الأديب الراحل حسين باصديق
د. زينب حزام وأن المبدع لا ينقل الواقع المعاصر ولا التاريخي وإنما يختار بعضاً من مكوناته ويعمد إلى الإضافة والحذف حتى يخرج من طبيعة الخبر ويدخل دنيا القصة. ويرتفع الخيال إلى أفق أعلى عندما يكسر المألوف ويقدم ما هو خارق للطاقة الإنسانية وتتشكل عندئذ علاقات أخرى بين الشخصيات وتتابع الأحداث هنا نلحظ دورة البحث عن سبيل التعبير في أزمنة الأدب السردي العربي فقديماً كانت النصوص واقعية سواء تلك الموروثة في الذاكرة الشعبية أو ما يؤلفه الكتاب أو تلك التي لم تعرف لكاتب محدد. وكذلك هي التي تمزج الكاتب الراحل اليمني حسين با صديق بالواقعي .. ومع تطور الأدب القصصي الفني الحديث فصل بين الأنواع ولم يعد مقبولاً التدخل واندياح السحر البعيد على الأحداث الواقعية ثم عاد يتعاظم محدداً الميل إلى كسر الحاجز بين العوالم بعد أن غدا الحاضر الإنساني عاجزاً في أوقات الاستجابة لأحلام تنتصر على الألم والبؤس وتطلب الحرية التي أضاعوا ألوانها فغدت ملتبسة لا يعرف طريقها؟! وهنا يحتاج الموقف إلى إيضاح حضور الكاتب حسين با صديق في مجموعته القصصية الأولى التي حملت اسم ( الإبحار على متن حسناء) 1989م. اقبل الصباح ضاحكاً ارتسمت في وجه مقبل بسمات من نور ذلك الصباح لم يشعر بها هو نفسه ولم يحس بوطأتها من التقى به من الأصدقاء لم يعرف انه يبتسم أم يكشر كعادته .. لعل وجهه صمم لكي لا يعطي أية دلالة على الفرح تجاعيد كثيرة لاصقة في ذلك الوجه المعفر منذ زمن بعيد أهل القرية ألفوا منه شراسة لا تطاق. إذا غضب زادت التجاعيد وأرهبت الرجال عدا النساء اللواتي يتعاملن معه أو الأطفال الذين يقابلونه دخل ذات مرة مزرعته الصغيرة الواقعة خارج حدود القرية المزرعة الصغيرة غير مسورة ولكن في حدها الشمالي جداراً صغيراً من الحجارة مكسوة بشبك طويل يمنع الحجارة من التدحرج والتسرب ويسمى المزارعون ذلك ( بالمصرف) .. وفائدة المصرف عند المزارعين عظيمة .. انه يمنع المياه الجارفة والسيول من أن تجرف معها عند نزولها مزارعهم فتخف بهم وبزراعتهم لقد بذل مقبل ومعه عدد لا يستهان به من العمال المزارعين والعاملات وكذا معه أهله وأبناؤه لبناء هذا المصرف فعليه الاعتماد في زراعتهم ونجاح إصلاح مزرعتهم. إذا دخل مقبل مزرعته فإنه لا يثير أي شيء يدل على وجوده فهو يريد أن يشاهد العمال يشتغلون في المزرعة ويعرف أنهم يهابونه . والويل لمن يكتشفه يلهو ويلعب خلال أوقات العمل اغلب عماله من النساء العاملات لأنهن أكثر اذعانا من غيرهن.. وهو قلما يوظف رجالاً يعملون مع النساء العاملات في مزرعته إلا إذا كان من أبنائه أو قريباً له.. انه على الأقل يستطيع ضبطهم والسيطرة عليهم ولكنه لا يخشى إلا الآخرين الذين لا يمكن بأي حال أن يفعل معهم أي شيء وكل ما يخشاه هو أن يتورط مع الآخرين فيدخل معهم في نزاعات نقابية كما يفعلون مع الحاج عبده والشيخ هزاع وغيرهما يكفيه ما يلاقيه أولئك ويسره أن يرى ابنه مسعد في العمل.نص مركب ومفتوح يوحي المؤلف في قصة « الإبحار على متن حسناء» انه يبدأ عملا مفتوحاً يشكل شخصياته وأحداثه أمامنا ويعقب في الختام بتعليقات من بعض الذين شاركوا في بطولات أحداث القصة. وقصة الإبحار على متن حسناء يمكن تحويلها إلى عمل درامي فهي تمثل الواقع اليمني ومعاناة المرأة اليمنية البسيطة. ويبرز المؤلف الراحل حسين با صديق في قصته هذه ثلاثة هم محور الحدث والعلاقات ومن خلال الشبكة التي ينصها السارد تتبين السمات النفسية والخطوط التي تتحرك بينها ونرقب تلاقيها أو احتمالات وقوع مصادمات بين أبطالها فهي تبرز الحالات النفسية لأبطالها والأخر فكري اجتماعي يبين استغلال القوى العاملة منها المرأة المنتجة في المجتمع الحديث. قصة الإبحار على متن حسناء من تأليف الكاتب الراحل حسين با صديق طباعة دار الشئون الثقافية العامة بغداد 1989م. وفي قصة « الإبحار على متن حسناء» قدم الكاتب الراحل حسين با صديق أفكاره النقدية والاجتماعية ووضع قضية المرأة اليمنية في المجتمع وضرورة مساواتها في الحقوق والواجبات للبناء المجتمع السليم وكما يجد القارئ أن اللغة العربية عند المؤلف لهذه القصة تطغى على المضمون احياناً ولكن عباراته الرشيقة محببة أعطت القصة مضموناً جمالياً للقارئ والمتعة القصصية ، والأحداث الشقيقة للقصة ليقدم لنا القاص حسين باصديق رأياً أو ليناقش فكرة فنية أو انه يتبادل والقراء الجدل ويطرح عليهم المسار الذي اختاره لقصته لأنهم في رأيه شركاء في العمل الأدبي وقد يعرض الوصف على القراء في بعض الحالات من غير تفصيل إذ ليس من الذوق كما يعتقد ولا من الرعاية أن يستأثر به دونهم !.