ها نحن في هذه الأيام المباركة في أواخر الشهر الكريم جدير بنا ان نقف عند الدروس التي تعلمناها في مدرسة رمضان الذي عشنا في رحابه ما مضى من أيامه ولياليه، وجدير بنا ان نجعل من الدروس الرمضانية انطلاقة حقيقية نحو المستقبل.ومن الدروس الرمضانية التي تعلمناها عملية بناء ذواتنا، وتصحيح ما أعوج من سلوكنا، والمتمثلة في الآتي:الدرس الأول: التدرب على اتخاذ القرار: فالمسلم يبيت النية للصيام بقرار، ويمسك عن الطعام بقرار، ويقلع عن عاداته وصفاته السيئة بقرار، وما أحوج الإنسان لاتخاذ القرار الصائب، وما أحوج أمتنا وقادتها إلى اتخاذ القرارات الصائبة.الدرس الثاني: الاخلاص في العمل: فالصيام دليل صدق المؤمن واخلاصه، ألا ترى ان الصائم لا يعلم به إلا الله وحده، ولو شاء لأفطر وتظاهر بالصيام امام الناس، ولكنه يصوم حباً لله، وتقرباً إليه، وطلباً لمرضاته.الدرس الثالث: خشية الله ومراقبته: فالمسلم يتعلم من الصيام المراقبة، فلا رقيب عليه سوى الله، فتتراءى أمامه الملذات فيحجم عنها خوفاً من الله.الدرس الرابع: الصبر، فشهر رمضان يشتمل على أنواع الصبر الثلاثة: الصبر على الطاعة، والصبر على تجنب المعصية، والصبر على اقدار الله.ألا ترى ان المسلم يصبر على الجوع والعطش والتعب والنصب الساعات الطوال، ويبر على أذى الناس وتصرفاتهم واخلاقهم السيئة؟الدرس الخامس: انجاز العمل: فمع بداية رمضان تبدأ العمل، وشيئاً فشيئاً تكثف العمل، إلى ان تأتي إلى العشر الأواخر، حتى آخر ليلة من رمضان، فتشعر في نهاية الشهر انك جمعت ارباحاً كثيرة، وانجزت اعمالاً عظيمة، فتشعر بقيمة الانجاز، فتحس بعدها انك قادر على ان تفعل اعمالاً جليلة، وتنجز أموراً كثيرة في اليسير من الوقت.الدرس السادس: الدقة في العمل والانضباط لمواقيته، الا ترى أنك تتقيد بنظام صارم لا تحيد عنه، وتلتزم بمواقيت الأمساك والافطار فتتقيد بالأوقات التي يباح فيها الأكل والشرب والاتصال الجنسي بين الأزواج، وتلتزم للأوقات التي يمنع فيها كل ذلك، وفي هذا انضباط لحدود الله، والتزام لتعاليم الدين.الدرس السابع: تحطيم العادات الضارة: فرمضان يساعدك على تحطيم أقوى عاداتك، والتحكم في غرائزك ودوافعك الشريرة، انه بقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة، بما يعني أن الإنسان قادر على ان يصنع المعجزات بشرط ان تتوفر فيه الإرادة الحقيقية للقيام بهذا الأمر أو ذاك.الدرس الثامن: عدم التشدد والتكلف: فالله سبحانه يعلمنا عدم التشدد في الأمور ويدعونا للتوسط من خلال الصيام، ألا ترى ان الله خفف عن اصحاب الاعذار فرخص للحائض والنفساء والمرضع بالفطر، وأباح للمسافر والمجاهد والمريض ان يفطر، وشرع القضاء والكفارة رحمة بالناس، وتيسيراً بعباده.الدرس التاسع: التقوى واجتناب المحرمات: فالغاية من الصيام هي التقوى التي تدفع المسلم إلى ان يفعل الطاعات ويجتنب المحرمات، فلا يغش، ولا يسرق، ولا يظلم. وفي ذلك تصلح نفسه الامارة بالسوء، فاذا صلح الفرد صلح المجتمع.الدرس العاشر: اغتنام الفرص: ففي رمضان تفتح ابواب التوبة امام العصاة والمذنبين ليراجعوا أنفسهم، ويصححوا اخطاءهم، ويعدلوا مسار حياتهم، فالصائم عليه ان يغتنم فرصة رمضان لانه لا يدري هل سيعيش إلى رمضان القادم أم لا، والخاسر من إدرك رمضان ولم يغفر له.الدرس الحادي عشر: الاهتمام بالجوهر لا بالمظهر، فالإسلام يطلب من المسلم الاهتمام بما وراء العبادات من حكم وفوائد، فليس الصيام امتناعاً عن الطعام والشراب فحسب، بل الصوم صيام الجوارح، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه).الدرس الثاني عشر: الاهتمام بالصحة الجسمية والنفسية: فالأطباء يشهدون ان عافية الابدان وشفاءها يكون في الصوم، من خلال تنظيم الوجبات في أوقات محددة، وفيه علاج لكثير من الأمراض مثل زيادة السمنة، وارتفاع ضغط الدم، والتهاب الكلى الحاد، والحصوات البولية وأمراض القلب واضطرابات المعدة، والاضطرابات النفسية والعصبية وغيرها.الدرس الثالث عشر: البذل والعطاء: فرمضان يعلمنا البذل ولو بشق تمرة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليم وسلم) اجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كما ان الله فرض زكاة الفطر طعمة للمساكين وطهرة للصائم، وإتماماً وتكميلاً لصومه، وبالصدقات تسد حاجات الفقراء والمساكين، والغارمين والارامل والايتام، ويدخل السرور على كل بيت مسلم، فلا يكون فيهم منكسر أو محتاج.الدرس الرابع عشر:مجاهدة النفس، وتحمل المشاق، فالمسلم في رمضان يتحمل آلام الجوع والعطش ومسك النفس على الشهوات، وهذا تدريب على ما قد ينزل بالمسلم من مواقف صعبة في حياته، قال عمر بن خطاب (اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم).الدرس الخامس عشر: الاستعانة بالله لا بغيره، فقد وعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأن للصائم عند فطره دعوة لا ترد، وهذا تعويد للمسلم على طلب العون من الله وحده، والالتجاء إليه دون سواه، والاستغناء عن الناس.الدرس السادس عشر: جهاد النفس والعمل الدؤوب: فالصوم جهاد النفس والانتصار على المألوف، والجهاد بذل النفس والنفيس في سبيل الله، وهناك علاقة وطيدة بين الصوم وجهاد النفس.الدرس السابع عشر: التميز والتفرد: فالمسلمون في شهر رمضان متميزون في عباداتهم وعاداتهم وانماط سلوكهم، ولهم شخصيتهم المستقلة، والمتسقة مع الفطرة الإنسانية السليمة، ولا تجد ذلك في أية أمة من أمم الأرض.الدرس الثامن عشر: الاستسلام والانقياد لله تعالى: فالله سبحانه وتعالى هو الذي أمرنا بالصيام فصمنا، وهو الذي أمرنا بالفطر ففطرنا، فإن كانت أيام رمضان حرام فطرها، فإن يوم العيد حرام صيامه، والمسلم مأمور بطاعة ربه في الأمر والنهي.الدرس التاسع عشر: قراءة القرآن ومدارسته: فالقرآن دستور الأمة، ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتدارس القرآن مع جبريل في رمضان كل ليلة، فما أجمل قراءة القرآن في رمضان، ولو جزءاً في اليوم الواحد، فإن قام المسلمون بذلك فكأنهم راجعوا دستورهم مرة كل عام على الأقل. وفيه حلول للكثير من مشكلاتهم الحياتية.الدرس العشرون: الجمع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي في العبادة، ففي رمضان يتلقى المسلم جرعات إيمانية وطائفة من التوجيهات الإلهية والنبوية، من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ويسعى جاهداً لتطبيقها خلال شهر رمضان ليحسن صومه، ويفوز بالجنة والرضوان والعتق من النار، وبهذا ينتقل المسلم من ميدان القول إلى ميدان الفعل، أي أنه يجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية.الدرس الحادي والعشرون: حسن الخلق: فالمسلم في رمضان يحرص كل الحرص على ان يكف أذاه عن الناس طلباً للأجر والمغفرة والمثوبة من الله، وهو سلوك حميد ينبغي ان يستمر عليه طوال ايام العام.الدرس الثاني والعشرون: الِحلم: فالمسلم المتبع لرسالة نبيه (صلى الله عليه وسلم) يحرص على عدم جرح صومه باذية الناس، فيتصف بالحلم والعفو والتسامح وعدم الغضب. والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل اني صائم، اني صائم).الدرس الثالث والعشرون: الكرم: ففي رمضان يتكرم الله على عباده ويجزل العطاء لهم، فالفرض بسبعين فريضة، والنافلة كأجر فريضة، ومن فطر صائماً كان له أجر الصائم، ودعوة الصائم لا ترد. وليلة القدر خير من ألف شهر.الدرس الرابع والعشرون: حصول الفرح: فالمسلم يفرح لبلوغه موسم رمضان، باعتباره موسماً من مواسم الطاعات، ويفرح لانه لم يمت قبل مجيء هذا الشهر المبارك، وقد اخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بانه للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ويفرح كذلك لاستشعاره بالاجر العظيم، والثواب الجزيل، واستجابة الدعاء وقبول التوبة، ويفرح ايضاً بالنفحات الربانية والتجليات الإلهية على عباده الصائمين.الدرس الخامس والعشرون: الاحساس بقيمة النعم: فرمضان يجعلنا نشعر بقيمة النعم التي نرفل فيها، ولا نشعر بها إلا عند فقدها، كما يذكرنا بفئات من المجتمع التي لا تملك قوت يومها، ومنهم من لا يسألون الناس الحافا، ويحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف، ومن هنا تنبت في قلب المسلم بذرة الشفقة والرحمة، وتسود المجتمع روح التواصل والمودة والمحبة والتعاون بين افراده.الدرس السادس والعشرون: عدم اليأس: فموسم الحسنات قائم إلى آخر ليلة من رمضان، فإن قصر المرء في يوم أو ليلة فإنه بامكانه تعويض ذلك فيما تبقى من الأيام، وتذكر أخي المسلم ان الله يعتق في آخر ليلة من رمضان بقدر ما اعتق في الليالي السابقة.الدرس السابع والعشرون: الشعور بالانتماء والروح الجماعية: فالمسلم يتسحر ويصوم ويفطر في وقت واحد مع اخوته المسلمين ويحرص على أداء صلاة الجماعة، وحتى في محيط الأسرة تتلاشى نزعة الأنا وتسمو روح (نحن) ويسود التكافل الاجتماعي.الدرس الثامن والعشرون: الثقة بالنفس: فانتصار المسلم على رغباته وشهواته، في هذا الشهر الكريم، يجعله يتحكم في نفسه وقدراته ويقودها نحو الخير، وهو ما يولد لديه القدرة على تغيير نفسه، وتطوير سلوكه نحو الأفضل، وهو ما يحتاج إليه في سائر أيام حياته.الدرس التاسع والعشرون: الشكر: فرمضان يعلمنا شكر المنعم على ما أنعم به علينا، من أمور كثيرة في هذا الشهر العظيم، ومن ذلك:ـ انه أطال في آجالنا حتى بلغنا هذا الشهر.ـ انه تعالى عظم أجر الصيام وأثاب على الاعمال الصالحة في رمضان.ـ اعطانا خصالاً لم تعط لأية أمة من الأمم.ـ أزال عنا عائقاً من عوائق فعل الطاعات وهو (تصفيد الشياطين).ـ جعل ليلة القدر كعبادة ألف شهر. وكلها نعم علينا ان نشكر الله عليها.
|
رمضانيات
ما الدروس التي تعلمناها في مدرسة رمضان؟
أخبار متعلقة