د. علوي عبدالله طاهر في العشرينيات من القرن الماضي أعلن في تركيا عن ألغاء الخلافة الاسلامية، حيث أجبر السلطان عبدالمجيد آخر خليفة عثماني على مغادرة تركيا مع عائلته، وأعلن عن قيام الجمهورية التركية برئاسة مصطفى كمال أتاتورك، وقد استاءت معظم البلدان الإسلامية من قرار إلغاء الخلافة الإسلامية فقاموا بجولات في بعض البلدان الإسلامية لبحث مسألة الخلافة الإسلامية، فالتقى بعضهم بالزعماء العرب لغرض اقناعهم بتحمل مسؤولية أعباء الخلافة، خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية.ومن هؤلاء المثقفين عبدالعزيز الثعالبي التونسي، حيث زار مكة والتقى أميرها الحسين بن علي، فرأى انه لا يصلح للخلافة لعدة اعتبارات، ثم تحول من الحجاز إلى اليمن فالتقى إمام اليمن يحيى حميد الدين، واقترح عليه لن يتحمل منصب الخلافة، فرفض الإمام يحيى ذلك، معتبرا نفسه غير مؤهل لتقلد مثل هذه المهمة الصعبة خاصة في تلك الظروف العصيبة التي شهدتها الأمة الإسلامية، وما أصيبت به من انتكاسة بعد الحرب العالمية الأولى حين تقاسم الحلفاء المنتصرون في الحرب البلدان العربية التي كانت تابعة للخلافة العثمانية، وفقا لاتفاقية (سايكس بيكو).وقد كان العلماء في مصر قد عرضوا منصب الخلافة على الملك فؤاد، لكن مساعيهم باءت بالفشل، ربما لان مصر وقتها لم تكن مستقلة بل واقعة تحت سلطة الاحتلال البريطاني، لذلك اتجه اهتمام العلماء المسلمين والمثقفين نحو اليمن، باعتباره البلد العربي الوحيد المستقل.فأتى إلى اليمن عبدالعزيز الثعالبي سنة 1924م في محاولة منه لاقناع الإمام بقبول منصب الخلافة، لتوفر شروطها في شخصه، غير ان الإمام يحيى رفض الفكرة جملة وتفصيلا، بحجة ان امكانيات اليمن وقتها لا تسمح لها بالقيام بهذا الدور، ومما قاله الإمام يحيى في هذا الخصوص اثناء حديثه مع الثعالبي قوله: «ماذا يستفيد اليمن اذا اضيف الى اسمي لقب جديد، واذا لقبني الناس بإمام المسلمين بدل إمام اليمن، وانا إلى الآن لم استطع جمع ما تفرق من أجزاء بلادي، ولا ضمان ثغورها ضد كل طارق يأتيها من الخارج، وهي معرضة لاخطار كثيرة.» (الرحلة اليمنية، للثعالبي، ص95).لقد كان الثعالبي يسعى لاقامة وحدة إسلامية في محاولة منه وغيره من المثقفين المسلمين في عصره، للابقاء على الخلافة الإسلامية التي انهارت بانهيار الخلافة العثمانية، لكن الثعالبي لما رأى الإمام يحيى مصرا على عدم قبول فكرة زعامة المسلمين، عرض عليه مشروعا آخر يقضي بلم شتات الامارات اليمنية جميعها في دولة واحدة مركزية بزعامة الإمام يحيى. فرد عليه الإمام يحيى قائلا: «من لي برجل مخلص يبلغ عني هذه الأمنية الى أمراء الأطراف، ويدعوهم الى الوحدة التي نريدها» (الرحلة اليمنية، للثعالبي، ص96). فرد عليه الثعالبي قائلا: «هون عليك يا مولاي، سأنبئك بما يسر نفسك الكريمة، ولا ينبئك مثل خبير، فقد زرت بعضا من هؤلاء الأمراء فوجدتهم يدينون بالخلافة للوحدة، وهم مستعدون- على ما علمته- للتضحية بالنفس والنفيس في سبيلها، وكان بعضهم يلتمس مني أن ابلغكم متمناه، فقالوا: كفانا غفلة وذلا، وما يجر علينا من غصص التخاذل والتفرقة، وقل عنا للإمام: قد آن أوان اتفاقنا واتحادنا وتأليف حكومة اتحادية في اليمن، تمنع الأيدي العاتية عنه.» (الرحلة اليمنية، ص 96).فقال الإمام يحيى ردا على ذلك: «إن المسألة مهمة، لكن ينبغي التريث فيها، والتحقق في بحثها، ومتى انقرح لنا الفكر عن رأي ناضج شرعنا فيه من غير تمهل، لهذا تراني اتحاشى من ابرام أي صك سياسي مع أية دولة اجنبية خيفة التورط في مكيدة». (الرحلة اليمنية، ص96). فقال الثعالبي: «ان الوسيلة الوحيدة التي تلجأ اليها كافة الأمم هي المؤتمرات، فلم لا تؤلفون مؤتمرا يمنيا يبحث في شؤون اليمن ويضع قواعد الحكومة الاتحادية». (الرحلة اليمنية، ص97). فقال الإمام يحيى «رأي حسن، وبودي لو تحرر لنا برامج مدققة في الموضوع تقدمه لنا غدا». (الرحلة اليمنية ص97).وفعلا استجاب الثعالبي للطلب وشرع في اعداد مشروع وحدوي لليمن دعا فيه الى عقد مؤتمر يمني عام يشارك فيه جميع الامراء من المناطق اليمنية المختلفة لدراسة اول وثيقة يمنية للوحدة في العصر الحديث، واقترح فيها عددا من القضايا التي يمكن مناقشتها في ذلك المؤتمر والمتمثلة في النقاط الآتية:1ـ الاعتراف والتصديق بأن بلاد اليمن قطعة واحدة متلاحمة الاجزاء غير قابلة للتقسيم بسائر حدودها الطبيعية المعروفة، وليس فيها مناطق نفوذ ولا جهة تقبل على نفسها الحماية والوصاية الأجنبية.2ـ ليس في اليمن سلطة عليا تستمد منها كافة السلطات المسؤولة غير السلطة العامة المستندة الى الإمامة.وهذه السلطة يجب ان تكون الرمز الأعلى لسائر قوات البلاد المعنوية والمادية، تتمثل فيها الرئاسة الدينية والسياسية والعسكرية، ولها وحدها الحق في اعلان الحرب وابرام الصلح وعقد المعاهدات والمحالفات، وعقد الاتفاقات التجارية والاقتصادية والبريدية مع من تشاء من الدول بشرط الا يكون ماسا بشيء من استقلال اليمن.3ـ تلتزم السياسة الإمامية بالمحافظة على الشكل الذي عليه الآن حكومة سلطنة لحج وحكومة المكلا والشحر وحكومة الكثيري. (الرحلة اليمني، ص157).وكان الثعالبي قد عرض هذا المشروع على الإمام يحيى وعلى سائر الأمراء في المناطق اليمنية المختلفة الذين كان التقاهم في مناطقهم واجروا عليه بعض التعديلات التي تقرر مناقشتها في المؤتمر اليمني العام المقرر عقده.ولما كان الثعالبي قد نجح في مساعيه لاقناع الأمراء على عقد المؤتمر اليمني العام لمناقشة المسائل المتفق عليها قام بنقل ذلك الى الإمام يحيى الذي قام بدوره بتوجيه دعوة رسمية الى الأمراء والمشايخ لحضور ذلك المؤتمر ودعاهم للمشاركة فيه بفاعلية.وادراكا من السلطات البريطانية في مستعمرة عدن لخطورة ذلك المشروع الوحدوي الرائد على مصالحها في المنطقة وانه سيهدد وجودها في المستعمرة عملت جاهدة على افشال عقد ذلك المؤتمر، فقامت بمغازلة الأمراء والمشائخ فقدمت لهم الهبات والهدايا واغرتهم بالمرتبات الثابتة مقابل عدم تجاوبهم مع ذلك المشروع الوحدوي، ثم اسرعت بابرام معاهدات حماية وصداقة مع كل أمير على حده لتقييد حركته، بحيث لم يعد في مقدوره عقد أية اتفاقية مع الإمام يحيى او غيره إلا بموافقة بريطانيا، والتزمت في مقابل ذلك بحمايتهم من أي عدوان قد يتعرضون لهمن جيرانهم، فافشلت بذلك اول محاولة لتوحيد اليمن في العصر الحديث، غير ان محاولات اليمنيين لتحقيق الوحدة لم تتوقف، فظل هاجس الوحدة يراود اليمنيين على اختلاف فئاتهم ومراكزهم الاجتماعية، لكن بريطانيا حالت دون تحقيقها حفاظا على مصالحها في المنطقة، فعرضت بعض المشاريع السياسية لأمراء المناطق الجنوبية والشرقية لصرفهم عن التفكير بالوحدة او الاتحاد مع مملكة الإمام يحيى. وهذا ما سيتم ايضاحه في هذه الورقة من خلال الاجابة عن سؤالين هامين وصولا الى الكشف عن هوية (اتحاد الجنوب العربي).السؤال الأول:كيف ظهرت التنظيمات السياسية في عدن؟تميزت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بصعود حركة التحرر الوطنية العربية من خلال التفاعل مع عالم ما بعد الحرب، فبرزت الدعوات المطالبة بالتحرر من الاستعمار الى جانب الدعوات المنادية بالوحدة العربية المقترنة بالنضال من أجل الاشتراكية.وكان التوجه نحو التحرر والاستقلال مقترنا بالتوجه نحو الوحدة في جميع الاقطار العربية، بدرجات متفاوتة، كما كان النضال من أجل تحقيق الاشتراكية يدعم النضال التحرري ويسنده، لان الجماهير العربية ادركت ان الاستعمار يستطيع ان يسلب اقطارها استقلالها السياسي ويجردها من أي محتوى تقدمي وتحرري طالما بقيت هذه الاقطار ضمن اطار التطور الرأسمالي وخاضعة لرحمة الشركات الاحتكارية.كما تميزت مرحلة ما بعد الحرب ايضا بالعمل الايديولوجي، اذ حدثت قفزة نوعية وهامة في الفكر الثوري العربي باستخدام المنهج الجدلي للوصول الى نظرة شاملة للواقع العربي لغرض تحريره من الاستعمار وتوحيده والقضاء على التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيه، وازالة التناقص بين طبقاته المختلفة.وهذا التطور في الجانب الايديولوجي زود حركة التحرر العربية بسلاح فعال ضد رواسب الافكار القديمة واعطت للفكر الاشتراكي زخما جديدا، كان من نتائجه تطور الحياة الحزبية في الوطن العربي.وتكونت في العديد من الاقطار العربية احزابا ساسية تمثل واقع الفكر العربي خلال سنوات الاربعينيات والخمسينيات، وتبلورت الصراعات الفكرية بين الاتجاهات والتيارات المختلفة وكانت الاحزاب العربية تنزع بين الافكار القومية والافكار القطرية وبين الاتجاهات الدينية والدعوات العلمانية اللادينية وبين الاخذ بالافكار الثورية والنزعات الاصلاحية وبين الدكتاتورية وبين الديمقراطية وبين الديمقراطية الشعبية والديمقراطية الليبرالية.. الخ.وكانت الاحزاب العربية على اختلاف اتجاهاتها تتصارع على الساحة العربية وتتسابق لاستقطاب الشباب في الاقطار العربية كما كانت تتبارى في شعاراتها بما من شأنه التأثير في عقول الشباب العربي، فوجدت بعض افكارهم في نفوس بعض الشبان المتحمسين للتغيير والمتطلعين للغذ الأفضل فتوزع الشباب العربي بين الاحزاب الشعبية المختلفة وانقسموا على أنفسهم بين هذا الحزب او ذاك وزادت الصراعات الحزبية في بعض الاقطار العربية وانعكست تلك الصراعات على صفحات الصحف والمجلات والكتب والنشرات التي كانت تصل بعضها الى عدن ومن عدن تنتقل الى سائر المناطق اليمنية.وقد تركت صراعات الاحزاب العربية آثارا متفاوتة في بعض المثقفين اليمنيين الذين كانوا يقرؤون الصحف العربية او يستمعون الى الاذاعات، اذ كانت تصل الى عدن كثير من الصحف العربية فتنقل للقارئ اليمني كل ما يدور في الساحة العربية من صراعات حزبية وآراء فكرية فتلقى تلك الافكار هوى عند بعض القراء اليمنيين، فكانوا يتفاعلون معها ويتحمسون لبعضها. كما كانت الاذاعات العربية تنقل للمستمع اليمني بعضا من مواقف الحكومات العربية ازاء الاحداث الجارية في الساحة العربية والعالم، وكانت هي الأخرى تجد تجاوبا عند بعض المستمعين في اليمن لما تطرحه من مواقف وآراء.كما كانت بعض الدول العربية تستضيف اعدادا من الطلاب اليمنيين الذين قدموا اليها للدراسة وكان هؤلاء الطلاب يتأثرون بالاحداث الجارية في تلك الاقطار ويتفاعلون مع القضايا العربية بحسب قناعة كل منهم. كما ان بعضا من هؤلاء الطلاب كانوا يترددون على بعض المراكز الثقافية او يحضرون بعض الفعاليات السياسية التي تقيمها بعض الاحزاب، كما كانوا يشاركون في بعض المظاهرات والمسيرات الجماهيرية في الاقطار التي يدرسون فيها، وكان بعض الطلاب قد انخرط في عضوية بعض الاحزاب القومية او ارتبط بولاء عقائدي او فكري ببعض الاحزاب، وكذا الحال بالنسبة لبعض المهاجرين اليمنيين في البلدان التي وجدوا فيها.وعند عودة هؤلاء الطلاب والمهاجرين الى أرض الوطن استقر بعضهم في مدينة عدن وكانت عدن وقتئذ تشهد حركة اجتماعية واسعة، فظهرت فيها العديد من النوادي والجمعيات الأهلية والرياضية. فكان العائدون يترددون على تلك النوادي ويلتقون بالناس في مجالس القات، وينقلون للناس بعض ما شاهدوه في مهاجرهم، وما اكتسبوه من معارف وخبرات في العمل السياسي كما كان بعضهم يكتب المقالات في الصحف وبعضهم يخطب في الناس في اللقاءات الجماهيرية، وربما كان يلتقي في المكان الواحد عدة اشخاص يختلفون في الرؤى والافكار والانتماء فيتحاورون ويتناقشون فيما بينهم، وأمام الناس، فاعطوا بذلك للحوار والنقاش قوة وفاعلية.وقد اسفرت تلك الحوارات عن بروز عدة اتجاهات فكرية وتيارات سياسية فانقسم المثقفون على اثرها الى محافظين تقليديين او منفتحين تقدميين، وانقسمت العامة بين هذا وذاك وأدت تلك الحوارات في نهاية المطاف الى خلق تشكيلة من التنظيمات السياسية ذات الاتجاهات المتباينة والاهداف المختلفة، واتسعت دائرة الخلاف فيما بينها فكانت تهاجم بعضها بعضا وانشقت بعض قيادات الاحزاب وشكلت لنفسها تنظيمات مستقلة بما يتفق مع مصالحها، فزادت اعداد التنظيمات والاحزاب السياسية حتى وصل عدد الاحزاب في نهاية الخمسينيات في عدن وحدها الى أكثر من خمسة عشر حزبا او تنظيما سياسيا.ويمكن تقسيم اتجاهات تلك التنظيمات او الاحزاب الى عدة اتجاهات هي:ـ بعض التنظيمات سارت وراء المخططات الاستعمارية.ـ بعضها تخفت وراء شعارات وطنية ولكنها التقت مع مخططات الاستعمار.ـ بعضها اظهرت عداء مؤقتا للاستعمار لخداع الجماهير، ولكنها في نهاية المطاف التقت معه.ـ بعضها رفعت شعارات وطنية واضحة ولكنها مرتبطة بولاءات لاحزاب عربية قومية او لدول عربية.ـ بعضها سارت من غير دليل نظري يوجه مسيرتها ولكنها تكيف نفسها مع الواقع.ـ بعضها رفعت شعارات وطنية لكنها مرتبطة بولاءات لاحزاب او دول أجنبية. الثاني: ما موقف التنظيمات من الوحدة اليمنية؟ورغم تعدد التنظيمات السياسية في عدن، الا انه يمكن تصنيفها بالنسبة لمواقفها من الوحدة اليمنية الى ستة اتجاهات هي:1ـ اتجاه دعا الى الحكم الذاتي بعدن واستقلالها ثم ارتباطها بدول الكومنولث البريطاني.2ـ اتجاه دعا الى وضع متميز لعدن قبل دخولها في الاتحاد الفيدرالي للامارات الجنوبية مع الحفاظ على وضعها المتميز في الاتحاد الفيدرالي.3ـ اتجاه دعا الى اقامة اتحاد فيدرالي للامارات الجنوبية تدخل فيه عدن مع ضمان حقوق الاقليات الاجنبية ومصالح الشركات التجارية.4ـ اتجاه دعا الى الاخذ بمشروع الاتحاد الفيدرالي واعتبار حضرموت والمهرة جزءاً اساسيا فيه.5ـ اتجاه دعا الى رفض مشروع الاتحاد الفيدرالي جملة وتفصيلا معتبرا عدن والامارات الجنوبية والشرقية جزءا من اليمن الواحد، ونادى بالكفاح السلمي للحصول على الاستقلال والاندماج مع الشطر المستقل من اليمن مباشرة.6ـ اتجاه دعا الى رفض مشروع الاتحاد الفيدرالي جملة وتفصيلا ونادي بالكفاح المسلح لتحرير عدن والامارات الجنوبية والشرقية ثم الدخول في وحدة اندماجية مع الشطر المستقل فورا.ولتوضيح التباين بين هذه الاتجاهات سيعمد الباحث للحديث الموجز عن كل اتجاه على حدة في الصفحات الآتية من هذا البحث المتواضع:[c1]الاتجاه الأول[/c]تزعم هذا الاتجاه الجمعية العدنية التي تأسست في أول الأمر في مدينة الشيخ عثمان على ايدي لفيف من اعيانها وبعض اهاليها وذلك على اثر اجتماع عقد عند الساعة السادسة من مساء يوم الاحد الموافق 26 سبتمبر 1948م، في مبنى مدرسة النهضة العربية ولم يكن من ورائه اية دوافع سياسية بل غايته تأسيس جمعية أهلية اجتماعية على غرار الجمعيات الأهلية الأخرى المنتشرة في عدن، وكانت قد حددت اهدافها في الآتي:1ـ السعي لرفع مستوى الاعضاء الثقافي والاجتماعي،وذلك عن طريق:ـ تسهيل تداول الكتب والنشرات الثقافية وتيسيرها لهم.ـ ايجاد صفوف خاصة لتدريسهم.ـ اعداد قاعة للمطالعة والقاء المحاضرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.2ـ بث روح التعاون بين الاعضاء والعدنيين قاطبة.3ـ التعاون مع السلطات كلما تيسر ذلك لحل المشاكل الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.4ـ استهداف الحقوق الشرعية للعدنيين وحماية مصالحهم وترقية احوالهم.5ـ التضامن والتعاون مع الجمعيات القائمة والنوادي التي هي قائمة او تقوم في نواحي عدن متى اتفقت اهداف واغراض هذه الجمعيات مع الجمعية العدنية او المصالح العدنية العمومية.6ـ اصلاح الخلافات التي تحدث بين العدنيين حتى تتوافر الوحدة الشعبية في البلاد.(ملف منشورات عامة، مركز حنبلة للتوثيق).وكانت الجمعية العدنية قد انتخبت في اجتماعها ذلك هيئة ادارية برئاسة عبده حسين الادهل وعضوية احد عشر عضوا وقد اشترطت في العضوية ما يلي:ـ أن يكون مولودا في عدن.ـ أن يكون صاحب علم او عقار او اولاد عدنيين تنتفع بهم البلاد.ـ أن يكون متزوجا عدنية واستوطن عدن.ـ أن يكون قد اقام في عدن خمس سنوات لم يفارقها خلالها، معتبرا عدن وطنه وعمل لخير أهلها.(ارشيف حنبلة).ويبدو واضحا ان فكرة الجمعية العدنية في براياتها الاولى في الشيخ عثمان لا تبعد عنكونها جمعية أهلية تعنى بمصالح ابناء المناطق التي ينتمون اليها، ولم تكن وقتها تعنى بالقضايا السياسية غير ان جمعية أخرى تحمل الاسم ذاته (الجمعية العدنية) تأسست في مدينة كريتر في 13 ابريل 1949م اذ تأثرت بالفكرة عناصر أخرى من ابناء كريتر فشرعوا بتأسيس جمعية مماثلة لأبناء عدن وما يعزز هذا القول ما ورد في كتاب علي محمد لقمان الذي نشر تحت عنوان (الحكم الذاتي أو آلام العدنيين وآمالهم) قال فيه: «لقدضرب العدنيون في الشيخ عثمان مثلا رائعا في الائتلاف تحت لواء الجمعية العدنية ومن هذه الجمعية تفرعت آمال العدنيين» (الحكم الذاتي، ص43).واذا كانت فكرة الجمعية العدنية قد انبثقت اصلا من الشيخ عثمان وظهرت في اول امرها على هيئة ناد اجتماعي لا يعنى بالسياسة لكنها بعد ان تأسست في كريتر صارت تتعاطى مع السياسة.لقد «قرر عدد كبير من العدنيين في جلستهم المنعقدة مساء يوم الاربعاء 13 ابريل 1949م في مكتب فتاة الجزيرة بعدن وجوب اقامة جمعية عدنية ووجوب التعاون مع حكومة عدن الموقرة لرفع مستوى عدن والعدنيين، وقرروا بالاجماع حماية الاقليات في هذه البلاد لتحقيق اهدافها السامية». (فتاة الجزيرة العدد 467، 17 / 4 / 1949، ص1)وعقدت الجمعية العدنية اجتماعا موسعا لاعضائها يوم الجمعية 23 يونيو 1949م واقرت فيه دستورها الذي حددت فيه أهدافها والمتمثلة بتحقيق ما يلي: 1ـ العمل على رفع مستوى عدن والعدنيين والتعاون مع حكومة عدن لهذه الغاية.2ـ ترقية العدنيين وحماية مصالحهم في مستعمرة عدن المعروفة باسم (ADEN COLNY).3ـ تنظيم العلاقات.أـ بين العدنيين وحكومة عدن.ب- بين الموظفين والمستخدمين.ج- بين العدنيين أنفسهم.4 - تشجيع الآداب والفنون والعلوم ونشر الثقافة السياسية والحث عليها. (دستور الجمعية العدنية، المادة3).ونفهم من ذلك أن الجمعية العدنية بعد إعادة تشكيلها في كريتر، قد أخذت تنحو منحا سياسيا، وصارت تطرح قضايا سياسية، بهدف تحقيق امتيازات وظيفية لأبناء عدن، خلال التعاون مع سلطات الاحتلال، من أجل “العمل على رفع مستوى عدن والعدنيين.. وترقية العدنيين وحماية مصالحهم في مستعمرة عدن”.ومع مرور الأيام اتسعت هذه الأهداف، وصارت الجمعية تتعاطى مع السياسة كتنظيم سياسي يدعو الى حصر الوظائف الرئيسية في أبناء عدن واحتكار الاعمال التجارية، وخلق كيان متميز لعدن، منعزل عن الإمارات والمناطق اليمنية الاخرى، على غرار (هونج كونج).وصارت الجمعية العدنية تطالب بالحكم الذاتي المستعمرة عدن وربطها برابطة المستعمرات البريطانية (الكومنولث)، وقد جاءت هذه المطالب منسجمة مع ما كانت تخطط له الحكومة البريطانية وما تنوي القيام به فعلا في العديد من مستعمراتها ومن ضمنها عدن.ففي 13 يوليو 1943م كان (المستر اوليفر ستانلي) وزير المستعمرات البريطانية حينذاك قد اطلق تصريحا أعلن بموجبه أن غاية الإدارة البريطانية في المستعمرات توجيه المستعمرات نحو الحكم الذاتي، ضمن هيئة الامبراطورية البريطانية. (الحكم الذاتي، ص 25).وفي 9 يوليو 1946م كان خلفه (المستر كريشن جونس) قد صرح بان غاية الحكومة البريطانية في المستعمرات هي ترقية المستعمرات، وتنمية مواردها حتى يتمكن بنوها ماديا- وفي وقت قصير- من تحسين احوالهم الاقتصادية والاجتماعية، وان ينالوا في اقرب وقت الحكم الذاتي النيابي. (الحكم الذاتي،ص25).وهكذا توالت تصريحات المسؤولين البريطانيين، سواء في اثناء الحرب العالمية الثانية او ما بعدها. وكانت بعض هذه التصريحات قد وجدت هوى وقبولا لدى بعض سكان المستعمرات، كما لقيت استجابة من قبل بعض التنظيمات السياسية فيها، خصوصا ان الحكومة البريطانية صارت بعد الحرب العالمية بحاجة الى تعاون السكان المحليين معها في ادارة شؤون المستعمرات. لذلك عمدت الى تقديم بعض التسهيلات لعدد محدود من سكان المستعمرات، فولتهم بعض المناصب الإدارية الثانوية، وعملت على ادخال بعض الاصلاحات الطفيفة في أجهزة الحكم المحلي في بعض مستعمراتها، كما ادخلت بعض التحسينات في الخدمات الاجتماعية الضرورية.كل ذلك جعل أبناء (مستعمرة عدن) يطمحون للحصول على بعض ما حصل عليه سكان المستعمرات الاخرى، من المشاركة في إدارة شؤون بلدانهم، وصولا الى الحكم الذاتي. ومن هنا برزت الدعوة الى الحكم الذاتي لعدن، وهي الدعوة التي تبنتها الجمعية العدنية.ولما كان هذا الاتجاه سيؤدي الى عزل عدن عن سائر المناطق اليمنية، فقد لقي معارضة شديدة،وجوبه بمقاومة عنيفة، ورفض قاطع من قبل التنظيمات والاحزاب السياسية المختلفة. وعلى أثر ذلك شهدت الصحافة العدنية معركة طاحنة بين من يؤيد هذا الاتجاه ومن يرفضه.[c1]الاتجاه الثاني[/c]كانت الجمعية العدنية قد لقيت معارضة شديدة نتيجة لخططها الانعزالية فانقسمت على نفسها فانبثق عنها حزب جديد كان يعرف باسم (حزب المؤتمر الشعبي) وذلك عام 1954م وتميز بطابعه العائلي وسيطرة بعض وكلاء الشركات الاجنبية على مقاليد الامور فيه وحظي بدعم بعض الفئات الرأسمالية. في عدن. وكان الدافع لظهور هذا الحزب ان السلطات البريطانية في عدن كانت قد قدمت في يناير 1954م مشروعاً مفصلاً يقضي بانشاء اتحاد فيدرالي للامارات الجنوبية والمعروفة حينذاك بمحميات عدن الغربية وسمي هذا المشروع بالكتاب الابيض وفيه دعا الحاكم العام لعدن الوالي حكام المحميات الى مؤتمر عام يتم فيه مناقشة مشروع الكتاب الابيض الذي بموجبه ستقدم الحكومة البريطانية معونات مالية عوضاً عن الرسوم الجمركية التي يأخذونها عن البضائع التي تمر في اراضيهم، والغرض من ذلك هو تسهيل تنقل البضائع الاجنبية التي تنقلها القوافل التجارية الى سائر مناطق الجنوب. وقد اتى هذا المشروع الاتحادي للحيولة دون حصول اي تقارب بين امراء وحكام المناطق الجنوبية، وحكومة الإمام يحيى، خاصة بعد ان اوشك هؤلاء الامراء على عقد مؤتمر شعبي يقررون على أثره الاتحاد مع مملكة الامام يحيى، فارادت الادارة البريطانية افشال أية محاولة للتقارب مع الإمام، وفي الوقت نفسه تلبية حاجة الامراء الى الاتحاد والتقارب فيما بينهم، فبدلاً من ان يدخلوا في اتحاد مع مملكة الامام، حولت بريطانيا الاتحاد ليكون بين الامراء انفسهم تحت اشرافها. وبمقتضى هذا المشروع اصبح حاكم عدن (الوالي) مندوباً سامياً في الامارات تتمتع بصلاحيات سياسية واسعة، وصار يوجه حكام الامارات كما يشاء، ويترأس اجتماعاتهم، ويتحكم في القرارات الصادرة عنهم. وشكل مجلساً تشريعياً للاتحاد معظم أعضائه كانوامن الانجليز. كان الكتاب الابيض قد وضع امكانية دخول مستعمرة عدن في الاتحاد الفيدرالي ، مع اعطائها وضعاً متميزاً فيه. لكن « حزب المؤتمر الشعبي» عارض مسألة دخول عدن في الاتحاد الفيدرالي، زاعماً ان الاتحاد سينزع عن عدن امتيازاتها وسيحرم ابناء عدن من حقوقهم وانه سيعيق تقدمهم وسيفشل الجهود المبذولة للحصول على ا لحكم الذاتي في المستعمرة. وكان« حزب المؤتمر الشعبي» قد حدد اهدافه في كتيب اصدره عبده حسين الادهل بعنوان :« اهذا كتاب ابيض؟». وفيه يلخص برنامج « حزب المؤتمر الشعبي» ويحدد اهدافه في الامور التالية: 1 - وضع دستور ينص على تأسيس جمعية تشريعية يكون كل اعضائها منتخبين من ابناءالشعب العدني وحده «حسب تعبيره». 2 - تشكيل حكومة وطنية تكون مسؤولة امام هذه الجمعية التشريعية، وتكون لها صلاحيات كاملة لادارة البلاد ومسؤولة امام الجمعية التشريعية. 3 - تقوم الحكومة بعد تشكيلها باعداد الترتيبات لاجراء انتخابات عامة، وعمل الترتيبات اللازمة لاستقلال عدن، او البحث في تقرير مصيرها، ثم بعد ذلك تجري مفاوضات مع حكام الامارات، لدخول عدن في الاتحاد بعد اجراء استفتاء لاخذ رأي الشعب العدني « حسب تعبيره» في قبول الوحدة اورفضها. ويبدو واضحاً ان المطالب المعلنة لحزب المؤتمر الشعبي كانت لاتخرج عن كونها تطالب بدولة عدنية مستقلة تتمتع بالسيادة الكاملة، حتى تصبح عضواً في الكومنولث البريطاني. أما مسألة ارتباط عدن بالاتحاد الفيدرالي فيكون بعد استقلال عدن، وليس قبله، وحينئذ تدخل حكومة عدن المستقلة في مفاوضات مع حكومة الاتحاد من اجل الاندماج في اتحاد « كونفدرالي». وكان « حزب المؤتمر الشعبي» امتداداً للجمعية العدنية في اتجاهه الانعزالي، فهو يرى ان طغيان العناصر الوافدة الى عدن من المناطق الاخرى في الامارات اليمنية المختلفة من شأنه ان يطغى على العناصر الاجنبية التي استوطنت عدن، بفعل التسهيلات التي قدمتها لهم الادارة البريطانية. وكانت هذه السياسة تحظى بدعم المؤسسات التجارية الأجنبية، ذات المصالح المباشرة في بقاء عدن سوق تجارية حرة، ومستوطنة لابناء الجاليات الاجنبية. ولقي هذا الاتجاه معارضة شديدة من قبل السكان، والتنظيمات السياسية العاملة في عدن، بمن فيهم بعض عناصر (الجمعية العدنية) الذين رأوا ان بقاء عدن خارج الاتحاد الفيدرالي أمر مستحيل، وان المصلحة تقتضي دخولها في الاتحاد بشرط ان يكون دخولها مصحوباً بضمان حقوق الأقليات الأجنبية، الى جانب اعطاءعدن اكثرية في داخل مؤسسات الاتحاد الفيدرالي. [c1]الاتجاه الثالث [/c]وقد تبنى هذه الاتجاه (الحزب الوطني الاتحادي) الذي تكون من عناصر برجوازية المدينة، فقد ادركت هذه العناصر ان المطالبة بكيان متميز لعدن وضمان حقوق الاقليات الاجنبية فيها، لم يعد طرحاً مقبولاً نتيجة للتطورات السريعة في المنطقة وتصاعد الاحداث فيها، فبدأت هذه العناصر تقبل بعملية انضمام عدن الى الاتحاد الفيدرالي، مبدياً موافقته وقبوله لمشروع (الكتاب الابيض) الذي كانت قد اصدرته وزارة المستعمرات البريطانية، خاصة ان المشروع كان قد نص على ضمان حقوق الاقليات الاجنبية في دولة الاتحاد. لقد استجاب (الحزب الوطني الاتحادي) لمخططات الحكومة البريطانية المنصوص عليها في الكتاب الابيض وتحمس لمسألة دخول عدن في الاتحاد الفيدرالي، بشرط منحها امتيازات خاصة لوجود تفاوت اقتصادي واجتماعي وثقافي بين عدن وبقية المحميات، لذا كان(الحزب الوطني الاتحادي)يدفع بالامور في اتجاه خلق كيان متميز لعدن في اطار الاتحاد الفيدرالي، وقد سعى لتطمين افراد الجاليات الاجنبية لضمان حقوقهم، وعمل من اجل ان يكون لعدن تمثيل قوي في دولة الاتحاد ومؤسساته التشريعية والتنفيذية. وقد تحمس هذا الاتجاه لعملية الدمج، بعد ان اقتنع ان بقاء عدن خارج الاتحاد يعزلها، لكونها لاتمتلك مقومات الدولة المستقلة، وان دخولها في الاتحاد سيقوي مركزها، ومركز الاتحاد أيضاً. وكان هذا الاتجاه الذي يمثله (الحزب الوطني الاتحادي) هو الذي قاد عملية التفاوض لدخول عدن في الاتحاد الفيدرالي، واشترك زعماؤه برئاسة حسن علي بيومي الذي كان يرأس حكومة عدن، في مؤتمر لندن الدستوري الذي انعقد في شهر يوليو عام 1962م وهم الذين وقعوا على اتفاقية دخول عدن في الاتحاد الفيدرالي. وكانت قد تشكلت حكومة لعدن في ظل الاحتلال، من كبار موظفي الحكومة، وكبار التجار والمقاولين، ووكلاء الشركات الاحتكارية الأجنبية، وقد اتخذتها السلطات الاستعمارية اداة للضغط على القوى الأجنبية واجبارها لقبول المخططات الأجنبية. [c1]الاتجاه الرابعومثلته (رابطة أبناء الجنوب) التي كانت قد تأسست في عدن، على أثر اجتماع عقد في يوم الأحد 27 مايو 1951م، من لفيف من الشباب، أبرزهم: 1 - محمد علي الجفري. 2 - شيخان عبدالله الحبشي. 3 - عبدالله علي الجفري. 4 - قحطان محمد الشعبي. 5 - علي محمد سالم الشعبي. 6 - عبدالله عبد الرزاق باذيب. 7 - سالم الصافي. 8 - رشيد حريري. 9 - احمد عبده حمزة. 10 - علي غانم كليب. 11 - عبدالله أحمد الفضلي. 12 - حسين هادي العولقي. (حقائق عن جنوب الجزيرة العربية، ص49). ويلاحظ أن هذه الأسماء تنحدر من أصول اجتماعية مختلفة، وأتت من مناطق يمنية متباعدة، جمعتها الظروف لتلتقي في مدينة عدن، واتفقت على تاسيس تجمع سياسي يربط بين أبناء الإمارات الجنوبية والشرقية في كيان يسمى (رابطة أبناء الجنوب). وكان الدافع لظهور هذه الرابطة هو رفض أعضائها لما كانت تطرحة(الجمعية العدنية) من أفكار تطالب بالحكم الذاتي لعدن، ولذلك وضعت لنفسها عند التأسيس جملة من الأهداف تتلخص في تحقيق الأمور الآتية: 1 - توحيد مشاعر وآراء وأهداف وخطط أبناء الجنوب في كل ما يعود عليهم وعلى بلادهم جميعاً بالنفع العام. 2 - تمكين الروح الإسلامية الصحيحة، وغرس مبادئها العلمية في النفوس. 3 - نشر الروح والمبادئ الديمقراطية التقدمية، والسعي لتطبيقها، ومكافحة النزعات والمبادئ الهدامة. 4 - رفع مستوى الجنوب من النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. وغيرها، والدعوة الى تعميره مادياً وأدبياً. 5 - تنمية الوعي العام عن طريق نشر الحقائق وتطبيق فكرة المواطنة والتضامن الاجتماعي، وترويج مبادئ القومية العربية في ظل التعاليم الاسلامية الغراء. 6 - السعي لحل مشاكل الجنوب وسكانه بقدر الإمكان على ضوء غايات الرابطة ومبادئها. (دستور رابطة أبناء الجنوب، المادة 2). وانطلاقاً من هذه الأهداف عارضت الرابطة الأفكار الرامية الى ايجاد كيان متميز لعدن، ورفضت ما كانت تدعو اليه بعض القوى السياسية التي تطالب بحكم ذاتي لعدن، ووقفت ضد محاولات القضاء على عروبة عدن وضد هجرة الأجانب اليها، فاستجاب لدعوتها في أول الأمر صفوة الشباب المثقف وخيرة المتعلمين في عدن، وسائر الإمارات الجنوبية والشرقية، فانضوى تحت لوائها عدد كبير من الناس، واتسع نشاطها ليشمل المناطق الجنوبية والشرقية من العمل، وامتد نشاطها الى خارج اليمن، وقامت بحملات إعلامية واسعة للتوعية بقضية الجنوب، وحصلت على الدعم من بعض الاقطار العربية، وتأييد بعض القيادات العربية، وبعض الهيئات والمنظمات الدولية. ولكنها فيما بعد دخلت في منعطف خطير جعلها تتعاطى مع بعض المشاريع الاستعمارية، وتتجاوب مع مخططاته، فانفض عنها بعض مؤيديها، وانقسمت قيادتها، فتركها بعض قادتها، وبقي آخرون يحاولون انقاذها من الانحراف الذي مالت اليه. فقد اتهمت بالتعاطي مع المشاريع البريطانية، حين قبلت دخول انتخابات المجلس التشريعي بعدن، في الوقت الذي كانت معظم القوى السياسية قد قاطعتها كما ساء أعضاؤها أن يروها ترفض مجاراة التطورات الكبيرة التي شهدتها العديد من الأقطار العربية، وبقيت مصرة على اعتبار عدن والإمارات الجنوبية والشرقية كياناً قائماً بذاته لاتربطه بشمال اليمن رابطة الاشتراك في تكوين إقليم اليمن الواحد.(صحيفة الحقيقة، 20يناير 1962م). وأيدت الاتحاد الفيدرالي بحسب المشروع البريطاني في الكتاب الأبيض، وإن كانت تحبذ أن يشمل كذلك حضرموت والمهرة، ولا ينحصر على الامارات الغربية التي عرفت بالمحميات الغربية، وبسبب هذا الموقف دخلت في مواجهات إعلامية مع بعض القوى السياسية الرافضة رفضاً قاطعاً لمشروع الاتحاد الفيدرالي. [c1]الاتجاه الخامس[/c]ومثله كل من: 1 - الجبهة الوطنية المتحدة. 2 - حزب الأحرار العربي التقدمي. 3 - حزب الأحرار الديمقراطي. 4 - مؤتمر عدن للنقابات. 5 - الاتحاد القومي لليمن. 6 - الاتحاد الشعبي الديمقراطي. 7 - منظمة البعث العربي الاشتراكي. 8- حزب الشعب الاشتراكي. ولن تتسع هذه الورقة المتواضعة للحديث التفصيلي عن كل هذه التنظيمات، لذا فإن الباحث سيكتفي فقط بالإشارة الى ظروف تأسيس كل منها، وموقفها من الاتحاد الفيدرالي، والوحدة اليمنية. لقد تأسست (الجبهة الوطنية المتحدة) في شهر نوفمبر 1955م نتيجة لانقسام حصل في حزب (رابطة أبناء الجنوب)على أثر صراع نجم بسبب قبول بعض قيادات الرابطة خوض معركة انتخابات المجلس التشريعي بعدن عام 1955م، في الوقت الذي قاطعته معظم التنظيمات السياسية، فقد قامت (الجبهة الوطنية المتحدة في ذلك الوقت بهدف تفشيل انتخابات المجلس التشريعي، ومقاطعة انتخابات هذا المجلس. (نظرة في تطور المجتمع اليمني، لسلطان عمر، ص232). وكان دافع الجبهة للمقاطعة هو كون قانون الجنسية المعمول به حين ذاك في عدن يحرم أبناء الريف وابناء الشمال من المشاركة في الانتخابات في الوقت الذي يعطي الامتيازات لابناء الجاليات الاجنبية الى جانب اعتراضها على كثرة المعنيين في المجلس التشريعي وتقييد حق الانتخاب والترشيح بمستوى دخل الفرد بما من شأنه حرمان فئات واسعة من المشاركة في العملية الانتخابية بالاضافة الى ان الانتخابات تجرى في ظل الاحتلالات غايتها فصل جنوب اليمن عن شماله وايجاد تفرق بــين السكــان بسبــب محــل الميــلاد«ملحــق صحيفــة البعــث العــدد (55/10/ 2942) وكان العمال والطلاب وصغار الموظفين هم القاعدة الشعبية التي استندت عليها الجبهة في مقاطعتها للانتخابات، ومعظم هؤلاء هم من النازحين الى عدن من الريف اليمني في الشمال والجنوب. ودخلت الجبهة في صراع مع الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب لكونهما تجاوبتا مع المشاريع البريطانية. وقد أدى ذلك الصراع الى تعزيز موقف الجبهة في صفوف الحركة العمالية، فزاد نفوذها، وأصبحت قوة ذات تأثير في أوساط العمال والطلاب والموظفين، خاصة أنها سعت لتأسيس عدد من النقابات العمالية. ولعل أبرز مساهمات هذه الجبهة في الحياة السياسية كونها تصدت لمشروع الاتحاد الفيدرالي، ونادت باعتبار عدن والامارات الجنوبية والشرقية جزءاً من اليمن الواحد. كما أسهمت في تأسيس (مؤتمر عدن للنقابات) الذي صار فيما بعد سنداً لنضال الحركة الوطنية ضد مشاريع التجزئة الاستعمارية. أما (حزب الأحرار العربي التقدمي) فإنه قد نشأ على أثر تحركات القادة البريطانيين لبحث مستقبل جنوب اليمن المحتل، وظهور عدد من المشاريع التي بموجبها يتحدد مصير المنطقة. لقد تأسس في مدينة عدن في شهر فبراير 1961م، برئاسة محمد عبدالله الشعبي، وعضوية كل من الشيخ محمد أحمد أبو طالب، ومحمد علي غالب، وحسين عبدالله عمر، وصالح قوبة، ومحمود محمد حسين، وثابت حسين قطيبي، عوض سعيد ماطر .. وآخرون (أرشيف حنبلة). وقامت سياسة الحزب على اعتبار عدن والمحميات الغربية والشرقية جزءاً لا يتجزأ من اليمن الطبيعية، وبالتالي هو يعتبر المناطق اليمنية المختلفة سواءً كانت محتلة أم مستقلة بمثابة كيان واحد، وجزء لايتجزأ من الوطن العربي، ولذا هو يرفض مشروع الاتحاد الفيدرالي للإمارات الجنوبية جملة وتفصيلا، ويرى أن النضال الوطني يجب أن يتجه نحو تحرير الأجزاء المحتلة في الجنوب وتغيير الأوضاع الفاسدة في الشمال، وإقامة حكم وطني ديمقراطي موحد في عموم اليمن. (أرشيف حنبلة). اما حزب الاحرار الديمقراطي فقد تأسس في مدينة الشيخ عثمان بتاريخ 21 اكتوبر 1961م على اثر اجتماع حضرته بعض قيادات (حزب الاحرارالتقدمي) وعناصر وطنية اخرى، اسفر عن اتخاذ قرار بتوسيع قاعدة(حزب الاحرار التقدمي) وتفعيل نشاطه بتغيير تسميته واضافة اعضاء الى قوام قيادته وفي ذلك الاجتماع ثم انتخاب قيادة للحزب برئاسة محمد صالح مصعبي، وعضوية صالح قوبة، ومحمود محمد حسين ومحمد هزاع عراسي وعوض سعيد ماطر، ومحمد علي غالب وآخرون(ارشيف حنبله). وكان من أهداف هذا الحزب العمل على تحقيق وحدة اليمن الطبيعية عن طريق محاربة الاستعمار في الجنوب وإفشال مشاريعه الرامية لإقامة اتحاد فيدرالي في الإمارات الجنوبية، الى جانب محاربة النظام المتخلف في الشمال، وإقامةنظام ديمقراطي سليم في عموم اليمن. والعمل على محاربة الاحتكار السياسي والاقتصادي. وغيرها من الأهداف (أرشيف حنبلة). أما (مؤتمر عدن للنقابات) فقد ظهر على أثر إضراب عام قام به عمال المصافي، للمطالبة بحقوقهم واحتجاجاً على تسريح أعداد كبيرة منهم فبادرت «الجبهة الوطنية المتحدة» والتفاوض مع الشركة باسم العمال. لعدم وجود نقابة تمثل العمال، فرضت الشركة قبول الجبهة لتمثيل العمال بحجة أنها تنظيم سياسي وليس هيئة نقابية، فاضطرت الجبهة للدعوة الى عقد مؤتمر عام للنقابات القائمة والمعترف بها من قبل سلطات الادارة البريطانية، لغرض مناقشة قضية عمال المصافي المسرحين. فاحتشدت القيادات النقابية وجماهير غفيرة من العمال في مؤتمر عمالي عام عقد في يوم 3 مارس 1956م، أسفر عن تشكيل لجنة للقيام بمهام التفاوض مع شركة المصافي لحل مشكلة العمال المضربين. وبعد مفاوضات شاقة مع الشركة استطاع العمال أن يحققوا بعض ماكانوا يطالبون به من حقوق، فأدركوا أن للعمل النقابي فاعليته، فأبقوا على اللجنة التي شكلوها من مختلف النقابات للتفاوض مع شركة المصافي، وصارت تلك اللجنة بمثابة هيئة قيادية لمؤتمر عدن للنقابات، الذي صار يعرف باسم (المؤتمر العمالي). ولما كانت القيادات النقابية في المؤتمر العمالي تضم أفراداً من قيادات التنظيمات السياسية، فقد اتخذت من العمال قاعدة لتفعيل نشاطها السياسي، فأصبح المؤتمر العمالي قوة سياسية لايستهان بها ، كان له عظيم الأثر في التصدي للمشاريع الاستعمارية، ومنها مشروع الاتحاد الفيدرالي للإمارات الجنوبية، ومشروع التعديلات الدستورية وغيرها من المشاريع الرامية حرمان أبناء الريف في الجنوب والشمال من حقوقهم السياسية، ووقفت النقابات موقفاً صارماً ضد مشروع إنشاء دولة الجنوب العربي، معتبراً ذلك مشروعاً استعمارياً غايته فصل الأجزاء المحتلة عن اليمن الطبيعية، لذلك دعت الى رفض مشروع الاتحاد الفيدرالي جملة وتفصيلاً، على اعتبار أن الجنوب جزءاً لا يتجزأ من اليمن الطبيعية. أما (الاتحاد القومي لليمن) فقد ظهر على أثر تزايد نشاط بعض الشبان من ذوي الميول الماركسية في بعض النقابات العمالية، ووصول بعضهم الى قيادة بعض النقابات. فخافوا من تأثير هؤلاء الشبان الذي قيل عنهم (شيوعيون) فتداعوا لعقد اجتماع لمواجهة العناصر الشيوعية في المؤتمر العمالي، وخارجة. وكان ذلك الاجتماع عام 1960م. والذي أسفر عن تأسيس (الاتحاد القومي لليمن) لمواجهة الشيوعيين خاصة بعد أن كانوا قد أظهروا موقفاً سلبياً بل معادياً من الوحدة المصرية السورية عام 1958م. ويتضح من الشعارات التي رفعها (الاتحاد القومي لليمن) أنه ربما كان جناحاً من أجنحة(حزب البعث العربي الاشتراكي)بدليل ما أعلنه في ديباجة ميثاقه، أن مهمته “النضال حتى يبلغ الرسالة الخالدة التي قدر الله له أن يؤديها” (عمال اليمن في المعركة، للأصبح، ص45) وليس بخاف إن هذه المقولة مستوحاة من شعار حزب البعث: «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة». ومن يقرأ معظم أدبيات هذا الاتحاد يجدها تعكس رؤى وأفكار حزب البعث العربي الاشتراكي. ولذلك لم تجد افكاره قبولاً لدى بعض الشبان من ذوي الميول الماركسية، فأعلنوا رفضهم له، واعتبروا قيامه فخاً جديداً ينصب للحركة الوطنية، لابقائها متمرغة في حضيض الانقسام. (انظر: مقدمة ميثاق الاتحاد الشعبي الديمقراطي، ص10) ومهما يكن الأمر، فإن (الاتحاد القومي لليمن) كان من الفصائل التي رفضت مشروع الاتحاد الفيدرالي، وقامته، على اعتبار أنه يكرس مسألة انفصال الامارات الجنوبية عن اليمن الطبيعية. اما (الاتحاد الشعبي الديمقراطي) فقد ظهر هو الآخر على أثر الصراع الذي كان قائماً في (المؤتمر العمالي) بين التيار القومي والتيار الشيوعي، غير أنه بعد قرارات التأميم الشهيرة التي قام بها الرئيس جمال عبدالناصر في مصر عام 1961م، خفت حدة العداء للشيوعية في المنطقة العربية، فتنفس الماركسيون العرب الصعداء، فوجد الماركسيون في اليمن الفرصة سانحة لتأسيس حزب سياسي لهم، فعقدوا مؤتمرهم الأول في عدن في 22 أكتوبر 1961م. والذي أسفر عن تأسيس (الاتحاد الشعبي الديمقراطي) وكان قد اختار عبد الله باذيب أميناً عاماً له. وجاء في مقدمة ميثاقه: «ان الاتحاد الشعبي الديمقراطي يناضل من أجل انجاز مهمات حركة الشعب اليمني الهادفة الى التحرر الوطني والوحدة اليمنية والديمقراطية..» (الميثاق الوطني للاتحاد الشعبي الديمقراطي، ص1). وكان (الاتحاد الشعبي الديمقراطي) يعتبر الاستعمار العدو الأساسي والأشد خطراً، ودعا الى تشديد الكفاح ضده، وندد بكل المشاريع الاستعمارية الرامية الى دمج عدن في طريق الحكم الذاتي المشبوه، وربطها بما يسمى بالاتحاد الفيدرالي، ورأى أن الرد الحاسم على تلك المشاريع هو النضال من أجل تقرير المصير في ظل أجواء حرة ديمقراطية، وندد بالمباحثات التي جرت في كل من لندن وعدن، لغرض دمج عدن في الاتحاد الفيدرالي، وأكد تمسكه بالوحدة اليمنية. وكان قد أشار في ميثاقة إلى أن أبناء الشمال عمالاً وطلاباً ومثقفين وتجاراً صغاراً، وأصحاب مهن، يؤلفون لوحدهم العمود الفقري للطبقة العاملة وحركتها في عدن، ويؤلفون مع إخوانهم أبناء الجنوب القوة الرئيسية للحركة الوطنية، مؤكداً أن هذا الواقع يعطي شعار الوحدة اليمنية صفة كفاحية حاسمة، ويجعل من التمسك والمنادات بها مسألة حياة أو موت بالنسبة للحركة الوطنية. أما (منظمة البعث العربي الاشتراكي) فقد ظهرت في عدن على يدي بعض المثقفين الذين كانوا قد تلقوا دراستهم في بعض الأقطار العربية، والذين تأثروا بمبادىء وأفكار حزب البعث العربي الاشتراكي، فاستطاع بعضهم الوصول إلى قيادة بعض النقابات العمالية، أو رئاسة تحرير بعض الصحف، أو الكتابة فيها. وقد عمل بعض هؤلاء في سلك التدريس، فاستطاعوا التأثير في الطلاب والطالبات، وساهموا في تشكيل بعض التنظيمات الطلابية، والتجمعات الشبابية أو النسائية. كما نظموا المحاضرات، وأقاموا الندوات والحوارات الفكرية ونشطوا في الترويج لأفكار حزب البعث وتوزيع نشراته وشرح مقولاته، ومواجهة خصومه. وفي الشأن اليمني، وقفت ضد المشاريع الاستعمارية، وكشفت مخططاته الرامية اعطاء عدن حكما ذاتياً شكلياً ودمجها بالاتحاد الفيدرالي. ورفضت ذلك رفضاً قاطعاً، ودعت الى الكفاح السلمي لطرد الاستعمار في الجنوب، والانقلاب على السلطة في الشمال، لاقامة نظام وطني واحد في عموم اليمن، ولم تحبذ الأخذ بالكفاح المسلح لتحرير الجنوب، ودعت إلى وحدة اليمن الطبيعية على طريق الوحدة العربية الشاملة. أما (حزب الشعب الاشتراكي) فإنه قد ظهر على أثر إجتماع مجلس المندوبين في المؤتمر العمالي بعدن الذي انعقد في 13يوليو 1962م، وبرز كواجهة سياسية للمؤتمر العمالي بعد ان فرضت السلطات البريطانية في عدن حظراً على المؤتمر العمالي في ممارسة السياسة، وكان ظهوره في فترة كان النضال الوطني قد وصل إلى قمته، بعد سلسلة من أعمال العنف التي قامت بها السلطات في مواجهة الانتفاضات المسلحة والاضرابات العمالية والمظاهرات والمسيرات الجماهيرية. وكانت قد تغلغلت حينذاك في أذهان الناس بعض الدعوات المطالبة بجلاء الاستعمار وتحرير الوطن وتوحيده، فوجد (حزب الشعب الاشتراكي) الأجواء مهيأة أمامه للعمل السياسي لأن الجماهير كانت في أشد حماسها، خاصة في عدن، فأخذ الحزب يرفع الشعارات البراقة التي تلهب حماس الجماهير، فرفض المشروعات الاستعمارية المتعلقة بالحكم الذاتي لعدن، ورفض عملية دخولها في الاتحاد، معتبراً إقامة الاتحاد الفيدرالي تكريساً لفصل الجنوب عن الشمال، وعارض بشدة تأسيس دولة (اتحاد الجنوب العربي) لذلك قاد مظاهرات صاخبة جابت أحياء عدن المختلفة يوم 24سبتمبر 1962م والتي زحفت فيها الجماهير على المجلس التشريعي بعدن، ووصلت الجماهير الى مقر المجلس التشريعي الواقع في أحد التلال الشرقية المطلة على عدن، ثم أشتعلت فيه النيران في الوقت الذي كان المجلس منعقداً لمناقشة قرار ضم عدن إلى الاتحاد الفيدرالي، تنفيذاً لمخططات السلطات البريطانية الرامية إلى تأسيس (اتحاد الجنوب العربي).[c1]الاتجاه السادس[/c]وتمثله كل من: 1 - الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل. 2 - جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل. 3 - التنظيم الشعبي للقوى الثورية. أما (الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل) فقد تأسست على أثر اجتماع عقد في صنعاء، بتاريخ 19 أغسطس 1963م، حضره عدد من قيادات حركة القوميين العرب في جنوب اليمن، وفي هذا الاجتماع أقرت التسمية النهائية لما صارت تعرف باسم (الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل) وتخلت عن التسمية السابقة التي كانت قد أعلنتها في بيانها التأسيسي الصادر في 24 فبراير 1963م، وهي تسمية (جبهة تحرير الجنوب اليمني). وكانت (الجبهة القومية) قد دعت منذ بداية تشكيلها إلى الأخذ بمبدأ الكفاح المسلح كأسلوب وحيد لتحرير الجنوب اليمني المحتل، من الاستعمار وعملائه، فقد رفضت المشروعات الاستعمارية جملة وتفصيلاً، بما في ذلك مشروع إنشاء دولة (اتحاد الجنوب العربي). وكانت الانطلاقة الأولى للكفاح المسلح في 14أكتوبر 1963م، من جبال ردفان، والتي سرعان ما انتشر لهيبها ليعم مناطق الجنوب المختلفة، حتى وصل لهيبها إلى مقر القاعدة البريطانية في (مستعمرة عدن). وفي مؤتمرها الأول الذي انعقد في مدينة تعز (22 - 25 يونيو 1965م)، أقرت مسارها السياسي، واتجاهها الفكري، ويرنامجها المستقبلي، والذي لايخرج عن كونه انعكاساً لبرنامج (حركة القوميين العرب). وفي 13 يناير 1966م أقدمت بعض عناصر من قيادات الجبهة على التوقيع لدمج الجبهة في منظمة كانت تسمى (منظمة تحرير الجنوب اليمني المحتل) والتي ضمت في عضويتها إلى جانب المنشقين من قيادات الجبهة القومية عناصر أخرى من بعض التنظيمات السياسية والمشائخ والسلاطين المنشقين. غير أن قواعد الجبهة القومية رفضت هذا الدمج واعتبرته ردة إلى الوراء في اتجاه الأخذ بالحلول السياسية، التي تجاوزتها الأحداث، وقد نجم عن عملية الدمج هذه قيام (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل). وفي مؤتمر (الجبهة القومية) الذي انعقد في (خمر) في نوفمبر 1966م، تقرر انسحاب (الجبهة القومية) عن (جبهة التحرير) وعادت (الجبهة القومية) للعمل من جديد بصورة مستقلة، غير ان هذا الانسحاب قد تسبب في إيقاف الدعم المالي والعسكري عنها من قبل أجهزة المخابرات المصرية التي كانت تقدمها قبل ذلك، وتحول هذا الدعم إلى جبهة التحرير. أما (جبهة تحرير جنوب المحتل) فإنها قد ظهرت على أثر توقيع اتفاقية الدمج الذي وقعت عليه بعض قيادات (الجبهة القومية) وقيادة (منظمة تحرير جنوب اليمن المحتل) وهي التسمية القديمة للجبهة القومية. وكانت وكالات الأنباء العربية والأجنبية قد تناقلت خبر هذا الدمج، الذي اذاعته اذاعة تعز حينذاك. كما أحدث نبأ الدمج دوياً كبيراً في أوساط الحركة الوطنية، خاصة بعدما أعلن أمين عام الجبهة القومية وقتها قحطان محمد الشعبيرفضه لعملية الدمج، واعتبره عملاً غير شرعي، لعدم استناده إلى مشاورة القواعد. وعلى الرغم من معارضة (الجبهة القومية) لعملية الدمج ممثلة بأمينها العام إلاّ أن جبهة التحرير، ظلت تمارس نشاطها، جنباً إلى جنب مع (الجبهة القومية)، فأخذت بمبدأ الكفاح المسلح مدعومة من قبل القوات المصرية في اليمن، ورفضت مشروع (اتحاد الجنوب العربي) وإقامته. وقد عملت (جبهة التحرير) على مقاومة الاستعمار، وأخذت بمبدأ العمل السياسي جنباً إلى جنب مع الكفاح المسلح، إلاّ أن انسحاب (الجبهة القومية) عنها أحدث شرخاً في صفوفها، إذ تبين لبعض أعضائها من المقاتلين انها تعيش في أزمة، فأصبحت غير قادرة على قيادة العمل العسكري والسياسي معاً. ولما كانت الاستخبارات المصرية العاملة في شمال اليمن تتدخل في شؤون (جبهة التحرير) وتفرض عليها نوعاً من الوصاية، فإن بعض قياداتها رفضت تلك الوصاية، وعملت للحيلولة دون تدخل الاستخبارات المصرية في شؤونها. ولكن نفوذ الاستخبارات المصرية كان قوياً، غير انها لاتريده ان يظهر على السطح، فأوعزت إلى بعض عملائها في الجبهة لتكون تنظيم عسكري يعمل في إطار الجبهة يعني اساساً بالعمل العسكري، يحظى بدعمها المباشر دون الرجوع إلى قيادة جبهة التحرير، وكان ذلك التنظيم هو (التنظيم الشعبي للقوى الثورية). إن (التنظيم الشعبي للقوى الثورية) كان قد تأسس في اكتوبر 1966م، كرد فعل لانسحاب (الجبهة القومية) عن جبهة التحرير، معلناً التزامه بالكفاح المسلح ورفض المشروعات الاستعمارية، بما في ذلك مشروع (اتحاد الجنوب العربي). وكان قد أصدر عقيب تأسيسه بياناً وزعه على أعضاء الجبهة، كان قد أصدره الرئيس جمال عبدالناصر، بمصر في 21 مايو 1962م، والذي كان قد دعا فيه إلى ضرورة الثورة في جميع المجالات، ومقاومة الاستعمار وعملائه.. الخ.. ولم يختلف ذلك التعميم عن فحوى (الميثاق الوطني) المصري في شيء الا في بعض الخصوصيات المحلية الطفيفية. وكان (التنظيم الشعبي للقوى الثورية) يتشكل في معظمه من الفدائيين الموالين للاستبخارات المصرية، والذين كانوا يعملون في اطار (جبهة التحرير) لغرض منافسة (الجبهة القومية) التي صارت تعمل بصورة مستقلة بعد ان رفضت عملية الدمج، واعلنت انسحابها عن (جبهة التحرير). وبقي (التنظيم الشعبي) متفرغاً للعمل العسكري، في الوقت الذي كانت قيادة جبهة التحرير) تعني بالعمل السياسي، وكلاهما عملا على اسقاط مشروع (اتحاد الجنوب العربي) ومقاومة الاحتلال. اشكالية هوية اتحاد الجنوب العربي: في السابع من يناير 1954م ادلى حاكمعدن (السير توم هيكنبوتام) بتصريح رسمي يتضمن رغبته في ايجاد نوع من الاتحاد بين محميات الجنوب العربي، (صلاح البكري، ص35) وكان هذا التصريح قد لقي مارضة شديدة من قبل حكومة الاماميحيى في صنعاء، وبعض القوى السياسية في عدن والامارات الجنوبية. وفي اغسطس 1956م اعلن خلفه حاكم عدن (السيروليم لوس) فورتعينه انه سيسير في نفس المخطط السياسي الذي وضعه سلفه، والذي كان قد دعا اليه (هار ولدا نجرامز). وفي مارس 1956م، كان قد صدر في لندن تصريح اعلنت فيه الحكومة البريطانية ان سياسة الحكومة البريطانية في المحمية- كما في غيرها- هي مساعدة جميع الاقطار التابعة لبريطانيا من اجل الوصول الى اقصى حد من الانماء الاقتصادي والتطور السياسي، تسمح به ظروف هذه الاقطار، وحكومة صاحبة الجلالة تشاطر الرأي القائل ان دول المحمية اذا جمعت أجزاؤها الصغيرة الضئيلة السكان القليلة الموارد في كيان متشرك، امكنها ان تصل الى ارفع درجة من التطور السياسي، ومناجل ذلك يقتضي عليها ان تسعى لاقامة نوع من الاتحاد فيما بينها للمساعدة والمساندة المتبادلة وتقوية الاقتصاد الداخلي والتنظيم الاجتماعي، (البكري، ص35). وقد اثار هذا التصريح جدلاً واسعاً في اوساط المثقفين والسياسيين في عدن وسائر الامارات الجنوبية، وعموم اليمن، وتحركت القوى السياسية للتعاطي مع هذا التصريح، وانقسم الناس بين رافض له، ومرحب به، او مترقب لما سينجم عنه. ولما كانت الحكومة البريطانية عازمة على تنفيذ مخططها فانها عملت على عقد اجتماع مشترك لحكام الامارات في 4 فبراير 1959م برئاسة الحاكم العام لعدن، وصدر عن ذلك الاجتماع بيان ورد فيه مايلي: «نعتقد انه عندما يصبح الاتحاد دولة عربية اسلامية تتمتع بالمساواة التامة مع شقيقاتها الدول العربية، ستكون النتائج لمصلحة بلادنا وشعوبها، كما انها ستكون بمثابة خطوة اولى نحوا لوحدة الشاملة، واننا نتخذ الآن الخطوات الضرورية لانشاء حكومة اتحادية» (البكري، 36). لقد ارادت بريطانيا من عقدها لذلك الاجتماع لحكام الامارات الجنوبية، افشال اجتماع مماثل كان قد اقترحه الثعالبي لغرض انشاء اتحاد بين حكام الامارات وحكومة صنعاء، فعمدت الى ان يجتمع حكام الامارات تحت اشرافها وافشال اية محاولات لتقاربهم مع نظام صنعاء. وفي 11 فبراير 1959م اعلنت حكومة بريطانيا عن انشاء اتحاد فيدرالي بين ست امارات هي: 1 - امارة بيحان. 2 - السلطنة العوذلية. 3 - السلطنة الفضلية. 4 - امارة الضالع. 5 - مشيخة العوالق. 6 - سلطنة يافع بني قاصد. وفي اكتوبر من العام نفسه انضمت الى الاتحاد السلطنة العبدالية، (لحج). وفي 12 مارس 1960 انضمت ثلاث امارات اخرى هي: 1 - سلطنة العوالق السفلى. 2 - مشيخة العقارب. 3 - مشيخة دثينة وشكلت الحكومة البريطانية من حكام الامارات مجلساً اعلى للتنسيق فيما بينهم، وعقد اول اجتماع لمجلس الاعلى في 4 ابريل 1959م، كما شكلت مجلساً اتحادياً يعنى بالامور التشريعية، عقد اول اجتماع له في 9 نوفمبر 1959م. ولم تكترث السلطات البريطانية بالمعارضة الشعبية لهذا الاتحاد، الذي اعتبرته القوى السياسية بانه من صنع الانجليز، لاعاقة اية خطوات نحو هدف اليمنيين جميعاً وهو الوحدة اليمنية. بل سارت في تنفيذ مخططاتها حتى النهاية رغم الرفض الشعبي. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت المباحثات بين ماسمي بحكومة الاتحاد الفيدرالي، وحكومةعدن التي شكلتها بريطاينا لغرض انضمام عدن الى الاتحاد، ففي اغسطس 1962م وجه كل من وزراء حكومة الاتحاد ووزراء حكومةعدن رسالة مشتركة الى وزير المستعمرات البريطانية، جاء فيها: «نأمل عن طريق زيادة قوتنا الاقتصادية واستقرارنا السياسي ان تقرب الوحدة بين عدن والاتحاد لنيل الاستقلال التام الذي نعلق عليه اعظم الاهمية»(البكري، 37). وجاء في رد وزير المستعمرات علىتلك الرسالة مايلي: «واني ارحب بهذه الفرصة لأؤكد نيةالحكومة البريطانية للسير بشعب الاتحاد بأسرع مايكون ذلك عملياً الى الاستقلال فالسيادة». وأضاف قائلاً: وأنا على يقين بانكم على حق في ظنكم بان القوة الزائدة التي ستتدفق منجراء انضمام عدن سوف تساعد على تعجيل الوقت الذي يصبح فيه الاتحاد قادرا على تولي مسؤوليات الدولة»(البكري، 37). قال ذلك لان عدن بالنسبة للامارات كانت في مستوى اعلى من حيث التطور الاقتصادي والثقافي والحياة الاجتماعية والنظم الاداري، وربما لهذا السبب طالب بعض السياسيين في عدن من تعاطوا مع مشروع الاتحاد وقبلوا انضمام عدن اليه- ان يكون لعدن وضع متميز في دولة الاتحاد. ولتطمين اهالي عدن ووزراء الاتحاد على هذا التخوف بقولهم: «اننا نعترف بان عدن قد تقدمت في مضمار الانظمة الياسية والاجتماعية والسياسية والاجتماعية تقدماً يختلف عن بقية الاتحاد، وانها تحتل مركزاً ذا اهمية تجارية بارزة، ونظراً لهذه الاسباب وغيرها نرى ان عدن ستكون مستحقة من نواح معينة لمعاملة خاصة، بما في ذلك تمثيل اوسع في الاتحاد مما تتمتع به الولايات الاعضاء الحالية»(البكري، 38). وتنفيذاً لهذا الطرح نصت اتفاقية انضمام عدن ال ىالاتحاد ان عدن ستصبح عضواً في الاتحاد ابتداء من الاول من مارس 1963م تحت مسمى (ولاية عدن). وانتقلت عدن بعد انضمامها الى الاتحاد انتقالاً شكلياً من كونها مستعمرة الى ولاية مندرجة في اطار (اتحاد الجنوب العربي) وحظيت بامتيازات في قوام تشكيلية الحكومة الاتحادية، وبدخول عدن في الاتحاد، اكتمل تشكيله فصار مكونا من عشر ولايات، لكل ولاية ستة اعضاء يمثلونها في المجلس الاتحادي، وهو المجلس التشريعي، اماعدن فيمثلها اربعة وعشرين عضواً من اصل اربعة وثمانون عضواً، وتتمتع كل ولاية في المجلس الاعلى، الذي هو مجلس الوزراء، بوزير واحد لكل ستة اعضاء في المجلس الاتحادي، وبذلك حصلت عدن على اربعة وزراء في حكومة الاتحاد. ولما كان لعدن مجلسها اتشريعي الخاص بها قبل انضمامها الى الاتحاد، فان مهامه ظلت محصورة في الانور المتعلقة بمدينة عدن فقط، اما الولايات الاخرى فلاشأن له بها، لان لكل ولاية اميراً او شيخاً او سلطاناً يختص بشؤون ولايته. اما الامورالمشتركة بتعني بها الحكومة الاتحادية. وتعني الحكومة الاتحادية بالشؤون الخارجية، والامن الداخلي، والدفاع، والطيران والمطارات والبريد والهاتف والاشغال العامة، وانشاء الطرق وصيانتها والمعارف والصحة، وشؤون النقد والعملة، والمصارف والضرائب والجمارك، وتسجيل السيارات، وقضايا الجنسية. (البكري، 38). كما ان هناك محكمة اتحادية عليا، للنظر في القضايا المستأنفة، المرفوعة من محاكم الولايات. وليس بخاف ان الادارة البريطانية ممثلة بحاكمها العام الذي اصبح يدعي (المندوب السامي) هي التي بيدها مقاليد الامور كلها، وما الحكومة الاتحادية الا صورة شكلية لحكومة لاحول لها ولا قوة. ولذلك سرعان ماانهارت، من جراء الضربات القوية التي شنها الفدائيون ضد قوات الاحتلال، بحيث لم تعد تقوى على حماية كومتها العملية، فانهارت حكومة الاتحاد قبل رحيل قوات الاحتلال، لأنها تشكلت وفقاً لمشيئة الحكومة البريطانية، لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، وليست نابعة من إرادة الشعب. وهذا هو شأن كل نظام يؤسس على غير ارادة الشعب، ويخدم مصالح المستعمر. [c1]المراجع [/c]1 - اتحاد الجنوب العربي، لصلاح البكري. 2 - ارشيف حنبلة (منشورات عامة). 3 - اضواء على حزب الشعب الاشتراكي، صادر عن حزب الشعب الاشتراكي.4 - أهذا كتاب ابيض؟ لعبده حسين الادهل. 5 - الحزب هو الشعب الاشتراكي، صادر عن حزب الشعب الاشتراكي. 6- الحكم الذاتي، او الام العدنيين واحلامه، لعلي محمد لقمان. 7 - دستور رابطة ابناء الجنوب. 8 - دستور الجمعية العدنية. 9 - الدستور العام لمؤتمر عدن للنقابات. 10 - الرحلة اليمنية، لعبدالعزيز الثعالبي. 11 - صحيفة (البعث) العدد 42/29 /10/ 1955م (الملحق). 12 - صحيفة (الحقيقة) 20 يناير 1962م. 13 - عمال اليمن في المعركة.. لعبدالله الاصنج. 14 - الميثاق الوطني.. للاتحاد الشعبي الديمقراطي. 15 - ميثاق الاتحاد القومي لليمن. 16 - الميثاق القومي، الصادر عن جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل. 17 - الميثاق الوطني، للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل. 18 - نظرة في تطور المجتمع اليمني. لسلطان احمد عمر. 19 - هذا الجنوب.. ارضنا الطيبة. لعبدالرحمن جرجرة.
ثورة 14 أكتوبر تــســقــط مشروع الجنوب العربي
أخبار متعلقة