الدكتور باباتوندي أوشيتيمن بالنسبة إلى مئات الآلاف من النساء والمراهقات، يمكن أن يشكل التمتع الكامل بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ما يشكله الفرق بين الحياة والموت: وهو الفرق بين الموت أثناء الحمل أو الولادة لأسباب يمكن تجنبها، وبين الولادة المأمونة؛ وهو الفرق بين أن تحمل مراهقة حملاً غير مرغوب فيه، وبين إمكانية أن تواصل تعليمها وتتمتع باستقلالها الذاتي؛ وهو الفرق الذي تحدثه قدرة أي فرد، بصرف النظر عن وضعه الاجتماعي، أو هويته الشخصية أو مركزه الخاص، على التمتع بحياة جنسية مأمونة ومرضية بلا خوف من العنف الجنسي أو الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي أو التحيز الذي تقف وراءه دوافع اجتماعية. إن هذا العام يمثل الذكرى السنوية العشرين لمؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993، الذي أطلق شرارة مسعى جديد لتعزيز وحماية حقوق الإنسان للجميع في ظل رؤية تقوم على أن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها يسيران جنباً إلى جنب مع التنمية. وفي فيينا، أكد زعماء العالم أن حقوق المرأة هي في صلب حقوق الإنسان، ووضعوا التمييز ضد المرأة وأعمال العنف المرتكبة ضدها في صدارة الخطاب بشأن حقوق الإنسان. وفي العام التالي، 1994، شدد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، المنعقد في القاهرة، على الرسالة التي بعث بها مؤتمر فيينا، وأكد أن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ينبغي أن تكون في صلب السياسات المتعلقة بالسكان والتنمية. وهذا النهج الذي يقوم على حقوق الإنسان هو النهج الذي يسترشد به صندوق الأمم المتحدة للسكان في أعماله حتى اليوم. وعلى مدى العقدين الماضيين، كان لأوجه التحسن التي تحققت في مجال فرص الحصول على المعلومات والتثقيف والخدمات في مجال الصحة الجنسية والإنجابية أثرها في إحداث تغييرات مطردة في حياة أعداد لا تحصى من النساء والفتيات والرجال والفتيان. ومن نيبال إلى جنوب أفريقيا وكولومبيا، وفي أنحاء أخرى كثيرة من العالم، شهدنا كيف أن إزالة الحواجز القانونية وتحدي القواعد التمييزية والاجتماعية قد مكَّنا ملايين الناس، معظمهم من المراهقات والشابات، من الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية التي حرموا منها منذ عهد ليس ببعيد. وحشدت منظمات المجتمع المدني قواها للمطالبة بالتغيير ووضع الحكومات أمام مسؤولياتها إذا لم تفِ الخدمات العامة بالمعايير الدنيا للنوعية، أو إذا لم تلق أصواتها آذاناً صاغية. بيد أنه رغم ما تحقق من تقدم لا سبيل إلى التشكيك فيه، تذكِّرنا الأحداث كل يوم أن تفاوتات جسيمة لا تزال قائمة، وأنه بالنسبة إلى كثير من النساء والفتيات، والأقليات العرقية والدينية، وغيرهم من الأشخاص الذين ينظر إليهم باعتبارهم مختلفين عن بقية الناس، لا يزال الجهر بالقول يشكل خياراً خطيراً.إن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية هي من بين حقوق الإنسان العالمية. وهي جزء لا يتجزأ من المعادلة الأعمّ بين حقوق الإنسان والتنمية. وتكمن قوتهما الخاصة في أنهما يتناولان جوانب حميمة الصلة بهوياتنا كأفراد، ويحققان كرامتنا الإنسانية، التي تعتمد على تحكمنا في أجسادنا، ورغباتنا، وتطلعاتنا. والبيت هو مصدر قوة التمكين التي تمثلها هذه الحقوق، الذي تنطلق منه إلى كل من المستوى المحلي والوطني والدولي. وإذ يعكف العالم على تحديد هيكل خطة التنمية لما بعد عام 2015، تظل خطتا العمل اللتان وضعتا في القاهرة وفيينا صالحتين وتعزز كل منهما الأخرى اليوم مثلما كان عليه الأمر منذ 20 عاماً مضت. فالحفاظ على الوعود التي تعهدت بها الدول الأعضاء منذ عقدين من الزمان - ألا وهي تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وضمان التمتع الشامل بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية - هو السبيل الأكثر ضماناً نحو بلوغ حياة تظللها الكرامة والرفاهية لجميع الناس وفي كل مكان، ولبلوغ عالم يتمتع فيه الجميع بالقدرة على المساهمة في التنمية وتقاسم منافعها على قدم المساواة-لأن كل شخص مهم. * المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان
الطريـق إلــــى التنميـة التـــي محورها الإنسان
أخبار متعلقة