محمد حسنين هيكل في الحلقة الأخيرة مــــــــن حواره الممتد عبر قناة ( سي بي سي )
القاهرة / متابعات: وصف المفكر العربي الكبير محمد حسنين هيكل ما يسمى صراع المذاهب بأنه نكتة ، مشيرا الى أن الولايات المتحدة الاميركية تستخدم الدول العربية « في حروب ضد بعضنا بعضاً حتى تتحقق مصالحها، وإضعاف الجميع»، وتوقّع أن تكون إيران بوابة الصراع القادم، ووصف مشهد الرئيس السابق حسني مبارك وهو يلوّح لعدد من أنصاره داخل قاعة محكمة جنايات القاهرة مطلع الأسبوع الماضي، بأنه «مشهد عبثي يكمل سلسلة سابقة من المشاهد العبثية التي شهدتها مصر على مدار عامين من اندلاع الثورة»، وانتقد طريقة التعامل مع مبارك عقب الثورة منوها بأنها كانت واحدة من أهم أخطاء المجلس العسكري، وقد وجد نفسه أمام حالة لم يستطع أن يوصفها بالتحديد، ولم يجد الطريقة التي يمكنه من خلالها التعامل مع رئيس سابق، واوضح هيكل إن الخطأ الكبير الذي ارتكبه المجلس العسكري في بدايات الثورة، أنه ترك مبارك في شرم الشيخ يفعل ما يشاء، مشيراً إلى أن هذا الخطأ استمر عندما جاؤوا به إلى القاهرة بعد ذلك، واكتشفوا أنهم لا يعرفون على وجه الدقة كيف يمكن أن يعامل رئيس سابق ولو كان تحت المحاكمة .وواصل هيكل انتقاداته لجماعة الاخوان المسلمين حيث جدد التأكيد على أن الإخوان ليسوا قادرين على ادارة شؤون الحكم بمنطق العصر بسبب اصرارهم على استدعاء حلول قديمة من خارج السياق التاريخي ، وقال : ( هناك خيبة أمل في الإخوان.. الكل كان يتصوّر أن ينجحوا في بعض الأمور، وكنت أتصوّر أنهم سينجحون في الأمن، ولكنهم فشلوا، نحن أمام ناس يبدو أنهم هواة، ومن الواضح أنهم أصغر من المهام ومن الدور، أشعر بالقلق، وأتمنى أن ينجح الاخوان ولكني لا أتوقع لهم النجاح) ..وتناول هيكل الأزمة الرهنة في مصر قائلا : (( الأزمة الراهنة خطيرة وتقتضي أن تجتمع مصر كلها لبحث مشكلاتها، وليس هناك فصيل سياسي قادر ولا إخوان ولا جبهة إنقاذ قادرة، والدليل أن الشعب عندما استغاث، استغاث بالجيش، كل القوى تتجمع لكي تستطيع تبني طريقة للارتفاع إلى أعلى)) .جاء ذلك في الحلقة الاخيرة من الحوار الممتد الذي أجرته الاعلامية المصرية لميس الحديدي مع الاستاذ محمد حسنين هيكل طوال الاسابيع الستة الاخيرة عبر فضائية سي بي سي المصرية ، وانتهى الجزء الأخير من هذا الحوار أمس الأول الخميس، مضيفاً إنه كانت هناك طرق عدة للتعامل مع الرجل الذي حكم البلاد ثلاثين عاما، كان خلالها على رأس السلطة، “فإما أن يرحل ويترك الموضوع، أو تتم محاكمته سياسياً، وهذا لم يحدث رغم أن هذا كان الواجب”، مشيراً إلى أن ما حدث مع مبارك كان أبعد الأشياء التي يمكن أن تصنع مع رئيس دولة، وهو أن يحاكم جنائياً، مضيفاً: “عندما يخلع رئيس لابد أن يعامل حتى تثبت إدانته بطريقة لائقة” .وأوضح هيكل أنه كان من اللائق مع مبارك أن يوضع في أحد القصور الرئاسية وأن تحدّد إقامته، مشيراً إلى أن هذا بالضبط ما حدث مع الملك عقب اندلاع الثورة الفرنسية التي تعد نموذجاً للثورات الجامحة، وأضاف: ظل الملك موضوعا تحت الإقامة الجبرية في قصر توريه، ولم يقبض عليه إلا عندما حاول الهرب بالاتفاق مع قوى أجنبية في الخارج وبقايا النظام الملكي في الداخل، حيث تم الإمساك به على الحدود أثناء محاولة الهرب بعد أن ظل في القصر لمدة عامين .ولفت هيكل إلى ما جرى مع الملك فاروق في أعقاب ثورة 1952 مشيراً إلى أن الضباط الأحرار قاموا بتوجيه إنذار للملك يخبرونه فيه بأنه سوف يغادر ويتخلى عن العرش، وأن أمامه فرصة حتى السادسة من مساء السادس والعشرين من يوليو لمغادرة البلاد، وقد غادر الملك وتخلى، وكان في وداعه في ذلك الوقت رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء والسفير الأمريكي، وأضاف هيكل: لقد كان لدينا نظام موجود في السلطة لمدة 30 عاما، لكن ما حدث أن المجلس العسكري أخطأ في فهم ما جرى، ربما لأنه لم يتصور أنها ثورة، لذلك فقد ترك مبارك في شرم الشيخ، ثم أتى به إلى القاهرة، ثم إلى سجن طرة، وقد عرفت وقتها أن الفكرة المسيطرة على العسكري أنهم سوف يدخلونه الزنزانة فيبرد قلب الناس، وهذا في اعتقادي ليس تصرفاً سياسياً، إذ لا يليق أن يوضع رئيس سابق في زنزانة في طرة .وعرج الكاتب الكبير على التسريبات التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، حول تقرير تقصي الحقائق في قتل المتظاهرين، وما سرب حول أن الجيش تورط في عمليات تعذيب نشطاء خلال المرحلة الأولى من الثورة، مشيراً إلى أن هذا التقرير تم تسريبه من مصر بنية إحراج طرف، لكن القصة بمجملها تشي بحقيقة المشهد الذي يبدو مرتبكا للغاية . وقال هيكل إن النظرة الجنائية لما جرى في تلك الفترة خاطئة جداً، وإننا عندما نحاسب لابد أن نضع الأمور في نطاقها السياسي والزمني، لافتا إلى أن تقرير الغارديان قد يكون صحيحاً، لكنه يظل تقريراً جنائياً في لحظة معينة، لا تصلح وحدها لتقييم أشياء يبنى عليها المستقبل، وأضاف: لا يمكن أن نأخذ جريمة منعزلة حتى لو كانت جريمة قتل، لكننا يجب أن نضعها في إطار عدم الفهم المتبادل بين الأطراف . وقال: الهدف الرئيسي وراء تسريب التقرير للغارديان هو تشويه صورة الجيش، بينما الحقيقة تقول إنه لا توجد مؤسسة أو أفراد معصومون من الخطأ، أو معصومون من تجاوز ما يستوجب الحساب عليه، شريطة أن يتم ذلك بشفافية وأمام الناس كلها، طبقاً لمبررات وحيثيات مقبولة ومعروفة .وعلق الكاتب الكبير على زيارة بعثة صندوق النقد الدولي الأخيرة إلى مصر ولقائها أول مرة قوى المعارضة، مشيراً إلى تحفظه على هذا اللقاء، لأنه بوضوح شديد من أعمال السلطة التنفيذية، وقال هيكل إن تسييس قصة القرض حزبياً خطأ بالغ، مشيراً إلى أن الصندوق موجود ويتحدث مع حكومة موجودة لها سلطات، ومن ثم فلا يجب أن يكون هناك مجال لجدل سياسي، وأضاف: القرض له قواعد وضمانات وشروط لابد من استيفائها، ولن يكون ذلك إلا من خلال الحكومة، مشيرا إلى أن لقاء وفد الصندوق بالمعارضة يؤدي في النهاية إلى تشكيك الأطراف الدولية المانحة في صدقية الموضوع، وقد يؤدي ذلك إلى تردّدها، وهي بالفعل مترددة منذ البداية .وأضاف هيكل: قلت هذا الرأي ونقلته لبعض أعضاء جبهة الإنقاذ، وكان لهم رأي مخالف، وقد يكون لهم العذر في ضوء هذا الزخم السياسي، ومحاولة وصولهم إلى الأضواء أو للمشاركة بشكل أو بآخر، لكن ذلك لا يمنع ضرورة أن يكون هناك حدود واضحة وفاصلة، في العديد من القضايا ومن بينها قضية القرض الذي هو في النهاية من أعمال السلطة التنفيذية ولا ينبغي التدخل فيه .وتطرق الكاتب الكبير للقضية السورية ، مشيراً إلى فشل كل وسطاء الحل، وآخرهم الأخضر الإبراهيمي الذي إن لم يكن قد استقال فإنه على وشك أن يفعل ذلك، لأن المهمة تبدو مستحيلة، وقال إن مهمة الوسطاء في الأزمة السورية مستحيلة بالفعل لعدة أسباب رئيسية أهمها أن النظام السوري لا يزال قائما، وأن القتال يدار من خارج سوريا، لذا فإن المشكلة التي واجهها الوسطاء هي أن اللوم لا يوجه فقط الى النظام السوري، بل أيضاً الى المعارضة التي تموّل أو تأخذ السلاح . وأضاف هيكل: هناك دول رافضة لا تريد أن تحل، بينما لا يمكن الحل والأمور تزداد اشتعالاً، وقد رأى الأخضر الإبراهيمي نفسه أن قرار إعطاء المعارضة السورية مقعد سوريا في القمة العربية خطأ، حيث اعتبره قراراً يصب باتجاه استمرار الحرب، وليس توجها نحو حل سلمي، وعندما رأيت الإبراهيمي في مصر وجدته رجلاً مأزوماً، وهو لم يكن يريد الذهاب إلى الدوحة، وذهب في اللحظات الأخيرة، وكان من المفترض أن يلقي كلمة لكنه اعتذر، وقرّر أن يجعلها في مجلس الأمن، وأظن أن أمامه مهمة مستحيلة .وقدم هيكل سرداً تاريخياً للعلاقات المصرية الايرانية، وكيف بدأ التفكير فيها منذ عشرينات القرن الماضي، وفق أدبيات مدرسة الشرق المصرية، حتى توّجت بزواج شاه إيران في نهايات الأربعينات من شقيقة الملك فاروق الأميرة فوزية، منوها بأن شيخ الإسلام الإمام مصطفى المراغي شيخ الأزهر الشريف هو الذي عقد القران . وقال هيكل: كان الأزهر في ذلك الوقت فوق كل شيء، وعابراً لكل المذاهب، وقد ألقى الشيخ المراغي في ذلك الوقت خطبة قال فيها إن هذا زواج إسلامي بين سنة وشيعة، وهي عروة لا ينبغي أن تنفصل” .ورأى هيكل أن الرؤية السياسية لرجال هذا الزمان كانت تقول إن خروج مصر إلى الشرق يمكن أن يتم بهذه الطريقة، وقد كان لديهم تصور أيضاً بأن تتزوج الأميرة فايزة من الملك عبد العزيز، لكن هذا الرأي رفض تماماً.وعرج الكاتب الكبير على علاقة ثورة يوليو بثورة مصدق في إيران، وكيف أيد الشعب المصري كله تلك الثورة، قبل أن ينقلب عليها الشاه ويبدأ في فتح علاقات مع “إسرائيل” . وقال هيكل إن السبب الرئيسي وراء قطع العلاقات بين مصر وإيران في تلك الفترة، يرجع إلى خشية الرئيس جمال عبد الناصر من أن يقوم شاه إيران بإقامة علاقات مع الدول الإسلامية و”إسرائيل” في نفس الوقت، فتصرّف مثلما فعلت ألمانيا الغربية مع كل من أقام علاقات مع ألمانيا الشرقية، وقطع العلاقات معه فوراً .ولفت هيكل إلى العلاقات “الإسرائيلية” الإيرانية في ذلك الوقت، مشيراً إلى أن البترول الإيراني ظل يتدفق على “إسرائيل” حتى العام 67 حتى إن “إسرائيل” لم تحارب قط إلا ببترول إيراني، بدءا من العام 56 وحتى حرب أكتوبر في العام 73 . وأضاف هيكل: اسمع بعض الناس يقول لقد قبلنا بالشاه هنا لأنه ساعدنا في حرب أكتوبر، لكني أريدهم أن يذكروا لي اسم ناقلة واحدة فقط، نقلت لنا البترول وقت الحرب مع “إسرائيل” . لقد أعطت إيران “إسرائيل” كل البترول الذي تحتاج إليه، ولم تعط لمصر قطرة بترول واحدة . وقال هيكل إن علاقة مصر مع إيران أثناء فترة حكم نظام مبارك كانت تخضع لمنطق الفيتو على أي تقارب، وعلى عودة العلاقات رغم وجود بعض الخطوات في هذا السياق، عندما التقى الرئيس (الإيراني السابق محمد خاتمي) مع مبارك في جنيف، وأبدى كلاهما الحرص على عودة هذه العلاقات لكنها لم تعد . وقال هيكل: لابد أن يكون للبلد تواجد في الإقليم، وأنا ليست لدي علاقات الآن مع وطن عربي مدمّر، بينما لدي تركيا ويجب أن يكوّن معها علاقات، ثم إيران، وهاتان الدولتان هما سقف العالم العربي، لذا فإنه يجب علينا التحرك .ووصف هيكل الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لنحو ثماني سنوات وذهب ضحيتها زهاء 800 ألف قتيل، بأنها (حرب بلا معنى وليس لها مبرر)، إلا فيما يخص استخدام الولايات المتحدة لنا في حروب ضد بعضنا بعضاً، حتى تتحقق مصالحها وإضعاف الجميع . وقال: إيران موجودة ومطلة على 7 دول عربية في منطقة الخليج، وهي كتلة جغرافية راسخة وليس هناك أقوى في العالم من أن تكون هناك كتلة راسخة جغرافياً، والحضارة متواصلة على الأرض، ودول الخليج أمنها الحقيقي متعلق بحسن الجوار مع جيرانها، فالسياسة لا يمكن أن تكون هي الحرب، ونحن لن نزيل إيران من التاريخ والجغرافيا، إن كل ما جرى ليس له لزوم، وهو قسمة في دار الإسلام، وفي دار العرب أيضا” .ووصف هيكل صراع المذاهب الذي تتحدث عنه بعض القوى بأنه يمثل “نكتة حقيقية”، مشيراً إلى أن تعداد الشيعة في أنحاء العالم يكشف أن مثل هذا الصراع “مصطنع أو مدفوع أو موجه”، وقال هيكل إن تعداد الشيعة في جميع أنحاء العالم لا يزيد على 200 مليون، بينما لا يزيد عدد الشيعة في مصر على 18 ألف نسمة، أو 35 ألفاً على أقصى تقدير. وأضاف: الزمن الحالي هو زمن التقدم وليس زمن المذاهب، صحيح أنها قد تحكم حياتنا الخاصة، لكنها لا تحكم الأوطان . ونظرا لأهمية ما جاء في هذا الحوار تعيد صحيفة ( 14 اكتوبر ) نشره تعميما للفائدة :* إنها آخر الحلقات، وأتمنى ألا تنقطع، فالوضع في مصر يحتاج إلى نظر الأستاذ ورؤيته المختلفة، وفى هذه الحلقة سنتحدث عن إيران، وفى الحقيقة لدى الكاتب الكبير كتابان حول الشأن الإيراني، أحدهما باسم «إيران فوق بركان»، والثانى «عودة آية الله»، ما بين الكتابين والتاريخ ماذا حدث للعلاقات المصرية - الإيرانية ومدى جذورها وواقعها ومستقبلها، ولكن نبدأ بتحليل الشأن الداخلي والأحداث الجارية.. وهناك الانفجارات في بوسطن والقلق من أن يكون مرتكبها مسلماً أو عربياً، هل هذا القلق يعيد ذكريات أحداث «سبتمبر» والحرب على الإرهاب؟** أظن أن هناك فرقاً في الحالتين، ما جرى في بوسطن لم يثبت حتى الآن من هو المرتكب، ولم يجدوا له علاقة بـ«القاعدة»، وأعتقد أنها لا تقاس بـ«11 سبتمبر»، وفقاً لعنصرين، وهما أن الإمبراطورية الأمريكية بدأت تتراجع من أنها القوة الوحيدة المسيطرة على العالم، وأنها لا تقود العالم وحدها، وكان هناك احتياج إلى تغطية هذا التراجع من خلال الحرب على الإرهاب، والعنصر الثاني هو احتياج أمريكا إلى النزول عسكرياً وبشكل مكثف في المنطقة، ولكن الآن مع انفجار المنطقة العربية التي اختلف شكلها بشكل كامل وأصبحت منطقة مدمّرة، والأمريكان أصبحوا موجودين في كل مكان، أظن أن الظرف الدولي مختلف والظرف الأمريكى مختلف، وقد تكون حادثة إرهابية أو هناك خلل، لا أظن أن لها قياساً مع أحداث «سبتمبر».* نعود إلى الشأن المحلي، كان هناك منذ أيام إخلاء سبيل للرئيس السابق حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين لتجاوز الطعن الاحتياطى والتلويح لأنصاره من داخل القفص.. هنا اختلفت الناس حول هذه الابتسامة.** سأتحدث بكل أمانة، أعتقد أنه مشهد عبثي، ويُكمل سلسلة من المشاهد العبثية، وأرى من أخطاء المجلس العسكري وقتها هي طريقة التعامل مع «مبارك»، فالمجلس العسكري حينها لم يستطع وصف طريقة التعامل معه باعتبار أن الثورة كانت ضده، وفى بداية الأمر تركه في شرم الشيخ يفعل ما يريد، ثم جاء به إلى القاهرة، وأظن أنهم لم يكونوا على علم كيف يجرى التعامل مع رئيس سابق وهو تحت المحاكمة، ونحن أمام رئيس حكم البلاد لمدة 30 عاماً، وجرى الاختيار بين تركه يخرج خارج البلاد، أو محاكمته سياسياً، وهذا ما لم يحدث، أو التعامل معه بأعقد الأمور، وهو محاكمته جنائياً، ولكن أسيء التصرف معه، فحين يُخلع رئيس دولة ما لا بد أن يُعامل حتى تثبت إدانته بطريقة لائقة.* بمعنى ماذا؟** بمعنى أن يُترك في أحد بيوته، أي تُحدد إقامته، وهناك نماذج، الثورة الفرنسية التي «قطعت رأس الملك» ظل في قصر باريس، ولم يُقبض عليه إلا عندما حاول الهرب، وظل عامين في القصر، وعندما هرب أُلقى القبض عليه بجُرم الهروب، ولو كان بقى لم يكن ليُعتقل، والملك الفاروق أمر بمغادرة البلاد، وكان في وداعه الجميع، أرى أن الحكم العسكري أخطأ في فهم ما جرى، ولم يعلم أنها ثورة، وقرّر أن يُبقى «مبارك» في شرم الشيخ، وحين بدأ السؤال عن ماذا يفعل هناك؟ أتوا به إلى القاهرة، ودخل سجن طرة، الفكرة المسيّطرة أنه في زنزانة لكي يبرد قلب الناس وهذا في اعتقادي ليس تصرُّفاً سياسياً، فلا يصح «عيب» أن تضعي رئيساً في زنزانة بسجن طرة، هناك أصول للتعامل مع الأمور، ولا أعرف الصفقة التي بمقتضاها قَبِل هذا الوضع.* وإن لم يقبَل الذهاب؟** هو قَبِل الذهاب إلى هناك، وأظن أن هناك نوعاً من الاتفاق، وفي آخر مرة ظهر بها أراد أن يقول «إن ما جرى له مخالف لما كان يتوقّع»، نحن نسير الأمور ليوم واحد وقدرتنا على التخطيط فيها كثير.* ما تفسيرك النفسي عندما لوّح لأنصاره، وابتسم داخل القفص؟** المشهد كله عبثي، لأنه رئيس محبوس ويلوّح لأنصاره هذا لا يعني شيئاً، في الدلالة فإن الإجراءات التي اتبعت معه خاطئة، ومحاكمته تجرى بطريقة طبيعية، وكان ينبغي أن تكون محاكمة سياسية، وألا يوضع في الزنزانة، فلا يجوز أن تضعي رئيس دولة لمدة 30 عاماً في طرة، كان «يُضرب السلام» له، فلا يجوز أن تنتقلي من نقيض إلى آخر، لا بد من اتباع الإجراءات، فلديك «شارل الأول» في إنجلترا عندما حُوكم سياسياً وتم توجيه التهم له ومن ثم إعدامه وفقاً للاتهامات، فهناك هيبة الثورة وكرامتها.* البعض غاضب حتى من فكرة الإفراج القضائي عنه؟** لهم حق في الغضب، لأن كل الأسلوب شاعت فيه المناورات أكثر من المواجهة، وفي مثل هذه الظروف كان لا بد أن تكون هناك استقامة واضحة أمام الناس، هناك شعب يثور يطلب التغيير وحساباً، وهناك بلد وثورة ومؤسسات وتاريخ، المشكلة أننا نناور. و ليس هناك فصيل سياسي سواء «الإخوان» أو «الإنقاذ» قادر على الخروج من الأزمة الحالية.. والدليل أن الشعب عندما استغاث لجأ إلى الجيش. * إذا انتقلنا إلى تسريبات جريدة «الجارديان» البريطانية، من لجنة تقصي الحقائق عن تورُّط الجيش في جرائم الثورة، ومن ثم لقاء بدا غامضاً بين الرئيس والفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، وقيادات الجيش.. ماذا تقول؟** النظرة الجنائية خاطئة جداً، ومن ثم ممكن أن تحدث مصائب ودم، ولكن عندما تحاسبين لا بد أن تضعي الأمور في نطاقها السياسي والزمنى، فأنا قرأت تقرير «الجارديان» وهو مفزع، عندما تقيمين أشياءً يُبنى عليها مستقبل لا بد أن تكون واضحة، لا تحاسبي عنها بأثر رجعي بعد هدوء الناس، على سبيل عندما تحاسبين مبارك، لا أعتقد أنها التهمة الحقيقية التي توجّه إليه، ما هي المسئولية والتنفيذية في الحروب أو الثورات، الخطأ وارد في الحروب والثورات، لا بد أن تكون هناك قاعدة، وأطلب أن يوضع في نطاقه السياسي وألا يستغل كوسيلة في صراع بين الأطراف، وأعتقد أن التقرير جرى تسريبه من مصر عمداً لإحراج بعض الأطراف.* تقصد إحراج الجيش؟** إحراج الجيش، لا يوجد أي مؤسسة أو فرد معصوم من الخطأ أو مَن تجاوز يستوجب الحساب، ولكن من فضلكم نفعل الأشياء طبقاً للقاعدة وللشفافية والاستقامة والمبررات والحيثيات أمام الناس جميعاً.* هل لديك معلومات عن أن اللقاء بين الرئيس «مرسي» و«السيسي» كان غاضباً؟** ليس لدي تفاصيل، ولكن أظن أنه إن لم يكن لقاءً غاضباً فإنه لقاء عاتب، نحن في صراع ليس لديه قواعد، وهناك صورة مرتبكة جداً وهناك خطأ في التشخيص واللجوء إلى المراوغة وعمليات إخفاء، وتصرّفات يوم بيوم وليس أحد لديه تصوّر.* لو نصحت المجلس العسكري حينها، ماذا كنت ستقول له في التعامل مع «مبارك»؟** بكل بساطة سأتصرف كما حدث في ثورة 1952، وهو الخروج الآمن، وأن ينتهي الموضوع أو يتم تحديد إقامته.* هل كان سيرحم الثوار حينها المجلس العسكري؟** الناس في الشارع مستعدة لأن تصغي لصوت العقل، لم أنزل الميدان حينها، ورأيت الشعب يريد إسقاط النظام، فيوم خروج «مبارك» كان هناك مسلكان لمحاسبته إما جنائياً وإما سياسياً، المشكلة الحقيقية أنك تحاسبين «مبارك» على قانون دولته.* هناك لجنة طبية تبحث الحالة الصحية لـ«مبارك» وتقول ربما سيُعاد إلى طرة، لأن صحته بدت جيدة؟** لست من أنصار أن صحته جيدة فيعود مرة أخرى إلى مستشفى سجن طرة، هناك منطق صغير ولا يليق بدولة، نحن نحتاج لأن نتحدّث عن حقيقة الأشياء، هناك صغائر في الأمور، أي أننا إن وجدنا صحته سيئة يخرج من طرة، وصحته جيدة فيعود مرة أخرى، لا بد من قانون حقيقي، فالحساب الحقيقى هو الحساب السياسي ، وكيف وصلنا إلى هذا الحال.* إذا تطرّقنا إلى موضوع آخر، زيارة بعثة صندوق النقد الدولي ورحلت دون توقيع الاتفاق، ولكنها التقت أطراف المعارضة، كيف ترى ذلك، وهو لأول مرة يحدث؟**عندى تحفّظ وعتاب على المعارضة، فهذه من أعمال السلطة التنفيذية، وجعله سياسياً هو أمر خاطئ، صندوق النقد يتحدّث مع الحكومة وفي مجال السلطة التنفيذية وليس الجدال السياسي ، ماذا ستقول المعارضة لصندوق النقد؟، وتعود لتقول إن الإعطاء يقتضي شروطاً وضمانات، وأنا روحت وقلت الرأي السياسي، أرى أن بعض الأطراف تُشكك في الأمر كله.* لكن الصندوق أراد أن يحصل على توافق، وليس هناك مجلس الشعب.** ليس صندوق النقد الدولي هو من يُحدث التوافق.* التوافق حول القرض، هذه هي الفكرة.** هناك حكومة ودولة قائمة، هذا عمل من أعمال السلطة التنفيذية، وصرّحت برأيي لأعضاء جبهة الإنقاذ الوطنى، ولكن أحياناً نخطئ، نحن في لحظة لا بد أن تكون الحلول فيها واضحة وفاصلة.* في الوقت نفسه اقترضت مصر 5 مليارات دولار، منها 3 من قطر و2 من ليبيا، كيف ترى الوضع؟** لا أستطيع معارضة ذلك، نحن في أزمة خانقة، والمصانع معطّلة والطاقة غير موجودة، وعلينا أن يكون لدينا حلول لمدى طويل أو قصير، وأعتقد أنه في القريب لمواجهة الأزمة سيكون التداوي على طريقة الإسعاف، والسؤال هنا ماذا لو المصانع جميعها توقّفت؟ لا بد من الإسعاف العادى أن يأخذ فرصته لأداء دوره.* هل يُقلقك أن تكون القروض من دولة واحدة مثل قطر.. 8 مليارات؟** لا أفهم الناس لماذا تزعل من هذا، نحن في حالة الإسعاف نأخذ الدواء من أي جهة، بادروا بمساعدة أو العمل على تأجيل أزمة، فأنا لا أرى بأساً من هذا، هل من الأفضل أن تنظر إلينا الدول دون مساعدة، أم أنها تساعد في حل الأزمات.* البعض يرى أن هذه القروض قد تؤجّل فكرة الإصلاح الاقتصادى وستكون مجرد مسكنات؟** هذا يرتبط بكِ أنتِ.* والحكومة؟** لا ينبغى أن نقاوم الإخوان، وأن نجعل الشعب يدفع الثمن، علينا الفصل بين الإخوان وسلطاتهم وبين الشعب وضروراته، هناك ضروريات، لا أريد التعسّف مع الأمور، لا بد من تدخّل الإسعاف وبشكل شرعي.* أياً كان الثمن السياسي بعد ذلك؟** لا نتحدث عن الثمن السياسي ، لو كنا نتحدّث عن أمريكا حينها سنتحدث عن ذلك.* لا يوجد ثمن سياسي مع قطر؟** أىّ ثمن سياسي سنأخذه من قطر، إلى أين ذهبتم بمصر؟* هل بالفعل استقال «الأخضر الإبراهيمى»؟** إن لم يكن استقال، فإنه في طريقة للاستقالة، ويؤجل إعلان موقفه لحين الذهاب إلى مجلس الأمن، وعلينا السؤال لماذا فشل كل الوسطاء في القضية السورية؟ إن المهمة مستحيلة هناك لعدة أسباب، هناك سلاح يتدفّق إلى سوريا بلا حدود، وحملة إعلامية على الوضع هناك، وجزء كبير من المشكلة يدار من الخارج، والمسئولية ليست فقط على الحكومة، بل على المعارضة، كان الرجل متأزماً عندما رأيته، لأنه وجد نفسه في أزمة مستحيلة.* العلاقات الإيرانية.. أستاذ «هيكل» قبل أن نسأل عن العلاقات المصرية - الإيرانية، علينا البحث عن جذورها، متى بدأ الاتجاه شرقاً في هذه العلاقة؟** هناك جزء أريد التحدُّث عنه قبل الحديث عن هذه العلاقات، وهو يخص «مبارك»، وأعتقد من ضمن الخلط الذى حدث هو البحث عن الأرصدة في البنوك، قرأت خبراً في «التايمز» عن سبائك ذهب هرّبتها ليلى بن على زوجة زين العابدين في تونس، فكّرتني بمطاردة شاه إيران، الناس تضع في خزائن لا تستطيع الوصول إليها، وعلينا التفكير في ليلى بن على.* هل تعتقد أن هناك مجهوداً مبذولاً على الفاضي؟** مجهود مبذول في غير الاتجاه الصحيح ولا يعرف ما نتائجه.. وأما بخصوص الصراع في هذه المنطقة، فهناك الفانوس السحرى، علينا وضع المشهد به، العالم العربى مشترك في صراع بينه وبين إسرائيل التي هي مصدر لتهديد أي دولة في العالم، من حيث وجودها وامتدادها وأمنها، نحن حدّدنا ذلك منذ القدم بأن إسرائيل هي الخطر علينا، مشهد الصراع الإقليمى وخلفه دعم دولى، لكن الصورة تغيّرت، وفجأة أصبحنا موجودين بين العدو هو الاتحاد السوفيتى، فنحن والمغرب والسعودية وفرنسا حاربنا النفوذ السوفيتى.* إلى أيِّ من الصراعين، الإسرائيلي أم السوفيتي؟** إلى الصراع السوفيتى، إلى صراع الجهاد ضد الإرهاب في أفغانستان، ومن ثم الصراع مع أطراف عربية، بعض اللحظات كان صدام حسين أو حافظ الأسد، وتحول إلى صراع إسلام ضد قوى أخرى بعد «11 سبتمبر»، ومن بعدها إلى صراع سنة وشيعة، أليس بمثابة المصيبة أن يتحوّل الصراع من إقليمي دولي إلى صراع سني شيعي، أليس هذا أمراً غريباً؟عام 1937، في عهد الملك فاروق، بدأت المدارس الفكرية تتصوّر لمصر مستقبلاً يتعدى العلاقات المصرية - البريطانية، وظهرت عدة مدارس، مدرسة الوطنية المصرية تتمثل في الحزب الوطنى، و«الوفد» يحتار بين الوطنية المصرية والوحدة العربية، ومدرسة أخرى هي مدرسة الشرق رأت أن مصر قد تنحسر وتنعزل، وهذا البلد لا بد له من الخروج خارج الحدود، هذه المنطقة كان الصراع فيها بين بلاد فارس واليونان ومصر، أي صراع في التاريخ والفرس وصلوا إلى درجة عالية، التطلع إلى الشرق كان متصلاً بالتاريخ والاتجاه شرقاً بالتفكير التقليدي.وكانت تركيا مضمونة في العلاقات مع العثمانيين، والقوة الثانية هي التوجُّه إلى إيران.. علي ماهر وغيره بدؤوا يفكرون في زواج ملكي، فتزوجت «فوزية» من شاه إيران.* «فوزية» هي شقيقة الملك؟** نعم شقيقة الملك، ويُعتبر زواجاً سنياً شيعياً عقده شيخ الإسلام حينها مصطفى المراغي في مسجد الرفاعي.* هذا الزواج لم يستمر؟** هذا الزواج لم يستمر ليس لأنه سني شيعي، ولكن لسوء الحظ أن الملكة «نازلى» رأت أن البلاط الملكي الإيراني ليس كالبلاط الملكي المصري، ولم يعجبها الوضع هناك، وهنا رؤية سياسية لخروج مصر إلى المشرق، تصرَّف فيها أقطاب هذا الزمن، ورغم فشل هذه الزيجة، لكن هذا لم يؤثر على العلاقات.* جاءت ثورة 1952؟** علينا أن ندرك أن ثورة 52، جاءت في وقت به ثورة إيرانية على شاه إيران، والأمريكان.* «عبدالناصر» ساند «مصدق»؟** حزب الوفد ساند «مصدق» قبل «عبدالناصر»، في 65، 66، والشاه لتعزيز موقفه بدأ يفتح علاقات مع إسرائيل، مع زيادة حركة القومية العربية.* بدعم أمريكي أم ولاء أمريكى؟** من المؤكد أن هناك ولاءً أمريكياً، «عبدالناصر» قرّر اتخاذ إجراء مهم، وهو قطع العلاقات، الأمر لم يستوجب ذلك، هناك دولة قادمة للاستقلال، وكانت هذه الدول ترفض العلاقات مع إسرائيل.* مع قطع هذه العلاقات، هل البترول الإيراني كان يتدفّق على إسرائيل حتى عام 1967؟** لم تحارب إسرائيل قط إلا ببترول إيرانى، منذ 65، 67، 73. أسمع البعض يقول إننا استقبلنا الشاه في مصر وفاء لأنه ساعدنا، أريد أن يقول لى عن ناقلة واحدة دخلت إلى مصر.* ألم يساعد الشاه في 1973؟** لم يقدّم ولم يحدث، وحديث الشاه مع السفير الأمريكى، قال «أنا أعطيت إسرائيل كل بترول تحتاج إليه»، فنحن نطلق الأحكام وفقاً لهوانا.* هذا قيل من رؤساء دول، منهم الرئيس السادات؟** «السادات» لم يقُلها وقت المعركة، وزادت بعد رحيله، إيران الشاه أعطت كل بترول حاربت به إسرائيل، ولم تقدِّم نقطة واحدة من البترول لنا.* كم عدد المرات التي قابلتَ فيها الشاه؟** رأيته في أزمة «مصدق»، وكان مهتماً في مصر بعد تركه الملكة «فوزية»، وجهّز لنا وليمة غداء، حينها كنت صحفياً شاباً، وتحدثت معه، ولكن كنت منحازاً إلى مصدق، وبعد 1967 تحدّثت مع الرئيس عبدالناصر، لاستعادة العلاقات بين الدول للحاجة إلى ذلك حينها.* كيف تحوّلت العلاقة بين «السادات» و«الشاه» من النفور إلى الحميمية؟** في هذه الفترة لما قامت حرب أكتوبر، وهذه مسألة في منتهى الأهمية، والرئيس السادات هو يحارب، واجه موقفاً في منتهى الخطورة، فيه ملوك بدؤوا يهتمون، الملك فيصل، الملك الحسن، وشاه إيران، بدؤوا يهتمون بأن هذه الحرب لا تصل إلى مداها، لا إحنا نسجل نصراً قاتلاً إذا كان في وسعنا، ماكانش ممكن، ولا إسرائيل تحقق نصراً ساحقاً، ودخل الملوك الثلاثة يعطون نصائحهم للرئيس السادات، لكن بدأ تقريباً يبقى في مجلس إدارة ملكى للأزمة جنب الرئيس السادات، وهو كان محتاجهم، لازم نسلم أنه في الظرف اللي خاض فيه المعركة، والظروف كلها وعلاقته المتوترة اللي فيها شك مع الاتحاد السوفيتى، كان محتاجاً إلى حلف الملوك، هنا بدأت العلاقات ترجع بشكل أو آخر.وبدأ الرئيس السادات يكتشف الشاه، وكمان كان معجباً به جداً لسبب غريب، وهو أن السادات كان لديه انبهار باستمرار بالملوك، وفى وقت من الأوقات كان قريباً من يوسف رشاد طبيب الملك فاروق الخاص، في احتفالات «بارسوبليس»، كان معزوماً بها، ادعاءات الشاه وهواجسه قد تعيد ربط إيران القديمة بالحديث، فنظم هذه الاحتفالات بمناسبة 2000 سنة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، عزم كل العالم وعمل احتفالات خرافية، واللى مثّل مصر فيها كان الدكتور عبدالعزيز حجازى الذى عاد يحكي عما رآه لـ«السادات»، خصوصاً أن هذه الاحتفالات كانت مضاءة لدرجة تعمي العيون، ومسرفة ومبالغة.* في وقت كان فيه الفقر مدقعاً؟** نعم.. الفقر كان مدقعاً بشدة، ولكن الرئيس «السادات» بشكل ما انبهر بها.* إذا كانت إيران قدّمت البترول إلى إسرائيل.. كيف كان موقف «السادات»؟** علينا أن نلاحظ أن الرئيس «السادات» كانت له ميول للصلح مع إسرائيل.* هل أخطأ «السادات» باستضافة «الشاه»؟** علينا أن نفرّق بين مصلحة الدولة والمزاج الخاص لك، كان هناك تقدير أمريكي بأن «الشاه» قد انتهى، وكانت الملكة الحديدية «تاتشر» تريد استقباله.* حتى وهو رجل أمريكا رفضت استقباله.. والبعض تصوّر أن ذلك بضغط على «السادات»؟** لا لم يكن الضغط على «السادات»، في تصرّفات الرؤساء مصلحة الدولة أولاً.* بنفس المنطلق الذى ساعد «ناصر» «مصدق»، لماذا انزعجت من مساعدة «السادات» لـ«الشاه»؟** «الشاه» مطرود بثورة شعبية، والشعب كان ضده، علينا أن نقف مع الشعب، وإيران الدولة، فالأشخاص زائلون.* هل هناك علاقة بين الثورة الإسلامية في إيران و25 يناير؟** ليس هناك مقارنة بين الثورتين، وعلينا التفريق بين النظام في الشيعة والنظام في السنة، الشيعة تقوم على فكرة الإمام، فالمرجعية هي العصب الرئيسى للحياة، أما السنة، فالسلطان هو رأس الدولة، السؤال كيف لها أن تقدم على المشروع النووى؟* لماذا كانت العلاقات مع إيران متدهورة في عهد «مبارك»؟** كان هناك «فيتو» خارجى لعودة العلاقات، الرئيس مبارك قابل الرئس خاتمي في الخارج، الطرفان كان لديهما حرص على عودة العلاقات.* «فيتو» أمريكى؟** «فيتو» أمريكي - إسرائيلي وللأسف كانت السعودية موجودة لأسباب خاصة بكل دولة، ولكن كان علينا البحث والسؤال: أين مصالح هذه الدول التي تقتضي الوجود داخل الإقليم؟* إلى اين وصلنا في صراع المذاهب؟** أرى أن صراع المذاهب نكتة، حيث إن عدد الشيعة في العالم حوالى 200 مليون شخص، وإيران هي أكبر الدول الحاضنة للشيعة، ليس لدينا أرقام موثّقة في مصر 18 ألفاً أو 35 ألفاً.* فلماذا هذا القلق؟** قد أقول إنه قلق مصطنع أو مدفوع.* مدفوع مِمن؟** لا أريد أن أتهم أحداً، فهذا ليس زمن المذاهب، بل زمن التقدُّم، الأوطان تحكمها أمور أخرى، أعاتب على شيخ الأزهر لتعامله مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، خصوصاً رفضه المؤتمر الصحفي معه.* أنت رفضتَ زيارات من «أحمدي نجاد»؟** لم أرفض، بل اعتذرت، الرئيس «نجاد» دعاني أكثر من مرة لأن أذهب إلى إيران، ولكني اعتذرت له أكثر من مرة بسبب توتر العلاقات، فعليّ أن أضع في ذهني العلاقات بين بلدي وبين هذا البلد.* هل ترى أن نظام الرئيس «مرسي» يحاول التقارب مع إيران؟** إن لم يحاول فلا بد أن يتقارب معها، علينا التذكُّر أنها البلد المحوري في الصراع القادم، فهى في موقع متميز وسط العديد من الدول.* كيف تنظر الولايات المتحدة إلى هذا التقارب؟** العداء يُدار، فأمريكا تدير صراعها ليس بمنطق العراق، أمريكا لا ترغب في تدمير إيران، إسرائيل لا تستطيع بمفردها ضرب إيران، إسرائيل تريد احتكار المشروع النووي، هل من مصلحة المنطقة أن يحكم طرف يملك النووي؟* هل أزعجك تراجع الدولة فيما يخص السياحة الإيرانية؟** انزعجت بشكل كبير، العالم كله لديه علاقات مع إيران، السياسة الأمريكية ترغب في إسقاط النظام هناك وتغييره وإقامة علاقات.* كيف يتقارب النظام مع إيران رغم علاقته مع الولايات المتحدة الوطيدة؟** العلاقات الوطيدة لا تمنع العلاقات مع أحد آخر، هل العلاقة مع أمريكا تُعطى وصايا على العلاقات المصرية - الإيرانية.* هناك قلق من تصدير نظام الحكم الإيرانى، فهو نظام قمعى، والحرس الثورى.** علاقاتك مع الدول تكون مع موقع، وليس مع نظام، علينا التفريق بين الدولة ومصالحها، وبين المزاج الخاص والقيم التي اتبعها.* هل ترى العلاقة مع إيران فرصةً جيدة لا بد أن تُقتنص؟** أرى أن أي دولة داخل إقليمها، يكون لها استراتيجية في التعامل مع الدول الأخرى التي تجاورها، المنطقة التي نعيش فيها لها مكانة فريدة وحساسية خاصة وتصل إلى درجة القداسة.* كيف ترى الدور الإيراني في مساندة «بشار الأسد» ونظامه؟** ليس هناك مانع في مساندة سوريا، وموقف روسيا والصين هو الحاسم، لكن ضرب سوريا سيكون تمهيداً لضرب إيران.* هل ترى العمل على عودة العلاقات كلياً أم جزئياً مع إيران؟** أريد التعاون مع الشعب، وليس النظام، لا أحكم على النظم، أدعو لحقوق الإنسان، علينا التفريق بين المصالح والمواقف الأخلاقية.* السؤال الأهم في نهاية هذه الحلقات.. مصر إلى أين، كيف تحكم على حكم الإخوان؟** الإخوان ليسوا قادرين على ادارة شؤون الحكم بمنطق العصر بسبب أوهامهم بامكانية استدعاء حلول قديمة من خارج السياق التاريخي لعصرنا والحضارة البشرية المعاصرة، هناك خيبة أمل في الإخوان.. الكل كان يتصوّر أن ينجحوا في بعض الأمور، وكنت أتصوّر أنهم سينجحون في الأمن، ولكنهم فشلوا، نحن أمام ناس يبدو أنهم هواة، ومن الواضح أنهم أصغر من المهام ومن الدور، أشعر بالقلق، وأتمنى أن ينجح الاخوان ولكن لا أتوقع لهم النجاح.* حتى لو تمثل في النظام الديني، مثل إيران؟** النظام الديني في إيران يختلف كلياً عن النظام المصرى فلن يؤثر.* إن كان الإخوان عاجزون عن حكم مصر والأحداث أكبر منهم، فإلى أين نذهب؟** مصر قد ترتفع فوق كل الطرق المسدودة، العالم يتغير ونحن ما زلنا نتحدث عن سنة أم شيعة.* كيف سنخرج من الأزمة؟** بداية، الأزمة تقتضي أن تجتمع مصر كلها لبحث مشكلاتها، ليس هناك فصيل سياسي قادر ولا إخوان ولا جبهة إنقاذ قادرة، والدليل أن الشعب عندما استغاث، استغاث بالجيش، كل القوى تتجمع لكي تستطيع تبني طريقة للارتفاع إلى أعلى.