الشاعر الراحل إدريس حنبلة
د. زينب حزام عاش في بيت امتلأ بالكتب والصحف المحلية والعربية، وعشق الأدب، وبعد رحيله، تحول منزله الشخصي إلى ملتقى للأدباء والكتاب في عدن، قدم العديد من الأعمال الأدبية والشعرية، كما كان شاعراً ومناضلاً، تعرض للسجن عدة مرات في فترة الاستعمار البريطاني لعدن مما دفعه إلى كتابة العديد من القصائد الوطنية التي طالبت بتحرير عدن من الاستعمار البريطاني، ومن غير المحتمل أن نجد من بين من حاموا حول هذا الشاعر والمناضل إدريس حنبلة ولو من بعيد،شخصاً لا يعرفه أو لم يسمع أو يقرأ عنه، إنه عملاق بأدبه وحديثة ونقده، فهو بغير منازع أشهر محدث عرفه الأدب اليمني. يتميز بالتواضع والأخلاق الحميدة، وقد عرف في مجالس الأدب في اليمن شاعراً ومناضلاً وتربوياً وإذا قابلته، فإنك تقف أمام شاعر عبقري لا نظير له يتميز بطلاقة وحكمة لقمانية، فهو يختار من الكلمات أوضحها وأدقها وأرشقها وأقواها، ينطقها جميعاً بصوت ضخم بطيء النبرات متزن الأداء غني التعابير دسم الخيال، يحكم كلامه منطق سليم ويبدعه خيال خصب، ويغنيه بحر كامل من المعلومات العامة والمعرفة، رحمة الله على شاعرنا إدريس حنبلة، فقد كان شمساً ساطعة في سماء الأدب اليمني..كان يستعمل في جدله، كل أنواع الأسلحة اللفظية وإذا فشل لجأ إلى الهجوم العنيف فلا ينجو من لسانه العدو.الشاعر إدريس حنبلة من مواليد التواهي عدن ومات في 20 ديسمبر 1991م.بدأ محاولاته الأدبية في الشعر الشعبي المحلي في عام 1935م، بدأت موهبته الشعرية تتدفق وتزدهر عام 1941م.يمثل مجمل شعره، عبر مسيرته الأدبية الطويلة، حقبة مهمة من تاريخ القضية اليمنية بكل أبعادها وأحداثها وتفاصيلها وظف الكثير من شعره الحماسي والثوري لخدمة الحركة الوطنية اليمنية وطنياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً.له مواقف وطنية أصيلة ومشهورة ذاق من أجلها مرارة السجون والمعتقلات والمداهمات والاستجوابات والملاحقات والتعذيب الجسماني والمعنوي.يقول الشاعر والمناضل إدريس حنبلة في قصيدة رثاء لفقيد الشعب والوطن (عبدالقادر فروي) الذي توفي يوم الأربعاء 29/8/ 1984م (أثر مرض سرطان الرئة) والذي شارك بالحركة الوطنية اليمنية وإضرابات عمال وموظفي (شركة لوك تامس) من أجل رفع مستوى معيشة عمال عدن:ما لهذا المصاب يهوى الذبولا ما له ما له يحب الافولا!!ماله هكذا أراد انطفاء بعد أن كان للحمى قنديلا!!في حياة سرعان ما نتلاشى حبباً طار يعشق المجهولا!!ايه يا صاح يا رفيقا تولىوأنا هاهنا أجر الذهولاأنت في الخلد حيثما الجو صافوأنا في الحياة أشكو الثقيلاكيف حاولت أن تكون أثيرايا أثير كم صرت فينا أصيلا!!هل طمعت الحياة صاب نفيعأو ما نمت بعد ذاك طويلا!!كنت بالأمس تشتكي من عتاة لكن اليوم صرت طردا جليلاأنت أعطيت كل شيء جميل يستحق التمجيد والتبجيلاأنت قدمت للبلاد جهودا أوتنسى (لوك تامس) المخبولا!!أوتنسى طفل النضال (هلالا)حيث تلقاه في الخلود خليلا!!أوتنسى تسعين يوما عجافايوم أخرست عندها المستحيلا!!كنت فنياً مناضلاً عبقرياً حطم الظلم يوم كان وبيلايوم حاربت كل قزم عميليوم حطمت كبرياء (جون بولا) أنت حققت مبهجات الأماني للنقابات تستميت حلولاأنت أقحمت كل فكر جحوديوم جردت للعدو الصقيلاقد تمرست حنكة ومرانا وخبرت الحياة عرضا وطولانم قريرا ولا تسل عن حياة كنت فيها موفقاً مأمولاوانشرح بالممات واهنأ بعيشودع الكون يستطيل قليلاً واسترح فالخلود دار بقاء وخلود الخلود لا لن يزولاإن هذه القصيدة الرائعة للشاعر والمناضل إدريس حنبلة، تحتوي على التعبير الرائع الذي (فهمه الجماد)..تاريخ كامل لنضال أبناء عدن ضد الاستعمار البريطاني ونضال الحركة العمالية في عدن من أجل رفع مستوى معيشة العمال وضمان مستقبلهم بعد التقاعد عن العمل.إنه لوصف يعجز عنه كل فن ماعدا الشعر الذي هو سيد الفنون جميعاً.