التفكير السياسي بعقلية أنني الوحيد على الصواب وأن الجماهير تؤيدني.. هذه الطريقة بحد ذاتها تؤدي إلى خلل ولو كانت صائبة مائة بالمائة، لأنها سرعان ما تنشق على نفسها مولدة خلافات متعددة، ومحاولة طرحها الآن بصورة مباشرة أو غير مباشرة يؤصل للانشقاق، فأحادية هذا التفكير مهما كان صدقه وإيمانه بقضيته لا يؤسس للديمقراطية. إن التاريخ ينظر إلى عمل القادة ككل، ومن خلال كل المراحل، وليس إلى وجودهم كرموز رفعوا أهدافا معينة في مراحل معينة، لذلك من المهم في ما يبدو تعزيز استراتيجية المراحل القادمة على أساس الديمقراطية بدءا من هذه المرحلة الحساسة، فواحدية المرجع- القيادة مهما كانت وجاهتها لا تؤسس للديمقراطية بقدر ما تؤسس -قبل أي شيء آخر- لخلخلة نفسها أمام أول اختلاف في وجهات النظر، ذلك لأن النتائج السليمة لن تكتمل بناء على هذه المؤشرات غير السليمة، بما يمكن معه القول إن القيادة إلى هذه اللحظة غير موجودة كإنجاز واقعي متكامل، بقدر ما هي رموز تسعى سعيها الحميد لاستعادة دولة الجنوب. علاقة القيادة (الرموز) بالشعب هي علاقة أخذ زمام المبادرة لإعادة ما استلب منه، هذا شيء رائع من حيث النوايا في الأقل، لكنه يخفي من المركزية ما يخفي، المركزية التي قد تخفى حتى على صاحبها نفسه، تحت قوة إيمانه بالهدف. وحسن النوايا شيء وطريقة تقديمها والفعل الذي تؤدي إليه شيء آخر. إن من أوضح نتائج التفكير الأحادي بغض النظر عن وجاهته الآن أنه لم يحل عقدة تجميع قوى الثورة السلمية الجنوبية في مؤتمر شامل يتم الاسترشاد بوثائقه، باستثناء لقاءات وتحركات لا ترتفع إلى مستوى الزخم الجماهيري، ولعل السبب يعود إلى أن الجماهير تحركت أولا وجاءت حركة القيادة بعدها، لذلك ظلت طريقتها في الفرز السياسي ومشحوناتها الداخلية (الصراعية) فاعلة فيها، من غير أن يعني هذا أن خروج تلك القيادات ليس رائعا، ولكن ربما كان عليها أن تستوعب اللحظة التي خرجت من أجلها، وأن تبدأ انطلاقا منها في تأسيس مبادئ الديمقراطية كمنطلقات أساسية تظل فاعلة في كل المراحل والمنعطفات، بغض النظر عما قد يشوبها من متاعب وعراقيل. صوت الجماهير مهم ليس في ذلك شك، ولكن مهم أيضا من يتحرك بمطلبها الكبير في الأروقة السياسية كلاعب ماهر حيث تكثر الضغوط وتتقاطع المصالح الدولية والإقليمية لاسيما في ظل عدم وحدة الصف بصورة رسمية وعملية، الأمر الذي قد يحدث خروقا هنا وهناك قد تبدو ضعيفة لكنها تشكل خطرا مستداما مع الأيام يمكن أن يبرز في أية لحظة. إن صوت الجماهير موجود بما ينجزه السياسيون له من خلال توظيفه إلى أبعد مدى ممكن، وفن إدارته، ومن ثم تحقيق مراميه بأقل خسائر ممكنة، ولكن بأي صيغة من صيغ المناورات العملية والحوارية يجري تحقيق ذلك الآن؟ هذا السؤال فيما يبدو من أصعب الأسئلة التي تواجه السياسيين وتقض مضجعهم، وتكتيكاته تجري في ما يبدو إما بصعوبة بالغة وإما بتكتيم شديد، ذلك لأن كثيرا من إنجازاته ما تزال غير معروفة لكثير من المتابعين والمهتمين. ما علاقة القادة -الرموز بالجماهير إلى هذه اللحظة؟ هل هي علاقة إعلامية؟ أو علاقة عملية أنجزت للشعب بعض المتغيرات على الواقع السياسي؟ أو علاقة إعلامية مع الشعب تكتيكية مع القوى الضاغطة باتجاهات مختلفة؟ إلى هذه اللحظة ما يزال الفعل الجماهيري الميداني أوضح من الفعل السياسي الذي ما يزال يكتنفه الغموض كخطوات إنجازية، وإن بدت منه بعض البوادر الإيجابية التي مازالت تظهر وتختفي!.
|
تحقيق
قيادة المرحلة
أخبار متعلقة