منتديات الشرطة المجتمعية
مفهوم الشرطة المجتمعية هو نوع من التعاون والتنسيق بين المؤسسات والأجهزة الأمنية والمجتمعات المحلية في المناطق الحضرية وشبه الحضرية في الأقاليم، والمحافظات وفي مراكز المديريات، بهدف تحديد وحل المشاكل وبذور النزاعات المجتمعية والتي في الغالب تشكل بؤراً ومصادر محتملة للسلوكيات بالإضافة إلى المشاركة في حفظ النظام والقانون.الشرطة المجتمعية هي عبارة عن قوة أمنية شعبية تعتبر وسيطاً بين المؤسسة الأمنية (مراكز الشرطة) وبين مؤسسات ونخب المجتمع، مهمتها التواصل والتفاعل لهدف تحقيق أكبر قدر من المشاركة الحقيقية بين الشرطة والمجتمع في حمل المسؤوليات الأمنية على وفق مفهوم الأمن الإنساني الشامل. إن الشرطة المجتمعية وسيط تفاعلي وتواصلي بين الشرطة والمجتمع لخلق التعاون الوثيق بين رجال الأمن ورجال الفكر والثقافة والمربين وأفراد وهيئات المجتمع بهدف خلق حالة ثقافية من الأمن الاجتماعي.[لا يوجد نمط فقرة]خط النصوص (الرياضي)تمكين المجتمعات المحلية من لعب أدوار مهمة في مراحل بناء التوافق والسلم المجتمعي والعمل على خلق بيئة مستقرة وآمنة سيعمل على تعزيز الثقة ما بين مكونات الشرطة والمكونات المجتمعية غير الرسمية ما سيساهم في سهولة وسلاسة تدفق المعلومات بين هذين المكونين والذي سيفضي إلى تمكنهم وبصورة مشتركة من معالجة الأسباب الجذرية للسلوكيات الإجرامية وبالتالي منعها قبل أن تحدث وهذا لب وأساس مهام الشرطة المجتمعية.بناء وتعزيز الثقة بين المكونات المجتمعية وأجهزة الشرطة يتطلبان تغييرات جوهرية في البنى المؤسسية والإدارية ومهام وأدوار رجال الشرطة، كما يتطلبان في المقابل توفر الرغبة والحماس والقابلية للتغيير والعمل الطوعي لدى مختلف المكونات المجتمعية كالمنظمات والجمعيات الأهلية، المجالس المحلية، عقال الحارات، المدرسين، خطباء المساجد والأمناء الشرعيين. فعلى سبيل المثال بناء وتعزيز الثقة يتمثل في تبني مدراء أقسام الشرطة ومدراء الأمن تشكيل منتديات الشرطة المجتمعية والإشراف عليها وتخصيص مكتب لأعضاء اللجنة التنفيذية للمنتدى في قسم الشرطة أو إدارة الأمن والدعم والمساندة للمنتديات الفرعية في الأحياء في تنفيذها لأنشطة الدوريات المجتمعية وحل المشاكل والخلافات وفي كل حي، كما تتمثل في قيام منظمات المجتمع المدني، أعضاء وقيادات المجالس المحلية، عقال الحارات، المدرسين، خطباء المساجد والأمناء الشرعيين كممثلين في اللجنة التنفيذية للمنتدى الرئيسي وكممثلين في المنتديات الفرعية في الأحياء بتنظيم عمليات حشد الدعم والموارد المجتمعية كمساهمات مجتمعية في المشاركة في تحمل تكاليف وتخفيف العبء على أجهزة الشرطة الرسمية.قيام ممثلي المجتمع في منتديات الشرطة المجتمعية الفرعية في الأحياء والمناطق بحل المشاكل والخلافات، حفظ الأمن والنظام في كل حي وعمل تقارير للمنتديات الرئيسية ومن ثم لقيادات أقسام الشرطة والأمن تعكس الانجازات وأولويات هموم وقضايا المواطنين الأمنية في الأحياء والمناطق المستهدفة.مبررات تشكيل وتفعيل منتديات الشرطة المجتمعية:تتزايد القناعات يوماً بعد يوم لدى قيادات وكوادر الشرطة الرسمية أن الوقت حان لعمل قرارات صعبة ومهمة في تغيير الهياكل والبنى المؤسسية لأجهزة الشرطة والأمن على المستوى الرسمي وكذلك عمل تغييرات في مهام وممارسات وإستراتيجيات القوات الأمنية، آخذين في عين الاعتبار أن الإستراتيجيات الأمنية الهادفة إلى حفظ النظام والقانون ومقاومة السلوكيات والممارسات الإجرامية التي تم استخدامها في الماضي قد لا تتناسب ولن تكون فعالة في الوقت الحالي.الدراسات الاقتصادية ـ الاجتماعية والبحوث الميدانية الأمنية أشارت إلى أن هناك تغييرات جذرية حدثت في أساليب معيشة وتركيبات المجتمعات المحلية خصوصاً في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، طبيعة قضايا الإجرام، تكتيكات ووسائل ممارسة القضايا الإجرامية من هذه التغييرات ما يلي:1ـ اقتحام النساء للتعليم وسوق العمل إلى جانب الرجل أدى إلى بقاء منازل الأسر في الأحياء خالية من أحدهما وهذا يتطلب تنسيقاً بين سكان الحي للمراقبة المشتركة.2ـ سيادة الطابع المدني على سكان الأحياء في المدن الحضرية وشبه الحضرية والذي أدى إلى ظهور السلبية بين أوساط السكان والذي تمثل في غلق أبوابهم والانشغال بأمورهم الخاصة وعدم الانتباه لما يدور في الجوار، هذا السلوك أدى إلى سيطرة الخوف عليهم والذي فرض عليهم البقاء سلبيين في منازلهم ومن ثم خلو الشوارع من المارة الأمر الذي ساهم في تصاعد شدة الحوادث الإجرامية.3ـ ظهور العصابات المسلحة والتقطعات في الطرق.4ـ تدهور الاقتصاد وتزايد نسبة البطالة وارتفاع مؤشر الفقر أفرز شرائح مجتمعية معدمة اتخذت من الأرصفة والشوارع مساكن لها ما ساهم في تزايد الحوادث والمشاكل الأمنية.5ـ حوادث خطف الأطفال والفتيات وتهريبهم أو سرقة أعضائهم لبيعها عبر عصابات منظمة.6ـ التهريب و التداول غير الشرعي للمخدرات.7ـ مشاكل النزوحات الداخلية وكذلك اللاجئون من الدول المجاورة وما تسببه من مشاكل أمنية.8ـ تعرض النسيج المجتمعي على كل المستويات للكثير من الضرر بسبب الصراعات والاستقطاعات الحزبية والقبلية والمناطقية.9ـ الحكومات المحلية والمركزية تواجه تحديات صعبة في توفير موازنات كافية وكوادر بشرية وتجهيزات للمؤسسة الأمنية للتعامل مع هذه المتغيرات.10ـ القيادات المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني بدأت بالتسليم أنه يجب أن يكون لها دور فعال ومحوري وان تتحمل جزءاً من مسئوليات حفظ الأمن والاستقرار في مناطقهم وأحيائهم.من هذه المتغيرات برزت أهمية إشراك مكونات المجتمع المحلي وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في حل جزء كبير من هذه العوامل والتي ستعمل على رفد المؤسسات الأمنية بالكثير من الموارد والخبرات المجتمعية ومن خلالها ستتمكن هذه الأجهزة من التصدي ومعالجة أسباب تفاقم السلوكيات الإجرامية قبل حدوثها، بدلا من التدخل المتأخر كاستجابات لما بعد حدوثها.كما أن عملية تفويض جزء من مهام حفظ الأمن والنظام في الأحياء والمناطق للمجتمعات المحلية سيعمل على بناء الثقة وكسر حاجز الخوف لديهم وبالتالي قيامهم وبشجاعة ومسئولية في معالجة والقضاء على مختلف الإخلالات الأمنية ومعالجة أسبابها من الجذور. من جانب آخر أشارت بعض الدراسات والإحصائيات الخاصة بالتعامل مع قضايا الإجرام إلى أن التركيز الحالي للأجهزة الأمنية على استراتيجيات محاربة السلوكيات والحوادث الإجرامية كان له تأثير محدود على تقليص نسبة هذه السلوكيات والحوادث، كما أنه ساهم في تنامي التباعد بين رجال الأمن وأعضاء المجتمع ما أعاق محاولات محاربة والحد من قضايا الإجرام وجعلها غير فعالة.نتائج تحليل هذه الدراسات أشارت إلى أن غالبية استراتيجيات محاربة الجرائم كانت تبنى على عدم وعي بهذه الجرائم وبالأسباب والعوامل التي أدت ببعض الأفراد للقيام بها، بينما أشارت النتائج إلى أن 90 % من هذه المعلومات تتوفر لدى المجتمعات المحلية.بدون بناء الثقة والعمل المشترك بين الأجهزة الأمنية والمكونات المجتمعية لن يكون متاحا لرجال الأمن الحصول على هذه المعلومات والتي كانت ستساعدهم ليس في محاربة هذه الجرائم فسحب ولكن أيضا العمل على معالجة أسباب حدوثها منذ البداية.عندما تشعر المجتمعات المحلية أن الأجهزة الأمنية تعمل لصالح هذه المجتمعات ويهمها أمنها واستقرارها، عندها فقط سيتم اعتبار هذه الأجهزة أنها من مكونات النسيج المجتمعي وبالتالي سيتم مدها بالمعلومات والموارد والخبرات المحلية ومهما كانت شحيحة.التجارب والدروس المستفادة في هذا الجانب تشير إلى أن المجتمعات المحلية هي خط الدفاع الأول ضد الحوادث والسلوكيات وقضايا الإخلال بالنظام والقانون.من هنا تنبع أهمية العمل المشترك والتنسيق الثنائي بين الأجهزة والمؤسسات الأمنية والمجتمعات المحلية في تحديد أهم القضايا والحوادث التي تقلق راحة واستقرار هذه المجتمعات والعمل المشترك لمعالجتها منذ المراحل المبكرة وهذا هو أساس ولب الشرطة المجتمعية.مكونات الشرطة المجتمعية:من خلال ما سبق يتضح أن مفهوم الشرطة المجتمعية يتألف من مكونين رئيسيين هما الشراكة المجتمعية مع أجهزة الشرطة ونموذج حل المشاكل.(المكون الأول) الشراكة المجتمعية مع أجهزة الشرطة:الشراكة المجتمعية مع أجهزة الشرطة تقتضي تبني سلوكيات جديدة من قبل كل من المجتمعات المحلية وأجهزة الشرطة والتي من شأنها تعزيز مثل هذه الشراكة.فمن جهة أولى يفترض من الأجهزة الأمنية تقدير أهمية الاحتياج للتعاون مع المكونات المجتمعية في السعي للحد من السلوكيات والحوادث الإجرامية وبالتالي تشجيعهم لتقديم المعلومات الضرورية وذات العلاقة بهذه الحوادث والسلوكيات، بالإضافة إلى تشجيعهم لتبني أدوار إيجابية في المساهمة في حل قضايا النزاعات والتي قد تكون بواعث محتملة للحوادث الإجرامية.من أجل تحقيق ذلك تقوم الأجهزة الأمنية بعمل تعديلات جوهرية في طبيعة مهامها وسياستها، فبالإضافة إلى التركيز على المهام والسياسات البوليسية البحتة والتي أدت إلى توسيع الفجوة بين الشرطة والمجتمعات المحلية يتم أيضا تبني مهام وسياسات ذات منحى مجتمعي مثل المشاركة في الفعاليات والاحتفالات الاجتماعية، والتنسيق مع الجهات والمنظمات الداعمة في تنظيم المساعدات والتدخلات الهادفة لتحسين الأوضاع التنموية في المجتمع المستهدف، المشاركة في الفعاليات التعليمية الخاصة بتكريم الطلبة المتفوقين بشكل عام هذه التغييرات سوف تعمل على إيصال رسالة للمجتمع أن أجهزة الشرطة أصبحت مكوناً أساسياً من مكونات النسيج المجتمعي القائم، عندها سيقوم المجتمع وبشكل طوعي بتحمل مسئولياته في هذا السياق خصوصا فيما يتعلق بتقديم المعلومات وحشد الموارد والإمكانيات المجتمعية.الشراكة المجتمعية تعمل على فتح قنوات حوارية بين الشرطة وأفراد المجتمع والتي على أساسها يتم توسيع معارف رجال الشرطة وبشكل معمق حول طبيعة المجتمعات المستهدفة، أولويات القضايا والمشاكل الأمنية والتي تعاني منها هذه المجتمعات، مصادرها وأسبابها الجذرية، تأثيراتها والفئات المتأثرة.هذه الميزة المضافة تمكن الأجهزة الأمنية من توجيه خدمات الشرطة نحو قضايا تمس هموم ومشاكل المجتمع الحقيقية وتتعدى المفهوم التقليدي لمهام الشرطة المحصورة على حفظ الأمن وتطبيق القانون مثل تقديم خدمات العون والمساعدة للفئات المتضررة خصوصا ضحايا الحوادث الإجرامية، التنسيق الفعال لتقديم خدمات الإسعافات الطبية الطارئة، مساعدة المسنين والأطفال في العبور الآمن للشوارع وتوجيههم للاماكن الآمنة، التنسيق مع القادة المجتمعيين في حل قضايا الخلافات الأسرية وكذلك النزاعات بين المالكين والمؤجرين، التنسيق مع الجمعيات الخيرية والمنظمات المانحة في توفير المساعدة والإيواء الآمن للنازحين، المشردين والمرضى نفسياً، حماية الحقوق التي كفلها الدستور مثل حقوق إبداء الرأي، الاعتصامات والتجمعات السلمية وحقوق العدالة والمواطنة المتساوية.هذه التغييرات الهادفة إلى تعزيز الشراكة المجتمعية مع أجهزة الشرطة ستعمل في نهاية الأمر على تعزيز بناء الثقة بين المجتمعات وأجهزة الشرطة وبشكل مستدام عندها فقط سيتم ضمان استدامة التواصل والتعاون المشترك بين كلا الجانبين والذي سينعكس إيجاباً على استقرار الأوضاع الأمنية والحياتية بشكل عام.