إعداد/ زكي نعمان الذبحانيشهر رمضان بروحانيته وأجوائه الإيمانية تنبري فيه معالجات للكثير من المعوقات المؤثرة سلباً- صحياً ونفسياً واجتماعياً- ليس على الزوجة أو الزوجين معاً؛ بل حتى على أطفالهم الذين يحرمون- غالباً بسبب الإنجاب المتكرر- ما يتعين حصولهم عليه من اهتمام ورعاية.إن تناول موضوع الصحة الإنجابية في الشهر الكريم فيه أجل الفوائد التي تتجلى في زيادة استشعار المسؤولية المشتركة بين الزوجين المعززة لبناء الأسرة على أسس قويمة وعنصر التخطيط السليم للإنجاب بما لا يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولأجل بناء الأسرة على أسس ومعايير صحية قويمة؛ بعيداً عن المنغصات والأعباء والمتاعب المثقلة كاهل الزوجين.فالصحة الإنجابية تحمل من الدلالات الواسعة، ومفهومها يشمل الاهتمام بجميع أفراد المجتمع من كل الأعمار- ذكوراً وإناثاً- باتجاه السعي إلى تحسين نوعية أو نمط الحياة، أي أنها لا تقتصر على تقديم المشورة والرعاية الصحية؛ وإنما تعد من مفردات التنمية الصحية وأحد أسسها التي ترسي سعادة المجتمع وتجعل من أفراده - من الجنسين مستقبلاً- أعضاء فاعلين في تنمية مجتمعهم ورقيه.ويتخذ تعريف الصحة الإنجابية كما ورد في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي انعقد بالقاهرة عام 1994م، المعنى ذاته الذي بيّناه مع شيء من الخصوصية، ومفاد هذا التعريف أن الصحة الإنجابية: "حالة السلامة الكاملة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وليس مجرد انعدام العجز والمرض في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته". وهذا-لاشك- يلزمه حزمة من التدخلات العملية للوصول إلى تأمين رعاية متكاملة للنساء في الحمل والولادة وفترة ما بعد الولادة مع التنظيم المناسب للإنجاب؛ بما يضمن بقاء الولادة حدثاً مبهجاً لا محزناً يساهم في الحفاظ على صحة الأم وجنينها ومن ثم وليدها- بعد أن تلد- ونشأته في بيئة أسرية ملائمة محفوفاً برعاية سليمة وعناية من كلا الوالدين، فالاهتمام بالصحة الإنجابية- في هذا الإطار- له فوائد متعددة ولعل أبرزها:- تخفيض وفيات الأمهات، فهي لا تزال تشكل نسبة عالية في اليمن تصل سنوياً إلى(365) وفاة لكل (100ألف) مولود حي. - تحسين صحة الطفل وتوفير فرص رعاية جيدة له يحصل من خلالها على كامل حقه في الرضاعة الطبيعية مدة عامين كاملين، عبر المباعدة بين الولادات واستخدام الأمهات- بشكلٍ مناسب- لوسائل تنظيمية للإنجاب تفي بالغرض.- تحسين السلوك الإنجابي الذي لا يزال في اليمن تشوبه الكثير من الأخطاء؛ كالحمل المبكر بما يترتب عليه من ولادة مبكرة تأتي بمشاكل ومتاعب خطيرة على الأم والوليد، وفيها من الاتساع لتنعكس سلباً على الأسرة؛ وحتى المجتمع مع بقاء أو تنامي هذه المعضلة.- الاهتمام بالتوعية الصحية للمجتمع بالأضرار المترتبة على الأحمال المتكررة والمتقاربة، حيث لا تزال بمستوى عال في اليمن، والتوعية الصحية هنا لابد أن تتركز على عرض المزايا والفوائد الكامنة في المباعدة بين الولادات وأنها ليست عائدةً على الأم وحسب؛ بل للمواليد والأطفال عموماً وللزوج نصيب من تلك الفوائد.ومن واقع الدراسات، تبين أن للأحمال المتكررة مردوداً سيئاَ وخطيراً على صحة الأم ومواليدها ومنهكاَ لجسد الأم - بما يصعب عليها تعويضه- مما يجعلها عرضة لأمراضٍ ذات ارتباطٍ بتكرر وتقارب الأحمال والولادات، وأيضاً يُعجل من ظهور تقاسيم الشيخوخة ومشكلاتها المحتملة على المرأة بشكلٍ مبكرٍ قبل الأوان.كذلك الحمل بعد سن (35) عاماً فيه من الـتأثير الخطير على صحة الأم؛ من احتمال تسببه بتعسر الولادة أو الإجهاض أو التسبب بتشوهات خلقية للجنين.وليس من باب التهويل وصف وفاة الأم بكارثة تحل على الأسرة؛ لاسيما على أولادها الصغار الذين يفقدون بوفاتها الحنان والرعاية في سن مبكرة؛ فينشئون على الحرمان ويتعرضون لكثيرٍ من العوامل المؤثرة سلباً على صحتهم النفسية والجسدية وواقعهم الاجتماعي. هي كارثة -أيضاً- على المجتمع الذي يفقد امرأة في ريعان العمر كان يُتوقع أن تستمر في العطاء ردحاً طويلاً من الزمن.وهنا، نصل إلى نتيجة-على المحك- تتطلب نسقاً متسلسلاً من الرعاية والعناية يحفظ للأم صحتها، بدءاً بتهيئتها للزواج في سن ملائمة وليس قبل الأوان، بحيث لا يقل عمرها عند زواجها عن (18)عاماً، يليه أن تتهيأ للحمل ووجوب أن تحظى خلال حملها بالرعاية الصحية والمشورة وبالعناية المنزلية والتغذية الملائمة، ثم عندما تلد وتقررت ولادتها بالمنزل؛ أن يكون ذلك بين أيادٍ أمينة تؤمن ما يلزمها من متطلبات صحية؛ تحتٍ إشراف طبي أو صحي متخصص، مع الاستعداد والجاهزية لنقلها سريعاً لتلد في المستشفى متى لاح خطر أو لاحت ضرورة.وبعد ذلك، يأتي دور العناية بها وبوليدها عقب الوضع وتهيئتها لترضع طفلها رضاعة طبيعية خالصة من الثديين لستة أشهر متواصلة، ثم تتبعها رضاعة طبيعية تمتد بمعية الوجبات التكميلية للطفل إلى أن يكمل من العمر عامه الثاني، ولا يكون في فترة إرضاعها حمل جديد؛ حفظاً لصحتها وصحة رضيعها، ولو أرادت أو أراد زوجها أن تحمل فيجب ألا تقل فترة المباعدة بين الحمل والحمل الذي يليه عن ثلاث سنوات ولا تتعدى خمس سنوات؛ لتكون بمنأى عن دائرة الاختطار.لاشك في أن تنظيم الأسرة بالمباعدة بين الولادات يُعد مكوناً مهماً من مكونات الصحة الإنجابية، لتأمينه صحة أفضل للأطفال ونموهم السليم صحياً وعقلياً مع الحفاظ على صحة الأمهات.فكلما زاد التباعد بين حملٍ وآخر ما بين(5-3)سنوات؛ زادت هذه الفرص وتلاشت معه الكثير من المعوقات.أما تتابع الأحمال على فترات قصيرة متقاربة؛ فهو يُعرض جسم الأم لمتاعب صحية آنية؛ كتعسر الولادة والنزيف الشديد بسبب ارتخاء الرحم من كثرة الولادات وتكررها، ما قد يؤدي إلى وفاتها أو إلى أمراضٍ لها مضاعفات مرضية خطيرة، كارتفاع ضغط الدم ومشاكل في الكلى أو في أجهزة أخرى حيوية بالجسم، إلى جانب تعرضها لمتاعب تظهر- لاحقاً- وليس بالضرورة بعد فترة الإنجاب؛ من مثل لين العظام، فقر الدم المزمن، آلام الحوض والعمود الفقري وغيرها.فضلاً عن وقعه وتأثيره النفسي الجسيم على الأم؛ بما يثيره من موجة قلق وتوتر عصبي واكتئاب.وللتقارب بين فترات الإنجاب آثار غير محمودة على الجنين، حيث لا يحصل على كفايته للنمو أثناء الحمل، ويمكن أن يولد ضعيفاً في غير موعده (قبل الشهر التاسع) بوزنٍ أقل من الوزن الطبيعي. في حين أن الطفل القادم إذا ما حملت به المرأة في أقل من سنتين على ولادتها السابقة؛ فإنه يتأثر بمسألة تتابع الحمل من خلال صور كثيرة، ومن ثم يولد ناقص الوزن أو يولد مبكراً قبل أوانه.وبدوره إذا ولد مبكراً فسيعاني مشاكل كثيرة؛ كعدم نضوج الأجهزة في جسمه مثل الدماغ والجهاز التنفسي؛ بما يفضي إلى زيادة الوفيات بين حديثي الولادة، وإن لم تكن الوفاة وسلموا منها فترتفع لديهم حالة نقص الأوكسجين بالدماغ والإعاقة الدائمة مع ضمور الدماغ.يُفهم من هذا كله أن تحييد وإقصاء متطلبات الصحة الإنجابية في واقعنا؛ لا تقتصر تبعاته فقط على الأم أو على الطفل الحالي، بل حتى على الطفل القادم أيضاً، وفيه من العبء الكبير على الزوج والزوجة على السواء.كما يزداد الخطر على صحة الحمل والمواليد كلما زاد عددهم؛ من المولود الرابع فما فوق، ويرافق الحمل-على أثره- صعوبات ومتاعب كثيرة تقل معها - في بعض الأحوال- فرص حياة المولود أو يكون نموه أضعف من سابقيه، بينما الأم تكون عرضةً لمشاكل مرضية قاسية، كفقر الدم وهشاشة العظام. وبالتالي، تُمكّن وسائل تأجيل الإنجاب، الأسرة من تقديم راحة كافية للأم لتستعيد عافيتها وتتمتع بأهلية وجاهزية للأحمال القادمة، وعلى الطرف الآخر تقديم الرعاية الكافية والتربية الجيدة للأطفال.وبدوري أتوجه بالنصح للأزواج باقتفاء هدي خاتم الأنبياء والمرسلين(عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم) بما يكفل عدم حرمان الزوج شريكة حياته من الخدمات الصحية، حيث قال فيما رواه عنه عبد الله بن عمر: " استوصوا بالنساء خيرا"، ولقوله (صلى الله عليه وسلم) في رواية لعبد الله بن عمرو بن العاص: ".. وإن لزوجك عليك حقا ولولدك عليك حقا، فآتِ كل ذي حق ٍحقه". فعلى الأزواج- إذن- التحلي بروح المسؤولية تجاه نسائهم؛ بما يضمن سلامتهن مع الأحمال وولادتهن مواليد أصحاء بمعزلٍ عن التهديدات المحتملة.
|
رمضانيات
الصحة الإنجابية.. وحفظ صحة الأمهات في رمضان
أخبار متعلقة