لما يقول السفير الأمريكي في صنعاء أن صندوق النقد الدولي لا يطمع في رفع الدعم عن المشتقات النفطية مرة واحد، فهو يؤكد الأخبار التي تتردد منذ بداية العام عن عزم حكومة الوفاق الوطني رفع الدعم عن هذه المشتقات لكي تحصل على قرض مقداره 500 مليون دولار من الصندوق. ووزيرا المالية والتخطيط ذهبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعادا بمحضر وقعا عليه مع المانحين يدفعون لنا بعض ما وعدوا به، مقابل رفع الدعم وتحسين الأداء في ما يتعلق بتوظيف المنح.. الحكومة نفت ولم تنف في الوقت نفسه.. نفت رفع الدعم خلال شهر رمضان فقط، وقالت في الوقت نفسه أن رفع الدعم بمثابة “الدواء المر”.. يعني دواء علينا أن نتجرع مرارته.. زمان كان رفع الدعم “جرع قاتلة” واليوم يدلعونه ويقولون له يا دواء يامر! المبررات القديمة التي كانت تسوقها الحكومات السابقة عن رفع الدعم، هي هي المبررات التي تساق اليوم.. يقولون إن الحكومة تضطر لطبع أوراق بنكنوت لتغطية العجز، حيث سحبت حكومة الوفاق بداية العام مبلغ 54 مليار ريال على المكشوف، مما يزيد التضخم (انخفاض قيمة الريال أمام العملات الأخرى). وما دمنا بلداً نفطياً فما المانع من تحرير أسعار المشتقات النفطية وبيعها للمستهلك اليمني بالسعر العالمي.. ثم إن البترول يهرب والديزل يهرب والغاز اليمني يهرب لأنها منتجات رخيصة الثمن ما يغري المهربين على تهريبها للخارج وبيعها في البلد المهرب إليها بسعر مرتفع.. ثم أننا ندعم هذه المشتقات بما يساوي 25 بالمئة من إجمالي النفقات الحكومية،وإن دعم هذه المشتقات بكل هذا المبلغ يستفيد منه الأغنياء وحدهم، لأن الفقراء لا ينتفعون من رخص ثمن هذه المشتقات، كونهم ليسوا أصحاب مصانع ومركبات و.. و.. و.من قبل قال الخبراء الاقتصاديون، فليرفع هذا الدعم، وما يترتب على رفعه من آثار سلبية يجب أن تعالج بحيث لا تقع الواقعة على الفقراء، فلا يسمح برفع الأسعار تبعا لرفع هذا الدعم.. وانظروا لنا حججا مقنعة لرفعه، فمن العيب أن تقول لنا الحكومة ما دامت المشتقات تهرب لنرفع عنها الدعم إذا، فالتهريب لا يعالج برفع الدعم، بل برمي المهربين إلى الهاوية.. والدعم لا يرفع لأن العجز المالي كبير، فالعجز الكبير يواجه بمحاربة الفساد الذي اتسعت دوائره، وتعددت بيئاته، وظهرت نماذج وأشكال جديدة منه أكثر من أي وقت مضى.. ويواجه باستثمار مساعدات الدول التي تريد مساعدتنا ونحن لم نتمكن من استيعاب هذه المساعدات، فالحكومة منذ أشهر عدة وهي تقول إن المبالغ التي وعد بها المانحون وهي نحو 9 مليارات دولار، قد خصصت لها مشاريع، ثم ترجع وتقول خصت نسبة 70 في المئة، ثم 80 في المئة، وفي الأخير يتبين أن لا تخصيص بل تخسيس، وأن لدى الحكومة مشكلة مع المانحين تتعلق بعدم الكفاءة وفقد الثقة. ليس في الأمر تجن على الحكومة، فقبل أيام قال رئيس الجمهورية: إذا كان الفساد المالي والإداري القائم سيستمر لا يمكن أن يبنى اليمن الجديد، وإنه يجب العمل بدقة لاستئصال الفساد.. ورئيس الجمهورية فوق مستوى شبهة التجني، وقال أيضا: إن المانحين منحوا بلادنا ما يقارب 8 مليارات دولار، ولكن تأخر تشكيل الهيئات، وهذا التأخير عكس نفسه على كل المشاريع التي كان يفترض أن يتم البدء فيها من بداية العام 2013 ..
“الجرع القاتلة” أصبحت “دواء... مر”
أخبار متعلقة