عبق يفوح من ثنايا تاريخ مجيد
[img]mkbrtlmees.jpg[/img] استطلاع /طارق الخميسي حجارة بلقية بيضاء ناصعة بهية كوجه القمر تماشق قوامها على يدي سواعد يمنية أبدعت مطارقها لتشكل أسطورة العمارة وترسم لوحة طبيعية داخلها قصور حميرية قل مثيلها، وبأداة بسيطة جعل منها الإنسان اليمني آية في الفن المعماري والجمال، أزلية البقاء لم تعف الدهور العتيقة رسمها رغم تقلبات الزمن وعوامل التعرية ورغم انف الحروب التي دارت رحاها في إمارة ناعط حاضرة المملكة السبئية في خارف بمحافظة عمران وارى بدا من وصف حضارة قامت في الألف الأول قبل الميلاد وأشاعت بسناها لتضيء حضارتها دولاً شتى، طاجكستان وسمرقند والصين، والعالم القديم ننحني لها إجلالا، في السطور التالية :[img]alkussr.jpg[/img] لابد من ذلكعلى بعد ستة وسبعين كيلو مترا باتجاه الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء بكى أعشى همدان خارفاً بقصيدة نائحة جاء فيها وان ليس كالتابوت فينا أن سعت شبام حواليــــه ونهم وخارف وخارف بفتح الخاء وكسر الراء وآخرها فاء متحركة مديرية عتيقة تعتبر اليوم إحدى مديريات محافظات عمران واسمها كلمة حميرية تعني ( حافظ ) يرجع تأسيسها إلى الألف الأول قبل الميلاد وهي مخلاف ( ويلة ) من مخالف اليمن الأول يحتضن قرى وحصوناً وبقايا قصور بائدة مثل ناعط وكانظ وغيرها كثير وهي ذات بعد موغلة في قدم التاريخ وتراث البلاد وبحسب ما قال عنها الدكتور جواد علي في المفصل في تاريخ العرب وجرجي زيدان والمستشرقون أنها أول قصور أنشأها الحميريون العرب الأوائل حيث استطاعت أن تكون الطبقة الأولى من ملوك حمير وما اظهر من خلال مساندها المتناثرة في ناعط أنها كانت دولة شمخت بسلطانها وسعة نفوذها في التاريخ القديم لها موقعها الخاص المتميز لاسيما حين تشمخ بارتفاع عن سطح البحر تجاوز ألفي متر حيث السلاسل الجبلية ذات الخصائص البركانية والرسوبية التي رسمت لوحة أسطورية ألوانها خطفت من ألوان قوس قزح الأساسية أنها جبال وعرة المسلك تحمل مكوناتها تربة داكنة السواد وناصعة البياض بتناقض شديد ومنها تنطلق الأرض الزراعية بلونها الأخضر أما على شكل قيعان منبسطة وإما على شكل مدرجات تشير إلى راحة أكف السواعد الأجداد والقدماء ومن جاء بعدهم من الآباء والأبناء الذين ما زالوا يعتمدون على ري مزارعهم بالطرق التقليدية أثناء مواسم الأمطار الصيفية التي تتجاوز نسبتها ( 70 % ) لموسمين رئيسيين في السنة الواحدة الموسم الأول في بداية شهر مارس والثاني في بداية شهر تموز / أيلول تحت درجة حرارة تتراوح (18 - 30 ) درجة صيفا عدد مساكن مديرية خارف اليوم حسب النتائج الأولية للتعداد العام لسكان عام 2004 م ( 4877 ) أربعة ألاآف وثمانمائة وسبعة وسبعون مسكنا فيها من الأسر ( 4999 ) أربعة آلالف وتسعمائة وتسعة وتسعين أسرة مكونة من ( 46074 ) ستة وأربعين ألفاً وأربعة وسبعين نسمة الذكور ( 23091 ) نسمة والإناث ( 22983 ) نسمة .بعيد بضع أمتار باتجاه الجنوب من السوق الجديد مركز المديرية تنافرت بعض البيوت فيما بينها لتكون قرية تسمى ( الكرسعة ) حيث اتخذ الحاخام يعيش يحيى إبراهيم المرجع الديني الوحيد لليهود باليمن والشرق الأوسط أحد البيوت المنفردة عن جيرانه اليهود ومنها قرية ساك التي شق طريقها إلى عرقة القديمي ومنها إذا أردت أن تغور في أعماق التاريخ لابد لك ان تشارك مملكة ناعط الحميرية مأساتها وكيف أزرى بها الدهر إلى حضيض أكوام الحجارة لتخفي بين طياتها ولم يستطع التاريخ نكرها.ناعط بالنون أوله وعين مهملة مكسورة ثم طاء سميت كذلك نسبة إلى ثور ( انظر الإكليل ج10 - 51) وهو ناعط بن سفيان علهان نهفان بن أسفع يمتنع بن ذي بتع بن موهب بن حاشد ويلقب بالصامخ لأنه صمخ الأسماع بعلو ذكره وبعد صيته وجلالة قدره وأمه الجهيرة بنت حمرة ذي مران الأكبر وزوجته لميس بنت نوف بن يريم ذي مرع لافريقس، وقد عثر على نص نقش مسند (رقم C.I.H1450) ذكر فيه نشوب حرب في ناعط بين قبائل حاشد وحمير وقد أمر بتدوين ذلك الملك شعر اوتر بن علهان نهفانسنة 80 - 50 قبل الميلاد وقد استوطن الناعطيون الكوفة (وهم اليوم قبيلة كبيرة) حارب منهم مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي، احد قواد عبد الملك بن مروان ، الإمام علي رضي الله عنه على راس كتيبة قال الطبري في تاريخه قوامها خمسمائة مقاتل.ومن أعظم الناعطين في الجاهلية وأشرفهم حمرة ذو المشعار القيل بن ربيب بن شراحيل ومن بيوت ناعط آل ذي العثرب بن مرثد بن عامر بن مرثد وأل ذي خلاط بن الحارث بن مرثد وآل ذي بقلان وآل ذي حلابة وال ذي بحر ومنهم الهيصم بن عبد الصمد الذي حارب حماد البربري خادم هارون الرشيد والناعطيون هم أول من حذف حرف الألف إذا وقع وسط الحروف وقفاهم المسلمون في كتابة القران الكريم مثل ألف السموت والرحمن وغيرها .آخر معاقل أليهودفي صباح يوم السبت البارد المصادف 25 صفر الثاني من عام 1435 حطت بنا الراكبة شرق مملكة ناعطم صنعة بيضاء دائرية الشكل فصلت عن رأس جبل اسمه ثنين ليكون غربا لها وشرقها جبل رعيل ودرب يصضر وجبل عز القيل شمالا وجبل ظفار . وقد استقبلنا أهلها الطيبون بكل ترحاب وحفاوة وأشاروا إلى آخر معقل ليهود ناعط قبل هجرتهم إلى إسرائيل. عرافة الخرافةومنه باتجاه الشمال الغربي وفي أطراف القرية وصف أهالي القرية حجرة عملاقة مستطيلة اتكأت على حجرة صغيرة من الأسفل وليس على ارض مستوية بل في عرض التلة وكأنها شجرة حجرية باسقة ومن الأساطير وأقاويل الأولين السابقين يقولون إن هذه الصخرة يسموها الحريوة ( العروسة)وهي راكبة فوق حمار في طريقها إلى زوجها وأثناء الزفة تحولت إلى حجرة كبيرة أو صخرة بهذه الهيئة وبحسب وصف الأهالي. وفي الاتجاه ذاته ترتفع عصا اسعد الكامل كما يحلو للأهالي أن يسميا وهي حجارة مستطيلة تصل سماكتها إلى ثمانين سنتمترا وعرض ثلاثين سنتيمتراً وارتفاعها من عشرة أمتار إلى اثني عشر مترا والعجيب فيها أن هاتين الحجرتين المستطيلتين وقفتا عبر هذه الدهور دون أن تستندا إلى مادة مثبته وإنما ثبتت بطريقة عجيبة طبيعية.وصف ناعط أبو محمد الحسن بن احمد بن يعقوب الهمداني المتوفى 322 هـ شاهد ذلك العصر في القرن الثاني عشر أو يزيد قائلاً : نظرت بقايا مآثر اليمن وقصورها فلم أر مثل ناعط في رأس جبل ثنين (هو احد جبال البون بعمران وهو جبل من سرة همدان) فمن قصور ناعط قصر المملكة الكبير الذي يسمى (قصر يعرق ) ومنها قصر ذي لعوة المكعب (ذي كعاب خارجة في معازب حجارته على هيئة الدرق الصغار (لازالت الكعاب مستعملة في البنايات والدور التي من الحجار و المعزب وهي قطع حجارة كبيرة تبني الطابق الأول) وقال الهمداني انه ذرع احد معازبها فوجدها سبعة اذرع وفي ناعط غير هذين القصرين ما يزيد عن عشرين قصرا كبيرة خصصت أماكن للحاشية وكان عليها وسور(حجارته بلقية بيضاء وحبش) ملاحك بالصخر المنحوت ويقصد بالمتلاح كالمتداخل بعضه ببعض ونقول عليها باللهجة العامية (أنثى وذكر) وكأنه يبدو حجارة واحدة وتحت كل قصر منها خزان أو صهريج ماء حفر في بطن صخور صماء ملساء مساقيها من الأمطار والسيول.وفيها حجار رخامية أسطوانية الشكل طول واحدتها يصل خمسة وعشرين ذراعا بقطر تسعين سنتيمترا وتستخدم هذه الاسطوانات في حالات الاستنجاد والعون من الغارات التي كانت تهدد المدينة بين الحين والآخر إذ كانت تعلو رؤوسها النار في حالات الخطر والمداهمة ليراها من جبل سفيان ( شمال ناعط ويشفي يشرف وعيان وهما بلدتان في سفيان ) وللأسف أن الأهالي لايعلمون أن هذه الحجارة هي بقايا سور عظيم بناؤه آية في الروعة وبداخله خزان ماء مرفوع بعدد كبير من الأعمدة لو امتلأ اليوم لسد عطش المواطنين واكتفوا لسقي زراعتهم. في عز القيل وعلى عمق ثلاثة أمتار تجد حجارة بيضاء منحوتة ومنقوشة بالخط المسند والى جوارها قبور كثيرة أنها مقبرة لميس نسبة إلى لميس قال عنها علقمة بن ذي جدن :ولميس كانت في ذوأة ناعط يجبي إليها الخرج ساكن بربروالصامخ الملك المملوك بعلها ذو التاج حين يلوثه والمحضر ومن العجب فيها عندما يمن الله عليهم بالمطر يفوح من هذا المكان روائح المسك والعنبر عفرت به المقبرة وأغلب الظن أن هذه القبور كانت مزاراً تسقى بأنواع العطور والبخور المتعارف عليها آنذاك أما الاعتقاد الديني أو الاعتزاز بما خلفه هؤلاء من نعم وعظمة أو هي عود وعنبر ومواد عطرة أخرى تدفن مع موتاهم غرب المملكة أن صح التعبير تقف أمام خاصية الفن والهندسة القديمة التي تعبر عن دقة المتناهية لتفكير الإنسان اليمني القديم وعبقريته في نحت الصخور المصهورة وإقامة السدود العملاقة ومنها هذا السد المستطيل الشكل الذي له مصفاة بقطر أربعة أمتار لترسيب الشوائب بشكل دائري ورغم الكتابة المسندية التي تعلوه إلا أن الهمداني لسان اليمن لم يذكره في مؤلفاته وهو سد كبير عظيم نحت بحسابات دقيقة تصل إلى 60 م طولا وعرض تجاوز اثني عشر مترا وبارتفاع أكثر من خمسة عشر مترا داخل بطن حجرة عملاقة وهو لايزل يشكل المصدر الأساسي لشرب مياه أهل ناعط التي تجاوز عدد سكانها أربعة آلاف نسمة .لهذه الإمارة تحصين الهي سماه الأهالي على هذه المنطقة لأنها لم تر يوما أوعرف أهلها أن احداً لدغته أفعى وقيل إن عضته في هذا المكان فلا يتسمم جسمه والأعجب من ذلك أن جاء احدهم بأفاعٍ ووضعها ليعشن بينهم وعضته أحداها فلا يتأثر بعضتها ولم يصب بمكروه إضافة إلى ان تراب هذا القرية قاتل لدودة الخشب ودودة القماش ( العث ) .العلوم الأثرية والاكتشافات تكلمت عن المومياء البشرية ولكنها لم تتكلم عن مومياء حجرية كما سماعها الأهالي وعند ولوجك بين أزقة ناعط ترى عن كثب احد أركان البيوت العتيقة حجرة خضراء زرقاء سوداء تتدلى من حبل من دم ويقول الأهالي عن هذا الحبل أن هذه الحجرة عندما تهطل عليها الأمطار يسيل منها دم ( مادة حمراء يشبه لونها الدم ) لمدة ثمانية أيام في كل سنة واغلب أهل القرية يلزمون الصمت تجاهها خوفا من الجن ( ومن الجن ما قتل) وهذه المومياء انتقلت من السور الذي يحيط بالقصور القديمة التي لم يبق منها سوى أطلالها إلى احد البيوت المسكونة حالياً. المراجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام د. جواد علي الاكليل للسان اليمن محمد الحسن بن احمد يعقوب الهمداني تحقيق محمد بن علي بن الحسين الاكوع الجزء الثامن والعاشر.تاريخ الطبري لابن جرير الطبري