نبض القلم
التبصر والتدبر، فضيلتان من فضائل الإسلام ، علينا أن نتحلى بهما فالتبصر هو قوة القلب المدركة ، ويقال: تبصر الرجل في رأيه ، أي تبين ما يأتيه من خير وشر ، والتبصر في الشيء هو التمهل والأناة في تبين الأمور وكشفها ، والسير في التعاطي معها ببصيرة ورشد ، واتزان وفطنة، وإدراك لمرامي الأمور القريبة والبعيدة وقيل في المثل ( عمى الأبصار أهون من عمى البصائر).والتبصر بهذا المعنى خلق من أخلاق الإسلام وفضيلة من فضائله ، والمراد بهذا الخلق في الجانب التربوي هو أن يكون الإنسان صاحب تفكير وتدبر ، ورزانة وتمهل ، وأن لا تغره المظاهر الزائفة، بل يحاول أن يستبطن حقائق الأمور ، ويستدل بالعلامات والإشارات على النتائج والغايات ، فيكون له من ذلك مرشد يهديه ، وقائد يقوده إلى سواء السبيل.وأما التدبر فهو النظر في أدبار الأمور ،أي أواخرها ونتائجها وعواقبها، وتدبر الكلام بما يفيد النظر والتفكير في غاياته ومقاصده، التي يرمى إليها، وعاقبة العمل به أو مخالفته.والتدبر إذا صار للإنسان خلقاً يتحلى به ، وفضيلة يتزين بها وبجمالها ،فإن هذا التدبر يعصم صاحبه من السوء ويقرنه بالخير وهذا التدبر إنما يتدبره في الإنسان قلب حي يقظ، وعقل حي مستجيب و إحساس دقيق مرهف وبهذا الاستعداد يتمكن الإنسان المتدبر أن يحسن التدبر الدنيوي والتدبر الديني وهما اللذان يشير إليهما أحد الحكماء في قوله:« ما من آدمي إلا وله أربع أعين- عينان في رأسه لدنياه وما يصلحه لمعيشته - وعينان في قلبه لدينه، وما وعد الله من الغيبفإذا أراد الله بعبد خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد به غير ذلك طمس عليهما.وكان أسلافنا الصالحون يحثون على التبصر والتدبر في الوقت المناسب، قبل فوات الأوان. والمتدبر الذكي يتطلع أولاً إلى الماضي ، يدرسه ويستخلص منه العبرة ، ثم يدرس الحاضر بما له وما عليه ، ثم يتطلع ببصيرته إلى الغد ليستدل بالحاضر على المستقبل.والمؤمن إذا صدق في تدبره ، يصير يقظا في تفكيره، وتعبيره، وفي قوله وعمله ، فهو يضيء صدره بنور الفكرة، ويعمر قلبه بوازع العبرة ، ويقيس لرجله موضعها قبل الخطر، ويجعل لسانه وراء عقله ، فلا يلفظ اللفظة إلا بعد أن يزنها بميزان عقله .وخير الناس من كان التدبر له خلقاً، في أقواله وأفعاله، من كان التبصر سلوكاً من سلوكياته ، والله سبحانه وتعالى يقول: ( قد جاءكم بصائر من ربكم ، فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ) « الأنعام 104»فمن أبصر الحق فآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى فلنفسه ، ومن ضل وعمي عن الحق وأعرض عنه ، فعلى نفسه جنى ومعلوم أن عمى البصائر أدهى عاقبة من عمى الأبصار.والله سبحانه وتعالى يقول: (وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات )» فاطر 19 - 22»فالمؤمن بصير في دينه ، ومتبصر في أمره فلا يتخبط خبط عشواء ، كغيره من ضعاف النفوس قليلي الإيمان.قال الشاعر: إذا شئت أن تحيا عزيزاً مكرماً فدبر، وميز ما تقول وتفعلوقد قيل قديماً:وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم