مدير القطاع الصحي بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا «إنيس باريز :
حاوره في صنعاء/ بشير الحزمي يعد القطاع الصحي في اليمن واحداً من اهم القطاعات التي تحتل اولوية واهتماماً كبيراً لدى البنك الدولي وهو ما يتجلى واضحاً في حجم الدعم المقدم من البنك لتمويل المشاريع المنفذة في هذا القطاع والتي تبلغ حاليا ثلاثة مشاريع مهمة وكبيرة يستفيد منها ملايين من السكان اليمنيين في عدة محافظات وخاصة النساء والاطفال وبتكلفة اجمالية تبلغ 80 مليون دولار يضاف اليها مشروع رابع ما يزال في طور التحضير وسينفذ خلال الاشهر القادمة بمبلغ 20 مليون دولار ليصبح الرقم الإجمالي لحجم تمويلات البنك الدولي للمشاريع الصحية في اليمن 100 مليون دولار . هذا ما افصح به مدير القطاع الصحي بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا إنيس باريز خلال حديثه لصحيفة « 14أكتوبر « اثناء تواجده في العاصمة صنعاء قبل ايام .. فإلى التفاصيل :- بداية نرحب بك سيد إنيس باريز في هذا الحديث الخاص لصحيفة 14أكتوبر كما نرحب بتواجدك هنا معنا في اليمن .. وحبذا لو تطلعنا في البداية على طبيعة زيارتكم الحالية لليمن ؟-- كما تعرفون نحن في قطاع الصحة لدينا العديد من المشاريع المنفذة هنا في اليمن ، حيث ننفذ حاليا ثلاثة مشاريع صحية كبيرة ونحن في صدد الاعداد لمشروع رابع ، بالإضافة الى ذلك نحن نعمل عن كثب مع وزارة الصحة العامة والسكان لتحديث الاستراتيجية الوطنية للصحة .الصحة والتغذية والسكان- بحكم عملكم مديراً للقطاع الصحي في البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا .. اين يضع البنك الدولي القطاع الصحي ضمن اولوياته واهتماماته سواء على مستوى العالم او اليمن بوجه الخصوص ؟-- نحن في البنك الدولي نعمل في قطاعات متعددة وفي المستقبل القريب سنركز بصفة اساسية على 14 قطاعاً بما في ذلك قطاع الصحة . بالإضافة الى ذلك نحن نعمل في كثير من المواضيع المحورية التي هي متقاطعة في جميع القطاعات على سبيل المثال قضية التغيير المناخي ، ونحن نعتبر الصحة شاملة بمعنى انها تشمل الصحة والتغذية والسكان كقطاع واحد ونحن نعمل بشكل مكثف في الدول الاقل نموا في هذا المجال خاصة في اليمن . ونحن في اليمن نشترك بشكل كبير مع الحكومة اليمنية في القطاع الصحي وكما ذكرت لك نحن نعمل الآن في ثلاثة مشاريع وبصدد الاعداد لمشروع رابع ، بالإضافة الى القطاع الصحي نحن نعمل ايضا بشكل كبير في قطاع التعليم وكذلك في قطاع الحماية الاجتماعية ولو جمعت القطاعات الثلاثة فإنها هي بمجملها تشكل قطاع التنمية البشرية بشكل عام ونحن نركز على هذا الجانب بشكل كبير فيما يتعلق باليمن . وكما تعرفون ان 54 % من سكان اليمن هم من الشريحة الفقيرة ، فبالتالي الاحتياجات هي اكبر في المجال الصحي وكذلك في التغذية وايضا في مجال الحماية الاجتماعية. وكما تعرفون ايضا ان حوالي 35 % من إجمالي سكان اليمن هم عاطلون عن العمل ، وكذلك 60 % من إجمالي سكان اليمن هم من الشباب و60 % من هؤلاء الشباب عاطلون عن العمل . وكذلك في اليمن 10 ملايين نسمة من سكانه يواجهون صعوبة جمة في الحصول على الغذاء بشكل يومي .وهناك ايضا حوالى 12 مليون نسمة من سكان اليمن لا يحصلون على مياه نقية للشرب ، فعندما تجمع كل هذه القضايا ستفهم الهدف من مشاركة البنك الدولي بشكل كبير مع الحكومة اليمنية في هذا الجانب.مشاريع صحية- ذكرتم ان هناك ثلاثة مشاريع صحية قائمة حاليا في اليمن وهناك مشروع رابع بصدد الاعداد له .. هل لكم ان توضحوا لنا ما هي هذه المشاريع وعلى ماذا تركز ؟-- المشاريع الصحية التي ننفذها في اليمن تركز بشكل كبير على مكافحة الامراض المعدية وايضا على صحة الاطفال والامهات ، وواحد من الاهداف لهذه المشاريع هو القضاء على الامراض المعدية التي تأتي نتيجة الطفيليات مثل البلهارسيا وكذلك اعطاء خدمات علاجية للوقاية منها في المستقبل ، وهذا ما يقوم به المشروع الاول ، وقد عدلنا من توجه هذا المشروع قليلاً ليغطي ايضا مرض الرمد الحبيبي(التراكوما) الذي يصيب العيون وكذلك بعض الامراض الناتجة عن الطفيليات . والمشروع الآخر ونسميه مشروع الامومة الآمنة ويركز هذا المشروع بشكل كبير على توفير العناية الكاملة الآمنة للأمهات قبل واثناء الحمل واثناء وبعد الولادة ، فكما تعرفون ان هناك حسب آخر تقديرات 6 نساء يتوفين يوميا في اليمن اثناء الولادة ، وهذا يتعلق برقم واحد من الارقام التى تعاني منها المرأة في اليمن لكن المرأة في اليمن تواجه خطورة الوفاة بنسبة 1 الى 90 بسبب ما تعانيه من أمراض أي من بين كل تسعين امرأة تتعرض امرأة واحدة لخطر الموت خلال الحمل والولادة . ولو قارنت هذا الرقم مع ما يحدث في السويد على سبيل المثال فاحتمال حدوث وفاة الام اثناء الولادة هي 1 الى 14 الفاً وهذا يعني ان المرأة اليمنية تواجه خطورة الوفاة أثناء الولادة 150 مرة ضعف المرأة السويدية . ولو اتينا الى دولة جارة لليمن وهي المملكة العربية السعودية تجد أن المرأة اليمنية تواجه خطورة الوفاة اثناء الولادة 15 مرة ضعف المرأة السعودية. ولهذا نحن نركز على الامومة الآمنة هنا في اليمن . والمشروع الثالث الذي ننفذه في اليمن هو مشروع الصحة والسكان ، ويركز هذا المشروع على صحة الام والطفل ويوفر هذا المشروع خدمات ايصالية للام والطفل في ست محافظات يمنية هي (إب، صنعاء، الحديدة، الضالع ، البيضاء ، ريمة) . أما المشروع الرابع والذي نحن بصدد الاعداد له يركز على صحة الام والطفل،وكما تعرفون ان 80 % من النساء في اليمن يلدن في منازلهن لان المرأة اليمنية والاسرة اليمنية لا تسعى للحصول على الخدمات الصحية من المرافق الصحية وقد يكون ذلك بسبب نقص الاطباء أو عدم وجود مرافق صحية قريبة أو لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد او اسباب ثقافية . وعندما تواجه المرأة تعقيدات وتعسراً في الولادة فعادة ما يتم اسعافها بشكل متأخر وبالتالي يحصل ما لا تحمد عقباه . وفي هذا المشروع سنركز على توفير الخدمات في اربع محافظات يمنية وهي (صنعاء، إب ، الحديدة ، أمانة العاصمة ) وسيتم من خلال هذا المشروع منح الاسر الفقيرة (قسائم كوبونات ) معينة تستطيع المرأة ان تستخدم هذه (القسائم الكوبونات) بالذهاب الى المرفق الصحي لتتلقى الخدمة الصحية مجانا ، وهذه القسيمة ستعطي المرأة الحق في الذهاب الى المستشفى او الى الطبيب 4 مرات اثناء الحمل وايضا اثناء الولادة ومرة اخرى بعد الولادة، إضافة إلى خدمات تنظيم الأسرة والهدف من ذلك هو السيطرة على المضاعفات المرضية التي قد تحدث للمرأة اثناء الحمل واثناء الولادة حتى لا تتدهور صحتها.المشروع الرابع- بالنسبة للمشروع الرابع متى سيبدأ تنفيذه .. وكم يبلغ حجم التمويل فيه؟-- من المتوقع ان يتم الموافقة على هذا المشروع من قبل مجلس ادارة البنك الدولي في شهر فبراير القادم وبالعادة بعد الموافقة عليه سنحتاج الى بضعة اشهر للبدء بتنفيذ المشروع ، وتبلغ الميزانية المخصصة للمشروع 10 ملايين دولار ، وقد تمكنا من تعبئة 10 ملايين دولار اضافية الى هذا المبلغ من المانحين ليصل إجمالي المتوفر حاليا لهذا المشروع 20 مليون دولار. حجم التمويلات- وكم يبلغ إجمالي التمويلات لمشاريع البنك الدولي الصحية في اليمن؟-- يبلغ إجمالي محفظة المشاريع الصحية في اليمن حوالى 80 مليون دولار للمشاريع الثلاثة القائمة والتي تنفذ حاليا ، بالإضافة الى 20 مليون دولار المخصصة للمشروع الرابع .. وبذلك تكون قيمة المشاريع الصحية الاربعة التي سينفذها البنك الدولي في اليمن 100 مليون دولار .حجم التحديات الصحية- هل بات البنك الدولي يدرك جيدا مدى حجم التحديات الصحية التي تواجهها اليمن .. وهل هو راض عن مستوى مساهمته في مواجهة تلك التحديات؟--اعتقد انه من المنصف أن نقول بأننا نعرف حجم هذه التحديات الموجودة، وقد انتهينا للتو من تقييم أوّلي للوضع الصحي والتحديات التي تواجه القطاع الصحي في اليمن وقد أظهر ان اليمن قد قطعت شوطاً كبيراً خلال السنوات الثلاثين الماضية ، على سبيل المثال كان العمر المتوقع للإنسان اليمنى في السبعينيات من القرن الماضي حوالى 45 سنة بينما وصل في العام 2003 الى 62 سنة ، ومن المتوقع أن العمر المأمول عند الولادة قد ارتفع خلال السنوات العشر الماضية وهذا يعتبر تحسناً كبيراً . إضافة الى ذلك هناك تغطية جيدة بالنسبة للحملات التحصينية ، ولو نظرت الى موضوع الامراض المعدية مثل امراض الالتهابات التنفسية وامراض الإسهالات ستجد ان هناك انخفاضاً كبيراً .ولكن نرى ان هناك في اليمن تزايداً في ما نسميه الامراض غير معدية وهي الامراض العصرية مثل أمراض السكر وارتفاع ضغط الدم وامراض القلب والسرطان ، وكذلك نرى ان هناك زيادة متفاقمة في حوادث الطرقات والاصابات الناتجة عن ذلك . وبالتالي القطاع الصحي ينبغي ان يتطور ويتكيف مع هذه المعطيات الجديدة لان معالجة هذه الامراض تحتاج الى امكانيات كبيرة . فعلى سبيل المثال اليمن تنفق 5,5 من إجمالي الدخل القومي الصافي على القطاع الصحي ، ولكن لو ركزنا على جانب الانفاق سنجد أن 75 % من هذا المبلغ يأتي من جيوب الناس ومن القطاع الخاص وليس من الانفاق الحكومي ، والـ 25 % الباقية هي إما من مخصصات الحكومة او من الجهات المانحة كالبنك الدولي والجهات المانحة الاخرى . وبالتطلع الى المستقبل هناك احتياج الى المزيد من التخصيصات المالية لهذا القطاع لمواجهة الامراض الموجودة ، بالإضافة الى ان هناك احتياجات لتدريب الكوادر الصحية وبناء مرافق صحية جديدة لاستيعاب وتغطية الاحتياجات.إحداث أثر- هل استطاع البنك الدولي تحقيق تحسن في مؤشرات الوضع الصحي في اليمن خاصة فيما يرتبط بسوء التغذية والحد من انتشار الامراض المعدية ؟-- عندما تتحدث عن البنك الدولي ينبغي ان تضع في البال اننا كبنك نمثل جهة واحدة من بين جهات عديدة مانحة ، وبالرغم من أن المبالغ المخصصة من البنك الدولي في القطاع الصحي تبلغ حوالي100 مليون دولار على مدى عدد من السنين الا أن هذا المبلغ ليس كافيا لإحداث تأثير كبير فيما يتعلق بمخرجات القطاع الصحي بشكل عام . ولو نظرت الى واقع الفقر في اليمن تجد انه ارتفع معدله من 45 % الى 55 % الآن وطبعا عندما تعمل في وضع كهذا هناك محددات لما يمكن القيام به او الخروج به من مثل هذه التدخلات لأنه ينبغي ان تعمل في الاتجاهات المختلفة وليس فقط بالتركيز على القطاع الصحي . فكما تعرف أن أكثر من 60 % من الاطفال في اليمن يعانون من سوء التغذية المزمن أي (التقزم ) ، ونحن في البنك الدولي نبذل قصارى جهدنا ، وكما تعلمون نحن لا نقوم بالتنفيذ المباشر لكننا نوفر المساعدات المالية والعون الفني للحكومة اليمنية والحكومة اليمنية هي التي تقوم بالتنفيذ.مواجهة الأمراض المزمنة- وكما اشرتم في سياق حديثكم الى ارتفاع معدل الامراض المزمنة في اليمن مثل أمراض القلب وأيضا أمراض السرطان والتي باتت تشكل مشكلة حقيقية ومستمرة في اليمن .. ما هو دور البنك في مساعدة اليمن على مواجهة هذه الامراض ؟-- ليس لدينا أي مشروع قائم الآن في التصدي للأمراض غير المعدية ، لكننا ندرك هذه المسألة بشكل كبير وهي جزء رئيسي في المحادثات التي نجريها مع الحكومة اليمنية ، وقد كنا 31أكتوبر2013 - مع وزير الصحة العامة والسكان وكذلك وزير المالية وقد تحدثنا عن هذه القضايا بشكل رئيسي ، ونحن نعرف ان هناك العديد من اليمنيين يعانون من أمراض القلب والسرطان وهم يبحثون عن العلاج في دول اخرى خارج اليمن وهم ينفقون أموالاً طائلة خارج اليمن لعدة أسباب منها عدم الثقة بالنظام الصحي في اليمن وبالتالي كان محور النقاش مع وزيري الصحة والمالية هو كيف يمكننا ان نحسن من الخدمات الصحية في هذا الجانب لكي نجنب اليمنيين الخروج الى خارج اليمن للبحث عن علاج لهذه الامراض. والموضوع لا يزال قيد النقاش ونأمل في المستقبل ان نحظى بفرصة للقيام بإجراءات فعلية لمواجهة هذه الامراض .دعم مخرجات الحوار- مخرجات الحوار الوطني الذي اصبح في مراحله الاخيرة لا شك انها ستفرض مزيدا من الالتزام على الحكومة اليمنية لتنفيذها بما فيها المتعلقة بالجانب الصحي .. هل سيقف البنك الدولي الى جانب اليمن والحكومة اليمنية في المرحلة القادمة للمساعدة في تنفيذ مخرجات الحوار والمتعلقة بالجانب الصحي خصوصا وانها ستحتاج الى تمويلات كبيرة؟-- بالتأكيد نحن نتطلع الى ان تصل الاطراف السياسية المختلفة في اليمن الى توافق فيما يتعلق بمستقبل اليمن وكذلك ارساء سلام وسنقف الى جانب الحكومة اليمنية ودعمها في تنفيذ مخرجات الحوار ، وكما تعرفون نحن نعمل في كثير من القطاعات وبالتالي سنعمل ايضا في هذه القطاعات لمساعدة الحكومة اليمنية في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار في جوانب الحماية الاجتماعية والصحة والسكان والبنية التحتية والحوكمة وغيرها من الجوانب والقطاعات الاخرى.نركز على اليمن- اين يضع البنك الدولي اليمن في دائرة اهتمامه على مستوى الشرق الاوسط وشمال افريقيا فيما يخص الجانب الصحي ؟-- نحن نعرف منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي على انها تتكون من 20 دولة واليمن هي واحدة منها ، ونصنف هذه البلدان الى فئتين : الفئة الاولى هي الفئة متوسطة الدخل وذات الدخل العالي ، وطبعا لا نأخذ في الحسبان دول مجلس التعاون الخليجي لأنها ثرية جدا ، ومتوسطة الدخل هي مثل المغرب والاردن ومصر وسوريا ولبنان ... الخ ، ولدينا بلدان هما اليمن وجيبوتي ونسميهما الدول ذات الدخل المتدني وهى مبنية على نصيب الفرد الواحد من إجمالي الدخل القومي ، فاليمن على سبيل المثال نصيب الفرد من إجمالي الناتج القومي حوالى 1100 دولار. وهذا يعنى ان اليمن وجيبوتي بالرغم من ان جيبوتي بلد صغير واليمن بلد كبير الى حد ما نحن نركز على هذين البلدين بشكل كبير ، وبالتالي غالبية جهودنا تنصب في هذين البلدين. ومن المعروف أنه كلما كان البلد افقر كلما عانى اكثر من المشاكل الصحية ، وبالتالي نحن في البنك الدولي نركز كثيرا على اليمن اكثر من أي دولة اخرى في المنطقة .رسالة أخيرة- ما هي رسالتكم الاخيرة للقطاع الصحي الرسمي في اليمن ؟-- كما قلت في السابق نحن نعمل حاليا مع الحكومة اليمنية ومع وزارة الصحة العامة بشكل رئيسي بالإضافة الى منظمات المجتمع المدني لتحديث الاستراتيجية الوطنية للصحة ويوجد حاليا تعاون ممتاز مع الحكومة اليمنية ، وهذا التعاون لا يقتصر على وزارة الصحة العامة والسكان فقط وانما يشمل وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية ، وكلا الوزارتين تدعم عملنا في القطاع الصحي ودعم القطاع الصحي . فالحكومة والبنك الدولي ملتزمان بشكل كبير لتحسين الوضع الصحي في اليمن.