حسين صاحب القلم الشامخ ..
علي راوح:هكذا هم القامات الشامخة يغادرون فجأة دون إعلان ودون ضجيج، .. يغادرون بصمت.. لكنه الصمت المميت.. الصمت القاتل لنا نحن الذين لا نزال على قيد الحياة... ها هو القامة الشامخة صاحب القلم النقي، نقي في زمن التلوث البيئي.. عفوا زمن التلوث الأخلاقي.. رحل صاحب القلم الشامخ كشموخ صاحبه الذي ظل واقفـا كشجرة الصنوبر العملاقة التي لم تؤثر بها عواصف الرياح المتلاطمة.. نزل علي الخبر كالصاعقة عندما أبلغني صديقي العزيز فضل الهلالي وصعقني بقوله: حسين يوسف في ذمة الله رحمة الله عليه، كان الخبر بالنسبة لي محبطـا، لم أستطع لحظتها قول شيء سوى (إنـا لله وإنـا إليه راجعون)، فالموت حق ونهاية لابد منها، وهذه سنة الله في خلقه (إنـك ميت وإنـهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) صدق الله العظيم.حزنت حزنـا لم أحزن مثله منذ سنوات حزن ذكرني بأحزاني السابقة، ذكرني بحزني عندما غادرنا زميلنا وأستاذنا صاحب القلم الموهوب الفقيد طه حيدر (أبو حيدر) رحمه الله، حزنت حزنـا ذكرني بفقداننا لكوكبة من حملة الأقلام في الصحافة الرياضية والإعلام الرياضي، وفي مقدمتهم فقيدنا الغالي شيخ الصحفيين الرياضيين الأستاذ محمد عبدالله فارع، ومن بعده صاحب القلم الشجاع الفقيد عادل الأعسم، وكذا أحمد راجح سعيد، وعبدالله المسني، ولم تتخطى ذاكرتي الإعلامي الرياضي المخضرم الفقيد سالم بن شعيب (أبو صبري)، وقبل أيام غادرنا الزميل الخضر الحسني كوكبة من القامات الشامخة في الإعلام الرياضي تساقطت كما تتساقط حبات المسبحة، وتركت وراءها فراغـا كبيرا، وتأكد لنا أن هناك قامات لا تتكرر ولا يمكن تعويضها.. قامات باسقة فقدناها، ولن يكون فقيدنا الغالي حسين يوسف آخرها، وما يزيد حزننا إننا كمجتمع وكدولة ومؤسسات رسمية يظل اهتمامنا وتقديرنا وتلمسنا لهموم ومعاناة المبدعين الشرفاء في كل المجالات اهتمامـا ناقصـا في ظل وجودهم على قيد الحياة، ونكتفي بشحذ الهمم لنعدد محاسنهم والإشادة بأدوارهم بعد مماتهم وهذا منهجـ يكاد يكون هو القاعدة وما دونه استثناء نادر قلما نلمسه.وسيظل السؤال قائمـا.. متى سنهتم بالمبدعين الرياضيين عمومـا وبالمبدعين في الإعلام الرياضي خصوصـا؟!!متى سنرى الجهات الرسمية والسلطة المحلية، وكذا المؤسسات المجتمعية وغيرها.. متى سنرى اهتمامها بما تبقى من المبدعين والاعتراف بجهودهم وتكريمهم وهم على قيد الحياة.إن محافظة عدن حبلى بالمبدعين الشرفاء القابعين بصمت في أقبية منازلهم يعانون ويعتصرون أنواعـا من المرارات فبعضهم أصبحوا فريسة للأمراض ومنهم من يعيش حياة العوز أناس تأبى كرامتهم وعزة أنفسهم الاستجداء والتعرض للمهانة والذل.. فمتى تتحرك الجهات الرسمية لتنقب عن أمثال هؤلاء وتتلمس همومهم من قرب، وتكريمهم والاعتراف بأدوارهم ورد الاعتبار لهم قبل مغادرتهم للحياة أم إننا سنظل ننتظر لحين وفاة أي منهم لنعدد محاسنه وإبداعاته وجهوده عبر صفحات الصحف!!وعودة إلى فقيدنا الغالي الزميل حسين يوسف الذي غادرنا بصمت ودون وداع، حسين يوسف الذي عرفته منذ السبعينات عاش حياته صامتا عزيز النفس لا يهادن ولا يجامل شحذ قلمه للنقد البناء ولقول كلمة الصدق وقول الحقيقة دون خوف أو وجل.عاش ببساطة وتواضع طيلة حياته الصحفية ولم يركب موجة الشهرة ليحقق مكسبـا من مكاسب الدنيا الزائلة فحظي باحترام كل من عرفوه وعاشروه.وطيلة رفقتي المهنية به لم أسمع يومـا من يشكو منه أو ينتقد سلوكه، وكانت أجمل فرصة جمعتني به عندما ابتعثنا سوية لمرافقة منتخبنا الوطني للمشاركة في دورة كأس فلسطين التي جرت في المملكة المغربية عام 1983م، وهذه الفرصة أتاحت لي الاستفادة من خبرته الصحفية الواسعة ولمست حبه وعشقه لمهنته الصحفية، ومن حينها توطدت علاقتي به أكثر فأكثر.وما يحز بنفسي أن مشاغل الحياة قد حرمتني من وداعه وأسأل الله تعالى أن يجمعني به في جنة عرضها كعرض السموات والأرض ألف ألف رحمة عليك يا صديقي حسين يوسف.(إنـا لله وإنـا إليه راجعون .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).