للشاعر الفلسطيني عصام الديك
سأكون وحدك .. لأقرأ شارات المرور .. سأكون ملكك .. لأقنع أمنياتي أنني الشوق المضرج في زبد البخور .. سأكون أنت كما أراك هديل نفس تعتلي الحزن على أبواب بعدك في دوار الفكر مرتقبا حماقة إنسان يبور .. ستكون وحدي .. واليمام تسلق الريح ليطفو فوق موج الروح يرقب حبة القمح على سيقان سنبلة تراوح غيمة في أفقها إعصار أمطار ورعد يثقب الأجواء يرسو في منابتها حريقا كلما البرق احتوى شحنة العشق على أهداب فضته في مجمع الجفنين في ظُلَم الرياح الهائمات على جناح يمامة خرت قواها والمدى حلم تناثر في هديل الذكريات وأسلمت للحزن قامتها وطاحت لا تساندها الكسور .. سنكون أنت وكلما البعد احتوانا تصرخ الآهات في الصدفات أنا ليتنا كنا أنا أنت وكنا مثلما كنا ترابا حيث لا بعد ولا موت ولا حزن ولا سهد ولا وأد ولا سيف ولا تيه ولا شيء أنانا أو إنانا أو بماذا نحتبي أو كيف صرنا هكذا لم ندر من يجثو على وقع الخطيئة في خطاك ومن يخبو أمام الريح ومن يغفو على الوجع المضمخ بالسراب ومن يصحو على أنقاض رغبته ومن ينجو بخف النظرة الأولى ومن يلقط جمر فرعون ومن قد ثوب الطهر عنه ومن راح راع لا ولا من ينقل العرش ولا الشعر في أوجاعنا قيل وباءت هذه الأرض كما كانت سرابا أو خرابا أو قبور .. سيطول عرض الخطوة الأولى بما نخفي وما نبدي وبما نعيد كبدء يقتفي أثر الضياع على قسمات تيه الفقد وأوهام الحيارى ودلالة النيل المؤزر في المعابد والطقوس كما بدت في النقش أو في النحت وفي القول الذي ساد المراسيم الغبية عندهم أو عندنا لا لا يهم ولكن كلما ابتدأت طبول الصحو ننتظر ابتداء الموسم الأشهى في مسرح التأويل وتكثيف الضياء على الممثل كي يموت مضرجا بدم الضحية والظلام يحف تصفيق الجماهير الغفيرة في الفراغ على أوتار ناي يستعيد رضانا أو رضاها وهي تملي وحيها للغيم ألا تمطر الدنيا بغير البدء وها نحن لسنا إلا البرقة الأولى لبدء القطر لكي نحتبي بالمجد في ظلمات معبدهم ويكتمل العبور .. أن الدخول إلى عالم النص المفتوح يجب أن يكون متجذراً في موقع الكلمات ضمن الحدث الشعري لأن الصعوبة تكمن في المحافظة على روح الشعر ضمن هذا النص ...وألا فأن هذا النص يتحول إلى نثر عادي خارج السياق الشعري وكما قال أرسطو ( أنه من الممكن أن يتوفر للنثر إيقاع مشابه للإيقاع الشعري) ..لذلك نرى حين نقرأ نص الشاعر عصام أنه أستطاع وبقدرة عالية المحافظة على هذا بالرغم من رهافة وعنفوان المشاعر المشعرنه داخل هذا النص وكذلك تظهر قدرته على المحافظة على هذا النسق الشعري إلى أخر النص حيث نحن نشعر أنه حافظ عل البنية الأساسية للشعر والتي هي الإيحاء والاستعارة والتعبير الشعري المستفز والتصوير الشعري والمحافظة على هذه الصورة الشعرية بشكل جميل ورائع وكذلك أستطاع التغلب على هوامش الكلمات التي تضر بهذه الصورة وتجعلها خارج الذائقة الشعرية حيث تصبح الدلالة الشعرية خارج المعيار المعنوي للشعر في المحافظة على معاني لألفاظ المفردة في صيغة الجملة الشعرية بعد المعاناة والمكابدة .. حيث يكون المعنى هو محصلة التفاعل الدلالي بين معاني الألفاظ من ناحية ومعاني النحو والذي أستطاع الشاعر إحكام هذه المعاني ضمن الحدث الشعري والتطور به إلى الذائقة التي يريد أن يصل بها. وكما قيل سابقا أن أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر ونثر كأنه نظم ، وكذلك أستطاع أن يحقق ما نادى به برنار من التمرد على الأشكال القديمة حيث قال (أول طابع للتمرد على القوانين والطغيان الشكلي ) وهو هنا يستحضر الغائب من خلال وجوده هو أي هنا أستطاع الشاعر يقلب الموازنة النفسية من الـ (هوا) إلى ( الأنا) وبدون أن يفقد الــ(هو) شخصيته وانتماءه بل هو هنا يضحي من أجله إلى حد يملكه أمنياته ويقنعه بهذه الأمنيات والشاعر هنا حقا قد تمرد على كل القوانين والطغيان الشكلي للمعادلة في المدرسة النفسية وأعطى إلى الأخر كل مساحات ذاته الإنسانية ووهبها له حتى تداخلت روحه معه إلى حد سيكون إنسان يبور من بعده وهذه قمة المحبة والعشق الصوفي وهذه تذكرني بمناجاة الحلاج إلى الإله حيث يقول له (أنت أنا وأنا أنت)لهذا نستطيع أن نقول أن الشاعر حقق بهذا العشق الصوفي وكما قال الحلاج :أنت الذي حزت كل أين....بنحو لا أين فأين أنتَ ففي بقائي ولا بقائي ...وفي فنائي وجدت أنتَ أنت حياتي وسر قلبي...فحيثما كنتُ كنتَ أنتَ سأكون وحدك ../أقرأ شارات المرور .. /سأكون ملكك .. /لأقنع أمنياتي أنني الشوق المضرج في زبد البخور .. / سأكون أنت كما أراك هديل نفس تعتلي الحزن على أبواب بعدك في دوار الفكر مرتقبا حماقة /إنسان يبور..)ويستمر الشاعر بهذا العشق الصوفي إلى النهاية مرة يصبح الهوا...الأنا ومرة تصبح الأنا ...الهوا وأنا حين أستمر في التوغل في هذا النص أشعر أنني أمام الحلاج بنفسه وليس أمام الشاعر عصام وهذا ما يدل على قدرة الشاعر على استحضار روح العشق الصوفية وتلبسها إلى حد وقدرة عالية من الروح العالية لهذا الشاعر الموغل بكل الأبعاد لهذه الروح...وهذا ما يدل على قدرته الشعرية الكبيرة والرائعة وهو بهذا يصل إلى ما وصفه الكاتب أوستن عن قدرة الشاعر أو المؤلف ( قدرة الشاعر أو المؤلف على انتقاء ونظم الوحدات المكونة للرسالة اللغوية) حيث ندرك أن الشاعر جعل من الروح تتسلق الريح فوق موج الروح ولكن بامتداد إلى الطبيعة التي جعلها تعبيراً عن هذه الروح بعشقها الصوفي الذي جعلها تصعد فوق ظلم الرياح الهائمات ...حقا أنه عشق صوفي حلاجي كبير... (ستكون وحدي .. واليمام تسلق الريح ليطفو فوق موج الروح يرقب حبة القمح على سيقان سنبلة تراوح غيمة في أفقها إعصار أمطار ورعد يثقب الأجواء يرسو في منابتها حريقا كلما البرق احتوى شحنة العشق على أهداب فضته في مجمع الجفنين في ظُلَم الرياح الهائمات على جناح يمامة خرت قواها والمدى حلم تناثر في هديل الذكريات وأسلمت للحزن قامتها وطاحت لا تساندها الكسور .. ) ويستمر الشاعر بهذه الاستعارة في جعل الأخر وحضوره وكأنه حضوره هو ...وأن التشخيص لأي نص بأنه كتابه صوفية أذا تناولت في بحث سياق النفس والقلب والروح والتماهي عنها جميعا من أجل الغائب بحيث لا يرى حضور له ألا في حضوراً الغائب ويصبح حبه له مجرد من الصفة النفعية فيجعله خاصا لذات المحبوب والتجربة الصوفية ميدانها النفس الإنسانية التي واحدة عند كل البشر وقد تكون الصوفية في جوهرها قائمة على أساسين هما التجربة الباطنية المباشرة للاتصال بين العبد والرب المهم هي حضور الغائب بالحاضر إلى حد التكامل ومن أجل أن نثبت هذا الفكرة أتى بمثال ما قاله أبي يزيد البسطامي (قال : أنا لا أنا انأ، لأني أنا هو أنا ، أنا هو هو) > إما ما قاله الشاعر عصام وفي المقطع التالي وقد وردت الكلمات التالية(سنكون أنت، أنا ليتنا أنا أنت) ويستمر الشاعر برحلته الوجدانية ليؤكد ويثبت بهذه الرحلة كل المعانات التي تمر عليهم سويه ( كنا ترابا حيث لا بعد ولا موت ولا حزن ولا سهد ولا وأد ولا سيف ولا تيه ولا شيء) والشاعر حين يصل هذا التوحد إلى وقع الخطيئة يحدث الفراق بينه وبين الأخر وتبدأ هذه الخطوة بالتساؤل وهذا ما يدل الفراق حيث يبدأ كما التالي( من يخبو ، من يغفو ، من ينجو ، من يلتقط ،من قد ثوب ،من راح ،من ينقل العرش ) ويصل إلى النهاية وتصبح الأوجاع أوجاعنا أي حدث الفراق نتيجة المأساة التي يراها الشاعر وجسامة هذه المأساة ونتيجة ردة فعل على هذا والتي لا يستطيع أن يعبر عنها الأخر ألا حين يحدث الانفكاك معه..لأن الطرف الآخر قد عجز أن يلبي ما أراده منه بالرغم ما ضحى من أجله إلى حد ربط وجوده به وجعله هو المصير والمعبر عنه في كل مكنوناته إلى حد أصبح المتنفس له في الوجود وقد يكون هذا شخص أو وطن أو أي موجود في الحياة (سنكون أنت وكلما البعد احتوانا تصرخ الآهات في الصدفات أنا ليتنا كنا أنا أنت وكنا مثلما كنا ترابا حيث لا بعد ولا موت ولا حزن ولا سهد ولا وأد ولا سيف ولا تيه ولا شيء أنانا أو إنانا أو بماذا نحتبي أو كيف صرنا هكذا لم ندر من يجثو على وقع الخطيئة في خطاك ومن يخبو أمام الريح ومن يغفو على الوجع المضمخ بالسراب ومن يصحو على أنقاض رغبته ومن ينجو بخف النظرة الأولى ومن يلقط جمر فرعون ومن قد ثوب الطهر عنه ومن راح راع لا ولا من ينقل العرش ولا الشعر في أوجاعنا قيل وباءت هذه الأرض كما كانت سرابا أو خرابا أو قبور .. ) ويستمر الشاعر بتأكيد هذا الانفكاك ويبدأ بالتحدث كالمجموع وليس كما كان يتحدث سابقاً من ربط وجوده بالأخر حيث يقول ( بما نخفي، ما نبدي، بما نعيد ) وهذا ما يؤكد أن الشاعر فقد الثقة بالأخر الأحادي وأتجه إلى الجموع بدل الطرف الواحد ( الجماهير) من أجل أن يحقق من خلالها ما عجز الأخر عن تحقيقه وهنا يؤكد على رضاه ضمن رضاء هذه الجماهير حيث يستخدم بين رضاه ورضاها (أو) وليس واو العطف ( يستعيد رضانا أو رضاها) أي بدء الشاعر يدرك أن رضاء الجميع أكثر أهمية من رضي الواحد وهو يحاول أن يعيد البداية مع الجميع . والشاعر أستطاع بقدرة عالية تثبيت رحلة من الداخل أو الذات بالوصول إلى الجميع وقدرته هذه قدرة على تحقيق رحلة وجدانية لكي يثبت أن الإنسان لا يمكن أن يحقق التوازن الاجتماعي ألا من خلال الآخرين ( لبدء القطر لكي نجتبي بالمجد في ظلمات ويكتمل العبور) الحقيقة روعة هذا النص بقدرة الشاعر على قيادتنا بمناقشة الذات وهمومها برحلة صوفية صادقة و ملتصقة بالوجدان والـ (الأنا) وعدم قدرة هذه(الأنا)رغباتها الباطنية على إيصالينا إلى نهاية الرحلة من تحقيق ما نرغب أليه وبشكل منفرد وهو يؤكد عدم أمكانية تحقيق الأهداف إلا من خلال الآخرين .... وهو بهذا يؤكد قدرته الفنية الشعرية في التعبير عن أدق المعاني المؤثرة وباستعمالات لفظية وتركيبة تصطبغ بلغة صوفية رائعة ..أمنياتي إلى الشاعر بالموفقية الدائمة . (سيطول عرض الخطوة الأولى بما نخفي وما نبدي وبما نعيد كبدء يقتفي أثر الضياع على قسمات تيه الفقد وأوهام الحيارى ودلالة النيل المؤزر في المعابد والطقوس كما بدت في النقش أو في النحت وفي القول الذي ساد المراسيم الغبية عندهم أو عندنا لا لا يهم ولكن كلما ابتدأت طبول الصحو ننتظر ابتداء الموسم الأشهى في مسرح التأويل وتكثيف الضياء على الممثل كي يموت مضرجا بدم الضحية والظلام يحف تصفيق الجماهير الغفيرة في الفراغ على أوتار ناي يستعيد رضانا أو رضاها وهي تملي وحيها للغيم ألا تمطر الدنيا بغير البدء وها نحن لسنا إلا البرقة الأولى لبدء القطر لكي نحتبي بالمجد في ظلمات معبدهم ويكتمل العبور ..) > كتاب النثر الصوفي -دراسة فنية تحليلة ..للكاتب د فائز طه عمر- إصدار دار الشؤون الثقافية العامة..العراق..الطبعة الأولى بغداد - 2004 .