هيكل في أول حديث له بعد ثورة 30 يونيو
القاهرة / متابعات :قال الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، إن حشود المصريين الهائلة وغير المسبوقة في اي بلد في العالم يوم 30 يونيو فاجأت، كل العالم بلا جدال، وأنه شاهد فرحة الناس وتدفق الحشود، وتلقى اتصالات لا حصر لها من كل دول العالم والدول العربية، إضافة إلى اتصالات من عدد كبير من الزعماء السياسيين، أحدهم قال له “لقد عادت مصر التى كنا نعرفها”.وأضاف هيكل، في برنامج “مصر أين.. ومصر إلى أين؟”، مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة “سي بي سي” مساء امس الاول الخميس: “لم أكن أتخيل أو أتصور أن الشباب يستطيع أن يتخطى تحقيق الإرادة كما حدث وفي نفس الوقت يكسر قيد التبعية”.ومضى هيكل يقول : شاهدت فرحة الناس وتدفق الحشود من شرفة مكتبي، ورأيت الناس يخرجون بالملايين وبصورة مهولة للمطالبة برحيل الرئيس السابق محمد مرسي، وهذا حقهم، لكنني أرى أن السياسة هي بالدرجة الأولى فعل مستقبل، وأنا أقدر حركة الناس وزحف الحشود الملايينية إلى ميدان التحرير ومحيط قصري الاتحادية والقبة ، ودار الحرس الجمهوري وميادين المحافظات في موجة هائلة من البشر والناس، وموجة هائلة من كتل أمة وجدت نفسها وقد سرق منها شيء ما وراحت تسترد ماسرق منها، وأنا سعيد جدا بما حدث.وقال : (( بصراحة هذا الحجم الضخم فاجأني، وأظن أنه فاجأ كل العالم بلا جدال، فتلقيت اتصالات لا حصر لها من كل دول العالم والدول العربية، وهذا ما كان يهمنى، إضافة إلى اتصالات من عدد كبير من السياسيين أحدهم قال لي لقد عادت مصر التى كنا نعرفها، وكنت سعيداً جدا بهذه المشاعر، أما عن خروج الحشود على مدار الأيام الثلاثة قبل القرار الحاسم، فأنا أعتقد أنه فضلا عن استرداد الحق فإنه عمليا حقق مطلبا عزيزا للشباب، وهو كسر قيد، فما حدث من خروج الشباب على مدار خمسة أيام بهذا الطموح الزائد تخطى أي حسابات، لأن هذا الشباب حقق 3 رغبات متتالية: أولها أنه مد يده فاستعاد وطنه، واستعاد روح هذا البلد، لأنني كنت أشعر ومعي كثيرون أن هناك فارقا بين مانراه وبين ما نتمناه، وأن هناك فارقا بين ما نعرفه وبين مجهول لا نعرفه، فالعالم العربي والعالم الغربي ينظرون إلى مصر أنها دولة قد قادت الفكر إلى الأمام طوال الوقت، على الأقل طوال القرنين الماضيين، وكل العالم يعترف بفضل مصر في ذلك، لكنهم فوجئوا مرة واحدة بأن مصر تنسحب خارج الجغرافيا وخارج التاريخ، فضلا عن أنها أصبحت خارج الأمان لعدم وجود إستراتيجية واضحة تطمئن الناس لها، فهذا أمر مقلق للغاية، وثالثها أهم من هذا كله فأنا كنت أعتقد أن الشباب عليه أن يخرج ليعبر عن تحرير وإعلان الإرادة، ولكنى لم أكن أتخيل أو أتصور أن الشباب يستطيع أن يتخطى تحقيق الإرادة كما حدث وفي نفس الوقت يكسر قيدا. ولذلك أقول بكل ثقة ان حشود المصريين يوم 30 يونيو فاجأتني وفاجأت كل العالم بلا جدال.. وقال لي أحد السياسيين “لقد عادت مصر التى كنا نعرفها وكسرت قيودها. وأشار هيكل الى أن السياسة المصرية من وقت إلى آخر في السنوات الأخيرة انتهجت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وخضعت لمصالحها بشكل مطلق، ونتيجة لذلك أصبح للإمريكان تأثير أكثر من اللازم على الدولة المصرية نتيجة ما يقدمونه من معونات ومساعدات وغيرها، ونحن نرى دائما صورا لذلك، فوزارة الخارجية الأمريكة والسفيرة الأمريكية أصبح لها وضع خاص في مصر.وقال هيكل ان الغرض من حرص الاخوان المسلمين على وصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري هو استجداء التدخل الاميركي لإعادة مرسي الى قصر الرئاسة من خلال ممارسة الضغوط على قيادة الجيش ووقف المساعدات والمعونة الاميركية، مشيرا الى أن الساعات الأخيرة، شهدت كثيرا من الاتصالات والمكالمات الهاتفية بين واشنطن والقاهرة، وهذه المكالمات حتما لابد أن تتضمن القرارات التى ستتخذ، وأتذكر أنه في مرة من المرات في اتصال مع المشير طنطاوي قال لي لا تتخيل حجم الضغوط التى تمارس «علينا» ، فالدولة لها مصالح كثيرة مرهونة عند أمريكا سواء بالمعونة أو غيرها أو حتى قطع الغيار، وأنا أعلم أنه في أحد الاتصالات بين هشام قنديل ووزيرة الخارجية الأمريكية أخبرها أن دول الخليج تقدم مساعداتها لمصر، فأكدت له أن مفاتيح الخليج عندها بما فيها قطر، وللإنصاف هناك دول خليجية أعطت معوناتها لأسباب كانوا يراهنون عليها، وهناك دول منعت العطايا والمنح أو لم يستطيعوا أن يقدموا إلا بسماحة، ولابد أن نعلم أن العطايا التى تقدم بالملايين متاحة لكن العطايا بالبلايين، لابد هنا من مستشار فالمنطقة بها حقائق قوى جاءت إلى المنطقة بشكل ما تظهر وقت أن يتيقن المصريون من عدم الاستطاعة في الاعتماد على المساعدات العربية وبالتالى لا يكون أمامهم سوى الاستعانة بالأمريكان، ومن هنا أصبحت الدولة المصرية في حالة شبه ارتهان وهذا أمر واقع، سواء رغبنا في هذا أو لم نرغب، وعلى سبيل المثال ماحدث في المحادثات فالرئيس أوباما عندما كان يتحدث وهجل يتحدث إلى الفريق السيسي، والجنرال ديمسي يتحدث إلى رئيس الأركان صدقي صبحي، ألمحوا الى احتمال وقف المعونة الاميركية في حال الاستجابة لمطالب المتظاهرين بعزل الرئيس مرسي .. كما أن السفيرة الأمريكية كان الناس يذهبون إليها قبل أن تذهب إليهم، فهذا كله يعبر عن قيد وحالة شبه الارتهان.وحذر هيكل الولايات المتحدة من استخدام سلاح المعونة للإبقاء على حكم الاخوان المسلمين ، مشيرا الى أن مصالحها ستتضرر كثيرا ليس في مصر بل في المنطقة بأسرها، منوها بان المعونة الاميركية تم تحديدها في أحد ملاحق معاهدة كامب ديفيد وفق اسعار ومعادلات عام 1979 وهي لا تتجاوز ملياراً وثلاثمائة الف دولار يتم دفعها على أقساط اربعة ومشروطة بشراء منتجات من السوق الاميركية بالاضافة الى منح الاساطيل الاميركية تسهيلات مطلقة مقابل هذه المعونة ، وهو ما قد يعرض المصالح والسياسات الاميركية للخطر اذا توقفت هذه المصالح مقابل وقف التزام اميركا بدفع تلك المعونة الهزيلة التي لا تساوي شيئا أمام ما تحصل عليه اميركا من تسهيلات لم تكن تحلم بها ، منوها بأن موازين القوى المالية والاقتصادية في عام 2103 تختلف عن عام 1979م ، حيث أبدى عدد من رجال المال والاعمال المصريين والخليجيين الوطنيين استعدادهم لدفع هذا المبلغ .. ولا ننسى حقيقة مهمة ان روسيا والصين أصبحتا قوتين اقتصاديتين وماليتين عملاقتين ، وقد لجأت أوروبا في أزمتها المالية الحالية الى الاستعانة بالاحتياطيات الروسية والصينية للاقتراض أو شراء الاسهم لانقاذ البنوك واسواق المال الأوروبية ، وهما جاهزتان اليوم للتحرك في الشرق الاوسط .واختتم هيكل حديثه بالقول: ان الأمريكان يتصورون أن الإخوان في هذه اللحظة هم أفضل من يخدم جميع أهدافهم، لأنهم في تصورهم أن الدين والتيار الديني هو المحرك الرئيسي للشعب المصري، وأن اللجوء إليه هو الحل الهائل للصراع العربي الاسرائيلي وحماية أمن اسرائيل، وأيضا يعتقدون أن الإسلام السياسي هو الوحيد القادر على مقاومة أكثر مايقلقهم وهي الافكار الوطنية والقومية لأنهم بهذا الفكر الإسلامي يمكن تصفية كل ما تركه الفكر القومي والمشروع القومي الحضاري في المنطقة من أشياء وأصول يذيبونها في الدين، وهو نطاق واسع يمتد إلى ماليزيا ودول في شرق آسيا، أما إذا تكلمنا عن الوطن فهو يعنى شعباً واحداً وبشراً وموارد وحدوداً وإطاراً قوياً وأمة واضحة المعالم، وهنا أؤكد أن التاريخ لابد أن يكون له وعاء محدد عكس مفهوم فكر الإسلام السياسي الذي ليس له وعاء محدد، فهو يلغي فكرة الوطنية، وكذلك إلغاء فكرة القومية وبالتالي من هنا يتضاءل حجم مصر وقوتها تحت فكرة الإسلام السياسي وتتضاءل قوتها الذاتية حتى في محيط الدولة.ونصح هيكل الإخوان المسلمين بان يراجعوا أخطاءهم ويعترفوا بفشل الحلول التي وعدوا بها الناس باسم الإسلام من خلال توزيع الزيت والسكر واللحوم في المناسبات الدينية والانتخابية قائلاً:» إن إدارة الدولة ليست كإدارة محل تجاري او جمعية خيرية».