مدينة عدن حباها الله بموقع جغرافي متميز منذ الأزل جعلها مدينة السلام والمحبة والتسامح والتعايش على الرغم من اختلاف الديانات والمذاهب والمناطق والثقافات والتي لم تكن يوما تعرف الأحقاد والكراهية فكل من عاش وعرف عدن خلال العقود الماضية ورأى النسيج الاجتماعي الإنساني والتاريخي المتعايش يدرك أن ثقافة الكراهية لا تنتمي مطلقا لمدينة مثل عدن .. مدينة السلام والمحبة والحضن الدافئ الذي ضم المسلم والمسيحي والبوذي والهندوسي والمجوسي الزرادشتي والشافعي والحنفي والجعفري و الإسماعيلي والحنبلي والصوفي والبروتستانتي والكاثوليكي كما اتسعت للأبيض والأحمر والأسود من كل أصقاع الدنيا لتعلم العالم اجمع معنى التعايش الإنساني دون تمييز باعتبارها مدينة نابضة بالحب لايمكن أن تموت .ولأهمية مدينة عدن فقد جاء إليها الكثير من سكان دول شرق أسيا كالهند والبنجاب ومن القرن الأفريقي من كينيا والصومال وعدد من دول العالم ليشكلوا نسيجا متناسقا بجانب سكانها الأصليين .[c1]وجود الكنائس في عدن .. دليل التسامح الديني [/c]كان وجود الكنائس في مدينة عدن دليلاً على وجود التسامح الديني الذي اشتهرت به عدن، وهناك مجموعة كنائس موجودة في كريتر، والتواهي، وخور مكسر وعدد المناطق المختلفة بالمدينة , حيث كانت عدن من أهم المراكز الدينية لدى أتباع الديانات والفرق والمذاهب ففي هذه المدينة الجميلة عاش أتباع الديانة المسيحية حيث كانت شوارع مديرية التواهي تحتضن أهم كنسية لهم وهي كنسية (رأس مربط) التي مازلت إلى يومنا الحاضر تمارس نشاطها الديني والإنساني في خدمة أهالي وقاطني عدن والزائرين إليها ومقبرتهم في مديرية المعلا ونستعرض هنا أهم الكنائس والمعابد في عدن: كنيسة سانت أنتوني (Anthony.s Church) وهي كنيسة أنشئت من خلال تبرعات العامة، ومساهمة الحكومة والتي تتسع لـ350 شخصاً في مدينة التواهي بواسطة المطران هاردينج (Bishop Harding) في 10 يناير 1864م، بمساحة 96 فوتاً طولاً، 52 فوتاً عرضاً وكانت قديما تسمى كنيسة الصخرة، كونها كانت تقع في كهف تحت مقر المكتب الرئيسي للجيش البريطاني وبعد إعادة بناء الكنيسة مرة أخرى في الستينات أبقيت الكنيسة على صخرة الكهف حتى تكون بمثابة تذكار يرمز إلى تاريخ هذه الكنيسة.. وحاليا تقدم الكنيسة خدمات طبية لمعالجة مرضى العيون وتمارس أيضا شعائرها أسبوعيا .كنيسة سانت ماري جاريسن:(Mary’s Garrison Church) :وتقع على تلة جبل في كريتر كانت تطل على ثكنة المشاة الأوروبية, بُنيت هذه الكنيسة محل كنيسة صغيرة كانت متواجدة في الموقع نفسه، تم العمل في بناء هذه الكنيسة في العام 1867م, وتم الانتهاء من بنائها في العام 1871م، وهي من الطراز الفيكتوري وتسع لـ350 شخصاً حيث تم تعيين المطران دوجلاس (Bishop Douglas) من قبل الحكومة آنذاك وكان القداس يقدم كل يوم أحد وأحيانا خلال أيام الأسبوع و أستخدم المبنى قبل وبعد الاستقلال لأغراض عديدة منها مقر للمجلس التشريعي .[c1]كنيسة سانت جوزيف (St.Joseph’sChurch ) :[/c]بُنيت هذه الكنيسة في العام 1850م، وتقع في حي كريتر على طريق الملكة أروى وكانت ثانوية القديس سانت جوزيف ملاصقة للكنيسة وكانت تسمى قديماً مدرسة البعثة الكاثوليكية الرومانية الخاصة بالفتيات وكانت تحت إشراف كبيرة الراهبات من البعثة الكاثوليكية الرومانية وقد قدمت الكثير من الراهبات البريطانيات إلى عدن في العام 1868م لتدريس الفتيات في هذه المدرسة.إلى جانب هذه الكنائس المهمة كانت هناك كنائس فرعية أخرى مثل كنيسة سانت أندروز (St. Andrew’s) وكان موقعها في قاعدة الطيران الملكي البريطاني في خور مكسر وكنيسة سانت ميشيل، وكنيسة سانت جورج، وكنيسة سانت مارتن وغيرها من الكنائس الفرعية.[c1]تاريخ انتشار الكنائس بعدن [/c]بعد دخول الانجليز إلى عدن عام 1839م بدأ انتشار الكنائس والمدارس التابعة لها حتى بلغ عددها 22 كنيسة للطائفتين الكاثوليك و البروتسناتت منها خمس تابعة للفاتيكان فمن تلك الكنائس (( كنيسة القديس يوسف )) التي بنيت في أكتوبر عام 1845م وكنيسة أخرى بنيت عام 1891م أي قبل 114عاما وهي الكنيسة الرئيسة التي كانت تتبعها كنائس الجزيرة العربية الأربع واحدة في عمان و أخرى في الكويت وثالثة في البحرين ورابعة في الإمارات حيث عاش فيها 7 من ألبي شوب(pi-shop) كان كل منهم يمثل بابا الفاتيكان في منطقة الشرق الأوسط وتتبعه جميع الكنائس التي يزورها بين الحين و الآخر ويعين لها القسس أما الآن فهي تتبع كنيسة الكويت التي يقيم فيها الـ (arch pi-shop) سفير البابا في المنطقة . وهناك كنيسة بناها البريطانيون الكاثوليك في البريقة و أرسل إليها الـ pi-shop خاصاً بها سكن في البيت المعد له ضمن مرافقها ((الكنيسة بنيت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكان برج الجرس الخاص بها مطلياً بالنحاس )) وهذه الكنيسة انتهت بعد خروج البريطانيين من عدن عام 1967م ولم تعد موجودة .كما أن هناك كنيسة في منطقة حافون بالمعلا بنيت عام 1963م لكنها لم تلبث غير عشر سنوات ففي عام 1973م قامت الحكومة اليمنية حينها بالاستيلاء على الكنيسة ومنزل القديس (البادري) وحولتهما إلى دار الفنون الجميلة . [c1]يهود عدن .. وجودهم ودور عبادتهم [/c] كانت هناك قبائل يهودية في عدن يشكلون في المقام الأول أصحاب حرف وتجارة حيث كانت عدن مكاناً لتجمعتهم وذلك أثناء وبعد الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839م وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية ازدهر يهود عدن بعكس أولئك الذين سكنوا شمال اليمن وقد شجع وعد بلفور على زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ونتيجة لذلك سعت الكثير من الجاليات اليهودية من جميع أنحاء الشرق الأوسط للهجرة إلى هناك وكان للقضية الفلسطينية أثر خطير على مكانة بريطانيا في عدن ..تدفقت الجموع اليهودية التي كانت تنتشر في مناطق عدة من اليمن في ثلاثينات القرن الماضي على عدن التي احتلتها بريطانيا في العام 1839، حتى العام 1967. وما بين تلك الفترة مر وعد بلفور المشئوم بمباركة بريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهنا كانت البداية الحقيقية لعناق اليهود للمحتل البريطاني في جنوب اليمن. وكانت شوارع مديرية كريتر تحتضن المعبد اليهودي الذي أنتهي في وقتنا الحاضر وصار مركزاً تجارياً ومساكنهم ذات النجمة السداسية الحاضرة على جدران ونوافذ منازلهم ومقبرتهم التي مازالت إلى يومنا الحاضر في مديرية المعلا . كان هناك أكثر من عشرة معابد يهودية في عدن وأكبرها كان Magen Avraham أي نجمة أفراهام ومعروف أيضا (he Great Synagogue) أي المعبد الكبير الذي يقع في حي “سالم علي” في منطقة كريتر حيث كان من أروع المعابد في العالم وأفخمها يستوعب ألفاً من الناس وأما مكتبته الدينية التي لها زاوية في المعبد وتسمى (تابوت العهد الذي يحوي شريعة موسى) فتحتوي على 270 من أسفار التوراة وقد بني هذا المعبد وفق تصميم لمعبد آخر كنموذج أصغر منه في الهند حيث تم بناؤه على موقع سابق لمعبد يهودي يعود تأريخه للعام 1856م وكان يعتبر واحدا من أروع المعابد في العالم وكان للمعبد ملحقات أهمها Beth Hamedrash إي بيت الدراسة .كان الدين هو المبدأ الرئيسي لوجود الجماعة اليهودية في عدن، وقد شكل هذا المبدأ الرابط صورة اليوم والعام ودورة الحياة وقد عاش الجميع في طقوسهم وشعائرهم الدينية بالكامل حيث كان (بيت دين) يشكل أقوى هيئة في المجتمع اليهودي وفيه (الشاخط) أي الذباح الديني اليهودي يذبح البهائم لتأمين أكلها حسب الطريقة والشريعة اليهودية في مدينة عدن .[c1]ديانات مختلفة في عدن .. دليل التعايش [/c]كما عاش في مدينة التعايش والسلام “ عدن “ أتباع الديانة الهندوسية الذين مازال معبدهم موجوداً إلى وقتنا الحاضر في مديرية كريتر حيث كانت للديانة الهندوسية معابد متواجدة في عدن قديماً كمعبد شري جين ومعبد شري ناتا جي ناندهير ومعبد شري شنكر هنومان في كريتر , وكان لأتباع الديانة المجوسية (الفرس) معبد فارسي يقع في مديرية صيره وتحول في وقتنا الحالي إلى مسجد سلمان الفارسي ومقبرتهم الشهرية التي تقع على مقربة من جبل الصهاريج , كما عاش أتباع الديانة البهائية الذين كانت لهم بناية في الشارع الرئيسي بمديرية المعلا التي مازالت تحتفظ باسمها إلى الآن ببناية (دار السلام) . وهناك معابد قديمة كانت إضافة عميقة للتسامح الديني والإنساني لعدن وسكانها ومن أهم معابد الهندوس والفرس التي كانت موجودة في عدن وضواحيها معبد النار الفارسي The Parsee Fire Temple الذي تم بناؤه في العام 1883م في مدينة عدن في حي كريتر, بواسطة رجل الأعمال الفارسي قهوجي دنشهاو إيدن وإلا Cowasjee Dinshaw Adenwalla كما تم بناء (البرج الصامت) فوق هضبة بالقرب من جبل شمسان وتبعد حوالي 200 متر جنوباً من خزانات الطويلة ويطل على معبد النار في حي كريتر وكان يستخدم للتخلص من موتاهم بحسب الطقوس الزردستشية ولكن بعد ظهور الشيوعية في العام 1967م صارت هذه من ممتلكات الدولة . بالإضافة إلى معبد شري تيريشميرجي الهندوسي Shree Tricamiraiji-Havel الذي تم بناؤه في العام 1862م ويقع في شارع حسن علي في كريتر ولم تُعد تمارس فيه أية شعائر هندوسية نظراً مغادرة العديد من الهندوس للمدينة, ودخول العديد منهم في الإسلام ومعبد شري رام جي Shree Ramji Temple الذي تم بناؤه في عام 1875م وكان موقعه بجانب كلية أكاديمية البوليس في التواهي ومعبد هانومان Hanoman Temple الذي شُيد في العام 1882م, وكان موقعه في الشيخ عثمان . [c1]الخــاتمة [/c]تجلت قدرة الخالق سبحانه وتعالى على هذه الأرض الطيبة البسيطة الحالمة من خلال تعايش كل البشر والديانات والأعراق فيها , هذه القدرة الإلهية جعلت هذا التعايش سهلا بسيطا بساطة الناس من أبناء هذه الأرض الطيبة العريقة التي ذكرت في كل الكتب المنزلة والأحاديث كما قال عنها الرحالة الفرنسي ( ذي لأروك ) قبل ثلاثمائة عام عند زيارته لها عام 1709م في كتابه أنها أفضل مكان في شبة الجزيرة العربية بأسرها لان المدينة التي تحمل هذا الاسم هي الأشهر والاهم في تلك البلاد وأمام هذا الرقي الحضاري الذي جعل من عدن قبلة ومحطة يتقاطر إليها الناس من كل فج عميق فرادى أو جماعات للتجارة أو التوطن والإقامة كانت بحق موطنا للكثير من الناس بمختلف ثقافاتهم ودياناتهم وجنسياتهم فامتزجت ثقافاتهم بثقافتها فشكلت نسيج اجتماعي وثقافي وحضاري لامثيل له أساسه التسامح الديني والمساواة .المراجع :قسم المعلوماتكتاب بلال غلام
|
آراء
مدينة عدن .. أنموذج و مثال عربي وعالمي للتعايش الديني
أخبار متعلقة