[c1]دواعي الفدرالية:[/c]تختلف دواعي الفدرالية من بلد إلى آخر..فقد طبق هذا النظام في بلدان متعددة الأعراق والثقافات كما في سويسرا والهند..وطبق في ألمانيا التي يصنف شعبها على أنه من أكثر شعوب العالم تجانسا..وهو مطبق في العالم المتقدم وفي العالم الثالث..وعرفته بلدان كبيرة المساحة وأخرى صغيرة المساحة..وهو إلى جانب ذلك مطبق في بلدان ذات تعداد سكاني صغير كالنمسا، وبلدان ذات تعداد سكاني كبير كالهند التي ماكان بمقدورها من غير التحول إلى الفدرالية أن تستمر كواحدة من الديمقراطيات الكبرى في العالم. والفدرالية في كل الأحوال نظام أثبت قدرته على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والإندماج الوطني حتى في حالة الشعوب متعددة الأعراق والثقافات..أما حالات الفشل فهي محدودة وليست هي القاعدة التي يقاس عليها..وأقرب مثال على ذلك السودان الذي فشل في حالتي الدولة البسيطة والدولة المركبة..ولا يمكن اعتبار تجربته حجة على الفدرالية.[c1] دواعي الفدرالية على المستوى اليمني:[/c]1 - هي الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الحراك السلمي في الجنوب كحل عادل للقضية الجنوبية بعدما ثبت فشل الدولة البسيطة التي قامت على أساسها الوحدة اليمنية..والخلاف حول الدولة، وليس حول الوحدة، هو سبب هذا الفشل..فالمعروف أن الوحد كانت عشية الإعلان عنها حالة عاطفية جارفة وآسرة لقلوب وعقول اليمنيين على المستوى الشعبي..وبدلا عن توظيف عاطفة الوحدة عند الجماهير لصالح الوحدة كمشروع سياسي نخبوي مجسد في دولة لكل مواطنيها ذهب جزء كبير من نخبة الحكم يوظفها لصالح حرب 1994 التي كلفت الشعب اليمني أحد عشر مليار دولار، وثلاثة آلاف شهيد، ونحو عشرة آلاف جريح..وقد قيل لسنوات بعد الحرب إن وحدة 7 يوليو أصبحت راسخة رسوخ الجبال..لكن تبين منذ العام 2007 أنها أوهى من بيت العنكبوت.2 - الحفاظ على اليمن كدولة واحدة لشعب واحد بعدما فشل النظامان السابقان على الوحدة في التعايش السلمي لصالح الشعب اليمني الذي عانى كثيرا من حالة الحرب الباردة، والساخنة أحيانا، بينهما.3 - توفير بيئة ضامنة للأمن والاستقرار اللازمين لتحقيق تنمية متوازنة وعادلة وشاملة .4 - إيجاد بيئة ضامنة لازدهار الديمقراطية والمشاركة الشعبية وقطع الطريق أمام عودة الاستبداد بأشكاله الفجة والناعمة.5 - تمكين مختلف مكونات المجتمع اليمني من تحقيق الاندماج الوطني في ظروف طبيعية متسمة بالعدل والمساواة والاعتراف المتبادل بالمصالح المشروعة لكل اليمنيين.6 - تكتظ الخارطة الاجتماعية لليمن بوجود قوى محلية مؤثرة ترفض على المدى المنظور نقل ولاءاتها الأولية إلى ولاء وطني للدولة..وقد فشلت الدولة البسيطة في تحييد المؤثرات السلبية لهذه القوى على مستوى الدولة..وبسبب ذلك تحولت الدولة بوضعها الراهن إلى أداة قهر مركزي في إطار اندماج وطني شكلي.7- فشل الدولة البسيطة في إرساء فكرة المواطنة..ونتج عن ذلك تغييب العدالة والحريات ومبدأ المساواة في الحقوق..فضلا عن معضلة الإقصاء والتهميش والتوزيع غير العادل للثروة.8 - إنحراف الدولة البسيطة في اليمن، كما هو في كل العالم العربي، عن مسارات العقد الاجتماعي الذي تأسست عليه..والفدرالية هي الأكثر قدرة على تصويب تلك المسارات واستيعاب الاستعصاءات المحلية وتحييد مؤثراتها السلبية على مختلف مناطق البلاد.9 - التماهي الكبير بين مؤسسات الدولة والنظام السياسي الذي طالبت الثورة الشبابية الشعبية بإسقاطه..فقد تطابقت الدولة مع النظام وتحولت إلى سلطة عاجزة عن تلبية حاجات المجتمع، بل ومعادية له..وعليه أصبحت الحاجة ملحة لتغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة لتوفير ما لم توفره المركزية، خاصة فيما يتعلق بحقوق المجتمع في السلطة والثروة.10 - طالبت الثورة الشبابية الشعبية بإحداث تغييرات بنيوية كبيرة لضمان قيام نظام سياسي ديمقراطي يجمع بين الثبات والقابلية للتطوير..ومن المتعذر إحداث تغييرات بنيوية ناجحة دون تغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة..وقد ثبت أن الدولة البسيطة لم تعد قادرة على أن تكون أداة للتغيير فأصبحت موضوعا له، بعد أن ظلت تكتسب وجودها من سيطرتها الأمنية وليس من ممارسة وظائفها المختلفة بقدر من الرضا المجتمعي.11 - بسبب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تحول الربيع العربي في اليمن من ثورة إلى تسوية سياسية منحت الحصانة لقوى النظام الذي لم تقم الثورة إلا لإسقاطه..وإذا كانت الحصانة مقبولة من منظور المصلحة فإنها من منظور العدالة ظلم بواح..وسيظل هذا الظلم قائما ومتمكنا مالم تفض التسوية السياسية إلى قيام دولة فدرالية..فبدون هذه الدولة ليس هناك تسوية وإنما إلتفاف على الثورة لصالح أصحاب الحصانة الذين يمتلكون القدرة على كسب معركة السلطة من جديد بما راكموه من المال والقوة والنفوذ، فضلا عن العصبيات والمليشيات المسلحة.[c1]مزايا الفدرالية:[/c]إن تنازل المواطنين عن جزء من حرياتهم لصالح الدولة المركبة هو أقل بكثير من مثيله في الدولة البسيطة..غير أن الدولة المركبة تتسم إلى جانب ذلك بمزايا أخرى كثيرة ذات أهمية:1 - تسريع وضمان تنمية الديمقراطية: من أخطر الأمور أن يعيش شعب ما على الأمنيات غير القابلة للتحقق..والواقع العياني الملموس في اليمن لا ينبئ بقيام ديمقراطية في ظل دولة مركزية..فالديمقراطية لها شروط غير متوفرة في اليمن..والفدرالية هي منظومة متكاملة من الإجراءات التي توفر بيئة مساعدة على النمو الديمقراطي المتكامل.2 - إزالة شروط الاستبداد بتحويل الدولة من ريعية إلى منتجة: في ظل الوضع الراهن تبدو اليمن دولة ريعية تعيش على مبيعاتها من النفط والغاز، فضلا عن المساعدات والهبات والقروض..وعندما يتركز هذا العائد بيد دولة مركزية يؤدي إلى الاستبداد..فمجرد أن تصبح الخزينة في مكان واحد، ويسيطر عليها قرار واحد وإرادة واحدة تتولد إمكانية كبيرة لقيام الاستبداد، بينما يصبح الشعب مستجديا لحقوقه..ومن مميزات الفدرالية أنها أولا تزيل هذا التركيز للعائدات، وأنها ثانيا تخلق شروط الدولة المنتجة حيث الشعب ينتج ويسدد الضرائب..وعندما يحدث هذا تنتفي إمكانية قيام الاستبداد.3 - سرعة إستجابة الحكومة لمطالب المواطنين: إذا احتاج المواطنون في محافظة ريمة أو الضالع، مثلا، إلى شق وتعبيد وسفلتة طريق فإنهم في حالة الفدرالية سيذهبون إلى الوزير المختص في حكومة الإقليم ليضعها في رأس قائمة أولوياته..وسيكون بمقدورهم متابعته ومحاسبته إذا قصر في واجبه..أما في حالة الدولة المركزية فإن الوزير المختص لن يدخل هذا الطريق ضمن أولوياته..ثم إن المواطنين لن يتمكنوا من الوصول إليه ولا من محاسبته إذا التزم ولم ينفذ إلتزامه.4 - الفدرالية تساعد على تعميم التجارب الناجحة: لنفترض أن وزير التعليم في الإقليم (س) ظهر مبدعا على نحو إستثنائي واستطاع بكلفة أقل أن يأتي بنتائج متميزة في الكم والنوع..إن مثل هذه التجربة ستكون قابلة للتعميم في الأقاليم الأخرى..وقل مثل في مجالات الصحة والإسكان والتخطيط الحضري والزراعة والري...الخ.5 - الفدرالية تتيح فرص حسن الاختيار في الانتخابات العامة والرئاسية: من شروط حسن الاختيار في الانتخابات العامة والرئاسية خصوصا أن يكون المرشحون معروفين للناخبين من خلال إنجازاتهم العملية المتحققة على الأرض..وفي الدولة الفدرالية عادة يكون المرشحون للرئاسة من بين حكام الأقاليم الذين تعرف عليهم الناخبون من خلال ما أنجزوه فعلا، وليس من خلال الشعارات والخطابات التي غالبا ما تفتقر إلى المصداقية..وما يسري على الانتخابات الرئاسية يسري على انتخابات البرلمان الفدرالي..أما في ظل غياب المثال الناجح فمن الصعب على الناخب أن يحسن الاختيار.6 - الفدرالية تحصن المجتمع ضد الدكتاتورية: في الدولة الفدرالية من الصعب ظهور حاكم دكتاتور، لأن تقسيم السلطة يجعل الرئيس الفدرالي في مواجهة حكومات وبرلمانات الأقاليم الذين لن يتركوه يتعدى صلاحياته الدستورية إلى صلاحياتهم وسيقفون ضد أي محاولة لإساءة استخدام السلطة من قبل الرئيس أو رئيس الوزراء الفدرالي.6 - استحالة تعدي الصلاحيات:في ظل الفدرالية لا يستطيع الرئيس أو رئيس الوزراء في العاصمة أن يقول قررنا إغلاق المدارس التي تعلم التلاميذ باللغة الإنجليزية في الإقليم (س)..فحكومة الإقليم هي التي تدرك فائدة هذا النوع من المدارس للسكان..وفي المقابل لا يستطيع حاكم الإقليم أن يزور دولة أجنبية أو يبرم إتفاقية معها.7 - الفصل بين السيادة وبين التنمية والخدمات: في الفدرالية، كما في الدولة البسيطة، الشعب واحد، وهو مصدر السلطة..لكنه في الفدرالية يختار حكومتين..حكومة فدرالية تحكم على المستوى الوطني العام وتتولى كل القضايا السيادية، وحكومات محلية تتولى تنفيذ السياسات العاجلة ذات العلاقة بالتنمية والخدمات الأمن.8 - تقليص احتمالات الفساد إلى أدنى مستوى:إن التوزيع العادل للثروة بين الأقاليم سيؤدي إلى تقليص احتمالات حدوث الفساد..فالسرقة من ميزانية الدولة البسيطة سهلة، لكنها ليست كذلك في الدولة الفدرالية حيث لا تتصرف الحكومة المركزية إلا بحصتها من الموازنة العامة، وهي أقل بكثير من إجمالي موازنات الأقاليم..ثم أن إدارة 20 أو 30 أو 40 % من الميزانية العامة أسهل بكثير من إدارة الميزانية العامة بمجملها.يضاف إلى ذلك أن الدولة الفدرالية تؤمن رقابة ذات إتجاهين..فحكومات الأقاليم تراقب الحكومة المركزية، وهذه تراقب حكومات الأقاليم في عملية مزدوجة تجمع بين المراقبة والتوازن..وهذه لا تلغي الرقابة الشعبية الآتية من خارج الأقنية الرسمية. والرقابة الشعبية في ظل الفدرالية تكون سهلة وفعالة..فسكان الإقليم (س) على سبيل المثال يستطيعون أن يراقبوا وزير الإسكان في إقليمهم لأن أخطاءه وتجاوزاته تظهر لهم بسرعة وبوضوح..فصغر المساحة التي تمارس فيها السلطة يجعل مراقبتها ممكنة وفعالة..أما عندما تتسع هذه المساحة لتشمل البلاد كلها فالمواطنون لا يستطيعون التعرف على الوزير المختص عن قرب، ولا يشاهدونه إلا في التلفزيون، ولا يستطيعون الحكم على صلاحه أو فساده، وكل ما يصل إليهم من معلومات تكون مفتقرة إلى الوقائع فيسري عليها ما يسري على الشائعات.9 - التوزيع المرن للسلطة: في بعض الأحيان يلزم منح الحكومة المركزية سلطات أكبر على حساب الأقاليم، كلها أو بعضها..وفي أحيان أخرى تنتزع منها سلطات لصالح حكومات الأقاليم عندما لا تكون الحكومة المركزية بحاجة إليها..إنها قضية تفاعلية بين المركز والأقاليم تخضع للتعديل مع مرور الزمن واحتياجات الشعب في كل مرحلة من المراحل..لكن هذا المبدأ لا يشمل السلطات ذات الطابع السيادي التي هي دائما من اختصاصات الحكومة المركزية.إن الفدرالية نظام يعطي مساحات واسعة للحركة وفيه دائما توازن بين السلطة المركزية وسلطات الأقاليم..وهذه الأخيرة تحتاج إلى تراكم الخبرات عند الناس..وبناء على هذه الخبرات يتم تقرير منح المزيد من السلطات لصالح المركز أو لصالح الأقاليم حسب مقتضى الحال.10 - الفدرالية تؤمن تنمية متوازنة حسب الإمكانات المتاحة: تبدو العاصمة صنعاء مدينة متكدسة بالناس الذين لا يذهبون إليها للسياحة وإنما لأنها مركز كل الإجراءات التي بدونها يتعذر عليهم حل مشاكلهم وقضاء حوائجهم..أما أهل المؤهلات فيفضلون العيش والعمل فيها إضطرارا لأن فرص الترقي منعدمة في المحافظات التي تحولت إلى مناطق طرفية مهمشة تتحكم العاصمة بكل مصائرها إبتداء بتعيين المحافظ وانتهاء بتعيين مدراء أقسام الشرطة..والفدرالية تحرر العاصمة من كل هذه الأعباء وتترك لها السلطات ذات الطابع السيادي..كما تتيح فرصا متساوية لترقي وازدهار كل مدن البلاد.فالعاصمة الأمريكية واشنطن، على سبيل المثال، لا تحوز على أكبر مستشفى في أمريكا، وليس فيها أكبر جامعة، ولا أعلى ناطحة سحاب، ولا أغنى شركة، ولا أجمل حديقة، ولا أذكى العقول، ولا أغنى الناس..فالحضارة موزعة على خمسين ولاية أمريكية..والفارق في اللهجة بين تكساس وأريزونا أقل من الفارق في اللهجة بين تعز والجوف، بغض النظر عن الأصول العرقية للسكان..فالناس هم الناس أينما كانوا وأي كانت أصولهم، لكن النظام الذي يجزئ المشاكل هو الذي يساعد على حلها ويسرع من عملية الاندماج الوطني.11 - الفدرالية تضمن توزيعا عادلا وعقلانيا للعقول والكفاءات: لنفترض أن هناك شبابا من ذوي النباهة في أي مجال، كالإتصالات وتقنية المعلومات على سبيل المثال..مثل هؤلاء عادة يجدون أنفسهم مضطرين إلى العيش والاستقرار في العاصمة لأنهم لا يستطيعون أن يخدموا وطنهم وينتزعوا الاعتراف بخدماتهم إلا في المركز..والاستقرار في المركز ينتزع معظم مداخيلهم التي تذهب مقابل السكن، على سبيل المثال..والفدرالية توفر لهؤلاء فرص الاستقرار في مجتمعاتهم المحلية وخدمة وطنهم إنطلاقا منها..وبمقدور العاصمة الفدرالية أن تنتقي أفضل ما في الأقاليم من عقول عن طريق الإعلان وبطريقة مقننة مسنودة بالحوافز المشجعة على تفضيل الذهاب إلى العاصمة.12 - الكفاءة في تعزيز الأمن ومكافحة الجريمة: للجريمة بشكل عام خصوصية ذات علاقة بالمكان وبالمجتمع الذي تحدث فيه..والجرائم التي يمكن أن تحدث في عدن تختلف عن تلك التي يمكن أن تحدث في حجة أو مأرب..وهذا الاختلاف ينجم عن وجود فروق في الثقافات المحلية..لهذا السبب تكون الأقاليم أقدر على التعامل مع الجرائم التي تحدث في إطارها.يضاف إلى ذلك أن هناك قضايا أمنية تمتد في أكثر من إقليم..وهي من اختصاصات الحكومة الفدرالية التي تشتغل عليها في العاصمة وتتابعها في الأقاليم.13 - الحد من التأثيرات السلبية للخارج: إن العالم اليوم أشبه بقرية كونية كبيرة تداخلت فيها المصالح العابرة للحدود..كما خضع المفهوم الكلاسيكي للسيادة لمتغيرات بنيوية تؤثر في كل تفاصيل الحياة في الدول الفقير وتهدد سيادتها بطرق ناعمة تتعذر مقاومتها..والفدرالية توفر مساحة كبيرة لمقاومة النفوذ الخارجي..فوجود حكومات محلية منتخبة يخفف من الضغوط الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها الحكومة المركزية14 - الإدارة الجيدة للمناطق المشتركة:هناك مناطق مشتركة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم تقوم فيها الأولى بدور المنسق العام..وعادة تشمل هذه المناطق الأمن والمشروعات الكبرى كالطرق السريعة والسكة الحديد..ففي حالة السكة الحديد، على سبيل المثال، تتولى الحكومات المحلية مصادرة الأراضي في المناطق التي ستمر منها القضبان الحديدية وتعويض مالكيها وتوفير المتدربين، بينما تكون السلطة المركزية هي المنسق العام. [c1]الحكم والسلطة في ظل الدولة الفدرالية:[/c]إن معظم الخوف من الفدرالية هو أن البعض يتعمد عدم شرح الموضوع بشكل جيد ومن كل جوانبه..والعلاقة بين الحكم والسلطة أحد المداخل المهمة لبيان أفضليات الفدرالية..فالمعروف أن الشعب هو الذي ينتج المطالب كالسكن والصحة والطرقات والوظائف...الخ..بينما تنتج الحكومة السياسات التي تعمل على تلبية وسد مطالب الشعب..ولكي تسد هذه المطالب تحتاج إلى سلطة تمكنها من القيام بدورها. ومن طبيعة المطالب أنها متجددة ومتغيرة..فتلبية المطالب القديمة تستدعي دائما ظهور مطالب جديدة في دائرة لا متناهية..لذلك تتغير الحكومات، لأن المطالب الجديدة تحتاج إلى خبرات جديدة..وتغيير الحكومات يحتاج إلى إشتغال ديمقراطي طبيعي وفعال لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني..ومثل هذا الاشتغال متعذر في بلد كاليمن لم يعرف من الديمقراطية إلا ظاهرة الانتخابات التي تعيد إنتاج الحاكم نفسه..والحاكم الذي يمتد به الزمن في الحكم يصاب بالتكلس ويتحول إلى عقبة أمام المطالب المتجددة للشعب..وهذا يؤدي بالضرورة إلى قيام ثورة ضده..وحتى لا يتكرر هذا لا بد من الضبط الدستوري والقانوني والمؤسسي للعلاقة بين الحكومة والسلطة الممنوحة لها..فإذا كانت هذه السلطة قريبة من المستوى الصفري فإن هذا يؤدي تلقائيا إلى الإنفلات والفوضى..وإذا كانت عند مستوى 100 % تتحول السلطة إلى استبداد غير مقدور عليه إلا بثورة وتضحيات كبيرة..لذلك يستوجب الأمر منح الحكومة قدرا من السلطة يسمح لها بتنفيذ سياساتها المعلنة دون أن تجنح نحو الاستبداد..والشكل الفدرالي للدولة هو وحده الذي يضمن مثل هذا في ظروف بلد مثل اليمن..فالفدرالية تعطي الحكومة المركزية السلطات التي تحتاج إليها فقط وتنتزع منها ما لا تحتاج إليه..وهي بهذا تضمن وجود دولة قوية ومجتمع قوي.[c1]الفدرالية والثروات الطبيعية:[/c]في اليمن يتحدثون عن الوحدة وعيونهم على النفط والغاز..ومثل هذا يحدث أيضا عندما يتحدثون عن الفدرالية..وهذا ينتج وعيا مضطربا..والوعي المضطرب يفيد في تعقيد المشاكل، لكنه لا يساعد في إنتاج الحلول..والمعمول به في كل الفدراليات تقريبا أن ثروات باطن الأرض ملك لكل الشعب، وينص على ذلك في الدساتير..لكن من حق الأقاليم التي يستخرج منها النفط والغاز فرض رسوم بيئية على شركات الاستخراج..ثم أن حصة الحكومة المركزية من عائدات النفط والثروات الطبيعية تختلف من دولة فدرالية إلى أخرى..وأحيانا تأتي هذه الحصة على شكل ضرائب.ثم أن الطبيعة ليست هي المصدر الحقيقي للثروة، وإنما الإنسان المؤهل لأن يضع بيئته موضع الاستخدام الاجتماعي السليم..وكوريا الجنوبية واليابان أمثلة حية على ذلك..يضاف إلى ذلك أن اليمن بلد واعد ومتنوع في مناخه وتضاريسه..وهذا يمنح مناطقه المختلفة قدرة على التكامل الوظيفي والاعتماد المتبادل، ومن السابق لأوانه الحديث عن مناطق فقيرة وأخرى غنية في اليمن الذي مازال بلدا بكرا وحاضنا لكثير من المفاجآت.[c1]التسمية المقترحة للأقاليم:[/c] تقترح هذه الورقة إعتماد مسمى المخاليف بدلا عن الأقاليم أو المقاطعات أو الولايات..فلهذا المسمى دلالات تاريخية مستقرة في الذاكرة اليمنية..كما تقترح الإبقاء على إسم الجمهورية اليمنية كما هو دون تغيير..والسبب أن التسمية إذا تغيرت يمكن أن يستريح لها البعض ولا يستريح لها البعض الآخر..ويسري هذا أيضا على علم الدولة ونشيدها الوطني..أما الحكومة المركزية فيحبذ الإشارة إليها تحت مسمى الحكومة الوطنية، وليس الحكومة الفدرالية.[c1]معايير التقسيم إلى أقاليم:[/c] تؤكد الخبرة المتراكمة من تجارب الفدراليات حول العالم أن عدد الأقاليم وحدودها “ تشكل تحديا بصفة خاصة في البلاد التي تتجه نحو الفدرالية، ولكنها تفتقر إلى أي تراث فيما يتعلق بالوحدات أو الحدود”..والمقصود بالوحدات هنا هو الأقاليم..وفي ظروف اليمن هناك تراث حي يقسم الجمهورية اليمنية إلى إقليمين هما إقليم الشمال وإقليم الجنوب بموجب الحدود التي كانت قائمة قبل 22 مايو 1990..وهذا هو الخيار الذي رسا عليه منتدى الدولة المدنية الديمقراطية..ولأن هذا الخيار ينطوي على معضلة الفارق الكبير في عدد السكان، ترك المنتدى لكل إقليم أن يقرر بنفسه تقسيمه الداخلي إلى أقاليم..ومعنى ذلك أننا أمام ثلاثة خيارات محتملة هي:1 - أن يبقى كل منهما إقليما واحدا لدولة واحدة من إقليمين.2 - أن يقسم كل منهما إلى أكثر من إقليم لدولة واحدة متعددة الأقاليم.3 - أن يبقى الجنوب إقليما واحدا إلى جانب إقليمين أو ثلاثة أقاليم في الشمال.[c1]أسباب فشل بعض الفدراليات:[/c]القاعدة في النظام الفدرالي أنه نظام آمن وناجح..فإذا كان هذا النظام قد حافظ على وحدة شعوب غير متجانسة عرقيا وثقافيا، فمن باب أولى أنه أقدر على فعل ذلك مع الشعوب المتجانسة من حيث العرق والثقافة..والقول بأنه يصلح في الحالة الأولى ولا يصلح في الحالة الثانية قول يجافي قواعد المنطق السليم..لكن هناك حالات قليلة حكم عليها بالفشل لعدة أسباب أهمها:1 - انعدام الديمقراطية، أو الخبرة الضعيفة بالديمقراطية: إن النظام الفدرالي لا يستطيع الصمود لمجرد وجود دستور فدرالي..والفدرالية نظام زائف ما لم تعاضده ديمقراطية حقيقية في كل مستويات الحكم..ومعنى ذلك أن كل مستوى يجب أن يحوز على دستور، وسلطات ثلاث، وأحزاب تتنافس في إنتخابات دورية ومنتظمة..ويمكن في النظام الفدرالي لحزب واحد أن يحرز أغلبية مطلقة في البرلمان الوطني وأن يشكل الحكومة الوطنية، بينما يفشل في بعض أو كل برلمانات الأقاليم لصالح أحزاب محلية غير قادرة على المنافسة في البرلمان الوطني. 2 - تاريخ قصير كبلد يشارك فيه جميع أبنائه: يحتاج النظام الفدرالي إلى مشاركة سياسية نشطة من قبل جميع السكان من خلال الانتخابات والاستفتاءات والتعبير عن الرأي والحق في التنظيم...الخ..وحيث لا يوجد هذا يكون النظام الفدرالي مهدد بالفشل. 3 - شعور ضعيف بهوية مشتركة: المقصود بالهوية هنا هو الهوية الوطنية المعبر عنها من خلال دولة قائمة على عقد اجتماعي يجعل منها دولة لكل مواطنيها..وأهم شرط في هذه الدولة هو سيادة القانون الذي يسري بالتساوي على الجميع.4 - عدم التوازن الشديد بين الأقاليم: “ كانت نيجيريا في الأصل ثلاثة أقاليم، وكان الشمال يحوز على أكثر من 50 % من عدد السكان..وقد أدى هذا إلى توترات وإلى حرب أهلية..واليوم تتكون الفدرالية في نيجيريا من 36 ولاية لا يزيد عدد السكان في أي منها عن 7 %”. “ تقع الأنظمة الفدرالية ذات الإقليمين بشكل خاص ضحية لمطالب الإقليم الأصغر بالمساواة في صنع القرار المركزي، وهو ما تقاومه في الغالب الوحدة الأكبر حجما”.إن تعدد الأقاليم والتوازن فيما بينها يجعل العلاقات البينحكومية قابلة للإدارة بشكل أفضل والأنظمة مستقرة بشكل نسبي.5 - حكومات مركزية ضعيفة: إن الحكومة المركزية في النظام الفدرالي هي القاسم المشترك الأعظم بين الأقاليم..وكل إقليم يجب أن يجد نفسه فيها..وهذا يتطلب أن تكون الحكومة المركزية قوية وقابلة للقسمة بعدالة على جميع أقاليم البلاد..والذهاب إلى الفدرالية لا يكون ذهابا آمنا من غير مؤسسات مركزية قوية معبرة عن وحدة البلاد وتنوعها..وأهم هذه المؤسسات هو الجيش الذي يجب أن يعكس بدقة الوحدة الوطنية للبلاد. والأمر الطبيعي أن يذهب اليمنيون إلى الفدرالية واضعين بعين الاعتبار عوامل الفشل المشار إليها أعلاه..ويهمنا بصفة خاصة أن نشير إلى العاملين الرابع والخامس..فعدم أخذ الفارق الكبير في عدد السكان بعين الاعتبار كان أحد الأسباب الرئيسة في تعثر وحدة 22 مايو 1990 ومن المستبعد اليوم أن يقبل الجنوب بالحل الفدرالي دون أن يكون حاضرا بنسبة 50 % في كل مؤسسات المستوى الوطني للدولة بما في ذلك الجيش والبرلمان والحكومة..وعلى الشمال أن يكون جاهزا لتفهم هذا الأمر إذا كان حريصا فعلا على وحدة صلبة. إن الحكومة المركزية هي القاسم المشترك الأعظم بين الأقاليم..وكل إقليم يجب أن يكون مطمئنا على حضوره الفعلي في الحكومة المركزية بكل مؤسساتها..وهذا يقتضي أن تكون الحكومة المركزية قوية وقادرة على إدارة الخلافات البينحكومية في عموم البلاد..لذلك يقتضي الأمر الذهاب إلى الفدرالية بموجب فترة إنتقالية محددة مهامها بدقة وقابلة للتنفيذ المزمن.[c1]كلمة ختامية:[/c] عند إعداد هذه الورقة أخذنا بعين الاعتبار القضية الجنوبية كجذور ومحتوى وحل..وقد اطلعنا على كل الأوراق التي قدمت إلى فريق القضية الجنوبية على ما فيها من تباينات.. وفي ضوء فهمنا لجذور ومحتوى تلك القضية صغنا الحل. لم نتطرق في هذه الورقة إلى النظام السياسي، وهل يكون برلمانيا أم رئاسيا..كما لم نتطرق إلى النظام الانتخابي الذي نحبذ أن يكون وفقا للقائمة النسبية في الإنتخابات العامة، وأن يكون وفقا للدائرة الفردية في الأقاليم..وسوف نبدي رأينا في هاتين المسألتين في ورقة خاصة.
|
آراء
الشكل الأمثل للدولة في ظروف اليمن (2 - 2 )
أخبار متعلقة