كبير مسؤولي التعليم في البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمال إبراهيم يتحدث لـ 14 اكتوبر :
حاوره في صنعاء/ بشير الحزميالتعليم عنصر أساسي لتحقيق التنمية والنمو كما يراه البنك الدولي، حيث تلعب مجموعة البنك الدولي دورا مهما في مجال التعليم على الصعيد العالمي وعلى صعيد كل بلد بما فيها اليمن، بداية من تشجيع زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس إلى تدريب المعلمين وزيادة معدل التحاق الفتيات وإصلاح المنظومة التعليمية وتطوير استراتيجياتها والاهتمام بجودة التعليم وبالمخرجات.ويعد البنك الدولي أكبر ممول خارجي لقطاع التعليم للبلدان النامية وكذا بالنسبة لليمن على مستوى المنطقة.. وفي هذا الحوار الذي أجريناه مع السيد كمال ابراهم، كبير مسؤولي التعليم في البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ناقشنا عدداً من القضايا المتعلقة بالوضع التعليمي في اليمن فتفضل بتشخيص الوضع وتقديم المقترحات التي من شأنها المساهمة في تطوير المنظومة التعليمية.. وإلى التفاصيل:- بداية نرحب بكم في اليمن ..ونود أن تطلعونا على دور البنك الدولي في دعم التعليم في اليمن؟- - إن قطاع التعليم هو من أولويات تدخل البنك الذي يعتبر من أهم شركاء التنمية في اليمن.وبالنظر إلى الأرقام،فإن ما خصص لمشاريع التعليم في إجمالي تدخل البنك يقارب 22 % وهذه النسبة غير مسبوقة في أي بلد وكذا على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذا التدخل يشمل التعليم الأساسي والثانوي والعالي، إضافة إلى ما يقوم به البنك في إطار المشاورات مع الحكومة ومع الأطراف في اليمن للمساعدة على تطوير إستراتيجيات التعليم التي تشمل كل الجوانب بما في ذلك التدريب الفني والمهني. كما قام البنك بتمويل مشروع التعليم الأساسي الأول الذي سينتهي في 2012 بقيمة 147مليون دولار بمساهمة من البنك ومانحين آخرين بما فيهم الجانب الهولندي،الألماني والبريطاني. وبالنسبة للتعليم الثانوي هناك مشروع قيمته 63 مليون دولار يموله أيضاً البنك بالشراكة مع مانحين آخرين. ومشروع المسار السريع المسمى حالياً مشروع الشراكة العالمية وهو يكمل مشروع التعليم الأساسي. وهناك أيضا مشروع التعليم العالي وقيمته تقريبا 13مليون دولار. وهذه إجمالا مشاريع البنك الحالية التي تفوق قيمتها 220 مليون دولار في قطاع التعليم في اليمن. مجالات وجوانب الاهتمام- ما هي مجالات وجوانب اهتمامكم بالقطاع التعليمي في اليمن وما هي الأولويات التي تركزون عليها وحجم الدعم المقدم إجمالا لهذا القطاع؟- - بالنسبة لليمن هناك هدفان من أهداف الألفية يتعلقان بالتربية والتعليم. الأول ما يسمى ببلوغ الالتحاق الشامل الذي يتعلق باستكمال الأطفال 6 سنوات على الأقل من التعليم.والثاني يتعلق بالمساواة بين الجنسين بالالتحاق بالتعليم. وهذان الهدفان موجودان في كل إستراتيجيات التعليم الأساسي التي وضعت لليمن منذ عام 2004.وهناك تحسن ملموس. بالنظر للأرقام مثلا : في موضوع الالتحاق، الوضع تحسن بحوالي 20 نقطة في عشر سنوات بين 2010-2000م حيث تم الانتقال من نسبة 65 % كنسبة التحاق في التعليم الأساسي عام 2000 إلى 86 % في 2010، وهذا تقدم مهم جدا. وبالنسبة للمساواة من المفروض أن يكون عدد البنات وعدد الأولاد الملتحقين متساوياً ويفترض أن نبلغ نسبة 1 إلى 1 لكننا وصلنا الآن من( 0.5 0.8)وهذا يعني أن هناك تحسن في الجانبين. فاليمن لم تبلغ حتى الآن أهداف الألفية التي كان من المتوقع أن تبلغها بحلول 2015. وهناك جهود بذلت من الحكومة ركزت فيه كثيرا خلال السنوات السابقة على مسألة الالتحاق لتحقيق هذه الأهداف.لكن الجانب النوعي لم يعط الأهمية الكافية وهذا لا يعني انه أهمل، لكن الأولوية كانت للالتحاق. فمثلا مشروع التعليم الأساسي الذي تبلغ ميزانيته 147 مليون دولار والذي سينتهي هذا العام، خصص 70 % من ميزانيته لبناء وتأثيث المدارس. بمعنى أن تركيز المشروع كان على بناء وتوسيع وإعادة تأهيل المدارس. كما ركز أساسا على المناطق الريفية التي فيها نسبة التحاق الفتاة اقل.وإذا نظرنا لمؤشرات المشروع يمكن القول انه بلغ أهدافه المخططة سواء من حيث عدد الفصول التي بنيت أو أعيد تأهيلها، أو من ناحية نسب الالتحاق المسجلة في المحافظات. وهذا المشروع نفذ في 10 محافظات كانت فيها نسب التحاق الفتاة أقل. وقد تحسنت نسب الالتحاق في كل هذه المحافظات. بمعنى أن المشروع ركز على الالتحاق وبلغ أهدافه. أما الجانب النوعي للمشروع الحالي فقد ركز أساسا على تدريب المعلمين، والذي كان جزءاً مهماً منه، ولكن حقيقة لم نر على مستوى النتائج تحسناً كبيراً في مستوى النوعية. قياس مستوى التحسنوقال: هناك بعض المؤشرات يمكن من خلالها قياس مستوى التحسن في نوعية التعليم أولها ما يتعلق بالالتحاق- استكمال التلاميذ الملتحقين بالمرحلة الأولى من التعليم وهي 6 سنوات.سنجد أن من بين عشرة طلاب التحقوا بالتعليم في السنة الأولى ستة منهم فقط استمروا حتى الصف السادس والبقية تسربوا. وهذا المؤشر الأول.والمؤشر الثاني هو مشاركة اليمن في الاختبار العالمي للرياضيات والعلوم والقراءة، التي تشارك فيها 60 دولة وتشمل مراحل التعليم من الصف الرابع وحتى الصف الثامن. وتشارك اليمن في مراحل الصف الرابع فقط من هذه الاختبارات والتي تم العمل بها في الأعوام 2004 و2007 و2011، إلا أن نتائج اليمن كانت دون المستوى المطلوب. وهذا الاختبار هو ليس اختباراً في المنهج وإنما هو اختبار لمعرفة قدرة الطالب على حل بعض المسائل العلمية التي في مستواه والتي تؤخذ من المنهج. والمعدل المطلوب هو 500.إن نتائج البلدان العربية تتراوح بين 400-500. أما اليمن فلم تبلغ سوى 260 في 2011، أي أنها بعيدة جدا عن المعدل المطلوب. ويمكن أن نفسر هذا بعدم تعود الطلاب على الاختبار أو بعدم ملاءمة المنهج أو الأسئلة. وهناك مؤشر ثالث هو إعداد دراستين في 2011 قامت بهما شركتان دوليتان في محافظات مختلفة وصلت إلى النتائج نفسها حيث تم اختبار طلبة الصف الثالث في القدرات القرائية ووجدوا تقريبا ثلث الطلبة غير قادرين على فهم وقراءة كلمة واحدة من الجملة، وهذا يعطي مؤشراً على المشاكل النوعية للنظام التعليمي في اليمن. ولهذا السبب نحن الآن نتحدث عن مشروع التعليم الأساسي وتركيزه على مسألة الالتحاق. والمشروع الثاني الذي نحن الآن بصدد إعداده مع وزارة التربية والتعليم البالغة قيمته 71مليون دولار منها 65 مليون دولار منحة من البنك الدولي و6 ملايين دولار مساهمة من الحكومة اليمنية بالإضافة إلى مانحين آخرين.سيركز هذا المشروع على الجانب النوعي وعلى القدرة القرائية.وكل الدراسات في العالم تبين أن الطفل إذا لم يقرأ أو يتعلم القراءة في سن الثامنة أو التاسعة، فإنه من الصعب عليه بعد ذلك أن يتعلم بشكل سريع، وستكون هناك كلفة كبيرة من حيث الوقت والمجهود اللازم لكي يتعلم.ومن خلال تشاورنا مع الحكومة وجدنا تفهماً ووعياً كاملاً من قبل الوزارة. التعليم الثانويأما في التعليم الثانوي فقد طورت وزارة التربية والتعليم إستراتيجية للتعليم الثانوي عام 2008. ولكن في الحقيقة لم تتقدم كثيرا في هذه الإستراتيجية.ويمول البنك مشروع التعليم الثانوي، بمبلغ 100مليون دولار إلا أنه تم تخفيضه الى53 مليون دولار. وهناك تعثر في المشروع ويرجع ذلك إلى تأخير تنفيذ إستراتيجية التعليم الثانوي.وفي رأيي يشكو التعليم الثانوي، بصفة عامة، من مشاكل تشبه مشاكل التعليم الأساسي. إن المدخل للتعليم الثانوي هو التعليم الأساسي. فإذا لم يكن التعليم الأساسي بالنوعية الجيدة فإن التعليم الثانوي سيتأثر كثيراًُ. والمشكلة بالنسبة للتعليم الثانوي هو عدم تنوع الاختصاصات في اليمن في المجالات العلمية والأدبية، أسوة بالبلدان المجاورة والتقدم هنا لا يجري بالشكل السريع والمطلوب. وحسب رأيي إدخال بعض التخصصات في الجوانب المهنية أو التطبيقية يمكن أن يذلل الصعوبات الموجودة في سوق العمل. إن الأحداث التي مرت بها اليمن والبلدان العربية تشير إلى أن الشباب خرج من المنظومة التربوية ولم يتم تشغيله، وجزء من هذا يرجع إلى عدم توفر فرص العمل، وإن المنظومة التربوية لم تقم بإعداد الشباب بالطريقة التي تمكنهم من الاستجابة لمتطلبات سوق العمل. التعليم المهنيوبالنسبة للتعليم المهني فقد تم توقيف المشروع خلال السنتين الماضيتين نتيجة لتأخر مراحل التنفيذ. وتوجد الكثير من المشاكل في التعليم الفني، يرجع عدد منها للقطاع نفسه، والبيئة المحيطة. فالبلدان التي لديها منظومة تعليم فني ومهني متطور هي البلدان التي لديها الاقتصاد الذي يخلق فرص العمل. وطبعا اقتصاد اليمن ليس متنوعاً بالطريقة التي تساعد في تطور هذه المرحلة من التدريب أو التعليم. وأقول مرة ثانية أن الوزارة لديها النية والإستراتيجية، إلا أنها لم تتمكن من تنفيذ هذه الإستراتيجية حتى الآن. ويجري العمل في هذا المشروع الذي كان الهدف منه تنويع الشعب المتوفرة في عدد من المعاهد وإدخال تقنيات جديدة وتحسين المناهج وتدريب المعلمين وهو مشروع يركز على النوعية.التعليم العاليوفيما يتعلق بالتعليم العالي فأهم جزء من المشروع يتعلق بما أسميناه صندوق تطوير التعليم العالي وهو مشروع صغير، لكن أملنا كبير في أن ينجح هذا البرنامج.وهناك تقريبا 12برنامجاً جديداًُ في 8 جامعات يمنية. والهدف من هذه البرامج الجديدة هو تحسين نوعية التعليم وتلبية احتياجات سوق العمل. وقد تم إشراك القطاع الخاص والمسئولين في القطاع العام. وتضم هذه الاختصاصات الهندسة البحرية و الكيماوية، الكمبيوتر وعدد من الاختصاصات الأخرى التي لم تكن موجودة.وهذه البرامج تبدأ هذا العام وقد عملنا على مدى عام ونصف مع الجامعات لتطوير هذه البرامج بمساعدة ودعم من استشاريين خارجيين ولكن الشيء الأهم أن اكبر عمل تم انجازه مع المدرسين في الجامعة نفسها وأيضا بالشراكة مع بعض الجامعات الأجنبية من ماليزيا والأردن وغيرها. وبحسب رأيي، إذا نجحت هذه البرامج فمن المؤكد أن البنك أو غيره من المانحين سيساهمون في تطويرها. وبشكل عام فإن تمويلات البنك لقطاع التعليم في اليمن-والموجودة الآن في مختلف مراحله- تبلغ ما يقارب 213 مليون دولار، وهذه هي كلفة المشاريع الإجمالية، حيث تم تنفيذ البعض منها، وهناك ما لم ينفذ بعد.متطلبات جودة التعليم- ذكرتم بأنكم في البنك تركزون على المخرجات أكثر من تركيزكم على المدخلات .. برأيكم ما هي متطلبات تحقيق جودة التعليم في اليمن والحصول على مخرجات تتناسب واحتياجات سوق العمل بما يفيد التنمية؟- - سأتحدث عن كل مراحل التعليم. فبالنسبة للتعليم الأساسي المنهج اليمني لم يتغير منذ عدة سنوات وهناك مشكلة توازن بين المواد. لكن عموما المنهج اليمني ومناهج التعليم الأساسي في كل البلدان تتشابه إلى حد ما في نوعيتها. وحسب رأيي مع التطوير والتجديد الذي الوزارة بصدد إجرائه اعتقد أننا ماضون في الطريق الصحيح. فالتعليم الأساسي ليس المطلوب منه أن تهيئ الطفل للعمل ولكن تهيئته للمراحل المقبلة بحيث تكون لديه الكفاءات الأساسية التي تساعده في مراحل التعليم الثانوي.وبالنسبة للتعليم الثانوي إذا نظرنا إلى الأنظمة الناجحة والى كيف تطورت في المنطقة مثل الأردن أو تونس أو المغرب أو في الخليج، فالتعليم الثانوي في كل منظوماتها تنوع. لأن التشعب الأدبي أو العلمي كان في وقت ما منطقياً لأنه كان هناك عدد قليل من الطلبة لكن الآن في إطار تعميم التعليم وكثرة أعداد الطلبة لا يمكن أن تكون هناك شعبتان فقط لتستجيب لطلبات كل الطلبة. وقد وصلنا إلى نقطة وهي أننا الآن نريد الوصول بكل الطلاب إلى آخر المرحلة الثانوية، وان يلتحقوا بالتعليم الجامعي. وهنا ينبغي أن تكون مخرجات التعليم الثانوي متنوعة في الاقتصاد وفي بعض الاختصاصات الفنية والتقنية. وهذا موجود في معظم بلدان العالم لكنه غير موجود في اليمن. وبحسب رأيي فإن تنوع التعليم الثانوي هو الأفضل.أما التعليم الفني فهو في اليمن عمومي ويتبع الدولة وليس هناك شراكة للقطاعات الاقتصادية. فإذا أردنا هذه المعاهد والمراكز القيام بالتدريب الذي تطلبه المؤسسات الاقتصادية، ينبغي أن تكون هناك شراكة بين هذه المؤسسات التعليمية والمؤسسات الاقتصادية، لعدم توفر التجهيزات لدي المؤسسات التعليمية. وبالتالي فإن هذه الشراكة ستتيح للطالب أن يقضي جزءاً من التدريب في داخل الشركة أو المؤسسة الاقتصادية وهذا الأمر معمول به في مصر والأردن وتونس. وبرأيي الحل هو أن نشرك القطاع الخاص والقطاع العام المنتج عن طريق تحديد البرامج واستعمال التجهيزات المتاحة.أما التعليم العالي فهو في الحقيقة يحتاج لعملية إصلاح كبيرة. وكانت هناك إستراتيجية كمشروع إصلاح أعدته وزارة التعليم العالي في عام 2006، لكن للأسف لم يتم تنفيذه ولم يتقدم. فإذا نظرنا للبرامج الموجودة حاليا سنجد أن جزءاً كبيراً منها أدبيات وعلوم إنسانية ولا تهيئ الطالب لسوق العمل. و لا احد ينكر أهمية الأدبيات والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ولكن هناك تخصصات أخرى يحتاجها الاقتصاد اليمني. ومن ضمن مشروع الإصلاحات التي تقدمت بها الوزارة، كان المفترض أن يتم تقليص عدد الشعب القائمة في المجالات التي لا يحتاجها الاقتصاد وبالمقابل زيادة عدد الشعب العلمية والاقتصادية. لكن للأسف هذا لم يحصل لعدد من الأسباب وبحسب نظري هذا الأمر لن يحدث إلا بتطوير الجامعات. لأن الجامعات هي من تستجيب لطلبات المجتمع بقدر الإمكان. والواقع الآن أن أهم مشغل للعمالة في اليمن هو القطاع العام. وبالتالي يظل اهتمام الطالب بالتخصصات التي ستمكنه من الحصول على فرص عمل في القطاع العام. لكن إذا كان القطاع الخاص يتطور وفرص التشغيل فيه تزداد، سيكون هذا حافزاً للطلبة للالتحاق بالشعب العلمية والاقتصادية وسيكون حافزاً للجامعات لفتح شعب جديدة. أملنا أن مشروع تطوير التعليم العالي والذي بدأ صغيرا أن ينجح وأن يشجع الطلاب على التوجه لهذه الشعب الجديدة وهذا طبعا سيشجع الجامعات على التوسع فيها ونحن كمانحين سواء في البنك الدولي أو المنظمات الأخرى، سنقدم دعماً إضافياً لهذا المشروع. لكن في موضوع النوعية والتحسين المطلوب، إن الدراسة التي قمنا بها والتي اعتمدتها وزارة التعليم العالي لإعداد الإستراتيجية تبين أن تمويل الجامعات ضعيف وإمكانياتها قليلة نسبيا، وفي اليمن لا تتعدى نصف ما يصرف على الطالب في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يطرح سؤالاً على المسئولين للإجابة عنه. وهناك ملاحظة أخرى تقدمت بها في عدة مرات هي مسألة ابتعاث الطلاب للدراسة في للخارج.فهي تمثل تقريبا 30 % من ميزانية التعليم العالي، أي أن ثلث الميزانية يخصص لبضعة الآلاف من الطلبة، بينما مئات الآلاف من الطلبة يحتاجون إلى اهتمام. وهذا لا يعني أن نغفل الاهتمام بالابتعاث إلى الخارج فهي نافعة وتعطي فرصة للمنظومة أن تقارن نفسها ببلدان أخرى. لكن الكلفة كبيرة نسبيا ونحن كبنك تقدمنا بتوصية أن جزءاً من هذه الكلفة يرجع للجامعات حتى تمكنها من توفير متطلبات إنجاح التعليم فيها وتطويره، مع الإبقاء على الابتعاث في تخصصات معينة هي غير موجودة في اليمن أو تكون في مستوى الدراسات العليا.تعليم الفتاة- إذا ما عدنا إلى تعليم الفتاة فإنه وكما تعلمون في اليمن يواجه تحديات كبيرة .. كيف تنظرون في البنك إلى هذا الجانب وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبوه لمساعدة اليمن على مواجهة تلك التحديات؟- - في الحقيقة من انجح التدخلات التي قامت بها مشاريع البنك الدولي حتى الآن هي التدخلات التي تتعلق بالتحاق الفتاة بالتعليم والذي تحسن كثيراً. وهذا يرجع إلى حملات التوعية التي تقوم بها الحكومة. وهناك اهتمام كبير ومساهمة من جانب وزارة التربية والتعليم ومشروع التعليم الأساسي الحالي من خلال التوعية المجتمعية ومجالس الآباء والأمهات وتدريبهم وتوزيع أدلة عليهم تؤكد أهمية تعليم الفتاة.ثانيا، لاحظنا عن طريق الدراسات التي نفذت مع المجتمعات المحلية أن توفر المعلمات، خاصة في المناطق الريفية، أصبح من أهم العوامل لمواصلة الفتاة التعليم، على الأقل بعد الصف السادس. لهذا السبب كان هناك تدخل للبنك واليونيسيف وشراكة مع الحكومة لإعداد برنامج معلمة الريف.والمشروع يهتم بالبنات الريفيات اللاتي وصلن بتعليمهن إلى الثانوية ويتم تدريبهن لمدة سنتين ومن ثم ينتدبن من وزارة التربية. وهذا التدريب يعرف بالدبلوم. وبعض التقييمات بينت انه جيد بالفعل ومخرجاته قد تكون أفضل من خريجي الجامعات.وتم انتداب حوالي 1500 معلمة بهذه الطريقة خلال السنوات الست الأخيرة.ونظرا لنجاح هذا البرنامج، سيعمل مشروع التعليم الأساسي الثاني على انتداب سبعمائة معلمة أخرى. وهناك أيضا مشروع شراكة آخر سيمول عدداً من معلمات الريف حسب الاحتياج لحوالي 5 آلاف معلمة في الريف. وفي كل الأحوال التقييمات الأولية لهذا البرنامج ايجابية جداً.إن توفر المعلمات في الريف ساعد على التحاق ومواصلة الفتيات للتعليم في المناطق المستهدفة. البرنامج الثالث الذي تدخلنا فيه هو التحويلات النقدية المشروطة والذي ركز على المناطق الأشد فقرا. وهذا المشروع يستهدف العائلات الفقيرة في هذه المجتمعات. وهناك تحويلات نقدية تقدم للبنات من الصف الرابع للتاسع مرتبطة بالالتحاق والمداومة. حيث يتم التأكد أن البنات يزاولن الدراسة ويتم تقييم نتائجهن في آخر العام الدراسي. وهذا البرنامج لا يتوفر لدينا التقييم الحالي عنه. لكن وزارة التربية تقول أن حوالي 45 ألف فتاة انتفعن من هذا البرنامج في محافظتي لحج والحديدة. والتقييمات الأولية تبين أن البنات اللاتي انتفعن من هذه التحويلات كانت نسبة مزاولتهن ونجاحهن أكثر من الأخريات. لكن تقييم مثل هذه التدخلات يلزمه تدقيق أكثر. ولم نتمكن من تقييمه بدقة نظرا لأحداث 2011. لكن البرنامج سيستمر مع مشروع التعليم الأساسي الثاني. وهناك اتفاق مع الحكومة أن يكون هناك توسع في البرنامج.جهود الحكومة- كيف تصفون جهود الحكومة اليمنية واهتمامها بقطاع التعليم وتطويره؟- - في الحقيقة لا شك أن جهود الحكومة اليمنية في إطار دعم قطاع التعليم بالنظر للأرقام هي جهود مهمة. بمعنى أن حوالي 20 % من ميزانية الدولة موجه لقطاع التعليم وهذه نسبه تعتبر عالية بالنسبة للمنطقة، التي تتراوح فيها النسب بين 15-20 %. وإذا قارنا اليمن مع البلدان الأخرى في المنطقة فهي ليست متأخرة نسبيا فيما يتعلق بالالتحاق. فاليمن تقوم بجهود كبيرة. وفي كل الأحوال لو ننظر للظروف الاقتصادية والاجتماعية والضغوطات التي على ميزانية الدولة، فالحكومة اليمنية التزمت بتعهداتها في هذا الميدان وهذا يدل على الأهمية التي تعطيها الحكومة بصفة عامة سواء من قبل أو الآن لقطاع التعليم.تعليم ما قبل الأساسي- برأيكم لماذا يظل التعليم ما قبل الأساسي في اليمن خارج دائرة الاهتمام؟- - في الحقيقة أنا لا أتصور انه خارج دائرة الاهتمام لكن هي مسألة أولويات. فالحكومة اليمنية تولي أهمية كبرى لأهداف الألفية. وصحيح أن نسبة الالتحاق من السنة الأولى تحسنت لكن لم تصل إلى النسبة المطلوبة. فمن الطبيعي أن تركز الحكومة ممثلة بوزارة التربية على هذا الأمر. ومن ناحية أخرى فإن الدعم المقدم للقطاع كان من المنطقي أن تركز الوزارة به على التعليم الأساسي. أما مسألة التعليم ما قبل الأساسي، فلابد أن نعترف أن الفهم حوله عرف متأخراً، على المستوى الدولي. وفي إطار مشروع التعليم الأساسي الثاني نقوم بالدراسة ونحن في بداية بلورة مشروع نموذجي في هذا الإطار. لكن في كل الأحوال نسبة الالتحاق الآن أقل من 1 % بالنسبة لما قبل التعليم الأساسي. وسيتطلب من الوزارة مجهود غير عادي للوصول إلى 10 %. وهناك العديد من البلدان بما فيها مصر تمكنت من رفع نسبة الالتحاق في التعليم ما قبل الأساسي بكلفة ضعيفة نسبيا خلال سنوات قليلة لأنها تمكنت من إشراك المجتمعات وأطراف آخرين. ويمكن لليمن أن تستفيد من هذه التجربة، لأن للتعليم قبل الأساسي متطلباته غير التعليم الأساسي، أي أنه لا يتطلب بناء مدارس وانتداب معلمين إلى آخره، وما يحتاجه أساسا هو إشراك المجتمعات، العائلات والمؤسسات الخاصة. ونحن اتفقنا مع الوزارة أن يتم دراسة هذا والنظر إلى بعض التجارب والاستفادة منها.المدارس المتضررة- هل نتطلع إلى مساهمة البنك الدولي في إعادة أعمار أو تأهيل وتأثيث المدارس المتضررة جراء الأحداث الأخيرة في بعض المحافظات؟- - في إطار مشروع التعليم الأساسي الحالي وبالنسبة لصعدة تم تخصيص موارد بعد الأحداث والمشروع ساعد الوزارة في ترميم بعض المدارس.والصعوبة التي واجهها المشروع وقتها هي التنفيذ والوصول إلى المناطق المتضررة، نتيجة للأوضاع الأمنية. وبالنسبة للأحداث الأخيرة، فإن البنك الدولي والحكومة اليمنية يعملان في إطار مساهمة البنك في مساعدة الدولة في بعض القطاعات الاجتماعية ليست التربية والتعليم فقط ولكن التربية، والصحة والحماية الاجتماعية. وحسب تقييم الوزارة هناك حاجة إلى140ألف مقعد، كما أن هناك مدارس تعرضت معاملها وأثاثاتها للتخريب والنهب، وهناك مجموعة تهدمت نتيجة الحرب والمواجهة المسلحة كما هي الحال في أبين.وتقريبا هناك ثماني محافظات تضررت فيها المدارس. وأيضا هناك أضرار غير مباشرة مثل تأخر الكتاب المدرسي سواء في الطباعة أو التوزيع نتيجة لعدم توفر الميزانية. إستراتيجية حتى 2020- أطلق البنك الدولي في عام 2011 إستراتيجية جديدة لقطاع التعليم حتى عام 2020؟ هل لكم أن تعطونا فكره عنها وما يمكن أن تستفيد منها اليمن؟- - في الحقيقة المشروع الذي نعده الآن مع وزارة التربية هو في إطار هذه الإستراتيجية. ويمكن أن نلخصها في ثلاث قضايا: أولا الاستثمار المبكر، وهذا الموضوع الذي تحدثت عنه أنت في سؤلك السابق لأن كل الدراسات بينت انه إذا حاولنا أن نغطي اكبر عدد من الأطفال في مرحلة التعليم ما قبل الأساسي فأن ذلك سيكثر من حظ نجاح الطفل في مستوى التعليم الأساسي وبقية المراحل. وهذا شيء مهم جدا. والشيء الثاني هو الجانب النوعي أي الاستثمار الذكي في التعليم، بمعنى أن العملية ليست مسألة كمية وإنما نوعية. كان التركيز في السابق على بناء المدارس وتوفير مدرسين وكانت العملية التربوية سهلة لقلة عدد الطلاب. أما الآن فالأعداد ازدادت، ما يتطلب معلمين ومدارس أكثر ونوعية وجودة أفضل.ويحاول البنك أن يساعد الدول الشريكة أن تحسن من نوعية التعليم بأقل كلفة. وتحسين النوعية ليس ببناء المدارس أو زيادة عددها ولكن بتنظيم التعليم وتوفير الظروف الملائمة وضمان الجودة.نأتي إلى مسألة التقييم. فلا يمكن أن نحسن نوعية التعليم إذا لم يكن لدينا فكرة عن نوعية التعليم أساسا. فنحن في اليمن مثلا لو لم نكن مشاركين في الاختبار العالمي للرياضيات والعلوم والقراءة لما تمكنا من معرفة أن التعليم في مراحله الأولى بحاجة إلى تطوير وإعادة نظر. والمفروض أن تضع المنظومة التعليمية أهدافا معينة تتعلق بكفاءات ومعرفة المتعلمين وتقييم أداء الطلاب بالنسبة لهذه الكفاءات، وهذا ما يعمل على كشفه هذا الاختبار. والبنك الدولي يشجع كل البلدان على تطوير نظم التقويم. لكن إستراتيجية البنك تعني أن البنك هو بيت خبرة، وينظر إلى التجارب التي صارت خلال السنوات الأخيرة والى ما تبينه الدراسات حول مردودية العمليات المختلفة في الجانب التعليمي، ويأخذ منها دروساً ويوضع منها هذا الإطار الاستراتيجي الذي يكون مثل القائد، ويكون لنا في البنك إطار عام. ولكن التعامل مع كل بلد يتماشى مع خصوصياته.والجانب الثالث والأخير يتعلق بإستراتيجية التعليم للجميع وهو التأكد من وجود المساواة في الحصول على التعليم وبالذات للفئات الفقيرة والمحرومة منها.مستقبل التعليم في اليمن- في ضوء ما ذكرتم آنفاً، كيف تقرؤون مستقبل التعليم في اليمن؟- - بكل صراحة وضع التعليم في اليمن يمكن أن يكون أحسن بكثير. فلا ننكر انه في السنوات الأخيرة صار تقدم لا بأس به فيما يتعلق بالالتحاق وبتطور كل مراحل التعليم من الناحية العددية على حساب النوعية.وهو أمر طبيعي في كل البلدان لان كثرة العدد تكون فيها تأثير على النوعية. لكن حسب رأيي فإن المنظومة التربوية في اليمن لديها القدرة والقابلية، بالموارد المتاحة للتقدم في الأداء، نظرا للاهتمام الذي توليه الدولة بصفة عامة لقطاع التعليم من خلال تخصيص حوالي20% من ميزانية الدولة للقطاع وتوفر الطاقات البشرية والخبرات المحلية. إن البنك الدولي بالتعاون مع وزارة التخطيط والوزارات الأخرى المعنية يعمل على تطوير رؤية للتعليم وهو الذي تحتاجه اليمن، بحسب رأيي. فهناك حوالي ست أو سبع استراتيجيات لقطاع التعليم في اليمن. لكن كل الاستراتيجيات تقريبا تم إعدادها دون تنسيق فيما بينها. ولم يكن هناك تنسيق حتى في إطار الوزارة الواحدة. وينقصها هذه الرؤية الشاملة. فاليمن لديه من الموارد والإمكانيات ما يمكنه من تطوير رؤية وحشد كل هذه الموارد نحو هذا الهدف ما سيفتح مجال التقدم أمام المنظومة التعليمية نحو الأفضل ويستجيب لمتطلبات المجتمع.