السل وموقف اجتماعي يجب تصحيحه !
تحقيق / ابتسام العسيري - دنيا هاني كانت تنتحب بحرقة اقتربت منها لأسألها ما بها! أجابتني ودموعها على خديها زوجي سيتزوج بأخرى بعد كل سنوات العشرة التي بيننا لأني مريضة بالسل.. ومررت بأخرى كانت أكثر هدوءا فقلت لها وأنتي كيف هي علاقتك بزوجك؟ قالت لا يأتي لزيارتي وهجرني وابني..وقادتني الصدفة إلى أخرى في مقتبل الشباب كانت تختبئ تحت سريرها وفي يدها مصحف تقرأ منه القرآن اقتربت منها فقلت لها هل أنتي متزوجة قالت نعم ولدي 3 أطفال وزوجي يعتني بي وحريص على علاجي.. بينما كانت إحدى النساء كبيرات السن تنام تحت سرير زوجة ابنها المريضة ، سألتها ما بها زوجة ابنك؟ قالت أصابها مرض السل بسبب حزنها الشديد على وفاة والدتها فلم تعد تأكل أو تشرب حتى مرضت.. كان يبدو على المرأة أنها تعتني جيدا بزوجة ابنها ولم تتخل عنها. صور التقطناها من واقع المعاناة التي يعيشها مرضى السل من قسم التمديد النسائي لمريضات السل في مستشفى الجمهورية بعدن قبل أن يتم تحويل هذا القسم إلى قسم لعلاج حالات الاسهالات حالياً..[c1] السل [/c]السل أهم الأمراض المعدية المسببة للوفاة بين النساء، فلا يمر عام واحد إلا ويشهد وفاة نحو 750000 امرأة بسبب هذا المرض وإصابة أكثر من ثلاثة ملايين امرأة به، مما يمثل قرابة 17 مليون سنة من سنوات العمر المفقودة باحتساب مدد العجز، وحيث أن السل يصيب النساء، أساسا في مراحل العمر التي تتميز بالنشاط الاقتصادي وبالإنجاب، فإن أطفالهن وأفراد أسرهن يشعرون بقوة أيضا بآثار المرض. وتتأثر فرص الزواج لو عرف عن النساء إصابتهن بالسل، أو حتى لو كان هنالك أحد أفراد أسرتها مصاباً بالسل لأن وصمة عار الإصابة بالسل تلحق بجميع أفراد الأسرة، و تجد النساء المصابات بالسل صعوبة خاصة في إيجاد شريك الحياة المناسب، و تبذل بعض العائلات جهودا كبيرة لإنكار أو إخفاء حقيقة مرض بناتهن غير المتزوجات. وترتبط مخاوف النساء بصفة عامة بالتمييز والقضايا الأخرى التي يمكن علاجها في الوضع الأمثل.. ولا يمكن أن نتغافل على أن مستوى الإحساس بالعار نتيجة الإصابة بالسل قد قلت حدته بدرجة كبيرة لأنه أصبح مفهوما أن السل مرض قابل للشفاء و كذلك توافر المعالجة ذات النوعية الجيدة في القرى.. و في الحقيقة فإن نمو برامج الرعاية الصحية المجتمعية للمصابين بمرض السل أو فيروس العوز المناعي البشري يوضح أن الإحساس بالعار ليس شعوراً عاماً بل و يمكن التغلب عليه.[c1] الوصمة [/c]يقول الدكتور عبد الناصر عياش مدير المركز الإقليمي للسل بعدن إنه يتم علاج مرضى السل القادرين على الوصول إلى المرافق الصحية من قبل العاملين الصحيين تحت الإشراف اليومي المباشر سواء كان على مستوى المحافظة أو على مستوى المديرية في المجمعات الصحية أو غيرها أو على مستوى وحدات الرعاية الصحية الأولية في المديريات، وبالنسبة للمرضى الساكنين في القرى والأرياف لا داعي لأن يأتوا إلى المحافظة أو المديرية لان العلاج يصل إلى اقرب موقع صحي إلى سكنهم، وحسب الأنظمة العلاجية المتوفرة .وكل علاج السل يتم تحت الإشراف اليومي المباشر وليس هناك أقسام للعزل ، إلا انه لوحظ في بعض المديريات أن معدلات الاكتشاف ضئيلة جدا لان المرضى ينتقلون إلى المحافظات الأخرى للعلاج مع أن نفس العلاج ونفس طرق التشخيص في كل المحافظات ولا داعي للتخوف من العلاج، لافتا إلى عدم التخوف من المريض ، فطالما اكتشف المرض واخذ وبدأ ببرنامج العلاج تقل نسبة العدوى عنده.وأشار الدكتور عبد الناصر عياش إلى أنه على الكادر الصحي الاهتمام بالنظافة ، وأن لا يتعامل بشكل مباشر مع الحالات الايجابية وان يبقى في مكان مفتوح ومتعرض للهواء وعليه أن يهتم بالمريض عن طريق إعطائه العلاج بانتظام ، والابتعاد عن العادات السيئة.. كما أن على المريض الالتزام بالسياسة العلاجية المقررة من البرنامج الوطني لمكافحة السل والموصوفة من قبل الكادر الصحي.وعرض المدير الإقليمي لمركز السل بعدن أنواع المرض قائلاً :مرض السل 3 أنواع هي : - مرض سل ايجابي البصاق.- سل سلبي البصاق .- سل خارج الرئة .وهناك فئتان علاجيتان: - في الفئة الأولى يعطى علاج» رباعي» حيث يعطى المريض 4 أنواع من الأدوية في كرس واحد وهو عبارة عن علاج مكثف لمدة شهرين.. وعلاج «ثنائي» متمم لمدة شهرين وهذا يعطى للمريض حديث الإصابة سواء كان ايجابياً أو سلبياً أو خارج الرئة. - أما الفئة الثانية فهم مرضى السل المصابون بالانتكاسة أو فشل علاج أو المتخلفون عن العلاج وهؤلاء يعطون علاج إعادة المعالجة وفي هذا النوع يتم علاجهم بالحقن لمدة شهرين مع العلاج المكثف 3 أشهر أما المرحلة المتممة فيعطى المرضى 3 أصناف من الأدوية 5 أشهر بما معناه أن فترة العلاج 8 أشهر.ويتم تمديد المرضى في أقسام الترقيد في حالات أن ألا يكون المريض قادراً على الذهاب إلى المركز الصحي لأخذ العلاج أو ممن كان عندهم مضاعفات للمرض مثل ( التقيؤ الدموي - السوائل الكثيرة في الرئة ..) ويتم إعطاؤهم العلاج تحت الإشراف المباشر.وفي محافظة عدن يوجد قسم للتمديد في مستشفى الجمهورية يستقبل المرضى من المحافظات الأخرى وبعدها يعودون إلى محافظاتهم لاستكمال المرحلة المتممة.وأكد اهمية ازالة الوصمة عن مريض السل لأنه يتم معالجته، كما أن الوعي عند المرضى أفضل من السابق والدليل أن معدلات الاكتشاف في تحسن وتصل إلى أكثر من 60 % ومعدلات نجاح المعالجة 82 % .وفي تصريحات صحفية سابقة قال عثمان الحسوسة، مدير التثقيف الصحي بالبرنامج الوطني لمكافحة السل، إن التثقيف الصحي في البرنامج يقوم بعمله على أكمل وجه، ولا يوجد هناك أي تقصير في ما يخص التوعية بمخاطر هذا المرض، موضحاً أن ميزانية البرنامج مكلفة جداً مقارنة بدول الجوار.وأكد أن مرض السل لم يعد عيبا كما يظنه المريض، أو عدد كبير من شرائح المجتمع، وأصبح مثل باقي الأمراض الأخرى القابلة للشفاء، كما أن المرض لا يفرق بين شخص وآخر، وعلى الجميع أخذ هذا المريض بعين الاعتبار، والتعاون معه حتى يختفي منه المرض من خلال تناوله الأدوية الخاصة بذلك.[c1] أعراضه [/c]من جانبه عرض الدكتور محمد سعيد اختصاصي أمراض الصدر أعراض المرض حيث قال : «تظهر الأعراض المرضية، في مرحلة من المراحل، على نسبة تتراوح بين 5 و10 % من الأشخاص المصابين بالسل عامة، يصيب الدرن الرئة ويمكنه أن يصيب الكلى والعظام والعقد الليمفاوية بالمخ. وأعراض السل:الكحة التي تتصاحب مع الدم، آلام في الصدر، قصر التنفس، فقدان الوزن، الحمى، الرعشة، الوهن».وأشار إلى أن أكثر الأشخاص عرضة للمرض الأطفال ومرضى الإيدز لضعف جهازهم المناعي.وأكد أنه عندما تضعف مناعة الجسم تتفعل العصيات السلية وتنتشر في كافة أنحاء الجسم، فيحدث ارتفاع الحرارة والتعرق الليلي والتعب العام ونقص الوزن ونقص الشهية للطعام وضيق النفس والألم الصدري والبصاق الدموي.أن أكثر ما تصاب الرئتان وتسمى الحالة السل الرئوي وقد تحدث الإصابة في مناطق أخرى من الجسم وتسمى الإصابة السل خارج الرئوي والذي قد يصيب الأجزاء التالية من الجسم:الغشاء المحيط بالرئتين, الغشاء المحيط بالقلب, العقد اللمفاوية، العظم قالب الفقرات خصوصا لأنها منطقة يوجد بها الأوكسجين بكميات أعلى، الأغشية المحيطة بالمخ, الجلد، الجهاز البولي التناسلي (قد يكون أحد أسباب العقم) إذا سبب التهابات في قنوات فالوب، أقسام الجهاز الهضمي والغشاء المحيط بأحشاء البطن».[c1] طرق العدوى [/c]السل مرض معدٍ مثل الزكام، فهو ينتشر خلال الهواء، والعدوى الأولى تصيب الأشخاص غير الحائزين على مناعة كافية، وتنتقل العدوى من خلال المرضى المصابين بالسل الرئوي فقط، فعندما يقوم الأشخاص المصابون بالسعال والعطس والتكلم أو البصق، يقومون بنشر الجراثيم التي تعرف بعصويات السل، في الهواء، ولكي تتم العدوى يحتاج الشخص السليم أن يستنشق عدداً صغيراً فقط من هذه الجراثيم.كيفية التعامل مع المخالطين لمرضى السلالأطفال المخالطون تحت 5 سنوات، يجب إعطاؤهم علاجاً وقائياً (6 أشهر أيزوليازيد) عند تعرضهم للعدوى، ولا توجد لديهم أعراض سريرية للمرض.الأشخاص المخالطون والذين هم تحت خطر حدوث المرض (المسنون، مرضى الإيدز، السكري، السرطان وغيرهم)، أيضا يجب إعطاؤهم علاجاً وقائياً.حقائق عن البرنامج الوطني لمكافحة السل [/c]1. تم بنجاح علاج حوالي 86 % من إجمالي الحالات المكتشفة حتى العام 2011.2. اكتشاف 54 % من حالات السل الرئوي المعدي المتوقع حدوثها في البلاد حتى العام 2012.3. تم تخفيض معدل انتشار السل من 132 حالة لكل 100.000 من السكان في 1990، إلى 78 حالة عام 2012.4. تم تخفيض معدل الحدوث السنوي للسل من 90 حالة لكل 100.000 من السكان في 1990، إلى 50 حالة عام 2012.5. تم تخفيض معدل الوفيات بسبب السل من 15 وفاة لكل 100.000 من السكان في 1990، إلى 9 وفيات عام 2012.يتم تحقيق الأهداف المذكورة بدعم من الصندوق العالمي بتنفيذ التدخلات التالية:1. توفير الخدمات التشخيصية المجانية للسل الرئوي بالفحص المجهري للبصاق وبجودة عالية، في 265 مديرية، حتى يتمكن المرضى من الوصول لهذا الخدمات بسهولة، وتقليل كلفة طلب الخدمة عليهم. وتخضع هذه المختبرات لضبط الجودة بانتظام من المختبر المرجعي للبرنامج.2. توفير الخدمات العلاجية للمرضى في جميع المديريات، حيث يمتلك البرنامج شبكة من منسقي السل في المديريات، تعمل على معالجة حالات السل وتسجيلها، ورفع تقارير ربعية بنتائج المعالجة.3. توفير الأدوية المضادة للسل، وتوزيعها مجانا لجميع المرضى، وهذا من الموازنة الحكومية بحوالي مبلغ 57 مليون ريال سنوياً.4. توفير المحاليل والمعدات التشخيصية للمختبرات السل وبانتظام.5. توفير خدمات زراعة البصاق، واختبار الحساسية العلاجية، في 4 مراكز درن في المحافظات الرئيسية والكبيرة في البلاد.6. تفعيل الشراكة والتعاون مع القطاع الخاص والقطاعات الصحية الحكومية وغير الحكومية، حيث تم التنسيق مع أكثر من 400 مرفق صحي خاص في البلاد، بهدف الوصول لمرضى السل الذين يقصدون هذا القطاع للعلاج، وبالتالي توفير الأدوية المجانية لهم لضمان استمرارهم بالعلاج حتى الشفاء.7. تم تقوية تعزيز نظام الترصد في البرنامج، حيث يتم تسجيل حالات السل في جميع مديريات البلاد، ويتم رفع تقارير ربعية بذلك.8. حالياً سيتم اعادة تأهيل اقسام الرقود في الحديدة وتعز، وذلك لاستخدامها في معالجة حالات السل المقاوم للخط الأول من الأدوية.9. سيتم البدء في معالجة حالات السل المقاوم للأدوية في هذا العام، وسيتم تقديم الرعاية لهذه الحالات، بما فيها توفير الأدوية مجاناً.10. بالتعاون مع برنامج مكافحة الإيدز، تم تأسيس 3 مراكز مشورة وفحص لفيروس العوز المناعي البشري لمرضى السل في الأمانة، والحديدة، وتعز.11. رفع الوعي الصحي عن مرض السل لدى المواطنين من خلال عمل وبث البرامج التلفزيونية والإذاعية.[c1] ختاماً [/c]إن عدم الانتظام في العلاج الكامل من السل، من قبل المرضى على المدى الطويل، لاسيما بعد شعورهم بالتحسن والشفاء الجزئي، يجعلهم نشطين في نشر العدوى بين الأشخاص، وتصبح شلالات البكتيريا الممرضة أكثر مقاومة لأدوية السل، وبالنتيجة هناك موقف اجتماعي يجب تصحيحه تجاه مريض السل وعليه يجب المحافظة على برنامج العلاج المقرر من البرنامج الوطني لمكافحة السل.وللمجتمع دور كبير في كشف الحالات ومؤسسات المجتمع تشجع المريض لأخذ العلاج ومتابعته بشكل مباشر وكلما كانت مشاركة المجتمع أكبر قضي على الوصمة أكثر.