د. عبدالسلام عامر بعيداً عن كل ما يمكن أن يقال حول المسرحية الجميلة التي أتحفتنا بها فرقة مسرح الفن الحديث وأعادت إلى ذاكرتنا القيم الإنسانية والأخلاقية للأسرة والذات العدنية من خلال الإيحاءات غير المباشرة وأطربت قلوبنا كلمات الوفاء والحب في العلاقات الإنسانية للمجتمع العدني رغم التصدع المفروض عليه منذ زمن تارة باسم الحق الذي يراد به باطل لطمس هويته النموذجية في مختلف مراحل الحقب الزمنية وتارة أخرى بالبأس عدن ثوباً غير ثوبها لأهداف أنانية ترفض المدنية والمعاصرة ولهذا جاءت المسرحية لتعيد لنا الأمل في الأجيال التي تتواصل بالفكر الإنساني الذي احتوته عدن وكانت دائماً مدينة الحب والسلام. مسرحية( هس الكلام سر) قدمها لنا المؤلف الشاب احمد علي يافعي والمخرج الشاب محمد علي يافعي مع فريق عمل متميز خلال أيام عيد الأضحى المبارك كزميله الفنان عمرو جمال وفرقة خليج عدن في مواسم سابقة جعلتنا نشعر بقيمة العيد بعد أن صار العيد بعدن في خبر كان منذ عقدين من الزمن!!مسرحية ( اليافعي) أكدت لنا مرة أخرى أن مسرح عدن لا يزال بخير طالما وهناك جيل من الشباب لا يزال يناضل من اجل الحفاظ على تاريخ عريق للهوية الثقافية والفنية المتمثلة بالحركة المسرحية الرائدة في هذه المدينة ( الصابرة) في ظل معاناة الاقصاء والتهميش والإلغاء بكافة مجالات الحياة الثقافية والفنية . أما فيما يتعلق بالحديث عن تناول المسرحية في النقد الفني فلن نتطرق لذلك بالمعنى المهني والأكاديمي كون المسرحية قد تجاوزت النقد ولأسباب عديدة يمكن أن نلخصها موضوعياً ونحن على أدراك عميق بأن إمكانية الشباب الإبداعية تفوق ما قدموه إلا أننا نلتمس العذر لهم بسبب عدم وجود خشبة المسرح الحقيقية في المدينة ! بالإضافة إلى جوانب أخرى وتحديداً الجانب التقني والإنتاجي ومع ذلك فالمسرحية وصلت إلى مستوى المشاهدة وتفاعل معها جمهور النظارة وفيها الكثير من المفاجآت الفنية وأكثر ما شدني هو فكر الشباب القريب من الليبراليه الفنية وهو ما أطالب به دوماً للنهوض بالمسرح وذلك لمناقشتهم موضوع المسرحية وعدم التزامهم في بعض الأحيان للقواعد المسرحية المتعارف عليها وهذا لا يتعارض مع أبجديات وقواعد اللعبة المسرحية إلا انه كان لابد من الالتزام ببعض شروط العمل المسرحي وهي طفيفة مثل استخدام المؤثرات الموسيقية بصوت صاخب والتي جعلت من الجمهور في بعض الأحيان تحت ضغط نفسي لقوة درجة مستوى الصوت المستخدمة وهذا لا يجوز اطلاقاً في العمل الدرامي المسرحي الحي وهو قانون ثابت من قوانين المسرح حيث أن للمسرح قدسية في التعامل مع المؤثرات والديكورات والإضاءة حتى لا يتحول المسرح إلى شبيه بمراقص الديسكو ولابد لمهندس الصوت أن يدرك تلك الحقيقة لأنها علم بحد ذاته وجزء لا يتجزأ من تخصص فنون المسرح! كذلك ما تابعناه أثناء العروض قبل انطلاق المسرحية في بث الأغاني الصاخبة والإيقاعية وبقوة صوت تجعل المتلقي في مستوى ارتفاع وتيرة حماسة احياناً وغضبه احياناً أخرى وهذا لا يجوز في العرف المسرحي ! فكيف نريد أن نقدم رسالة فنية وموضوعاً للمشاهد وفي الوقت نفسه نساهم في إضعاف العمل الدرامي ونعمل على تشتيت فكر الجمهور من التحضير الذهني لمشاهدة العرض واستيعاب أحداثه وبخاصة أن موضوع المسرحية يتحدث عن شاب موهوب في الغناء الذي ينتصر به في الهدف الأعلى للمسرحية ولذلك وجب الحفاظ على ما ستقدمه المسرحية من مفاجآت لذلك الصوت الممتاز لبطل المسرحية إلا أن عبث بث الأغاني قبل العرض ساهم في تحجيم القيمة الفنية لبطل المسرحية المتميز ما أدى إلى إضعاف عنصر المفاجأة عند الجمهور رغم انه حقيقة صوت رائع لم يشهده المسرح في عدن منذ زمن ! فهذه النقاط السلبية إن جاز لي التعبير كنت أود أن لا تكون ومع ذلك فالمسرحية بحد ذاتها قد انتصرت لنفسها ولا تحتاج لمن يكيل المدح أو الذم لها لأنها كانت تمتلك مقومات العمل الدرامي بغض النظر عن السلب والإيجاب وحافظت على قواعد اللعبة المسرحية بأبعادها الفنية المتعارف عليها وكانت عملاً متماسكاً وجيداً حتى لحظة الذروة في نجاح البطل الشاب في برنامج النجوم ! أما ما أراده المؤلف والمخرج باقتحام المشاهد الأخيرة في المسرحية ورؤيتهم شعرت أنها ذهبت بالمسرحية إلى اتجاه آخر أو هدف أعلى أخر وانتقلت المسرحية من البعد الاجتماعي والاقتصادي والإنساني إلى البعد السياسي والرمزية رغم أنها كانت في إطار الواقعية ! لذلك فعدم التزام المخرج وتمرده وانتقاله المفاجئ كان بمثابة صدمة فنية مدروسة وجزء من رؤيته وهذا من حقه وهوما قد نوهنا به في البداية وهي حالة من ليبرالية الفكر الفني الحر عند المؤلف والمخرج ولا عيب في ذلك وان كان تمرداً فنياً !!!بقي لنا في الأخير أن نثني على الشباب ونؤازر هذه الفرقة وندعمها معنوياً على اقل تقدير عندما غاب دعم الجهات الرسمية المحنطة في كفن الاحتفالات الرسمية (التطبيلية) ليس إلا !!! ونحييها على اسمها وتعبر على مدى تواصل الأجيال بين الأب ( عميد المسرح علي احمد يافعي) مؤسس فرقة المسرح الحديث في الستينات و أولاده الذين قدمهم للمسرح في عدن بامتياز وبفرقتهم مسرح الفن الحديث فصح المثل القائل أن (هذا الشبل من ذلك الأسد).ملاحظات عابرة * عنوان المسرحية ( هس الكلام سر) ليس بمفهوم بقدر ( اص الكلام سر) الأكثر تداولاً .. واص تأتي من كلمة اصمت - صه -اصه.. * الموهبة الطفل أدهم صابر يافعي مفاجأة حقيقية في المسرحية ويعتبر اصغر ممثل في البلاد تقدمه عدن للمسرح!! * ما أعجبني في الشابين محمد واحمد علي يافعي إصرارهما في الاعتماد على نفسيهما حيث أننا لم نر بصمات علي يافعي الأب في المسرحية لا من قريب ولا من بعيد وهذا يحسب لهما وللوالد نفسه!* جميع طاقم العمل الفني كــــــــان رائعاً وأكثرهم المفاجأتان الشابتان هدى رمزي و(............) . * إلى الجيل القديم في المسرح : عليكم بتشجيع مواهب الشباب لان الحفاظ على تاريخ مسرح عدن وهويته وتاريخكم الشخصي يأتي من خلال دعمكم للشباب وتشجيعه لاستكمال المشوار الذي بدأتموه والكف عن التنظير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع!!
|
فنون
مسرحية (أص الكلام سر) تواصلاً للإبداع العدني
أخبار متعلقة