إذا أردنا أن نتبين الحكمة من الصوم، فإن أول ما يخطر في أذهاننا هذا الحديث النبوي الشريف: “ صوموا تصحوا”.فالصحة الواردة في الحديث تعتبر ثمرة من ثمار الصوم، وهي صحة نفسية وصحة بدنية، أي صحة روحية وصحة جسمانية، فالبدن إذا سلم من الضعف والوهن، ولم يختل فيه التوازن، ولم يتوقف أي عضو فيه عن أداء وظيفته، فإنه يكون في هذه الحال صحيحاً، وصاحبه معافى، أما إذا اضطربت فيه الأعضاء، وفقد البدن توازنه، واختلت الدورة الدموية فإن البدن عندئذ يكون مريضاً، وصاحبه يكون عليلاً وضعيفاً.وكذا الحال بالنسبة للنفوس، فإنها إذا خبثت غرائزها، وساءت طباعها، فإنها عندئذ توصف بالنفوس المريضة، فالكذب والغش، والمكر والخداع، وسوء النية، والحقد والحسد والضغينة والكراهية، وفساد الأخلاق، كلها أمراض اجتماعية معنوية تعتري النفوس، كما يعتري السقم البدن.والنفس التي تميل إلى الكذب والغش والخداع... وغيرها مما ذكرنا، هي نفس مريضة، وصاحبها شخص مريض نفسياً لا محالة.وفي أيامنا كثرت الأمراض النفسية، وأصبح المرضى النفسيون يشكلون مصدر قلق وإزعاج لأهاليهم وأسرهم ومجتمعاتهم، مما أجبر بعض الدول على إنشاء المعاهد المختلفة، والمستشفيات المتخصصة لغرض دراسة الإنحراف النفسي، ومقاومة الاضطراب السلوكي.وقد أثبتت التجارب التي قام بعض علماء النفس التجريبيين أن الإقلال من تناول الطعام يكسر حدة الدافع الجنسي، بالتالي يريح الأعصاب من كثرة التخيلات المنبثقة من شدة الرغبات الجسدية، وهذا تأكيد على أن الصوم يخفف عن النفس وطء قيود الجسد، ويجعل النفس تبتعد عن الحياة المادية لتعيش في عالمها الروحي.وقد فطن إلى هذه الحقيقة ـ قديماً ـ بعض المتصوفة من المسلمين الصالحين، فعملوا على تحرير النفس من عالم المادة، ومن قيود العادة، لأن ذلك يقربهم إلى عالم الملكوت.ولذلك نستطيع القول: إن الصحة المقصودة بقول النبي “محمد صلى الله عليه وسلم” “صوموا تصحوا” هي صحة النفس والجسم معاً.والصوم ـ كما هو معروف ـ موكول أمره إلى الصائم نفسه، فلا رقيب عليه فيه إلا الله سبحانه وتعالى، وهو سر بين العبد وربه، لا يشرف عليه فيه غير الله، فإذا ترك الصائم شهواته ولذاته التي تعرض له في سائر الأوقات لمجرد الامتثال لأمر الله تعالى، فإن الله يعوضه عن ذلك بالسعادة في الدنيا، ونعيم الآخرة. وجاء في الحديث القدسي:” كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.والصوم دون سائر العبادات لا يشوبه رياء، لأن فيه تغليباً للجانب الروحي على الجانب المادي في الإنسان، فهو لذلك يمتاز بجملة من الخصائص، التي ذكرها الرسول “صلى الله عليه وسلم” في أحاديث كثيرة، ومن ذلك قوله “صلى الله عليه وسلم”: “ إن الله تبارك وتعالى يباهي ملائكته بالصائم، فيقول: أيها الصائم التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي، أنت عندي كبعض ملائكتي”.فالصوم يرفع صاحبه من درجة البشر إلى درجة الملائكة، وهي درجة رفيعة، لا يصل إليها إلا الصائمون، ولذلك أمر به الرسول “صلى الله عليه وسلم” فيما رواه أبو أمامة الباهلي حين قال: قلت يا رسول الله: مرني بعمل، قال عليك بالصوم فإنه لا عدل له، قلت يا رسول الله: مرني بعمل، قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له. والصوم مقترن بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن، وعند القيام به وغيره من العبادات يشعر المرء براحة نفسية لا نظير لها، وبالذات حين يعلم أن الصوم سيكون شفيعاً له يوم القيامة، وقد بشر بذلك رسول الله “صلى الله عليه وسلم “في قوله:” الصوم والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصوم:” أي رب منعته الطعام ولشهوة فاشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم فاشفعني فيه، قال: فيشفعان.
|
رمضانيات
الصوم
أخبار متعلقة