كلمات
غاية ما نتمناه أن ينجح أي مسئول فى هذا البلد لصالح الدولة والشعب، بل كنا نتمنى أن يكون لدى الإخوان كوادر وطنية كفؤة قادرة على إدارة البلاد باقتدار وتحقيق تقدم ورفعة للأمة المصرية، والاستجابة الكاملة لمطالب ثورة يناير. وكنت من بين الذين يطلبون لهم الحكومة كاملة عقب فوزهم في الانتخابات التشريعية أيام حكم المجلس العسكرى، وهذا مكتوب ومسجل. وأتذكر جيدا أن شابا مسيحيا من أسيوط هاتفني عقب فوز الدكتور مرسى وقال لي: «لو أنهم أحرزوا تقدما اقتصاديا مثل ما يفعله (العدالة والتنمية) فى تركيا سنهلل ونبارك خطاهم ونصوت لهم في الانتخابات المقبلة من دون تردد». وصدقت بعض القوى الثورية أن مرسي «مرشح الثوار» وقاتلت إلى جانبه، وصدقت قوى سياسية أن الرجل سيقود مشروع «شراكة وطنية» متكئين على أن الإخوان يرفعون منذ سنوات طويلة شعار «مشاركة لا مغالبة». لكن كل هذا تبخر وتبدد بعد أن ثبت للجميع أنه لا توجد كوادر ولا مشروع ولا شراكة ولا أي شيء سوى الادعاءات والتكبر والتجبر والإنكار.فها نحن نجد بعد حديث طويل عن مشروع «نهضة» ووعد المصريين بــ«الخير» وإطلاق أحلامهم صوب الرفاه والعدل، انتهى المسار في هذه الأيام إلى مباهاة مبالغ فيها بوزير التموين باسم عودة، باعتباره «الإنجاز الوحيد»، وهو أمر يدعو للأسى والأسف في آن، لعدة أسباب هي:1 - الجزء الأكبر من الحديث عن إنجاز «عودة» هو «دعاية سياسية» مكثفة تقوم على مبالغات ومغالطات لا علاقة لها بالواقع البائس؛ فزيارة ميدانية لحقول ومخابز والوقوف وسط مواطنين فرحين برغيف خبز مصنوع لهذه المناسبة لا يحل المشكلة، ولا ينطلي إلا على السذج. وقد سمعت على المقهى مواطنا يقول: الرغيف الذي ظهر في يد السيدة العجوز وهي تزغرد لـ«عودة» وتقول إنه بخمسة قروش فقط أشتريه بنصف جنيه. وأنا أصدقه تماما لأننى ببساطة أشتريه بالسعر نفسه من باعة في الشوارع. ولا يمنع هذا أن «عودة» شخص نشيط وواعد، لكنه يتحول تدريجيا نتيجة رغبة الإخوان المحمومة لكسب أي نقاط في الصراع السياسي إلى ظاهرة دعائية تليفزيونية.2 - حتى لو كان «عودة» منجزا إلى أقصى حد فهو فى النهاية «وزير توزيع» وليس «وزير إنتاج» ورغم أن التوزيع مهم من دون شك لكن الإنتاج هو الأكثر أهمية. فيمكن للوزير أن ينشط فى توزيع سلع نستورد أغلبها من الخارج بالعملة الصعبة، التى تنضب بمرور الأيام، ولو كانت المباهاة بوزير الزراعة لأنه تمكن من إطلاق مشروع كبير لاستصلاح مليون فدان حتى لو تم هذا بعد سنين، كنا سنقول «هذه خطوة عظيمة» ولو كانت بوزير الصناعة لأنه قرر أن يضع كل أسبوع حجر أساس لمصنع جديد لصرخنا من أعماقنا: «خطوة هائلة».. ولو كان وزير الإسكان قدم لنا مخططا من أضابير الجماعة وصفحات مشروع نهضتها المزعوم لإقامة مدن جديدة فى الصحراء لهتفنا: «تحيا النهضة» لكن للأسف كل الهتاف يذهب إلى رجل ينشط فى توزيع سلع نستورد أغلبها.3 - ليس «عودة» وحده فى الميدان؛ فضبط عملية التوزيع يحتاج إلى تعاون جهات ومؤسسات أخرى داخل الدولة معه، منها جهاز الشرطة وغيره؛ لذا لا ينسب الأمر إليه فقط، لكن نتيجة أنه «الولد المدلل للإخوان» فيذهب كل شىء إليه، وتسرق جهود الآخرين، وهذا ليس غريبا على جماعة سعت بكل قوة إلى سرقة ثورة الشعب المصرى كله، وسيستردها منهم قريبا إن شاء الله تعالى.4 - لأن التموين مسألة غاية فى الأهمية للإخوان فى الانتخابات فإنهم يقاتلون جميعا مع «عودة» فى هذه المعركة إلى حين، فكل إمكانات الجماعة مسخرة له؛ لأن الأصوات تأتى بالزيت والسكر والمكرونة والبوتاجاز، ورغم أن هذه حقوق للمواطنين من دون جدال وتوفيرها واجب على السلطة فإن استعمالها ورقة انتخابية هو انتهازية مفضوحة ورخيصة ومخيفة فى الوقت نفسه؛ لأن الإخوان قد لا ينشغلون بإنجاح «عودة» بعد الانتخابات البرلمانية وتعود الأزمة إلى سابق عهدها، بل تتفاقم مع تراجع الاحتياطى النقدى وتطبيق شروط صندوق النقد الدولى، ومنها رفع الدعم عن بعض السلع التموينية ووقتها ماذا سيفعل «عودة»؟فيا حسرة المصريين الذين وعدهم الإخوان بالنهضة، التى تعنى تنمية شاملة كاملة فى الجوانب المادية والروحية، فاستيقظوا على جماعة كل ما تتباهى به بعد عشرة أشهر من انتخاب أحد قادتها رئيسا للدولة أن وزير التموين يعمل بجد ونشاط، وعجوز تزغرد له أمام مخبز وفلاح يصافحه وسط المروج الخضراء.