و«هنا» تشير إلى مصر، و«هناك» تشير إلى المجتمعات الديمقراطية فى آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين. والقضية محل النظر هى تطبيق قاعدة تكافؤ الفرص بين المواطنات والمواطنين بشأن الترشح للمناصب التشريعية والتنفيذية وتقلدها.فى مصر، ووفقاً لدستور 2012 الذى وضعته جمعية تأسيسية سيطر عليها اليمين الديني، يعصف بقاعدة تكافؤ الفرص بشأن الترشح لرئاسة الجمهورية والمناصب الوزارية استناداً إلى فهم رجعي وعنصري لمسألة الجنسية. يحظر على المصرية والمصرى حال سابق اكتسابهما جنسية دولة أخرى بعد بلوغ الحد العمري 18 سنة الترشح للرئاسة أو للوزارة، حتى ولو تنازلوا عن الجنسية هذه أو لم يكتسبوها إلا لفترة محدودة، أو كان اكتسابهم لها مرتبطاً بغير اختياراتهم الشخصية.أما «هناك» فى المجتمعات الديمقراطية، فتصان قاعدة تكافؤ الفرص والمساواة فى الحقوق السياسية بين كافة المواطنات والمواطنين دون تمييز بين حاملي الجنسية منذ الميلاد ومكتسبيها بعده. فيحق للمصرية وللمصرى ولغيرهم مع اكتسابهم لجنسية أوروبية أو أمريكية الترشح لكافة المناصب التشريعية والتنفيذية وتقلدها، فقط تشترط بعض المجتمعات كالولايات المتحدة عدداً معيناً من سنوات الإقامة غير المتقطعة كحد أدنى للترشح للمناصب المشار إليها وتقلدها.فى مصر، تكرس سياسات الحكم وممارسات مؤسسات وأجهزة الدولة عصفاً من نوع آخر بقاعدة تكافؤ الفرص. فالحكم، قبل ثورة يناير وبعدها، يعتمد فى الكثير من الأحيان حين الترشح للمناصب التشريعية والتنفيذية وحين شغلها، على «أهل الثقة» و«الموالين» أو على أعضاء «الأهل والعشيرة» من متلقي الأوامر والتعليمات. اليوم أيضاً، يعصف فصيل الحكم بتكافؤ الفرص عبر سياسات وممارسات منظمة تهدف إلى أخونة الدولة والسيطرة على مفاصلها دون المناصب التشريعية والتنفيذية العليا أى الوزارية. مديرو العموم ووكلاء الوزارات ونواب المحافظين، وغيرهم كثيرون يعينون بدرجات وظيفية أدنى (فى التراتبية الوظيفية) يمثل انتماؤهم لجماعة الإخوان أو لحزبها جواز مرورهم إلى الوظيفة بغض النظر عن الكفاءة أو العصف بتكافؤ الفرص مع متقدمين آخرين لذات الوظائف.أما «هناك» فى الديمقراطيات، تضمن القوانين والسياسات والممارسات الفعلية حيادية مؤسسات وأجهزة الدولة ومنظومة الخدمة العامة ككل وتصان من ثم قاعدة تكافؤ الفرص. «هناك» أيضاً دواوين للمظالم وأجهزة للمحاسبة وللرقابة وللسهر على الشفافية تتعقب العصف بتكافؤ الفرص حين يحدث وتكشفه كفساد (سياسي أو عائلي أو مالي) مرفوض وتعاقب عليه وتعيد للمواطنات وللمواطنين حقوقهم.فى مصر، تتورط فى بعض الأحيان المؤسسات والأجهزة العامة والخاصة فى ممارسات تمييزية على أساس النوع (ضد المرأة) أو الظروف الشخصية (ضد ذوي الاحتياجات الخاصة) أو الدين (ضد الأقباط) أو الأصل المناطقي (ضد أهل النوبة). ويعصف بهذه المؤسسات والأجهزة من ثم بتكافؤ الفرص عند التوظيف والترقي وغيرهما من أمور العمل، ويندر فى ذات الوقت أن توجد دواوين مظالم ضد التمييز تعمل بكفاءة على تعقبه وكشفه ومواجهته.أما «هناك» فى الديمقراطيات، وبالقطع دون إضفاء مثالية غير واقعية على المجتمعات هذه، فمنظومة الخدمة العامة والخاصة مجهزة بقوانين تضمن تكافؤ الفرص وتؤسس لوجود جهات فعالة للمحاسبة وللرقابة حين الخروج عليها. كذلك، وعبر شبكة متطورة من القوانين والسياسات والممارسات، تعمل الخدمة العامة والخاصة على تفتيت إرث التمييز حال حضوره باعتماد مبدأ «التمييز الإيجابي» لصالح النساء وذوي الاحتياجات الخاصة والأقليات المضطهدة وغيرهم لتحقيق مبدأ المساواة الشاملة فى الحقوق والحريات والفرص.هنا تمييز يتكرس فى الدستور والقانون والسياسة والممارسة، هناك قاعدة تكافؤ فرص تصان ويعمل على تطبيقها تدريجياً لضمان المساواة والعدالة فى المجتمع.
|
آراء
تمييز وإقصاء هنا.. وتكافؤ فرص هناك
أخبار متعلقة