رؤية مقدمة من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري لمحتوى القضية الجنوبية :
مقدمة :في الورقة الأولى المقدمة من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الى فريق القضية الجنوبية في 29 ابريل 2013م تضمنت رؤية التنظيم حول جذور القضية الجنوبية - بموضوعية وبصياغة مركزة - للفترة من تاريخ الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م حتى حرب صيف 1994م، حيث وصلت جذور القضية الجنوبية إلى ذروتها خلال الفترة الانتقالية والحرب المشؤومة عام 1994م.وكل جذر له بذر وكل جذر لا بد وان يمتد فوق الأرض بشكل لابد وان تحكمه سياقات الظروف الوطنية والإقليمية والدولية هذا ما أردنا الالتزام به وبالحدود الدنيا لمناهج البحث والتقصي في أصول المشكلات والأزمات الإنسانية و مصادر الصراعات السياسية حول الدولة وأنواع الحكم في كل المجتمعات .إن أية رؤية سياسية أياً كان مصدرها محكومة بما يعتقده هذا الطرف أو ذاك انطلاقا من تجربته ومرجعياته وما يتطلع إليه في معادلات القوة والنفوذ وفي أي حوار ديمقراطي لابد وان يكون الجميع متساوين في ممارسة حق العرض لما يعتقدون دون تخويف وإرهاب ... بل وحقهم مكفول في التوضيح والتفسير إذا اقتضى الأمر ذلك ، و من المهم في الحديث عن مضمون القضية المحافظة على الاتساق الذي يفرض نفسه بشروطه الفنية لعملية البحث والتقصي بدءاً من محطة البذور والجذور كمنهج وضعته اللجنة الفنية وتمر عبر ما ترتب عليها من نشوء وتخلق للجذع الذي أنتجه الجذر كامتداد موضوعي ونتائج طبيعية لمسار الأحداث التي عاشها الوطن لكنه كان مساراً مثخناً بأفكار الفيد السياسي والإقصاء الاجتماعي والحرمان الاقتصادي وآثار الحروب وثقافة العنف التي دمرت المشروع الوطني واتت عليه بشكل سريع حين تحققت وحدة الوطن في الـ22 من مايو 1990م بشكل سلمي .ان مضمون القضية الجنوبية مهم وحيوي في هذا لسياق سياق الازمة الوطنية الشاملة التي عصفت ببلادنا عقوداً من الزمن وكان جوهرها أزمة بناء الدولة الموحدة التي ظهرت منذ اليوم الأول لقيامها وحين نرى مضمونها الوطني وتأثيرها على حاضر اليمن ومستقبله لابد وان نرتفع بهذا المضمون فوق المشاكل العارضة التي يراها البعض أو النزاع بين فرع تم ضمه للأصل عند البعض الآخر انه مضمون بناء دولة الوحدة التي قامت بين دولتين بموجب القانون الدولي وأسس قيام الدول المندمجة والاتحادية.وأياً كانت مسؤولية النخب السياسية أو الثورية أو الحزبية أو الجهوية التي أدت الى ذلك الوضع التاريخي قيام نظامين ودولتين لحكم شعب واحد فان ذلك لا يلغي حقائق قيام الاتحاد والتنازع بعد قيامه على إدارته وتحقيق هدفه الحضاري الذي ناضل اليمنيون من اجله مئة عام على الأقل.وفي هذا الإطار الحاكم لرؤية التنظيم فان المضمون الواقعي للقضية الجنوبية يشير الى محتوى من العلاقات المعقدة قامت بين ما هو وطني وسياسي واقتصادي وامني وكلها علاقات امتدت بآثارها الى ما هو إقليمي ودولي ولا ينكر الجميع الآثار الخطيرة التي جلبتها الإضافات الخارجية على النزاعات الداخلية و هي مخاطر من طبيعة أي تدخل خارجي في أي بلد مهما كان حجمه أو موقعه.والتنظيم الوحدوي يرى ان تلك العلاقات والتداخلات هي التي كونت مضامين القضية في وضعين مهمين لا يزال مفعولهما قائماً حتى اليوم ومن أرضية وطنية مشتركة وجامعة وهما: أولا: الإدارة الانتقالية بعد قيام الوحدة للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية . ثانيا: إلغاء الشراكة الوطنية في بناء دولة الوحدة بإعلان الحرب يوم 27 ابريل 1994م وما ترتب عنها.وقد شكلت تداعيات ما بعد الحرب وممارسات الطرف المنتصر اغتيالا حقيقيا للمشروع الوحدوي العظيم من خلال التفرد الشمولي بالحكم وبكل مقومات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية وكأنها إقطاعية عائلية خاصة، حيث ترتب على هذه الممارسات محتوى القضية الجنوبية الذي تتناوله هذه الورقة.اولاً : المحتوى السياسي:على المستوى السياسي أفضت نتائج حرب صيف 1994م ، الى تقويض الشراكة الوطنية والانقضاض على المضامين الوطنية والديمقراطية للمشروع الوطني الوحدوي ، بالتراجع عن مضامين الاتفاقيات الوحدوية حيث قامت سلطة ما بعد الحرب بإجراء تعديلات واسعة على الدستور شملت خمساً وثمانين مادة من إجمالي مواد الدستور البالغة مائة وستاً وثلاثين بقصد تفصيل الدستور لاستعادة الحكم الفردي المستند الى مركزية عصبوية يقف على رأسها حاكم يقبض على مفاصل السلطة ومصادر القوة وموارد الثروة. وتعرضت المحافظات الجنوبية لنهب الأرض والثروات والحقوق ، وتسريح وتشريد الموظفين مدنيين وعسكريين وخصخصة عدد كبير من مؤسسات القطاع العام وتصفيتها، واتساع الظلم وتفشي النهب والمصادرة والاستبداد.وشاء القدر أن تكون المحافظات الجنوبية ، هي مناطق حضور ونفوذ الحزب الاشتراكي اليمني بحسبانها إقليم الدولة الشطرية التي كان حاكماً لها قبل الوحدة ، وكذلك استمر ونفوذه فاعلاً فيها كما أكدت نتائج انتخابات ابريل 1993م. فتعامل معها المتضررون كغنيمة قاموا باستباحتها واستلابها بهمجية ووحشية معبرة عن ثقافة عصبوية مستبدة لا تمت للحضارة بصلة ، فجرى تدمير جهاز الدولة فيها ، بما يملكه من تراث سياسي وإداري ، تراكم على مدى سنوات وتم إخضاعها لإدارة عسكرية وأمنية صارمة أدت الى إلغاء وتهميش دور الإدارة المدنية فيها ، كما جرى الاستيلاء على مزارع الدولة ، ونهب واسع لمؤسسات القطاع العام باسم الخصخصة كما تعرضت لغير ذلك من الممارسات والسياسات التدميرية التي ولدت شعوراً بهزيمة نفسية ومعنوية لدى أبناء المحافظات الجنوبية وأدت الى التسريح القسري لعشرات الآلاف من المزارع ودفعت بالآلاف من عمال مؤسسات القطاع العام التي نهبت وخصخصت الى سوق البطالة وبصورة عامة فان نتائج وأثار حرب 1994م ولدت حالة من الرفض والمقاومة لسياسات السلطة وممارساتها الظالمة بدأت في التعبير عن نفسها بمسميات مختلفة منذ انتهاء الحرب طالبت بإزالة أثار الحرب وتضميد جراحاتها والمطالبة بالفرص المتساوية بين أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية للقبول في الدولة وإعادة الحقوق المنهوبة ورفض الإقصاء والتهميش وتنفيذ مضامين الاتفاقيات الوحدوية .إن رصداً مركزاً لبعض الممارسات التي اتبعتها السياسات الرسمية للسلطة المركزية في المحافظات الجنوبية منذ حرب 1994م حتى الآن من شأنه أن يساعد كثيرا على تسليط ضوء كاشف على حيثيات ودوافع حالات التململ ومشاعر الاحتقان وبروز الحراك السلمي وصولا للثورة الشبابية الشعبية السلمية التي انطلقت في كافة محافظات الجمهورية وفيما يلي نعرض لما تكاد التحليلات السياسية تتوافق عليه كأخطاء وخطايا وتجاوزات وممارسات لم يعد ممكنا البحث عن حلول ترقيعية لها ما لم يكن الحل جذريا وشاملا في بعدها السياسي والاجتماعي والوطني ومن تلك الممارسات ما يأتي:1 - النهب لأراضي "الدولة" والمواطنين ، من بعض الأشخاص من نافذين في السلطة والجيش والحكومة ورموز قبلية واجتماعية ومالية ،إن هذه السياسات شجعت على التمادي من قبل من هم اقل نفوذا على نهب ومصادرة أراضي المواطنين بالقوة والعنف في حال فشل التراضي أو تزوير ملكيات وعقود من عشرات ومئات السنين .2 - التسريح لعشرات الآلاف من القادة والضباط والصف والجنود الذين انتظموا في وحدات الجيش والأمن لجمهورية اليمن الديمقراطية سابقا والتي ظلت قائمة في ظل الوحدة كما كانت عليه تقريبا .. وإحالتهم قسرا خشية من إفرازات الحرب إلى التقاعد.. وبذلك تم التسريح أو حل جيش كامل خوفا من صعوبة تطويعه لإرادة الحكم .. مما أحدث اختلالا واضحا أدى إلى أن تكون قوات الجيش ووحدات الأمن شطرية التكوين والانتماء والولاء.3 - الإقصاء والتهميش لأبناء المحافظات الجنوبية .. وذلك ما يتضح من خلال التسيس للوظيفة الذي أدى إلى حرمان الشباب والخريجين وهم بالآلاف من حق الحصول على فرصة عمل أو درجة وظيفية ، ومن الترقيات المستحقة قانونا للموظفين منهم .. وإقصاء متدرج ومتسارع لمن وصل إلى درجة مدير ومدير عام من أبناء هذه المحافظات واستبدالهم بآخرين من القبيلة أو من الحزب الحاكم أو من محافظات أخرى دون مراعاة الشروط والمعايير الوظيفية السارية.4 - حرمان الراغبين من الالتحاق بالكليات والمعاهد والمدارس العسكرية والأمنية حتى لو استطاع بعضهم دفع المقابل المادي الكبير، وغير القانوني ولعل أقرب الأدلة على ذلك أن إحدى الدفعات التي تخرجت من كلية الشرطة البالغة 400 فرد لا يوجد بينهم غير 12 فرداً فقط من أبناء المحافظات الجنوبية يقال إنهم من جماعة نائب رئيس الجمهورية .5 - الإفراط في استخدام القمع والعنف المسلح ضد الاعتصامات وغيرها من أشكال الاحتجاجات السلمية في المحافظات الجنوبية وما نتج عن ذلك من قتل وجرح عشرات واعتقال المئات .6 - عسكرة عواصم هذه المحافظات ونشر المواقع والمراكز العسكرية والأمنية في مدن ومديريات المحافظات و إطلاق التهم بالعمالة والخيانة والانفصالية وغيرها ضد أبناء المحافظات الجنوبية من غير تمييز بين المواطن العادي والرمز الوطني أو السياسي ترسيخا لخطاب وإرادة الطرف المنتصر في حرب الصراع على السلطة في 1994م واعتبار ما يجري من فعاليات واعتصامات في هذه المحافظات تأمراً على الوحدة والديمقراطية وتهديداً للسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية وللاستقرار والتنمية.7 - المركزية الشديدة أو المفرطة التي جعلت من صنعاء العاصمة مركز الكون اليمني ، فكل شيء مصدره العاصمة حتى انجاز ابسط العاملات أو الحصول على أبسط الحقوق لا يمكن أن يكون إلا بالتوجه إلى صنعاء لمتابعة ما يلزم المواطن الذي لا يقدر على الاستعانة بوسيط أو محسوب فكان ذلك من العوامل التي ضاعفت إحساس الناس بأن من ينتمون إلى محافظاتهم ممن هم في الدولة والحكومة وغير ذلك لا يمثلونهم ، إنهم في خدمة الحكم الذي يستمدون منه سلطاتهم.8 - شعور عميق أحيانا بانعدام المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات من صحة وتعليم وعمل ، وهو شعور قد لا يخلو من مبالغة ، وبالتالي يحتاج إلى معالجة جادة بمسئولية وطنية وشفافية رسمية في إنهاء هذا الشعور من خلال إجراءات فعلية كقرار إلغاء الكلفة المشتركة المتعلقة بالخدمة الكهربائية الصادر مؤخراً من خلال توحيد أنها لا تزيد عن سبعة عشر ألف ريال في بقية المحافظات.9 - إقصاء الكفاءات والقدرات من قيادات وكوادر المحافظات الجنوبية في مختلف المجالات تقريبا ، باستبعادهم عنوة عن مواقع المشاركة في صنع القرار الوطني وفي رسم السياسات العامة للبلاد . وفي ذلك مؤشر صارح على الإخلال بمبدأ الشراكة الوطنية، شراكة الجنوب والشمال في المسئولية الوطنية بمفهومها السياسي والاجتماعي الواسع ، وأضرار بقيم ومبادئ الديمقراطية والوحدة والتنمية والسلم الاجتماعي .وعبر أبناء المحافظات الجنوبية بوسائل متعددة عن رفضهم للممارسات الخاطئة التي نفذتها النخبة السياسية الحاكمة من تسريح وتهميش ونهب للممتلكات العامة والخاصة في المحافظات الجنوبية من خلال فعاليات سياسية احتجاجية محدودة العدد والمطالب ، اقتصرت في بداية الأمر على المطالبة الحقوقية ذات البعد الإنساني وفي سياقها الاجتماعي والسياسي والقانوني ، إلا أن السلطة تعاملت مع مطالب تلك الاحتجاجات والفعاليات والاعتصامات الحقوقية والعادلة بنوع من الاستخفاف والتجاهل تارة واستخدام القوة والعنف لمواجهة أي مظهر من مظاهر تلك الاحتجاجات السلمية تارة أخرى أو القيام بحلول ترقيعية تمثلت بالتعيينات وشراء الولاءات وتوزيع الهبات المالية ، واستخدامها لأوراقها الأمنية والسياسية لممارسة الضغوط على قوى الحراك السلمي الديمقراطي لتثنيه عن المطالبة بحقوقه العادلة . وهو ما مثل تحديا إضافيا وجرحا عميقا في مشاعر أبناء الوطن عموما وإخوانهم أبناء المحافظات الجنوبية بشكل خاص . بفعل ممارسات النخبة السياسية الحاكمة الخاطئة اتسعت رقعة الفعاليات والاحتجاجات السلمية وتشكلت العديد من هيئات الحراك لتشمل كافة المحافظات الجنوبية ليأخذ الحراك السلمي بعد ذلك بعدا آخر ويصبح أكثر تشددا في سقف مطالبه يصل في بعض الأحيان إلى المطالبة بالانفصال وفك الارتباط حالة من حالات عدم الرضا بالانتماء والوجود وصل إليها العديد من أبناء المحافظات الجنوبية.وخلال السنوات اللاحقة للحرب عبر إخواننا في المحافظات الجنوبية وبوسائل متعددة عن رفضهم لإجراءات حكومة صنعاء حيث ظهرت أول محاولة جنوبية علنية للتعبير عن الرفض عام 1997م إذ أعلن في عدد من المحافظات تشكيل ما سُمي وقتها بـاللجان الشعبية'، لكنها ووجهت بحملة اعتقالات أخمدتها في المهد. تلاها في عام 2002م الحديث عما سمي بـملتقى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية.إلا أن الملتقى المذكور أعلن رسمياً في ديسمبر 2003 برئاسة العميد علي القفيش رئيس 'هيئة رعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة'، وذلك من خلال رسالة وجهها إلى رئيس الجمهورية، تضمنت عدداً من القضايا، اعتبرت 'نماذج تمثل جزءاً يسيراً من إجمالي معاناة أبناء هذه المحافظات'. واشتملت تلك الرسالة على 'المطالبة بالفرص المتساوية بين مواطني المحافظات الشمالية والجنوبية في جهازي الدولة المدني والعسكري، وإعطاء صلاحيات أوسع للمجالس المحلية في المحافظات الجنوبية، وإيقاف عمليات الإبعاد والتغيير والتهميش لأبناء المحافظات الجنوبية'. كما طالبت الرسالة بـالتوزيع العادل للأراضي وإيقاف السطو عليها'.في حين يضع الكثير من المراقبين السياسيين ما حدث في جمعية ردفان الاجتماعية الخيرية كبداية أولى لانطلاق مسيرة 'الحراك الجنوبي'، حيث احتشد في تاريخ 15 يناير 2006م مئات المتقاعدين العسكريين من مختلف المحافظات الجنوبية في ملتقى خصص لإزالة آثار صراع 13 يناير 1986م بين عناصر الحزب الاشتراكي. إلا ان السلطة اعتبرت ما حدث عملاً تخريبياً نجم عنه سحب ترخيص جمعية 'ردفان' وإغلاق مقرها.إثر ذلك، انطلقت الفعاليات الاحتجاجية على شكل مجموعة من المراسلات مع مكتب رئاسة الجمهورية، من قبل جمعية المتقاعدين العسكريين، والتي تضم في عضويتها عدداً من العسكريين المبعدين عن أعمالهم. وتضمنت تلك المراسلات مجموعة من المطالب الحقوقية تتعلق بالعودة إلى العمل، والحصول على الترقية والتعويض عن سنوات الإبعاد الإجباري عن الوظيفة، ومطالب تتصل بالحقوق المادية التي يحصل عليها ضباط الجيش والأمن من إعاشة ووسائل نقل ووقود وصيانة وأجرة سكن وسواها، بالإضافة إلى مطالب تتصل بالحقوق المستولى عليها وتخص الأراضي التي اشتراها الضباط والجنود قبل الحرب من خلال جمعياتهم السكنية وجرى نهبها بعد الحرب. وفي 17 مايو 2007م ، استطاع المتقاعدون العسكريون والمدنيون في محافظات الضالع ولحج وأبين وعدن وشبوة وحضرموت، تكوين وإشهار أول كيان تنظيمي يوحد فصائل الحراك في كيان واحد هو 'جمعية المتقاعدين العسكريين'.ومع استمرار تجاهل السلطة لمطالب المحتجين وإصرارها على التعامل الأمني مع الاحتجاجات واستخدام القوة المفرطة والرصاص الحي لقمعها وسقوط العديد من الشهداء والجرحى واعتقال إعداد من المشاركين فيها والإخفاء القسري ليعظهم لفترات وتعرض آخرين للتعذيب والمعاملة اللا إنسانية ارتفع سقف المطالب وانتقل طابع الاحتجاجات من الشعارات المطلبية الى رفع الشعارات والمطالب السياسية التي حدث معها الانقسام في صفوف الحراك بين مطالب بفك الارتباط والعودة الى ما قبل 22 مايو 1990م ومطالب بتقرير المصير لشعب الجنوب ومن يدعو الى تحرير الجنوب المحتل من الشمال ، بالإضافة الى من يرى ان الخلاف الذي قامت بسببه حرب صيف 1994م لم يكن حول الوحدة وإنما حول بناء دولة الوحدة وهذا الفريق يرى ان الحل يتمثل في العودة الى مضامين الاتفاقيات الوحدوية والمضامين المدنية والديمقراطية للمشروع الوطني الذي أسست عليه الوحدة وإعادة النظر في شكل الدولة ونظامها.وبدأت التباينات بين مكونات الحراك بفعل تباين الاتجاهات السياسية وازدحام الساحة بالقيادات التي تدعي أحقيتها في القيادة وتمثيلها للقضية الجنوبية وهو ما احدث تصدعا في الجدار الذي كان يجب ان يكون متماسكا وصلبا وموحداً في الرؤية والوسائل كي يشكل أداة ضغط حقيقية للانتصار للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية التي في اعتقادنا ناضل إخواننا في الحراك السلمي ولا يزالون يناضلون من اجلها, ورغم التباينات والآراء المختلفة لفصائل الحراك المتعددة ورغم محاولة تشويه صورته النضالية السلمية بافتعال أحداث تقطع ونهب وأعمال شعب انخرط فيها القلة ومن الذين لا ينتمون إليه فان الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية قد مثل حاملا رئيسا للقضية الجنوبية لا يمكن لأحد ان ينكر دوره وتضحياته في المحافظات الجنوبية فيما يتعلق بالقضية الجنوبية إلا انه لم يكن الوحيد الحامل لها بل إن كافة القوى الوطنية في المحافظات الجنوبية والمحافظات الشمالية وفي مقدمتهم اللقاء المشترك قد شكل أداة دعم وإسناد للحراك السلمي في المحافظات الجنوبية ولقضيته العادلة توجت تلك النضالات بانطلاق ثورة الشباب الشعبية السلمية لإنهاء حكم استمر ثلاثة وثلاثين عاما من الاستبداد والظلم والفساد, وبدء مرحلة جديدة من النضال الوطني لاستكمال تحقيق أهداف الثورة وفي مقدمتها حل القضية الجنوبية حلا عادلا تتفق ومستوى تطلعات شعبنا في هذه المرحلة وفي مقدمتهم أخواننا في المحافظات الجنوبية.ثانياً: المحتوى الاقتصادي:أدت حرب صيف 1994م الى تدمير البنية الأساسية في المحافظات الجنوبية وعمد المنتصرون الى نهب موجودات وأصول كافة المشاريع التنموية ومكاتب المؤسسات العامة والمصالح الحكومية والمتاحف والمكتبات ومعدات المعسكرات التي جرى إفراغها من كامل العتاد وتحويلها الى ثروات خاصة بهم وتتجلى أهم هذه الممارسات في الآتي:1 - البيع أو الخصخصة لحوالي 66 مؤسسة ومنشأة اقتصادية وصناعية وزراعية في نطاق محافظة عدن وضواحيها والتسريح القسري لآلاف العمالة من تلك المنشأت. 2 - انتهاج سياسة تتعارض مع إعلان عدن : العاصمة الاقتصادية والتجارية لدولة الوحدة وافتعال المعوقات التي تحول دون المنطقة الحرة بعدن.3 - الاستنزاف المفرط للثروات البترولية والمعدنية المستخرجة من أراضي المحافظات الجنوبية وحرمان المحافظات وأبنائها من نصيب عادل من عائدات وفوائض تلك الثروات ، ولعل أقسى صور الحرمان تتمثل في عدم الاكتراث بتشغيل الأكفاء والقادرين من أبناء هذه المحافظات في أعمال وأنشطة الاستكشاف والتنقيب والاستخراج ، وكذا في عدم التفكير بإقامة مشاريع إنتاجية وخدماتية من عائد هذه الثروات لتشغيل الأيدي العاملة وتوفير فرص العمل لأبناء هذه المحافظات والمحافظات الأخرى .4 - تفشي الفساد والارتفاع الجنوني للأسعار وفي مقدمتها السلع الغذائية والدوائية وانتشار الفقر والبطالة والمرض واتساع نسبة الأمية جراء التسرب من العملية التربوية والتعليمية ، وفرض الرسوم والضرائب القانونية وغير القانونية ، وغير ذلك مما لم يكن واردا حتى في ابعد التوقعات كما يتضح من خلال وجود آلاف الأسر في ريف ومدن محافظات جنوبية وصل بها الحال إلى تخفيض وجبات اليوم الثلاث العادية إلى وجبة واحدة ، والى عدم القدرة على العلاج من الأمراض كشفاء ودواء ، والى تسريح أطفالها في الشوارع للبحث عن مصدر رزق مهما كان محدودا .5 - إن مصدر القسوة وأساس العناء يكمن في أن كل أبناء المحافظات الجنوبية تقريبا هم من محدودي الدخل ولا يقدرون على مواجهة غلاء الأسعار كما إن القليل منهم من تمكنوا من الحصول على وظيفة أو فرصة عمل يندر أن تفي بأبسط المتطلبات المعيشية ، كما أن من كان منهم قد استطاع أن يؤمن لأسرته مصدر دخل من خلال مشروع صغير - محل تجاري - بقالة لم يلبث أن تخلى عنه بسبب الإفلاس أو لعدم القدرة على المنافسة في مجتمع صار قانونه البقاء للأغنى.6 - تعاملت السلطة القائمة بعد الحرب بالموارد والثروات الوطنية والممتلكات العامة كغنيمة حرب تم تقاسمها مع الأولاد والشركاء ، والمقربين والموالين الذين منحو امتيازات أعطتهم الأولوية لاحتكار تقديم الخدمات للشركات النفطية وشركات الاصطياد ، فقد تم استباحة الثروة والموارد في المياه الإقليمية وفوق الأرض وباطنها وتحويل كثير من قادة الحرب العسكريين وأبنائهم والرموز الاجتماعية والقبلية المتحالفة معهم الى تجار وملاك شركات عملاقة في الداخل والخارج .7 - نهب ما يقارب خمسة وأربعين مؤسسة عامة وخصخصة ما يقارب اثنين وثلاثين مؤسسة بأبخس الأثمان لبعض المتنفذين الذين قاموا بالاستغناء عن العاملين فيها ودفعهم الى رصيف البطالة بدون حماية لحقوقهم .8 - إلحاق البعض من تلك المؤسسات العامة بالمؤسسات الاقتصادية العسكرية الخاضعة لسيطرة رأس النظام .9 - الاستيلاء على مزارع الدولة البالغ عددها مائة وست عشرة مزرعة بمساحة خمسة وعشرين ألف فدان وكذا المزارع الخاصة بالجمعيات التعاونية البالغ عددها ستاً وخمسين جمعية تقريباً، وإعادة توزيعها على النافذين والمقربين وطرد المزارعين .10 - تعمد نشر الفوضى وإضعاف المؤسسات بقصد خلق حالة من عدم الاستقرار دفعت المستثمرين في الداخل والخارج الى الإحجام عن الاستثمار في المحافظات الجنوبية ، مما تسبب في ارتفاع معدل البطالة لعدم وجود فرص عمل تستوعب القوى العاملة المتدفقة الى سوق العمل.11 - توقف كثير من المشاريع الاستثمارية المسجلة بسبب ما يواجهونه من مشاكل أثناء تنفيذ المشاريع تعجز الإدارة القائمة عن حلها .12 - التسريح القسري لما يزيد عن أكثر من مائة ألف مدني وعسكري وفق تصريح جمال بن عمر المنشور في صحيفة الأولى بالعدد ( ) الصادر في /4 /2013م. ثالثاً: المحتوى الحقوقي والقانوني:في المحتوى الحقوقي والقانوني للقضية الجنوبية يجب إنشاء هيئة أو لجنة وطنية تتولى عملية إحصاء وتحديد الحقوق التي تعرضت للاعتداء والانتهاكات والأضرار المترتبة على تلك الاعتداءات والانتهاكات سواءَ كانت أضراراً مادية أو معنوية .... الضرر المترتب عليها ، مع إعادة الحقوق المادية والخاصة التي تم الاستيلاء عليها ونهبها وأعادت الحقوق الوظيفية لمن تم اقصاؤهم قسراً الى المواقع والوظائف التي تتناسب مع سنوات خدمتهم بما في ذلك فترة الإقصاء ومنحهم كافة العلاوات والحقوق والدرجات التي منحت لنظرائهم والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم في فترة الحرمان.وفي ذات الوقت تقديم مرتكبي جرائم الانتهاك والاعتداءات الجسدية وكذا مرتكبو جرائم الاستيلاء على الممتلكات والأموال أو تبديدها الى محاكمات عادية ووفقاً لما يقرره القانون .وفي ختام هذه الورقة نرى انه من الضرورة بمكان ان نورد الملاحظات التالية:1. ان حرب صيف 1994م لم تكن حرباً بين الشمال والجنوب وإنما كانت حرباً بين فريقين سياسيين فكان في الفريق المهزوم شماليون وجنوبيون كما كان في الفريق المنتصر شماليون وجنوبيون ايضاً .2. ان الخلاف قبل الحرب لم يكن حول الوحدة وإنما كان حول بناء دولة الوحدة وبالتالي فان الحرب لم تكن من اجل الوحدة التي مثل تحقيقها تتويجاً لنضال اليمنيين في الشمال والجنوب وانتصاراً لإرادتهم التي عبرت عنها نتائج الاستفتاء على الدستور الذي تم إجراؤه في /5 /1991م .3. ان القوى التي دمرت جهاز الدولة الذي كان قائماً في المحافظات الجنوبية وشاركت في نهب ثرواته وموارده وانقضت على المشروع الوطني الوحدوي هي ذاتها القوى التي سبق لها الانقضاض على مشروع الدولة المدنية التي أرسى وأقام قواعدها وشيد بناءها الشهيد الرئيس / إبراهيم الحمدي وهي ذاتها التي عبثت بمقدرات الشمال واستولت على ثرواته وموارده.4. ان استعادة بناء الثقة بين القوى السياسية والاجتماعية المشاركة في الحوار مقدمة أولى ومدخل لحل القضية الجنوبية وبناء الدولة والمصداقية في القول والشفافية في التعامل هي المدخل لبناء الثقة .5. إن الالتزامات بالأخطار والاعتذار عنها مقدمة لتعزيز الثقة ومدخل لحل القضية الجنوبية.6. ان تحديد الأخطاء والخطايا التي أدت الى حرب صيف 1994م والمسئول عنها وعن نتائجها ضمانة أكيدة لعدم تكرارها مجسداَ في مسيرة العمل الوطني .7. ان تنفيذ النقاط العشرين التي رفعتها اللجنة الفنية لفخامة الأخ / رئيس الجمهورية والنقاط الإحدى عشرة التي وضعها هذا الفريق قبل انتهاء مدة الحوار سوف يساعد في تنفيس حالة الاحتقان في الشارع الجنوبي ويمهد السبيل للقبول بنتائج الحوار لا سيما رفع مواقع المظاهر المسلحة من عواصم المحافظات وإعادة الجيش الى ثكناته مع إجراء تغيرات شاملة في المواقع السياسية والإدارية في المحافظات الجنوبية.8. ان التوصل الى فهم مشترك للجذور والمحتوى هو المدخل والباب المؤدي الى حل مشترك للقضية الجنوبية التي هي المدخل والباب الرئيسي لحل القضية الوطنية بشكل عام .9. ان إنجاح الحوار وتنفيذ مخرجاته يوجب على رئاسة المؤتمر والأطراف التي ما تزال مترددة عن المشاركة والدافع بها للمشاركة باعتبار ذلك ضمانة أكيدة لنجاح الحوار الشامل .استخلاص: لقد خاضت كل القوى السياسية معارك الدفاع عن المشروع الوطني كل من موقعه واعتقاده وكانت التجارب والنتائج مرة لازال الوطن يتجرع علقمها حتى اليوم ثم انفتحنا على بعضنا بعد تلك التجارب في قوى المعارضة الوطنية بعد عامين من تلك الحرب عام 1994م بهدف استعادة مشروع المشاركة الوطنية بعد الخسارة والإيمان بالتعدد والقبول بالأخر بعد الإقصاء من تأسيس مجلس تنسيق المعارضة عام 1995م الى إنشاء اللقاء المشترك عام 1996م وإعلان مشروع الإصلاح السياسي والوطني الشامل في 26 نوفمبر 2005م وكان الجنوب في مقدمة قضايا الإصلاح الوطني.وحين انسدت أفاق الحوار السياسي حول مناقشات إزالة آثار حرب صيف 1994م في حوار 2007م دعونا الى حوار وطني شامل ووضعت القضية بعد تحقيق جزء من ذلك الحوار الذي امتنعت عنه سلطات النظام السابق ووضعت القضية الجنوبية في مقدمة مظاهر الأزمة الوطنية وفي مقدمة مشروع وثيقة الإنقاذ الوطني الصادرة عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في 7 سبتمبر2009م . وإننا ننظر الى حوار اللحظة الراهنة بأنه امتداد طبيعي لنضالنا الوطني المشترك جميعا (السياسي والثوري والاجتماعي ) لكن اللحظة التاريخية هي فرصة تدعونا جميعا الى أخذ العبرة والعظة من أخطاء المراحل الانتقالية. ومخاطر استخدام القوه والحرب ، ومسؤولية هذه النخبة المتحاورة التي وضعتها أقدار الحراك والثورة الشبابية الشعبية السلمية ثورة فبراير 2011م أمام مهام إعادة التأسيس للمشروع الوطني ( بناء الدولة والنظام السياسي وتحديد الهدف الاجتماعي والمضمون التحرري والتقدمي لهذا الاتحاد)...خسرنا في مرحلة انتقالية سابقة فلا يجب تكرار الخسارة مرة أخرى في المرحلة الانتقالية الحالية بمغامرات ومقامرات المفروض ان القوى الوطنية قد كبرت عليها ونضجت بعد كل ماعاشه اليمن من محن نتيجتها. وكخلاصة ثانية يري التنظيم ان طاولة الحوار الوطني ألقائمة اليوم هي امتداد أيضا لجهود حوار سابق لكنها تعبر بشكل أدق عن الشق العملي من الفرصة التاريخية الراهنة والمتاحة لليمنيين جميعا كي يكونوا شركاء تأسيس من جديد وان التمسك بهذا الحوار والاستمرار فيه والصبر عليه لا يعني حبا أو طلبا للصداقة بين الأطراف المتحاورة أو المتصارعة أو تفضيل أخلاق للتعاون بينها وإنما هو قرار وطني برفض استخدام وسائل القوة المملوكة للبعض كالسلاح أو المال أو العصبية لفرض رؤية أو سياسة أو اتجاه على الآخرين.ليستمر الحوار والشراكة في التأسيس الذي يحقق أهداف وتطلعات غالبية أبناء اليمن ويحول دون عودة الماضي الذي يحلم به البعض وهو لن يتكرر إلا بشكل مأساوي وتلك تجربة الشعوب والأمم ولن نكون في هذه البلاد نشازاً وخارج القانون الذي حكم حركتها التي كانت دائما من الماضي والحاضر الى المستقبل وليس العكس.والله ولي التوفيق،،،صنعاء في 11 / 5 / 2013م.