أساس البلاء أن تتحول القضايا والمعتقدات والأفكار إلى بضاعة تتنازعها دكاكين النخاسة وصناديق الاستثمار . ما يفعله الإسلام السياسي وزبانيته هو خصخصة قضايا الأمة ومصيرها ومعيشتها وتحويلها إلى قضايا تجارية قابلة للتصدير والبيع والتبديل .كثرت المجالس والهيئات التي تصدر صكوك الفتوى ، وتهب مفاتيح الجنة لمن تشاء ، وتنزعها عمن سحب يد السمع والطاعة ، هذه المجالس متعددة الأسماء والانتماءات السياسية ، وتلون الفتوى حسب المكون الذي يفتي بها ، فالوحدة اليمنية الصلاة السادسة إذا صدرت الفتوى من مجلس علماء اليمن ، ومن حق الجنوبيين تقرير مصيرهم ، ورفض الظلم إذا جاءت الفتوى عن مجلس علماء الجنوب ، الإسلام السياسي يريد إسلاما منزوع الدسم ، إسلاماً يحقق مكاسب مادية ويوصلهم إلى كراسي الحكم ويعطيهم امتيازات السلطة والمعارضة ، أما إسلام التضحية والتواضع والزهد ، فهو لا يناسبهم ويجب أن تصدر الفتوى برفضه وتضليله .دشن مجموعة من علماء حضرموت خطابات وبيانات وكتابات ترفض عمل وسلوك تنظيم القاعدة ، تصدَّرت هذه الحملة جمعية الحكمة اليمانية ـ وهذا الجهد مشكور ، لكنه يدل على نفعية وانتهازية غربية ، فالإسلام السياسي وقادته يناصرون ويدعمون الجهاد ما دام سيخدم مصالحهم للوصول إلى الحكم ويمكنهم من جني الأموال لدعم الجهاد ومناصرته .فبعض الجهاد اليوم مذموم ومرفوض ويجلب قوى الاستعمار والأمريكان لاحتلال الأوطان ، كان لفترة قريبة البعض يدعو له ويناصره ويحرض الشباب والناس بالتوجه للجهاد في ليبيا وسوريا ، وأخيرا إلى مصر للجهاد ضد الجيش المصري ومناصرة مرسي وأزلامه ، فإذا كان الجهاد فرضاً واجباً على كل مسلم ، ويهدف إلى رفع الظلم عن المسلمين وإقامة شرع الله ، فهو جائز في كل حين ، وفي كل مكان يوجد فيه الظلم والطغيان ، ولكن الإسلام السياسي أدمن التجارة والفيد ، فهو يريد جهاداً منزوع الدسم جهاداً يكسِّب ويدر الأموال ، وإذا تقاطع مع مصالحهم ، فهو ليس بجهاد ، بل هو إرهاب وجرائم ، فالعبرة بالفائدة من هذا الجهاد ، كما قال اكبر قادتهم في قناة الجزيرة القطرية مخاطبا الأمريكان : حزبنا هو الأقدر على محاربة القاعدة ، وقتلهم وتصفية الإرهابيين .كيف يكون الجهاد حراما وخروجاً على ولي الأمر ، ويخلق فتنة بين المسلمين ؟! ، بينما تدعو هذه الهيئات والأحزاب السياسية وتحرض الشباب على الجهاد في دماج لمحاربة الشيعة في صعدة استجابة لدعوة أحزاب الإسلام السياسي .الإسلام السياسي لا تروقه أحكام الإسلام وتكاليفه الثقيلة من ترك الدنيا وطلب الآخرة والزهد في حطام الدنيا ، فهو يريد جمع الصدقات والتبرعات وإقامة الجمعيات والمؤسسات التجارية والمالية ، ويهوى المتاجرة بقضايا المسلمين الجوهرية كفلسطين وينادى بنصرة بورما والمسلمين في الصين إذا كانت ستدر هذه الدعوات والمطالب الأموال والصدقات التي ستصب في أكياس العاملين عليها . الإسلام السياسي مستعد للتقلب فما كان حراما في الأمس مثل الديمقراطية والانتخابات والربا ، فهو اليوم حلال وجهاد عندما تربع الإخوان المسلمون منصات الحكم مدعومين بالدعم الأمريكي للربيع العربي .الإسلام السياسي مستعد أن يتنازل عن قضايانا الجوهرية وعن ثوابتنا ، فشعاراتهم : ذاهبون للأقصى بالملايين ، ولا يمكن الصلح مع اليهود ، وأمريكا عدوة الأمة العربية والإسلامية . كل هذا تم إسقاطه والقفز عليه للوصول إلى كراسي الحكم والتنعم بثرواته، وطبعا الفتاوى حاضرة لتحول الحلال إلى حرام والجائز إلى ممنوع ، والتبريرات جاهزة: الضرورات تبيع المحظورات ، الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان ، فقه الواقع يقتضي أن يصير الجهاد إرهابا؟! . هذه المجالس والهيئات الخاصة والتي تحوي خلفها واجهات سياسية وحزبية ، لم تخدم حقا ، ولم تناصر قضية ، ولن تستعيد وطنا ، أو تنصر قضايا الوطن والمواطن ، وإنما تتاجر بالدين والتدين ، وترفض وتقبل بما يخدم مصالح قياداتها وأحزابها وجماعاتها ؟!
الفتوى بالأجر اليومي!
أخبار متعلقة