هذه السطور أكتبها كشاهد على تفاصيل غير معلنة من قبل، عن قصة مشروع إنقاذ مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر، وصحيفة (14 أكتوبر) بعد أن كانت المؤسسة والصحيفة قد وصلتا ليس فقط إلى درجة الإفلاس والتخلف المهني والفني بل إلى خطر إغلاقهما وبيع أرضية المؤسسة التي تقع في منطقة إستراتيجية وحيوية في قلب مدينة عدن، التي شهدت بدايات الصحافة والطباعة والإذاعة والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين الماضي، وأصبحت منارة إعلامية كبرى في الجزيرة العربية والخليج.وعندما تم تعيين الأستاذ أحمد الحبيشي رئيسـا لمجلس الإدارة رئيس التحرير للمؤسسة والصحيفة، وفي منتصف عام 2005م وصل الرجل ووجد الصحفيين محشورين في مبنى متهالك ومستأجر من أحد الملاك، ويعملون في ظروف صعبة وبمعنويات محبطة، حيث لا مكاتب لهم تليق بهم، كما كانت مطابع المؤسسة القديمة، قد فقدت جاهزيتها، بسبب تخلفها وقدمها وعدم صيانتها باستثناء المطبعة الصحفية القديمة، التي كانت تعمل برأسين فقط، أحدهما مهدد بالتوقف بعد أن خرج الرأسان الآخران عن الجاهزية بعد حرب صيف 1994م، ولم تكن هذه المطبعة القديمة المتبقية قادرة على طباعة الصحيفة بثمان صفحات فقط، باللون الأسود والأبيض على دفعتين، ويتم توزيعها على قطعتين في أكشاك محدودة وبخمسمائة نسخة يوميـا فقط في عدن، ولم تكن الصحيفة توزع في معظم مديريات محافظة عدن، فيما كان يتم إرسال عدد محدود من الصحيفة لتوزيعها على المسؤولين في صنعاء.. لا لشيء إلا لكي يعرفوا أن الصحيفة لا تزال تصدر من أجل استمرار دعم موازنتها فصليـا.أما المفاجأة الكبيرة التي صدم بها الحبيشي فقد كانت تتمثل في عدم استخدام حسابات الدورة المستندية في الإيرادات، الأمر الذي كان سببـا في ضعف إيرادات المؤسسة وتسرب جزء كبير منها إلى جيوب بعض الفاسدين والمتنفذين في عدن وصنعاء والمنتفعين حيث كانت تقارير الجهاز المركزي منذ عام 1995 حتى عام 2005م تحذر عواقب عدم استخدام نظام الدورة المستندية في حسابات الايرادات، وترصد بسببه عشرات المخالفات المالية التي أحالها الحبيشي فورا إلى نيابة الأموال العامة.وعلى الفور كانت الخطوة الأولى هي قيام الحبيشي بإصلاحات مالية وإدارية قبل الإصلاحات الفنية وهو ما أدى إلى تضرر المنتفعين في الفترة السابقة سواء في عدن أو صنعاء قبل استخدام نظام الدورة المستندية في حسابات الإيرادات، الأمر الذي أدى إلى توقف حنفية ضخ الإيرادات إلى الجيوب، وارتفاع إيرادات وانتظام صرف الرواتب والمستحقات في مواعيدها وزيادة عدد المستفيدين من مستحقات العمل الإضافي والإنتاج الفكري والحوافز الإنتاجية.وحين وصل الحبيشي بعد تعيينه بأسبوع رافقته شخصيـا وكانت صدمته كبيرة؛ لأن المؤسسة كما وصفها حينها كانت في غرفة الإنعاش، وتنتظر فقط إعلان شهادة وفاتها، بينما كانت المؤسسات الصحفية الحكومية في صنعاء تصدر بالألوان وتطبع بآلات حديثة ومتطورة، على الرغم من أن جميع المؤسسات الإعلامية في عدن وصنعاء، كانت قبل حرب 1994م، في مستوى واحد مع مؤسسة 14 أكتوبر، ولم يكن أمام الحبيشي بعد تعيينه سوى التفكير بإعداد مشروع مخطط ومتكامل لإعادة بناء المؤسسة والصحيفة على مراحل تبدأ بتجهيز مبنى جديد وتطوير وتحديث مرحلة ما قبل الطباعة ومرورا بشراء مطابع حديثة ومتطورة للأعمال التجارية وإدخال أجهزة فرز الألوان، ومنظومة حديثة لتراسل النصوص والصور عبر الشبكات وانتهاء بشراء مطبعة صحفية حديثة وعصرية متعددة الألوان، وذات قدرة على طباعة صحيفة بالألوان وبصفحات كثيرة، ويتم طباعتها دفعة واحدة وبسرعة قياسية تصل إلى (45) ألف نسخة في الساعة.وما أن بدأ الحبيشي يعرض الخطوط الرئيسية لمشروع إنقاذ مؤسسة 14 أكتوبر من الموت حتى بدأت محاولات إحباطه وإفشاله بعد شهرين فقط من تعيينه من خلال إثارة حملات إعلامية مبكرة ضده، لكن الرجل أصر على تنفيذ مشروعه وبدأ التحرك لإقناع الجهات المركزية في صنعاء لتوفير التمويل اللازم لهذا المشروع.وشاء الحظ أن أرافقه في كثير من زياراته للعاصمة صنعاء، وهو يبحث عن تمويل لمشروع تطوير مؤسسة 14 أكتوبر، وأشهد بأنـه كان يتمتع بقوة الثبات والإصرار على تنفيذ هذا المشروع والصمود الأسطوري أمام الحملات المسعورة التي استهدفت تشويه سمعته وإضعاف إرادته وإحباطه.وأشهد أن الحبيشي واجه مصاعب جمة وكبيرة في الحصول على اعتمادات مالية لتنفيذ هذا المشروع، وذات يوم طلب مني تحديد موعد لزيارة الأخ أحمد مساعد حسين وزير شؤون المغتربين السابق في مكتبه، وقد فاجأني بهذا الطلب؛ لأن أحمد مساعد لا علاقة له بالإعلام بل بشؤون المغتربين، وأثناء اللقاء قال الحبيشي للأخ أحمد مساعد هل يرضيكم أوضاع مؤسسة 14 أكتوبر التي تحمل اسم ثورة 14 أكتوبر وما وصل إليه حالها من تدهور وتخلف، حيث أصبحت مهددة بالإغلاق وبيع أرضيتها بضغط من قبل بعض مراكز القوى العسكرية والقبلية في صنعاء.وعندما سأله أحمد مساعد ماذا بوسعي أن أفعل وأنا وزير لشؤون المغتربين؟ أجابه الحبيشي قائلا: من المؤسف أن القيادات الجنوبية في الدولة والحكومة أهملت ميناء عدن ومطار عدن ومصافي عدن والمؤسسات الإعلامية في عدن، ولم توظف نفوذها لوقف ما تتعرض له هذه المدينة ومؤسساتها وموانئها ومطاراتها من تجريف منظم.وأثناء حديثه قال الحبيشي كلامـا استفز أحمد مساعد حسين كثيرا.. حين قال له: يا أخي أرجو أن تكونوا في صنعاء لوبيـا جنوبيـا، واعملوا لصالح الجنوب مثل اللوبي اليهودي في أميركا الذي يعمل من أجل خدمة إسرائيل!!خرج الحبيشي حزينـا، لكنه أوجد في نفس أحمد مساعد غضبـا كبيرا.. ثم عاد الحبيشي إلى عدن.. وبعد عدة أيام اتصل بي الوزير أحمد مساعد وقال لي:أخبر الحبيشي بأن يطلع صنعاء بسرعة ويأتي إلى منزلي غدا لأن عندنا اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي، وسأرتب لقاء بينه ورئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور قبل الاجتماع على أن يحضر معه كافة الوثائق والدراسات والخطط التي وضعها.وأخبرني أحمد مساعد أنـه أمضى أيامـا طويلة متأثرا بكلام الحبيشي وانتقاداته الحادة للقيادات الجنوبية في صنعاء، حيث تواصل مع الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي عندما كان حينها نائبـا لرئيس الجمهورية، وعرض عليه ما دار بينه والحبيشي في مكتبه، وأبلغني بأن الأخ عبدربه منصور هادي قال له : إن مشكلتنا هي في أننا لم نجد الكادر القيادي الذي يستطيع النهوض بأوضاع مؤسسة 14 أكتوبر، لكنه يثق بقدرات الحبيشي، ثم حدث تواصل مع رئيس الجمهورية السابق ورئيس الوزراء السابق.. الدكتور علي محمد مجور واتفقوا على توفير التمويل المطلوب لتطوير مؤسسة 14 أكتوبر على ثلاث مراحل ومحاسبة الحبيشي إذا لم يتم تنفيذ مشروع التطوير في مواعيده المحددة.وعلى الفور حجز الحبيشي رحلة كانت متوجهة إلى صنعاء من عدن ليلا.. وفي الصباح تحركنا معـا إلى منزل أحمد مساعد.وحين وصلت مع الحبيشي إلى منزل أحمد مساعد في الثامنة والنصف صباحـا ذهبنا معه إلى مجلس الوزراء، وتم اللقاء مع الدكتور علي محمد مجور الذي كلف مدير مكتبه الدكتور طرموم بإعداد مذكرة إلى وزير المالية لتوفير التمويل المطلوب على ثلاث مراحل.. وحينها قام أحمد مساعد بنفسه بمتابعة طباعة المذكرة وتسليمها إلى الدكتور مجور بعد اجتماع مجلس الوزراء للتوقيع عليها، ثم قمت شخصيـا بمتابعة إجراءات التسجيل والختم على المذكرة وسلمتها للأخ أحمد مساعد الذي ظل وحده منتظرا فوق سيارته في ساحة مجلس الوزراء بعد أن غادر جميع الوزراء إلى منازلهم.وعلى الفور اتصل الأخ أحمد مساعد من هاتفه الجوال بالأخ أحمد الحبيشي وقال له: تعال إلى منزلي في المغرب، وخذ التوجيهات بعد أن وقع عليها الأخ رئيس الوزراء علي محمد مجور.. ومنذ ذلك اليوم ظل أحمد مساعد عونـا للحبيشي من أجل تنفيذ هذا المشروع.. وكان يتابع بنفسه وزارة المالية لتذليل المصاعب البيروقراطية التي كادت أن تعطل أو تؤخر تنفيذ المشروع، لكنه ومن خلال التنسيق مع الأخ نائب رئيس الجمهورية آنذاك والأخ علي الشاطر كان أحمد مساعد يتدخل لتذليل المصاعب إلى درجة أنـه أخبر الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي عندما كان نائبـا لرئيس الجمهورية أنه مستعد أن يتنازل عن موقعه كوزير للمغتربين مقابل تعيينه رئيسـا لمجلس إدارة مؤسسة 14 أكتوبر من أجل تنفيذ هذا المشروع الكبير ولسبب رئيسي هو أن هذه المؤسسة تحمل اسم ثورة 14 أكتوبر، وكانت واحدة من كبريات المؤسسات الإعلامية في الجزيرة العربية قبل أن تطالها يد التخريب والإهمال. وأتذكر أن الحبيشي كان يتواصل باستمرار مع الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي عندما كان نائبـا لرئيس الجمهورية والأخ أحمد مساعد عندما كان وزيرا لشؤون المغتربين في حكومة الدكتور مجور، من أجل متابعة توفير التوظيفات المالية في مختلف المراحل حتى جاء الأخ الرئيس عبدربه منصور شخصيـا لوضع حجر الأساس في 21 مايو 2009م ثم جاء بعد ذلك بسنة ونصف لافتتاح المشروع، وكان أحمد مساعد حريصـا على مرافقة الأخ عبدربه منصور هادي وبالفعل حضر حفل وضع حجر الأساس وحفل الافتتاح.هذه السطور أقولها للتاريخ.. خصوصـا وأن هناك من سألني عن سبب ظهور أحمد مساعد في حفل وضع حجر الأساس وحفل الافتتاح.. وأود أن أقول أيضـا إن الحبيشي نجح في استفزاز كافة القيادات الجنوبية في صنعاء لبذل ما يمكنهم بذله من أجل إنقاذ مؤسسة 14 أكتوبر من خطر الموت والتصفية.وأتذكر أن الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي قال للحبيشي بعد أن وضع حجر الأساس، نريد أن نفتتح المشروع في موعده المحدد بعد سنة ونصف قبل خليجي عشرين.. وألا يكون مثل مشاريع كثيرة يتأخر تنفيذها وتزيد كلفتها بعد ذلك، وتتحمل الدولة المزيد من الخسائر في الوقت والمال.. لكن الحبيشي رد عليه بثقة: أنتم عملتم ما عليكم والباقي سأتحمله شخصيـا مع كافة زملائي في المؤسسة.. وفي حال تأخر تنفيذ المشروع وارتفاع كلفته بإمكانك أن تشنقني في باب اليمن.وهكذا بفضل تعاون وإخلاص الجميع تم تنفيذ هذا المشروع في موعده المحدد وبسرعة قياسـية، وبأقل من الكلفة المعتمدة له، وبدون خسائر.تحية للأخ أحمد مساعد حسين.. ولكل من شارك في إنقاذ مؤسسة 14 أكتوبر وصحيفتنا اليومية من الموت والتصفية وعلى رأسهم المناضل الرئيس عبدربه منصور والأخ الدكتور علي محمد مجور رئيس الوزراء السابق والأخ حسن اللوزي وزير الإعلام السابق والأخ علي الشاطر وغيرهم من الجنود المجهولين.
تحية لهؤلاء
أخبار متعلقة