقداً فنياً. كل هذا التنوع الإبداعي لدى عصام يكشف لنا عن موهبته المتنوعة التي جعلتنا في حيرة من أمرنا هل نصنفه مطرباً ام شاعراً ام ملحناً ام كاتباً او ناقداً فنياً وكأنه كالفنان الشامل الواثق من نفسه الى درجة إنك تظنه مغروراً وهو على العكس من ذلك شخص بسيط ومتواضع وشعبي وودود او وديع بطلته البهية ويفاجئك عندما يصرح لك بأنه بدأ من حيث انتهى الآخرون فهو عصري إذاً يمكن ان يكون عصام خليدي فلتة عصره وزمانه لو اتيحت له فرصة ومنحته الدولة الإمكانيات واهتمت به ورعته ووفرت له ولأمثاله من الفنانين المبدعين الإمكانات الضرورية التي يحلم بها كل فنان مبدع ومثابر مثله وتركته يبدع سنراه يعمل العجب العجاب ويأتي بما لم يأت به الأوائل وبالعودة الى قصيدته الغنائية (صمت الأحبة) التي نشرت مؤخراً في الصفحة الأخيرة من صحيفة 14 أكتوبر والتي كنت أتمنى أن يكون عنوانها (لقاء الأحبة) بدلاً من صمت الأحبة على الرغم من أن صمت الأحبة ابلغ من لقاء الأحبة لقد استهل الشاعر حديثه في تلك القصيدة الغنائية بذكر الغياب الصعب والمر الناتج عن الفراق الحراق الذي عاشه وكابده الحبيبان الذي أعقبه اللقاء وحياة الهدوء والصمت والاستقرار باستثناء لغة العيون التي تعكس لغة الداخل أو لغة الجوانح، ولغة الصمت هذه هي ابلغ من ملايين الخطب كما ورد في شعر الأستاذ والشاعر والدكتور/ عبدالعزيز المقالح ولكن البديل عن هذا الصمت هو لغة العيون التي هي أبلغ وأوضح وأصدق من لغة الكلام والقول المنطوق. فعيون الحبيب عندما تشتكي برموش جفونها عن عذابات صاحبها من فراق حبيبه عنه وتحكي قصة صامتة عن صبره المر حتى يرجع فيملأ عينيه بالنظر إلى وجه حبيبه ويشبع نظره منه أو منها هذه العيون التي تذرف الدموع وتفيض في لحظة الصمت الكبير أو الرهيب هذا الصمت ما هو إلا التضاد التكاملي أو المكمل للكلام لأن نهاية الصمت معناه بداية الكلام والعكس صحيح ولغة العيون هذه ودموعها جددت وأعادت وأحيت رعشة القلب واستعادت طاقة الحب الجارف والشوق لبعضهما البعض وأشعلت نار الغرام والوجد بين الحبيبين وأيقظت الهيام والصبابة والوله وكل درجات ومستويات العشق وأعادت الحيوية المتدفقة إلى أوردة وشرايين ونياط القلب بين الخليل وخليله فهذا هو أصل هذه العلاقة الحميمية بين المتيم وحبيبه، أما الغربة التي فرقت الحبيبين فقد كانت استثناء وكانت بدايتها إشاعة روجها الوشاة الحاقدون والحاسدون للتفريق بين الحبيبين لقد حاول هؤلاء الحساد تشويه وطمس أحلام المحبين والتهوين من شأن علاقة الحب المقدسة والوطيدة بينهم وجعلوها غريبة لكي تضيع في خانة زحمة النسيان ويتناساها الناس لكن الصدفة هي التي أحيت هذا الحب الكامن في الوجدان والتي حاولت الغربة أن تغيبه أو تلغيه فكانت هذه الصدفة أجمل فرح وسرور وبهجة وعيد سعيد ارتسمت ملامحه وظهرت معالمه في محيا المحبين ولاحت أنواره وظهر المخبأ والمكنون والمسكوت عنه كالعتاب مثلاً على إطالة الغربة والفراق والبعاد أو اللوم على البعد والهجر والنسيان الذي يحصل بين المحبين وبمجيء صدفة لحظة الفرح تناسى الجميع لومهم وعتابهم وانتقاداتهم لمحبيهم وتحول كل شيء إلى تسامح وفرح وسرور وكأن شيئاً لم يكن وتحول ذلك اللوم والعتاب إلى نشوة الخواطر بين الحبيبين تحكي وتروي قصة حبهما العميق والوثيق المؤكد للمشاعر والأحاسيس والمواجيد.وإنها أقوى وأعظم مما كانت عليه في بداية هذه العلاقة الروحية الأولى التي يسمونها علاقة الحب المقدس لقد اتفق الحبيبان على الحفاظ على هذه العلاقة بل وتوطيدها لتستمر إلى ما لا نهاية. باعثة رسالة لكل المحبين في أنحاء العالم بأن يحافظوا عليها إلى الأبد أسوة بالعلاقة الحميمية الجارفة التي بين هذين الحبيبين . ويبدو أن الفنان صاحب هذه القصيدة قد كتبها وهو يلحنها ولا يهمه البحث أو التركيز على تنميق القافية الشعرية بقدر اهتمامه وتركيزه على تنغيم الأبيات وغنائياتها وموسيقاها الداخلية والتصاعد الدرامي للحالات النفسية الجياشة بين الحبيب وحبيبته وبين تحقيق الانفعال الصادق للحظة المعاناة وقليل هم الفنانون الذين يجمعون بين الإطراب والتلحين وكتابة الشعر والنقد.على سبيل المثال لا الحصر الفنان القدير محمد سعد عبدالله ومن الجيل الذي جاء بعده عصام خليدي ولكن أهم من هذا كله أن يعبر فن هذا الفنان أو ذاك عن وجدان وهموم ومشاعر وآمال وتطلعات المجتمع والأمة والشعب وان يترسخ فن هذا الفنان أو ذاك في وجدان الناس جميعاً لدرجة أن يصبح الفنان وكأنه الناطق الرسمي الطلائعي لأي امة أو أي مجتمع ويصبح تراث هذا الفنان أو ذاك هو تراث الأمة بل هو جزء من التراث العالمي والإنساني.
|
ثقافة
إعادة قراءة غنائية (صمت الأحبة) لعصام خليدي
أخبار متعلقة