ولد الدكتور قيس غانم في عدن في بداية الحرب العالمية الثانية في أسرة عرفت بالعلم والإبداع فقد كان والده الشاعر الراحل الأستاذ الدكتور محمد عبده غانم أول خريجٍ جامعي في الجزيرة العربية، إذ تخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت بمرتبة الشرف عام 1936 كما حصل على الدكتوراه من جامعة لندن وكان مديراً للمعارف بعدن في الستينيات من القرن الماضي ثم بروفسوراً في جامعة الخرطوم في منتصف السبعينيات وأخيراً عميدا للدراسات العليا في جامعة صنعاء في الثمانينيات وكان أول يمني يحمل درجة بروفسور. وكانت والدة قيس ابنة الأستاذ محمد علي لقمان أول خريج عدني في الحقوق وأول من أنشأ صحيفة عربية ثم أول من أنشأ صحيفة إنجليزية في جنوب الجزيرة العربية، وأول من كتب رواية في اليمن.كتب قيس أول قصائده في سن المراهقة متأثراً بأجواء الصحافة والأدب والشعر التي كان يعيش في خضمها ونشرها في مجلة كلية عدن وبعض الصحف كما ألف كلمات الأغنية العدنية الشهيرة (الزين جزع مرة) في تلك المرحلة من الخمسينيات ولحنها وغناها الفنان سالم أحمد بامدهف.سافر قيس من عدن إلى بريطانيا في طلب العلم في التاسعة عشرة من العمر حيث التحق بكلية الطب في جامعة إدنبره الشهيرة في عاصمة اسكوتلندا فكرس كل وقته لدراسة الطب وقد اجتاز اثني عشر امتحاناً طبياً خلال حياته الدراسية والمهنية. وبعد العمل لفترة قصيرة في عدن أثناء مرحلة سياسية مضطربة قبيل الاستقلال عام 1967، هاجر إلى كندا وتخصص في البداية في أمراض الأطفال ثم في أمراض الأعصاب حتى صار رئيسا لأطباء العلوم العصبية في كندا لمدة ثلاث سنوات وأخيراً تخصص في أمراض النوم وكان يدير مركزين لأمراض النوم أحدهما في المستشفى الجامعي قبل تقاعده عام 2012. وللدكتور قيس عشرات الأبحاث العلمية التي نشرت في المجلات و الكتب الطبية.في بداية الثمانينيات عمل د. قيس في دبي حيث أنشأ قسم طب الأعصاب في مستشفى راشد وفي تلك الأثناء عاد للاهتمام بالشعر لتواجده من جديد في مجتمع عربي فساهم في إصدار مجموعة شعرية صغيرة بعنوان “تنويعات على الأوتار الخمسة” مع الشعراء عبدالمنعم عواد يوسف ووائل الجشي وفوزي صالح وشهاب غانم. كما أصدر كتيباً بالعربية عن مرض الصرع . وبعد أربع سنوات انتقل للعمل في جامعة صنعاء حيث ساهم في تأسيس كلية الطب. وبعد ثلاث سنوات أخرى عمل في مستشفى حمد في قطر على تأسيس قسم الأعصاب حيث أصدر كتيباً بالعربية عن مرض الصداع كما كانت له صداقة أدبية وطبية مع الدكتور حجر أحمد حجر البنعلي مستمرة حتى يومنا هذا. وبعد عام في قطرعاد إلى كندا حيث التحقت ابنتاه بالجامعة.وانتخب قيس لعشر سنوات متتالية رئيسا لجمعية “أكوجا” وهي جمعية الخريجين العرب في كندا حيث كان يستهل معظم الاجتماعات الأدبية الشهرية بقصيدة في الغزل أو المزاح. وكان له اهتمام كبير بالعمل في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وترشح للانتخابات في البرلمان الكندي عن حزب الخضر وله برنامج إذاعي حصل على جائزة أفضل برنامج خلال أربع سنوات متتابعة، وله موقع إلكتروني واسع الانتشار يديره بنفسه هو http://www.dialoguewithdiversity.com/وقد أصدر قبيل تقاعده ديواناً شعرياً نصفه باللغة العربية ونصفه الآخر باللغة الإنجليزية. وهو يتحدث أيضا الفرنسية والإيطالية. بعد تقاعده بدأ في كتابة الرواية فأصدر روايتين باللغة الإنجليزية كما أصدر كتاباً عن الربيع العربي مع كاتب كندي آخر من أصل لبناني هو إيلي نصرالله . ونحن في هذا اللقاء نركز على اهتمامات الدكتور قيس الثقافية:* أين كانت دراستك الثانوية ومتى بدأ اهتمامك بالشعر والكتابة؟** أكملت دراستي الثانوية حتى اجتياز شهادة الثقافة العامة الجي سي إي في المستوى العالي في “كلية عدن” التي كانت حينذاك من أرقى المدارس الثانوية في العالم العربي ودائماً ما أذكر نفسي بحسن حظي. فقد كانت مدرسة راقية ومتكاملة وهناك بدأ اهتمامي بالشعر عندما تقدمت للمنافسة في مسابقة إلقاء الشعر وألقيت قصيدة المتنبي “واحر قلباه” التي يعاتب فيها سيف الدولة ولحسن الحظ نلت المركز الأول في الإلقاء.* وماذا عن تأثير الوالد؟** لا شك أن تأثير والدي الدكتور محمد عبده غانم كان ضخماً فقد كان أثناء سنين الثانوية يعتبر من أهم شعراء المنطقة وكانت مكتبته آنذاك تزخر بالكتب العربية والإنجليزية و القواميس والدواوين الشعرية. ثم إنه عندما كانت كتبه تطبع في المطابع التجارية كنت أساعده بالذهاب للمطبعة لتصحيح الأخطاء المطبعية مضطراً لذلك أن أقرأ كل سطرٍ وكل كلمة بتدقيق كبير.* وماذا عن الشعراء الآخرين؟** الحقيقة أنه كان يوجد عدد من الشعراء المعروفين في عدن مع تفاوت في المستوى وفي الأسلوب. وكان من بين الشعراء الذين أعجبت بهم خالي الأستاذ الشاعر الصحفي علي محمد لقمان، ثم مدرسي في الثانوية الأستاذ الرسام لطفي جعفر أمان والمدرس الأستاذ محمد سعيد جراده وكانوا كثيرا ما يجتمعون في منزلنا مع لفيف من الشعراء للحديث عن الشعر فقد كان منزلنا مقراً لجمعية الشعراء التي لم يكن لها مقر مستقل. وعدا ذلك فقد حفظت قصائد كثيرة من معلقة طرفة ابن العبد إلى روائع المتنبي وبشار بن برد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ونزار قباني إلخ. ولكن تبع ذلك ما يمكن أن يسمى قحطاً شعرياً في أثناء الدراسة في بريطانيا حيث درست الطب ثم التخصص في بعض فروعه. والحقيقة هي أنني انقطعت عن العالم العربي لمدة ثلاثين سنة مقابل عشر سنوات فقط قضيتها بين اليمن والخليج. وفي دبي اشتركت مع أربعة شعراء آخرين في إصدار ديوان صغير مشترك بعنوان (تنويعات على الأوتار الخمسة).* حدثنا عن دراستك والعمل في مهنة الطب التي قلما تجتمع مع الشعر** هي في رأيي كارثة لمن يريد أن يصبح شاعراً يشار له بالبنان لأنها تستحوذ على كل ما لدى المرء من الوقت فدراسة أي تخصص على مستوى الجامعة لا يسمح للطالب برفاهية الاهتمامات الأخرى خاصة في الطب لأن الطب يعتمد إلى حد كبير جداً على الحفظ عن ظهر قلب. فعلى سبيل المثال أتذكر بوضوح أنني قضيت عشرات الساعات محاولاً حفظ أسماء ومواضع عشرين عظمة في يد الإنسان، وبعد هذا المجهود الكبير لم اضطر إلى استخدام هذه المعلومات مرة واحدة في حياتي حتى يومنا هذا! الناس يستغربون كثيرا عندما أؤكد لهم أن الذاكرة القوية أهم بكثير من الذكاء للحصول على شهادة بكالوريوس في الطب, وربما يفترضون أنني أقول ذلك من باب التواضع.* ولكنك أصبحت اختصاصياً مرموقاً في الطب في كندا.** شغلت منصب رئيس مختبر العلوم العصبية في المستشفى العسكري الوحيد في كندا، وصرت رئيساً لأطباء العلوم العصبية لمدة ثلاث سنوات و أيضا ممثل كندا لدى الجمعية العالمية لفيزيولوجية الأعصاب. وكان آخر منصب شغلته هو رئيس قسم أمراض النوم في المستشفى الجامعي في أتوا عاصمة كندا.* لك نشاط واسع اجتماعي وسياسي وثقافي فحدثنا عنه.** على مدى السنوات العشر الماضية شاركت في نشاطات كثيرة وبحماس شديد فأنا صاحب فكرة ومستضيف البرنامج الأسبوعي الإذاعي الكندي المسمى (الحوار مع الشعوب) منذ 2006، ورئيس رابطة الخريجين الجامعيين الكنديين العرب 1992 ،2002 ورئيس ائتلاف المهنيين الكنديين العرب، ورئيس اللجنة التثقيفية لجمعية التصويت العادل، ومؤسس مجموعة الحوار بين الكنديين العرب و اليهود، وعضو مجموعة ضد الحرب، وعضو جمعية الأطباء لحقوق الإنسان، وعضو جمعية الأطباء ضد الحرب النووية، وعضو المعهد الكندي للحلول السلمية للصراعات، وعضو الجمعية اليمنية الكندية في أتوا، ونائب رئيس جمعية المؤلفين الكنديين. * ما هي مؤلفاتك الطبية؟** نشرت عشرين بحثاً في المجلات العلمية والطبية باللغة الإنجليزية،كما ألفت فصلاً في كتاب عن مرض النعاس، ونشرت كتيباً بعنوان (مرض الصرع) باللغة العربية صدر في طبعتين، كما نشرت كتيباً بعنوان (مرض الصداع) باللغة العربية.* ما هي مؤلفاتك غير الطبية؟** منذ سنة واحدة أكتب عموداً في التحليل السياسي كل أسبوعين بدعوة من صحيفة جلف نيوز التي تصدر في دبي في دولة الإمارات كما أكتب من وقت إلى آخر مقالات في صحيفة هفنجتون بوست في كندا. وقد دخلت مؤخراً عالم كتابة الروايات بالإنجليزية فكانت أولى رواياتي وقد صدرت عام 2010 بعنوان (آخر طائرة من صنعاء) و فيها تنبأت قبل الربيع العربي بمدة ثلاثة أشهر بالهجوم على قصر الرئيس اليمني صالح وهروبه من صنعاء على متن طائرة والرواية تستعرض الفروق الشاسعة بين المجتمعين اليمني الإسلامي والغربي خاصة فيما يخص المرأة. والكتاب الآن في يد مخرج سينمائي أبدى اهتماما كبيراً في تحويله إلى فيلم سينمائي حالما يتوفر الدعم المالي للمشروع الذي يقدر بثمانية ملايين من الدولارات! كما أنه قد صدر مؤخرا بالعربية.والرواية الثانية (صبيان من كلية عدن) تدور حوادثها أيضاً في اليمن وبريطانيا وأمريكا وتدافع بشدة عن حقوق المرأة المسلمة في قصة عن الصراع بين الخير والشر. وتباع حالياً في بعض مكتبات دبي.أما الكتاب الأخير الذي صدر عن شركة أمازون بعنوان (الربيع العربي و كندا) فيتحدث عن وقع التطورات السياسية إثر الربيع العربي على المهاجرين العرب في كندا وقد وجد اهتماماً كبيراً منذ صدوره في أكتوبر لأنه يبين بالتفصيل كيف يستطيع المهاجر العربي أن يحسن من أحواله في المهجر بطرق عملية و ممكنة. وحضر تدشين الكتاب مئة وثمانون من العرب وغير العرب بالإضافة إلى عمدة المدينة الذي ألقى خطاباً يشيد فيه بالكتاب الذي يسعى إلى تحسين التعايش بين الكنديين والمهاجرين العرب.* وماذا عن الشعر وكيف تقارن شعرك باللغتين؟** كنت قد أصدرت ديوان شعر يحوي قصائد باللغتين العربية و الإنجليزية والقسم العربي بعنوان (من اليمين إلى اليسار) والقسم الإنجليزي بعنوان (من اليسار إلى اليمين) إشارة إلى اختلاف اتجاه الكتابة في اللغتين، وقد نشرت الطبعة الأولى من الديوان في اليمن وأعيد طبعه مؤخرا في كندا مع إضافة قصائد عديدة كتبتها منذ الطبعة الأولى.أعترف أنني أجد كتابة الشعر باللغة الإنجليزية أقل مشقة وتعقيداً والتزاماً بالوزن والقافية وأصبحت مهارتي باللغة الإنجليزية ربما تفوق لغتي الأم! زد على ذلك أنني بطيء جداً في طباعة اللغة العربية. ومع ذلك هناك من يحب قصائدي العربية وهناك أيضاً من يفضل الإنجليزية منها وفي النهاية علينا أن نتذكر أن الأذواق تتفاوت كثيراً بين الناس، كما يحدث في فن الموسيقى والرسم، الخ.* لقد شاركت مؤخرا في الندوة الشعرية العالمية بلغات متعددة والمسماة (قلب شاعري) في دبي في فبراير 2013 في سنتها الثانية وكنت قد شاركت في نفس الندوة في تجربتها الأولى في فبراير 2012 فأخبرنا عن هذه الندوة وما تسعى لتحقيقه.** نعم لقد سعدت كثيراً لمشاركتي وخاصة في هذه السنة الثانية التي جمعت شعراء يكتبون باللغات اليابانية والماليالم والإيطالية والفارسية بالإضافة إلى اللغتين الشائعتين ألا وهما العربية والإنجليزية وكان إلقاء كل قصيدة مقروناً بالترجمة على الشاشة.ومن مميزات هذه السنة أننا أضفنا عزفاً جميلاً على العود بالإضافة إلى الجيتار الغربي وأضفنا أيضاً مسابقة شعرية بين طلبة المدارس مما يشجع الجيل القادم على الاهتمام بالشعر وكنت واحداً من المحكمين. * لك نشاط في السنتين الأخيرتين على (الفيس بوك) حيث تنشر حوارات مع عدد من خريجي مدرستك القديمة (كلية عدن) ومنهم محاورك فاذكر لنا الهدف من هذه الحوارات القصيرة الجميلة وأسماء بعض من أجريت معهم الحوارات.** الحقيقة هي أن هذه الحوارات تشكل امتداداً للحوارات التي بدأتها بالراديو عدا أنها أقصر فلا تتعدى 15 دقيقة يصف فيها من تتلمذ في تلك المدرسة الثانوية الذكريات الجميلة هناك وكيف أثرت تلك الكلية على مصير ذلك الطالب. وقد شارك عدد من الشخصيات البارزة في هذه المقابلات المصورة كالمذيع العدني المعروف أشرف جرجرة والكاتب فاروق أمان والطبيب الدكتور عادل عولقي والوزير اليمني السابق الأستاذ عبدالله الأصنج والدكتور عبدالله ناشر الذي كان سفيراً لليمن في كندا والمهندس حسين مهيوب سلطان والأستاذ محمد القطيش قنصل اليمن في دبي، ومؤخراً العربي الوحيد الذي نال جائزة طاغور للسلام ألا وهو أنت نفسك! * ما هي مشاريعك المستقبلية في الكتابة؟** لدي ثلاثة مشاريع:أولا: إدارة حلقات نقاش شهرية عن مساهمة الكنديين العرب في الديمقراطية.ثانيا: إكمال روايتي الثالثة وتدور حوادثها مرة أخرى في اليمنثالثا: تأليف كتاب مع الدكتور عادل عولقي عن إنجازات المهاجرين اليمنيين في المهجر كبريطانيا والإمارات وكندا وغيرها ويمكن للمهاجرين اليمنيين الذين يقرأون هذا الحوار ويودون المشاركة بالحديث عن تجربتهم في هذا الكتاب الاتصال ببريدي الإلكتروني ([email protected]).
|
ثقافة
حوار مع الطبيب الأديب اليمني الكندي د. قيس غانم
أخبار متعلقة