(1 - 2)
في ثنايا هذا الجو السياسي المكهرب، وعبوات الفكر المعلب، وغاز السريون المسرب .. ننام على فجيعة، ونصحو على فلم غربي مخيف ونتعاطى مع مشاهد رعب جديد .. أولى بنا ان نتحدث قليلاً عما تأنس إليه النفس، ويبهج القلب وهو الجمال والخضرة موئل الجمال المزروع في وجداننا وفي قلب كل مخلوقات هذا الكون .. نعمل ابحاراً محدوداً في رحاب الخضرة والاخضر والخضار والاخضرار سواء بابعادها الجمالية، أو بمدلولاتها السياسية أو بالماحاتها الحضارية، أو بايماءاتها السياحية، ونبدأ مؤثرين الأرقام ليسهل الوصول إلى الافهام.< قال الشاعر العظيم والعالم الفاشل جوته: (النظرية رمادية اللون لكن شجرة الحياة خضراء)، وكم من نظريات سوداء أو رمادية استوعبناها كعقيدة صدمت بلد المنشأ، فأودت بنا إلى وعورة المسالك، وطرق المهالك، أو جعلتنا نراوح في المنطقة الرمادية .. وفي حالة ذهول بعد ان وارينا قتلانا، واستحضرنا مخزوننا الانتقامي للبطش بالآخر، لقد شيطنونا وكنا أحسن خلقاً فلم نعد نرى إلا السواد (يضاحكني وفي داخله سواد)، أما شجرة الحياة التي تظللنا بفيئها، وتحضننا بكل محبة تزداد اخضراراً حينما تتدفق فيها مياه كثيرة بدءاً بالجذور، ومروراً بالانساق وانتهاء بالغصون والفروع والأوراق.< صاحب (الكتاب الأخضر) القذافي الزاعم، أو الذي كان زاعماً بنجاحه في الجمع بين النظريات الثلاث: الاشتراكية والرأسمالية والإسلام، وابتداعه ما يسمى النظرية الثالثة، وقد قام بترويج اخضراره التنظيري، وهو ـ ان لم أكن مخطئاً ـ صاحب مصطلح (إسراطين) المنحوت من إسرائيل وفلسطين ـ أي دعوة إلى التعايش كشعب واحد .. أو كإقليمين تحت وطن واحدـ يقال: خذوا الحكمة من أفواه المجانين، القذافي الذي قضى باشنع وأبشع قتلة .. ضرب بالمسدس في مؤخرته ولطم بالحذاء قبل الاجهاز عليه .. أسوأ ميتة تعرض لها زعيم عربي في موجة الربيع المزعوم، أو في عصرنا الحاضر، مكث في الحكم فوق 43 عاماً كأطول فترة لرئيس عربي، نسمع الآن بعض التباكي عليه، وسيحكم عليه التاريخ بأمانة بعد أن تهدأ الضجة والشعارات الفجة. وهناك في ليبيا جبل شهير اسمه الجبل الأخضر، ولا أدري عما إذا كان القذافي ملك ملوك افريقيا استقى مفهومه النظري القادم منه أو لا!< ونحن في أجواء الخضرة والحب والغناء اليمني الأصيل الذي تنساب منه النغمات كأعذب سلسبيل .. تقفز إلى شاشة المخيلة أغنية شعبية جميلة لا يكاد يخلو منها فرح .. من كلمات وغناء الرائعين أحمد أبو مهدي، ومحمد صالح العزاني:ألا يا طير يا لخضر ** وين بلقاك الليلةألا ما باك توعدني ** وتنسى وعدي الليلةألا يا مسك يا عنبر ** عيوني دوب سهرانهمتى تعطف على قلبي ** ذكر اهله وخلانه< الأخضر الابراهيمي (الجزائري) المبعوث الأممي لليمن في حرب صيف 7 / 7 / 1994م، الذي لا تذكر مهمته التي عدت ناجحة إلا وتذكر معها حكاية صحيحة .. طريفة .. هي ان اللاجئين الصوماليين كانوا يسكنون في أول موقع لهم (سواحل المطلع .. مدينة الكود بأبين) وقعوا بين خطي الاشتباك بين قوى الشرعية وقوات الانفصال فسقط من اللاجئين قتلى وجرحى، اختصرت فتاة صومالية مأساتهم في قولها لوسائل الإعلام:< أحمر يضرب .. أبيض يرد، اخضر يتفرج .. صومالي يموت، والمقصود بالأخضر المبعوث الأممي، وبالمناسبة هو حالياً المبعوث الأممي للمجتمع الدولي في سوريا بعد سابقيه نور الدين دابي (سوداني) رئيس فريق المراقبة، وكوفي عنان.ولا يظهر أن مهمته ستنجح لأن الهدف واضح وأكبر من كل مجهودات المبعوثين، المسألة مناورة وإضاعة وقت واستمرار قتل اكثر، واستنزاف موارد وقدرات.< محمد مرشد ناجي الفنان الجميل الشامل الذي يسحر صوته الملايين، وبأي لون يغني يعجبني صوته الرائع مع الصباح الباكر وهو يشدو من الحانه وكلمات أحمد الجابري:اخضر جهيش مليان حلى عدينيبكر غبش شفته الصباح بعينيوفي أيام التشطير .. غنى مع المتألقة أمل كعدل اغنية جميلة للوحدة وهي من كلمات د. سعيد الشيباني يقول فيها:صنعاء الكروم .. يا موطن السباياإب اخضرار تسخر من البلاياصعدة جبال علاياهذه التهايم للسلام هداياالوحدة يا خلي للشعب غايهوهذا الفارس الذي إذا ذكر .. ذكروا معه الموسيقار الراحل أحمد بن أحمد قاسم، وكان بينهما تنافس، نورد هنا ما يتعلق بموضوعنا، وأبرزها (يا حلو) من كلمات د. عبده عثمان ولحن وغناء موسيقار اليمن:(يا حلو يا اخضر اللونمن أمس أنا بحلمبحلم وأتمنى ذا اليوميا محلى السمرة .. سمرة واحد لواحدلموا الخدود .. وطروحوا السوعد.< قال البحتري:أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد ان يتكلماهذا هو الربيع المعتاد .. صاحب الحسن الأخاذ .. الربيع المكلل بالاخضرار، وارتداء الطبيعة حلل الجمال المتعددة الألوان التي من أكثرها وأروعها الاخضر، فالخضرة تراها في كل مكان وتنقل البهجة إلى دواخلك، طبعاً كان ذلك قبل عامين ونصف أما ما جاء بعدها فقد قضى على الاخضرار، واطاح بالجمال: الخضرة تبدلت إلى حمرة، وأهازيج الفرح، وانطلاقات الحبور، تحولت إلى صراخات الحزن الكليم، ونداءات الاستغاثة الأليمة، واتضح للغبي قبل الذكي وللطفل قبل الشيخ .. انه ليس ربيعاً بل كان دماراً مريعاً زرع في أنفسنا أوجاع الحسرة والعذاب.< الأخضر الابراهيمي .. نجم كروي جزائري بزغ نجمه واشتهر في مونديال 1982م، الذي أقيم في اسبانيا وظفرت بكأسه ايطاليا، وتعرض منتخب الجزائر لتواطؤ خبيث لحرمانه من التأهل من قبل المانيا والنمسا، تآمر حتى في الرياضة يعني السياسة والاقتصاد مش كفاية.< أحزاب ومنظمات الخضر في كثير من دول العالم .. تدافع عن اخضرار البيئة، والغطاء النباتي، وتحصين المحميات بقوانين نافذة، وعندنا المحميات تعاني من اهمال رسمي وشعبي أبرزه .. الاحتطاب المستمر، ورعي الماشية في مستطيلات النباتات النادرة.بلوانا الأخيرة، وسبب مشاكلنا الكبيرة والصغيرة، ورداً على رأي المفكر العربي د. عبدالعزيز المقالح القائل بثقافة القات، وان ثمة منافع على قلتها، أذكر هذا البيت الساخر:لانفع في القات لكن فيه الشقاء والعذاب< مفردات الخضرة، والاخضر، والاخضرار .. تتكرر في اشعار الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار .. منها قوله بصوت فنان العرب محمد عبده:خضت البحر لخضر * جبت من قعره درريعجب النقاد منظر * ذلك الدر النفيس