وسط صراع محتدم بين جماعة الإخوان والحكومة الانتقالية، صوت المصريون على دستور جديد للبلاد. وتجاوزت نسبة المصوتين بـ«نعم”، ضمن من مارسوا حقهم الانتخابي أكثر من 95 %، وفقا للتقديرات الرسمية. ويتوقع أن يكون الاستفتاء بداية انطلاق نحو مرحلة جديدة، في الحياة السياسية المصرية.تشير التوقعات إلى أن الفريق السيسي، سيعلن عن الترشح لرئاسة الجمهورية. والمتوقع أن يصدر المستشار عدلي منصور، مراسيم تحدد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وسوف نكون أمام مشهد انتخابي مختلف جدا عن المشهد السابق، الذي أدى إلى انتخاب رئيس الجمهورية المخلوع، محمد مرسي.في الانتخابات السابقة، تقدم للترشيح لرئاسة الجمهورية أكثر من عشرة أشخاص . وفاجأت نتائج الانتخابات كل التوقعات . فشخصيات مثل عمرو موسى والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح جاؤوا في الترتيب الرابع والخامس، بينما توقع البعض أن يفوز أحدهم بالموقع الأول . بينما نال أحمد شفيق المرتبة الثانية، مع أنه محسوب على نظام الرئيس مبارك، الذي افترض أن الشعب ثار عليه.كما فاجأ حمدين صباحي الجميع بنيله المرتبة الثالثة، مع أن أكثر الاحتمالات تفاؤلا وضعته خلف عمرو وأبو الفتوح. والنتيجة أن الموقع الرئاسي صار من حصة الإخوان المسلمين، الذين استولوا على البرلمان ومجلس الشورى، إضافة إلى الموقع الرئاسي. وبالطبع مكنهم حصدهم لغالبية الأصوات البرلمانية، من تشكيل الحكومة على كل مفاصل الحكم.خلافاً لنتائج الانتخابات السابقة، تشير كل التوقعات هذه المرة، إلى أن الانتخابات سوف تجري بمرشح واحد فقط، هو الفريق السيسي. فليس هناك عاقل، سوف يجرؤ أمام التأييد الشعبي الجارف للسيسي، على الترشح للموقع الرئاسي، وجعل نفسه مثار سخرية من الجميع. وإذا ما حدث أن ترشح أحد، فلن يكون ذلك سوى استكمال لصورة المشهد الانتخابي الاحتفائية التي تستوجب التعددية، وما يفرضه الدستور بأن لا تجري الانتخابات الرئاسية بمرشح واحد فقط.في كل الأحوال، ستكون نتائج الانتخابات الرئاسية، كاسحة لمصلحة السيسي اذا ترشح، وبخلاف الانتخابات الماضية، التي تعدت النتيجة فيها لمرسي الـ 50 في المئة بقليل، يرى كثير من المراقبين أن تتخطى النتائج هذه المرة الـ 90 في المئة. والنتيجة أن المؤسسة العسكرية، التي تسلمت الحكم منذ عام 1952 بعد إزاحة الملك فاروق، سوف تواصل دورها الوطني، من خلال الفريق السيسي على رأس السلطة.ولن يكون ذا معنى التعلل بأن الفريق السيسي سيخلع بزته العسكرية، ويعتزل العمل بالقوات المسلحة. فمثل هذا السلوك مورس في العقود الستة المنصرمة، أثناء حكم عبدالناصر والسادات ومبارك، ولكن السلطة الحقيقية، كانت للمجلس الأعلى للقوات العسكرية المصرية، التي يكون الرئيس في العادة على قمتها.في الانتخابات النيابية، ليست هناك من قوة، بعد عزل الإخوان، واعتبارهم تنظيما إرهابياً، وتجريم الانتماء لهم، بإمكانها حصد غالية الأصوات البرلمانية. ذلك يعني توزع الأصوات بين قوى، ليس من المستبعد أن تكون متنافرة في توجهاتها ورؤيتها لما ينبغي أن يكون عليه مستقبل مصر . وفي هذه الحالة، وبغض النظر عن الاختلافات، التي تبدو جوهرية، بين الفائزين، فإنهم سيكونون مجبرين على تأسيس حكومة وحدة وطنية، تكون نتيجة لتآلفات بين القوى السياسية، التي حصدت، غالبية الأصوات في الانتخابات .والنتيجة الطبيعية، لعدم وجود قوة برلمانية متجانسة ومؤثرة، أن المنصب الأهم، الذي سيتفرد بقيادة مصر، سيبقى منصب الرئيس، ومن خلفه المؤسسة العسكرية، التي ستمنحه تأييدها المطلق.التحول السياسي القادم، نحو استكمال تطبيق خارطة الطريق، الذي شهدنا مرحلته الأولى، لن يكون سهلاً. ولن يكون انتقالا من حالة الفوضى إلى الأمان التام . فدون ذلك صعاب كثيرة، فجماعة “الإخوان المسلمين”، متغلغلة فيما يطلق عليه بالدولة العميقة.هم في المساجد وفي الجمعيات الخيرية، وقد تعودوا على العمل السري، وتمرسوا على آلياته. وهم الآن كما كانوا في السابق يتلقون دعما من جهات عربية وإقليمية، لدعم أنشطتهم ضد أوطانهم . وأكدت تجربة السبعة أشهر المنصرمة، قدرتهم على إحداث الفوضى، وأنهم لا يتورعون عن فعل أي شيء، بما في ذلك التنسيق مع الحركات الإرهابية، متى خدم ذلك أهدافهم، في استمرار الفوضى وعدم الاستقرار في أرض الكنانة.والوضع في سيناء، ليس مريحاً. والواضح أن الحرب على الإرهاب في مصر ستكون طويلة، وأن جماعة الإخوان المسلمين، ستبقى مصدراً للقلق وانعدام الأمن لسنوات قادمة.سنكون بين أمرين أحلاهما مر: إما مواصلة الحكومة المصرية التصدي بقوة وعنف لأنشطة الإخوان المسلمين، وتحمل تبعات ما يقومون به من تعطيل الماكنة المصرية، وتخريب اقتصاد مصر ونشاطها السياحي، إلى أمد غير منظور. وهو أمر أخلاقي ومبرر، ويأتي في خانة عدم التسليم للإرهاب والقبول بشروطه . أو محاولة احتواء الجماعة.وشرط نجاح الدولة في تحقيق الأمن والاستقرار، هو التسريع في مقابلة الاستحقاقات الأساسية للناس، من فرص عمل وعلاج وسكن وكهرباء، وما إلى ذلك من حقوق، بالتزامن مع سيطرة الدولة على جميع المؤسسات التي تهيمن عليها جماعة الإخوان، بما في ذلك المؤسسات الخيرية، وإخضاعها لإشراف الدولة، وحرمان الإخوان من مزاولة أي نشاط دعوي. ويقتضي ذلك أيضا تجفيف منابع الدعم المالي، التي تأتي من الخارج بمختلف الأشكال، من مختلف أنحاء العالم .* عن “الخليج” الإماراتية
مصر ما بعد الاستفتاء
أخبار متعلقة