القاضية كفاح سعيد عوض في حوار ضاف لصحيفة ( 14 اكتوبر ) :
حديث أجراه/ أمين أحمد عبدهعملت المرأة اليمنية في ميادين العمل التخصصية ولعل ما يشهد له التاريخ أن المرأة اليمنية الجنوبية كانت سباقة في العمل في مجال القضاء.وتعد القاضية كفاح سعيد عوض واحدة من اللاتي عملن في سلك القضاء منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد تدرجت في عملها القضائي حتى وصلت إلى درجة رئيس محكمة، عملت بمختلف المحاكم اليمنية في محافظات عدن وتعز وإب ومحاكم الأحداث والأحوال المدنية والأحوال الشخصية.ولقد احتلت القاضية كفاح سعيد عوض مثل زملائها القضاة وزميلاتها القاضيات مكانة مشهودة في مجال القضاء.. وكان لابد من إجراء هذا الحديث معها لتسليط الضوء على القضاء في بلادنا ودور المرأة فيه وكذا تجربتها الشخصية.* ما هي البداية في حياتكم العملية في سلك القضاء؟** كانت البداية الأولى عندما تخرجت من كلية الحقوق عدن 1988م ووظفت في وزارة العدل قاضية تحت التمرين وفي عام 90م تم تعييني مساعد قاض (أ)، ثم تعييني قاضياً جزئياً في محكمة صيرة الابتدائية بالاقتراب وبقيت فيها حتى عام 2000م كنت أنظر في القضايا الشخصية وحتى عام 2006م وفي هذا العام عينت رئيس محكمة ابتدائية في محافظة إب (محكمة الأحداث الابتدائية) ثم أضيفت لي محكمة أخرى (محكمة غرب إب) للنظر في القضايا الشخصية وقضايا المرور والمخالفات.وفي ذروة الأحداث وقيام الثورة وفي تلك الأوضاع المتردية التي كانت في البلاد تم تعييني رئيس محكمة ابتدائية للأحداث في محافظة تعز وبقيت لمدة عام حتى طلبت تحويلي ونقلي بجانب أسرتي وقد ساعدني كثيراً فضيلة العلامة القاضي/ عصام السماوي رئيس المحكمة العليا، وكذلك فضيلة العلامة القاضي مرشد العرشاني وقبلت أن أعود إلى عدن حتى ولو قاضياً في أي محكمة ابتدائية وقد تم تعييني في سبتمبر 2012م في محكمة الميناء الابتدائية قاضياً للأحوال الشخصية المدنية حتى يومنا هذا.* هل أنتِ أول قاضية تعمل في محافظة شمالية ومتى؟** أنا طبعاً لست القاضية الوحيدة التي عملت في محافظة شمالية كان هناك من سبقني من الزميلات خصوصاً في قضاء الأحداث لكنني لم انحصر في قضايا الأحداث فقط بل نظرت في القضايا الشخصية وكذا قضايا المرور والمخالفات إلى جانب أنني كنت رئيس محكمة الأحداث في محافظة إب وكان هذا في عام 2006م.* ما هي المغريات في قبولك العمل (محافظة إب) وتركك لأسرتك وأولادك وفي عدن؟** طبعاً لم تكن هناك أي مغريات أو حوافز لكن المسألة كانت تجربة تحدٍ أولاً لإثبات الذات وثانياً لأثبت للآخرين أن المرأة القاضية ليست أقل شأناًَ وكفاءة من أي قاضي زميل في المحافظات الشمالية خصوصاً في مجتمع ذكوري شبه كامل لمحافظة إب.ولإثبات أن التجربة القضائية للمرأة الجنوبية ليست رائدة على مستوى اليمن بل رائدة على مستوى الوطن العربي ككل وبالتالي هاجسنا أن لا تظل هذه التجربة القضائية للمرأة اليمنية حبيسة المحافظات الجنوبية فقط بل نقل هذه التجربة إلى كل أرجاء الوطن اليمني.المغريات والحوافز بالفعل كانت في البداية منعدمة ولكن من خلال العمل لإثبات الذات وبكفاءة عالية وبصدق لم يقصر الدكتور القاضي غازي الأغبري في تسهيل وتذليل كافة الصعوبات التي واجهتها في البداية في محافظة إب.* أبرز المشاكل التي واجهتك في مجال عملك في محافظة إب؟ وكذا في المجتمع؟** طبيعي في البداية أو في بداية عملي كنت وسط ذهول وتوجس المتقاضين من قضاء المرأة حيث لم يرد في حياتهم أصلاً قاضٍ امرأة ولكن مع مرور الوقت وبصدق وجدنا تقبلاًً واحتراماً كبيراً وتغيرت نظرتهم لنا وزادت الثقة بنا من الجهات المعنية وبالذات مجلس القضاء الأعلى فقد عملنا أيضاً بقضايا شخصية ومرور ومخالفات في محكمة أخرى إلى جانب ما أشرت إليه في نفسها المحافظة وهذا دليل على ثقة المجلس بنا.أما مسألة انتقالي إلى محافظة تعز فنحن بطبيعة عملنا كقضاء لا نختار أماكن عملنا وهذا الأمر يعود في العادة إلى مجلس القضاء وقد جرت العادة في مجلس القضاء عند نقل القاضيات النساء استشارتهن إلا إنها كانت المرة الوحيدة التي لم يتم استشارتي فيها في ظل تلك الظروف المأساوية التي كانت تمر بها البلاد.أما بالنسبة لعودتي إلى عدن فطبيعي أنها ليست ترقية بل بالعكس لأنني كنت رئيس محكمة ابتدائية في محافظتي إب وتعز لكن في عدن رجعت قاضياً فقط ولا شك أن القضاء قضاء وقد طلبت أنا هذا تقديراً لظروفي الأسرية.أما بالنسبة للبديل لي فقد كانت قاضية رئيس محكمة في تعز وهي قاضية من بنات محافظة عدن.وبشان المشاكل التي اعترضت عملي في محافظة إب كما تعرفون أن الاستقرار هو عصب نجاح أو فشل الإنسان ويعد المسكن العصب الأساسي في استقرار الإنسان وبالتالي نجاحه وقد تركت منزلي في عدن وأولادي كما أشرت سابقاً وقد كنت أعيش في محكمة الأحداث م/ إب وتحصلت على وعد مؤخراً بإيجار إحدى شقق الأوقاف في المحافظة وكنت ضمن المستحقين إلا أنة في اللحظات الأخيرة وبعد متابعة حثيثة فوجئت بأنه تم إسقاط أسمي عمداً علماً بأنني كنت على رأس قائمة المستحقين ووعدت بأن أكون في الدفعة اللاحقة ومع ذلك لم أتذمر ولدي أوليات تثبت ذلك (توجيهات من المحافظ ومن وزير الأوقاف السابق واللاحق) وللأسف الشديد شعرت بأن هناك من يعمل وبطريقة ضدي باعتباري من عدن على الرغم من أن المحافظ قد أشار لمدير الأوقاف بقوله الصريح أنا من إب ولكن لدي أملاك في عدن ما الذي يمنع ذلك خصوصاً أنها مستحقة وإلى يومنا هذا ونحن في هذه الدوامة مثل هذه التصرفات هي التي تعيق عمل أي إنسان مهما كان وتراكم السخط لدى المواطنين من تصرفات قلة من المتنفذين الفاسدين الذين لا يتوانون حتى عن استخدام البلاطجة لغرض إرهاب الآخرين لمصالح شخصية على حساب المصلحة الوطنية للبلاد وأنا لا تهمني في الأخير الشقة إنما تهمني أن تنتهي هذه النظرة وهذا التصرف ويجب أن نكون نحن اليمنيين متساون أينما كنا وأيا كانت انتماءاتنا ويجب أن يقف كل الشرفاء لمؤازرتي ونصرة هذه القضية، فمثل السلوك يجب أن يتغير لأنه يضر بالوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي ولابد في هذه المرحلة من التغيير أن يتم تصحيح الأوضاع ووضع أناس ذوي آفاق كبيرة همهم الوطن وليس المصالح الشخصية الضيقة. * ما هو دور المرأة في سلك القضاء وكيف تقيمين دور المرأة القاضية في تجربة الجنوب؟** دور المرأة اليمنية وعلى وجه الخصوص المرأة في جنوب الوطن في تقلدها للعديد من المواقع على وجه الخصوص شغل منصب قاضية.بعد الحرب العالمية الثانية ونيل الكثير من البلدان استغلالها والتوجه الأممي لانتزاع حقوق الإنسان نالت المرأة في الجنوب الكثير من الحقوق إبان الاستعمار البريطاني ففتحت المدارس والكليات الخاصة بها وانخرطت في الكفاح المسلح وتكونت ثقافة عامة بقبول المرأة كجزء اساسي في تطور المجتمع وهذا كان حتى إبان الاستعمار البريطاني واستمر هذا النهج الثقافي والتوعوي بعد الاستقلال فتبوأت المرأة الكثير من المناصب القيادية في المجتمع وشغلت أعلى المناصب الوزارية حتى درجة نائب وزير وأعضاء مجلس الشعب الأعلى ومستشارات حتى في السلك الدبلوماسي، ولم يكن القضاء متأخراً عن ذلك فقد كانت هناك نساء قاضيات في النصف الثاني من القرن الماضي في عدن لم يواكبه أي تطور للمرأة في الوطن العربي وكانت في عدن سباقة إلى ذلك .. ونتمنى اليوم ان تعود المرأة في اليمن كما كانت المرأة في الجنوب قبل غيرها من دول الجوار والوطن العربي.ولا يختلف أثنان على أن قوام البشرية يرتكز على عنصرين أساسيين (ذكر وانثى) لا يمكن لأي نوع منهما ان يتكاثر ويتطور منفرداً بالتالي هناك روابط أساسية بينهما ولايستغني احدهما عن الآخر واي مساس سلبي بهذه التركيبة البشرية تكون له نتائج كارثية على المدى القريب والبعيد. وللأسف الشديد وبدعاوى مختلفة مردها الجهل والمظالم الاجتماعية التي طغى عليها التخلف أهمل نصف كامل من المجتمع ولو توقف الأمر عند الاهمال فقط لاستطاعت المرأة ان تنهض بنفسها وتطور من ذاتها باعتبارها كائناً بشرياً يصبو دائماً إلى التطوير والتحسين إلا اننا وبسبب التقاليد الاجتماعية القبلية المتخلفة مورس ضد المرأة ظلم ممنهج ومدروس تحت مبررات واهية.فمشكلة المرأة في المجتمع اليمني أنها وقعت تحت ظلم القبيلة التي تسيطر عليها الذكورية في مجتمع ذكوري لا رأي فيه إلا للذكر.فالمجتمع اليمني للأسف الشديد في تركيبته الاجتماعية يحوي تقريباً ما بين 80 ـ 90 % على مجتمع قبلي والحضر فيه يشكل الاقلية وبالتالي المدنية ايضاً لا تؤثر على المفاهيم القبلية في التركيبة ذات الاغلبية الساحقة وبالتالي هذه الاغلبية التي تفرض رأيها ويأتي اقصاء المرأة من أن تتبوأ موقع اتخاذ القرار بسبب هذه التركيبة الاجتماعية التي تؤثر على كل مناحي الحياة، ولا تجد المواطنة إلا في بعض المناطق الحضرية مثل عدن حتى إبان الاستعمار البريطاني فقد كانت هناك نهضة ثفافية أبرزت الكثير من الرائدات السباقات في شتى ميادين الحياة بما فيها السياسية.وقد كانت المرأة عنصراً اساسياً في الكفاح المسلح واستمر الأمر حتى نيل الاستقلال. ولتعدد الرؤى ووضع استراتيجية للمرأة مستقبلاً لابد من تغيير التركيبة الاجتماعية لتعود القبيلة من خلال نشر التعليم للأنثى في كل ربوع الوطن حتى تتحرر المرأة من السيطرة الذكورية وبالتالي تأثير الذكورية وسوف تجد لها نداً في ظل تكافل وتكامل هذه الثقافتين ولن تستطيع ان تطغى احداهما على الاخرى لأنهما يملكان نفس ناصية المعرفة والوعي خاصة في الريف.أما بالنسبة للمرأة في المدن والتي قد قطعت شوطاً كبيراً فهي بحاجة إلى قرار سياسي جريء قرار جمهوري وبدعم أممي وأوروبي بأن تعطى للمرأة 30 % في كل المواقع الانتاجية والخدمية والوزارات الأكثر كفاءة ، فإذا كان الوزير ذكراً يجب ان يكون النائب امرأة وتمتلك الكفاءة وحتى ادنى سلم وظيفي وان تكون هناك لائحة تنظيمية تنظم ذلك بحسب الخبرة والكفاءة ومن هذا المنطلق وأنا متأكدة ان المرأة سوف تثبت ذاتها ونفسها وستفرض نفسها فيما بعد ولن يكون لهذا القرار السياسي أي جدوى أو تأثير حتى تكون المرأة في موقع القرار في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.