ما قاله علم النفس في الذين يفشلون عند النجاح، يختلف كثيراً عن الذي قاله (جون شتاينبك) في روايته الشهيرة (فيقازاباتا) حين أصاب بطله التراجع والنكوص عن كل الذي يؤمن به قبل أن يتحقق حلم الناس في أن يصبح زعيماً، أراد علم النفس التنبيه إلى خطورة أن يستسلم الإنسان للنجاح فتهرب المبادرة من بين يديه ويصبح عبداً للبريق الخاطف، متناسياً لقواعد (اللعبة) فيصيبه الدوار، وتتخبط قراراته، لأنه ليس بالضرورة أن القرارات الناجحة تصدر عن الإنسان الناجح، وإنما تتطلب تلك القرارات نفس الجهد، والمعاناة والمثابرة والعرق الذي كان يبذله قبل النجاح - حتى يتحقق النجاح وهو ناجح!!أما (زاباتا) فقد دارت رأسه، كان قبل الوصول إلى الزعامة ثائراً على الظلم غير راض عن الأوضاع المقلوبة، متحفزاً للرد على أي عدوان على الناس حوله، قبل أن يكون العدوان عليه، ولذلك أجمع الكل عليه وساندوه ووقفوا خلفه، وإلى جواره، وأحياناً أمامه، وفي النهاية تحققت زعامته.أصبح هو الزعيم، أصبح يمسك بمقاليد الأمور بيد من حديد، وكان عادياً أن يتوقع الرفاق القدامى كل قرار ناجح يصدر عنه حتى وهم مغمضو العيون، فهو (زاباتا) الذي يعرفونه أكثر مما يعرفون أنفسهم، وأي قرار منه، يعني النجاح والصواب، والحق!!ولكن توالت المفاجآت غير المتوقعة، أصبح في قراراته الكثير من الظلم، وأصبح يمارس الجبروت الذي كان في الزمن الماضي يرفضه، ويكافحه، ويثور ضده، تحول إلى واحد من الطغاة الذين يجب على الكل مواجهتهم، ومحاربتهم - كما فعل (زاباتا) نفسه - قبل أن يصبح الزعيم.فماذا حدث؟ أين هو الزيف - اتضح بكل أبعاده عندما أصبح (القرار) في يديه؟!هل هي الطبيعة البشرية؟! هناك نماذج أخرى مختلفة لم تفعل نفس الذي فعله (زاباتا) وإنما كانت على (العهد) والتزمت بكل الأهداف التي ناضلت من أجلها، فلم تنقلب ولم تنغلب.وما يقوله علم النفس - كعادته - يأتي في صورة عامة - لا يتكلم عن شخص بالتحديد - كأنه يتحدث عن (قوالب) جاهزة لبعض النماذج البشرية التي تثير الدهشة عندما يكلل مشوارها في الحياة بالنجاح - وتنجح حقيقة - ثم يتوالى بعد ذلك سلوكها المرضي الفاشل كأنما هي في عناد مع ذواتها قبل غيرها.مثلاً : فنان متواضع الإمكانيات محدود الموهبة، أو كاتب من الدرجة الثانية التي تكون عادة (وسيطة) بين المشاهير والقراء ماذا يحدث لكليهما عندما يتحقق لأيهما ما تحقق للبطل (زاباتا) هل يتصرفان مثله؟! هل يمارسان الظلم الذي كانا يكرهانه ويقاومانه، وينتصران عليه؟!الإجابة في واقع الحياة الذي يدهشنا كل صباح بمفاجآته، وبأحداثه التي لا يتصورها عقل، خاصة عن هؤلاء الذين يفشلون ويسقطون وهم في قمة النجاح مع أن كل الظروف تقف معهم ليستمر تألقهم - وهم يرفضون، ويقاومون تلك الظروف بعناد غريب يصعد بهم إلى الهاوية.نعم هي طبيعة بشرية تعني انتهاء الدور إلى أن يلعب الحظ دوره مع ناجحين آخرين.
الساقطون نجاحا
أخبار متعلقة