أحمد مثنى قليلون هم الذين ينعمون بالخلود في ذاكرة الناس وفي وجداناتهم ويضل التاريخ يوزع شذا روائحهم العطرة إلى ما شاء الله، كما تظل أفعالهم تلك إضافات خالدة تعيد في الكثير منها بعض تلك اللحظات الجميلة، التي تعيد إلى الحياة ابتسامتها التي اختطفها دوس ثعلبان منذ آلاف السنين. في تلك الأجواء لم تكن البسمة قد تموضعت على كل الشفاة، لقد كانت حكراً على السادة النبلاء والإقطاعيات، ولربما لم تكن بعد قد وجدت جمهوراً واسعاً لأنها محل احتكار وغيره من أن تطبع البهجة على كل الوجوه، حتى كانت النغمة خاصة حين امتزجت واختلطت بالحسرة والدمعة، وكانت الكلمة هي الترجمان لمختلف أشكال الأسى والفرح. هكذا تشكلت في الذاكرة وفي النبضات وعلى الملامح عبارات موحية وعلى شطآنها ارتمى اللحن، ابتسمت الحياة، تراقصت الشطآن حين حلت البهجة قلوب الحيارى، عندما غرد المرشدي كما يحب أبناء السعيدة أن يطلقوا عليه، وردد الكون معه. [c1]يا حبيبي أي عيد أي سعدي سوف تبقى هذه الليلة عندي عندنا ورد حكى رقة خدي ومدام أشبهت فرحة وعدي [/c]هكذا غرد المرشدي محمد ناجي للوطن وللحب وللسلام وللفلاحين والعمال وللمواطن والمغتربين ولكل الوان الطيف. غرد المرشدي بمختلف الوان الغناء يمني، مثل اللحجي، والمدني، والصنعاني والتهامي، وشنف أذان المستمع العربي كذلك من خلال العديد من الألحان الرائعة والمبهجة، حيث عبر بها الحدود إلى عوالم خارج السعيدة، وقد غش عنه بعض نجوم الأغنية العربية أمثال الفنان الرائع والجميل محمد عبده. وبالمثل لما تمناه بعض فلاسفة التنوير كشف الطرق لدى الملوك والقساوسة فيما يذهبون إليه من الإغراق في عوالم الثرى الغيبية، فإن الفن كذلك قد كشف عن الوسائل التي يؤثر بها على الحياة، وعلى الاعتقاد بأن الفن موجد الحياة ومطور الوجدانات والملاكات الجمالية، بل أنه شبه مقدس كما يذهب إلى ذلك (ديفيد انجلز) صاحب دراسة في مجلة عالم المعرفة الصادرة في العام 2007م حول سوسيولوحية الفن. لقد كان المرشدي عالماً باسرار اللغة وقواعدها ، ولذلك فقد قيل عنه أنه الفنان الذي لم يلحن، وهو كذلك باحث في شؤون الأغنية اليمنية وله العديد من الأبحاث والدراسات، صدر بعضها في كتابين تقريباً بينما ما تزال هناك الكثير من الدراسات لم تر النور بعد، كما أن له آراء جريئة فيما يتعلق بالأغنية الصنعانية خاصة، حيث أشار إلى ذلك في مقابلة بدت خجولة عبر الفضائية العدنية، واعتقد أنه لا بد أن يكون قد بحث في شأن ما يدعي البعض وما شاع حول لأغنية الصنعانية،و اكتفى المرشدي بالإشارة إلى باشرحيل من أنه أول من صدح بهذا اللون من الغناء فأي الغنية الصنعانية فيما. ونحن نعرف بأن هناك العديد من رواد هذا اللون في مدينة عدن، التي كانت موطناً للحب والفن ، فيما كانت صنعاء يمنع عليها الغناء وكل لحظات الفرح ، وإذا ما وجدت مثل هذه اللحظات فقد كانت تمارس على طريقة العادة سرية.إجمالاً فإن المرشدي قامة فنية قل ما يوجد لها مثيل ليس في يمن الحكمة والفن بل في الجزيرة العربية والخليج، فقد كان على مقدرة فائقة في مجال التلحين ، وكانت جميع ألحانه تتسم بالرقة والعذوبة وبأدائه الرائع وصوته الشجي كان يكهرب المتلقي ويبعث في روحه أطنانا من البهجة والفرح حين يكون في اتجاهه مثل هذه اللحظات ، وهو يكون مبعثاً للشدة والتدافع نحو الواجب الوطني حين يتعاطى مع الأغنية الوطنية ، ويملؤه الحنين والحسرة ولمسات الحزن حين يكون في حضرة أغنية الغربة والفراق للأرض والجيرة ، وهو فوق هذا وذلك باحث في علوم ونشأة الأغنية اليمنية.بمعنى آخر فإن الأستاذ والفنان الكبير محمد مرشد ناجي ليس ظاهرة فنية فقط بل هو كذلك ظاهرة ثقافية وفنية حمل هموم الأغنية اليمنية مع جيله الذي أفنى كل حياته من أجل أن يكون للأغنية اليمنية مذاقها الخاص ، وهو من عرج على مختلف اللهجات اليمنية، وصورها كما يجب معبرة عن معاناة العشاق والمحبين الذين من سوء طالعهم أنهم وجدوا في أرض السعيدة في مرحلة ضاق فيها الحب الذين بالواشين والحساد، وقل التعاطي مع الجمال والفن إلا من نجوم لمعت في العديد من محافظات الجمهورية ، مثل عدن وكوكبان وتهامة حيث أبدع العديد من الحكام والقضاة الذين كانوا ينزلوا إلى تهامة للعمل والإقامة فيها أمثال القاضي العنسي والقاضي عبدالرحمن الآنسي وابن شرف الدين وعدد من أبناء تهامة المؤسسين للشعر اليمني أمثال لفقيه موهبر ، الشعر الحميني والمزاح والحكاك ، والعيدروس.وهنا لسنا بصدد البحث في جهة الشعر الحميني ومنابعه أو البدايات لهذا اللون الراقي والمعبر ، إذ أننا في حضرة مقام الأسى والحزن على فنان اليمن الكيير المرشدي الذي ألهب الوجدنات والمشاعر عشقاً وحباً وهياماً وأسس مدرسة فنية جابت عوالم كل اللهجات اليمنية وأرست نغماً جال وصال في أرجاء الوطن والجزيرة العربية والخليج، ولقد كان فنان اليمن الكبير مدركاً لما ذهب إليه علماء الاجتماع، من حقيقة أن للفن أدواراً غير مادية في تكوين الشخصية الإنسانية وكيف أنه كمؤشر اجتماعي مهم يفك شفرة الوجود ويرقى بالإنسان إلى عوالم خالصة الإنسانية، ولذلك فقد كان رحمه الله يختار كلمات أغانيه ويجهد نفسه ومن حوله خلال مراحل التلحين ليقدم لجمهوره وكل محبيه خلاصة ما توصل إليه بصوته الشجي وحنجرته الملائكية.عرفته جيداً وداومت على المقيل معه في الأيام التي كان يعقد جلساتها في منزله من كل أسبوع، وجمعتنا به مقايل أخي الأستاذ الفاضل طه غانم وكانت روحه تسبق لسانه إلى النكتة والطرفة وإلى الحديث المسؤول والهادف حول العديد من قضايا الأدب والفن.حقيقة لقد خسرت السعيدة وأبناؤها، ولا نبالغ إذا قلنا أن البلاد العربية منيت بخسارة كبيرة بفقدان أحد أبنائها البررة وأحد أكبر الصداحين في سماوات الفن والجوالين في فيافيها الخضراء النضرة وأحد أهم الباحثين في مجال الغناء اليمني والمحيط والعارف بفنون مختلف اللهجات اليمنية.[c1]شابوك أنا وامرفاق بكرهأرض امجبل ما نبا امساحلواسيدي حيد ذي امخطرهما خطرتها شي وأنا جاهلحوته من أمخنه ما هو حرام با أمهعن ساكني صنعاء حديثك هات وافوج أنسيممش مصدق انك أنت جنبيانته جنة أنت وحدك حاجة ثانية[/c]تغمد الله فقيد اليمن الكبير وفنانها العظيم أستاذ الأغنية اليمنية محمد مرشد ناجي واسكنه بإذنه تعالى مع الشهداء والصديقين فسيح جناته والهم أهله وذويه وأبناء السعيدة جميعاً الصبر والسلوان، ( إنا لله وإنا إليه راجعون ).
|
ثقافة
المرشدي قامة فنية و ظاهرة ثقافية
أخبار متعلقة