قراءة نقدية
د. زينب حزامنادرة تلك الكتابات التي تتناول الشعر اليمني بالدراسة والبحث والتحليل والتقييم، وفقيرة بشكل يثير الأسى؛ المكتبة الأدبية باللغة العربية، المترجم والمؤلف. ومع أن هناك على مستوى بلادنا حالياً مئات الشعراء من يكتبون القصيدة العمودية والقصيدة الحديثة، ومع ذلك نجد كتاب النقد لا يزيد عددهم عن أصابع الكف اليد الواحدة.هناك أسباب عديدة لعزوف النقاد عن الترجمة أو التأليف، أهمها عدم اهتمام دور النشر الحكومية والأهلية بنشر كتاب جاد عن النقد الأدبي وقد يعود ذلك إلى عزوف القراء أيضاً عن قراءة مثل هذه الكتب الجادة واهتمامهم بما هو مثير وهزيل في عالم الشعر والأدب.ومع هذا نجد بعض النقاد والكتاب والشعراء يسعون إلى الكتابة الجادة وتقديم القصيدة في أرقى صورة.قصيدة (القرمطي أمام مرآة أيامه)هناك قصائد لا نملك عند مطالعتها بعد الأحداث الساخنة التي مر بها الوطن العربي بشكل عام وبلادنا بشكل خاص من أحداث الربيع العربي وتغيير النظام السياسي والأزمة الاقتصادية والبحث عن التغيير إلى المستوى الأفضل سياسياً واقتصادياً إلا أن نتصور التغييرات التي حدثت لمعناها الذي يمكن أن نستشفه قبل ذلك، لأن الأحداث حولت المجازات الرامزة إلى حقائق ماثلة للعيان، فها هو مثلاً الشاعر اليمني أحمد عبد النبي يقول في قصيدته «القرمطي أمام مرآة أيامه»:«1» إلى كل القرامطة«تفسير لسقوط الدولة القرمطية ومعالجة لنفسية ثائرة تريد بناء دولة قرمطية لن تسقط».«2» القرمطييلمح شقوق عينيهيرى مراكب...زنابق في العروقيشهد تدحرج رأسه المطرز بالنشيد ويرى...يرى...يرى...يرمي عباءتهيقلب الأيام بحثاً عن دوي أصابعالشهداء..القرمطي قلق!ينام على مشارف الصيحاتكان المسدس في يديهوقلبه في الحربلا..لا.. يرجو المساومةوالذمم المشتراةالحرب غابة أحشائهوسهوب ضوئه«3»حمدان...كيف تنام على قصب التاريخبغبار أغانيك ترفع خرفة الدولةوالرحلة أكثر صمتاً في أيامك«وهذي الحمم المقذوفة من أحشاء تتقاسمها أحشاء»فمن أنت بين الوجود؟؟«4» للدم إيقاع يكف القرمطيالدم يرسل في خلاياه شراع الرحلة الأولىألم تلسع معاولنا الريح؟؟هو الرهان إذاً؟؟هي فجوة تقضي إلى القلق الأصيلتضع القطيفة والصنوبر كي تحدد قامه الصارىوتفك وجه القرمطيوازرار الرياح«5» ورحلت ألوي ميلاد الكواكب على مشارف حزنه الوثنيألمح وجه عامةتحمل هم القرمطي على سنام عروقهااكتظت الأشلاء فوق دمائهاوالأرض قرب دمائها تناموالأفق والسفن القديمة والقرمطي موغل بقطرة الصمتيرتمي خلف مدار الأرضيرشح ظلاً أسودويغفو فوق كبريت الكلامآه يا حمدانما أقسى النهاية.أنت لا تراها خلف أمانيكترابا غاضباًوتلك المراكب لن تصل تلك المرافئ لم تكن تلك الموانئ لن تجمعها القيراتولن يدل عليك أحدألق محيطك والخليجفي معطف الأنقاض خبيً ما تجود به الفصولوامش سريعاً من هشمكامش إلى شرايين البشر نسغ الحروب تشب في شريانهفينتفض الغضبدوامة تلوي الغبار«6»للقمح إيقاع يعمر القرمطيوالقرمطي معادلة الصهيل بلا وثوبوريده الملصقات ( العلم ) النشيد والقرمطي طينظل يابس فوق المحيطسيف الخليج من غمامالقرمطي تراب ينزف الكلماتمن يشتريه هو طين مأربي« واله قمري»هو يوم بابليومنارات دمشقية هو تخل يحصد الأفقوظل العراقهو بعض فوق دجلةهو كل الموبقاتهيا اشتروه بارتطامهيا ارجعوه إلى الشظاياأو افرشوه على الأقاليم«7»بيروت إيقاع بصوت القرمطيما عادت الأرقام تمنحه إشارة يديها بيروت حلم ثابت لا يلتوي والقرمطي أنقاض زغردة العشيرةلا مشروع برحلا معادلة الدخول إلى تجاعيد نخلةوانسحاب من فؤادالقرمطي مدينة هربت إلى أشلائهاهو النفيرهو الطقوس المستمرةوسائح ينام على فخه دبابة عاهرة القرمطي..هو طلقة الحسمأو ...حمدانهل ينتهي هذا الصباح بسهوبضوئكأو على درجات يأسكحمدان إيقاع بلقب القرمطيوالقرمطي منارة الشهداءكتبها الشاعر أحمد عبد النبي في25 - 2 - 1993م. ومع أن الشفافية الرمز بالمرآة محاكمة النفس وأسوارها إلى قصور السلطة المتهالكة تبدو لنا الآن بديهية وحكيمة فإن مقابلات عناصر الصورة الكلية من جموع الفقراء وأشكال القراصنة ، كل ذلك يكتسب بعد وقائع الانتقام وحالات النهب والسلب إثر سقوط السلطة معادلات مجسدة تنتقل بدلالات القصيدة من ثورة ميثافيزيقية تقلب مفاهيم الخير والشر إلى إشارات بليغة لما حدث، بالفعل باليمن والوطن العربي من منظور الشاعر أحمد عبد النبي .لقد اعتمد الشاعر على تقنية المفارقات المريرة في توليد الصور الشعرية يمثل ترواح أبناء هذا الجيل العربي المطحون بالحروب الأهلية وبحثهم عن الأمل البازغ في هجعة المدافع كأنها في قيلولة وبين الدمار الشامل الذي يعقبها.وعندما يبنون ناطحات سحاب تتفرس قمتها في قلب السراب الذي يلف حياتهم. ونجد خطاب الشعر في هذه القصيدة صادق يعرف الشاعر أحمد عبد النبي كيف يزرع رموز المستقبل بطلاقة فهو يصطحب معه حمامة السلام التي لابد أن يعترف له العالم بحقه فيها وهي تحمل في منقارها قرنفلة بيضاء ، هي زهرة اليمني والوطن العربي الغد المشرق في وجدان الشاعر الإنسان وهو يسعى كي يتحرر.