كلمات
شهدت لبنان تفكيكها فى الفترة من عام 1975حتى عام 1990، تقسمت بين أمراء الطوائف، وأصبح لكل طائفة ميليشيات خاصة تحارب ميلشيات أخرى، اقتطعت أرضا لتحكمها وتدعي حفظ الأمن فيها، فضاعت الدولة 15 عاما.تجربة هذه السنوات «اللبنانية» تسكن عقل قوى سياسية مصرية، ابحث فى مقولات قادتها حول تكوين لجان شعبية للحفاظ على الأمن بعد إضراب قطاعات أمنية عن العمل، لم يتحدث هؤلاء عن الحل السياسي الشامل، لم يتحدثوا عن أن إضراب الشرطة هو «دمل» يظهر على الجلد، أما جذوره فهي في عمق الجسد، علاج الجلد وترك العصب يقود إلى موت حتى لو كان صاحبه على قيد الحياة.بعد ثورة 25 يناير ارتفعت طموحات المصريين إلى عنان السماء، لم تترك قوى سياسية واحدة فرصة إلا وتحدثت عن إعادة هيكلة الشرطة، امتد الحديث عن القضية إلى المرشحين لرئاسة الجمهورية، وضعها الدكتور محمد مرسي فى برنامجه، وتحدث كثيرا عنها وقت أن كان مرشحا.لم يبق من هذا الحديث غير ذكريات، فبقيت الشرطة على حالها، يتعامل الشعب معها على أنها فى مواجهته وضده، بالرغم من أن أصل مهمتها هي حمايته، المأساة فى أنها أول المدانين فى كل أحداث العنف، وآخر المشكورين حين تنجح فى وقف الخطر، وفى الحالتين يسقط منها شهداء ومصابون، فى الحالتين لا نتذكر قصة «إعادة الهيكلة»، ولا نحاسب من أفرط فى الحديث عنها لزوم الترشيح، ثم نسي حديثه بعد أن أصبح رئيسا، والنتيجة استمرار وضع الشرطة فى خانة المدانة على طول الخط، حسابها فى الخطأ مطلوب، وحساب من أخلف بالوعد فى تطويرها مطلوب.أعلنت أحزاب سلفية عن جاهزيتها للنزول إلى الشارع لتشكيل لجان شعبية لحماية الأمن بدلا من الشرطة، بدأت الجماعة الإسلامية فى تكوينها بالفعل في أسيوط، وبدأ حزب النور فى تشكيلها فى قنا، وبدأ حازمون فى تشكيل ما يسمى بالشرطة المدنية والنزول للشارع خلال يومين، الذكريات عن هؤلاء مريرة، دماء مصريين مازالت تطارد الجماعة الإسلامية، «حازمون» كتبوا أسماء إعلاميين على رؤوس «عجول» ذبحوها وقت حصارهم لمدينة الانتاج الإعلامى، فكيف سيوفرون الأمن والأمان للناس، وكيف يثق مصريون فيهم؟.الأحزاب نفسها التى رحبت وهللت لقرار منح المواطنين حق الضبطية القضائية قبل أن يعلن النائب العام أول أمس الأول أن هذا القرار ليس صحيحا، قالت إن القرار تأخر كثيرا، فهل سيتعرض النائب العام لنقد من هذه الأحزاب، أم ستلتزم الصمت؟.يبيع هؤلاء لنا وهم أنهم قادرون على توفير الأمن، وأنهم البديل عن الشرطة، يتعاملون مع أزمات مصر باليومية، يقفزون على أن أصل الأزمة هو فى غياب الحل السياسى، فى غياب دولة القانون، فى غياب الممارسة الديمقراطية الصحيحة، فى حضور الأخونة، فى رغبة الاستحواذ على كل شىء، يدفع كل ذلك إلى اختناق سياسى يدفع كل الأطراف إلى التصادم، ولنتوقع حجم الدماء التى ستسال مع وجود لجان شعبية تابعة لبعض هذه الأطراف.الحساب ضرورى لكل من تحدث عن تطوير الشرطة، ويتحدث الآن عن نفسه كبديل لها.