سالم أحمد بامدهف وجميل محسن.. عبقرية الفن والموسيقى
شوق عوضفي كتابه الأنيق الذي حمل عنوان( سالم أحمد بامدهف.. عبقرية الفن والموسيقى) الذي صدر مؤخراً عن دار مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، تناول المبدع والجميل الناقد الفني والكاتب الصحافي جميل سعيد محسن باديان أهم المحطات في السيرة الذاتية لحياة المطرب والملحن الموسيقار سالم أحمد بامدهف بدءاً بميلاد أول لحن له في عام 48م (يا زين المحيا) وهي القصيدة التي كتب كلماتها أ. د محمد عبده غانم وظلت ولفترة طويلة بحوزة المطرب الملحن سالم أحمد بامدهف حتى استطاع الشاعر د. محمد عبده غانم إقناعه بالتلحين وقدرته على الخوض بهذه التجربة التلحينية.كما أشار مؤلف الكتاب إلى أهمية العلاقات والوشائج الإنسانية التي ارتبطت بها مدينة وسكان عدن في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي حيث شهدت مدينة عدن نهضة فنية وموسيقية، أسهمت في تأسيس نوع من الغناء ينسب للبيئة العدنية كان لها أبرز الأثر في إثراء الغناء اليمني باللون العدني.. نظراً لما تميزت به ألحان المطرب سالم أحمد بامدهف من حسن اختيار في الكلمة الشعرية والشاعرية وجمال في الصوت وفن في الأداء والموسيقى وذلك ما تفنن به المؤلف جميل محسن الذي جمع بين جميل الأسلوب الكتابي في السهل الممتنع والإخراج الفني للفنان التشكيلي السوري العربي فواز أرنؤوف وتوطئة د. عمر عبدالعزيز وبين عدن ولحج والمكلا واليمن بشكل عام.بيد أن ما يهمنا من أمر في ذلك الكتاب والمؤلف هو ذلك التنوع المتناسق والمموسق والذي جاء تحت عناوين متناغمة في فصولها وشاعريتها الجمالية والفنية مثل (إضاءة)، (حكاية حارة)، (أوراق قديمة)، (شريط الذكريات)، (التألق الموسيقي)، (ميلاد أول لحن)، (حكايات لها ألحان)، (أحداث لا تنسى)، (بأقلامهم)، (حوارات من الأمس)، (أغانٍ وأشعار)، (البوم صور)....الخ.ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن المطرب والملحن سالم أحمد بامدهف قد قدم للأغنية العربية ألحاناً عدنية ذات نكهة عربية تطرب وتسحر الألباب إلى جانب ما شكله من ثنائية مع الشاعرين أ. د محمد عبده غانم، لطفي جعفر أمان وهما من الشعراء الذين ارتووا في ألحانه، وفي وجهة نظرهم كان هو الأكثر إحساساً بالكلمة والقادر على ترجمة القصيدة إلى أنغام موسيقية تتماوج مع الكثير من المقامات الموسيقية.ونذكر من هذه الأعمال الغنائية التي تغنى بها للشاعر أ. د محمد عبده غانم (يا زين المحيا)، (عرائس اللحن)، (الهوى والليل)، (أنا قلبي مع الخلان)، (قولوا له)، ( على أيش)، (يا أبو العيون الكحيلة)، (حبيتك حبيتك)، (مالك كده مالك)، (من علمك يا كحيل العين)..الخ.ومن رائعة (عرائس اللحن) نقتطف هذه الأبيات الشعرية للشاعر غانم والتي فيها يقول:(عرائس اللحن في الأسحار تشجينا فاملأ رحاب الدجى شعراً وتلحيناأغرتك بالنغم أزهار منمنمة تزجي الشذى في مغانينا أفانينامن كل ساطعة بالعطر طافحة بالبشر مترعة بالسحر تسبيناقد صاغها الله من طيب ومن ألق حتى بدت آية الآيات تكوينا)أما الأعمال الغنائية التي تغنى بها للشاعر لطفي جعفر أمان فمنها (ألومك وأعاتبك)، (نحوى الليل)، (ماشي كماك)، (من جمالك)، (بيني وبين الليل)..الخ.وللعلم فإن كلمات القصيدة الغنائية (ماشي كماك) لم يغنها بامدهف كاملة كما يشير المؤلف وقد ألغى منها هذا الجزء والذي فيه يقول:(آه يا قاتل وفي قتلك ... حياة وخلودكل من شافك وعذبته بهواه ... قال زيدبات يتأوه وآه من بعد آه... ما تفيد .. الخ)إلى جانب شعراء كبار آخرين تعامل معهم المطرب والملحن سالم أحمد بامدهف ومنهم الأديب والشاعر الجهبذ الكبير محمد سعيد جرادة الذي أعطاه قصيدة (نم على صدري فأنت الأمل) وكذلك الشاعر الكبير عبدالمجيد الأصنج الذي صاغ له كلمات رائعة (تغيبت يا ناظري) والأديب والكاتب الصحافي الكبير والشاعر أحمد شريف الرفاعي الذي قدم له غنائيته الرائعة (لوحدي أنا ساهر) والشاعر قيس محمد عبده غانم الذي أتحفنا برائعته الغنائية (الزين جزع مرة) والشاعر الشهير والمبدع علي أمان والذي كتب كلمات (أسأل علي أسأل) والشاعر المخضرم عبدالله عبدالكريم.وكذلك لا ننسى في هذا السياق ما قدمه المطرب والملحن سالم أحمد بامدهف من عطاء متدفق وغزير تمثل بتقديم بعض من مقطوعاته الموسيقية مثل (عواطف) و(أشواق) في النصف الأول من الخمسينيات ومقطوعة (سوسن) عام 66م.أما إذا أردنا الحديث عن (حكاية حارة) وقصة تاريخ ميلاد سالم أحمد بامدهف أين ومتى؟ فإنها وكما يتناولها المؤلف في كتابه وتحديداً في حافة الشريف بالقرب من مسجد بانصير، حيث ولد سالم أحمد بامدهف في العقد الثالث من القرن العشرين المنصرم من أب من مواليد المكلا بمحافظة حضرموت وأم من قوم بامخرمة من مواليد جيبوتي، أنجبا ابنين وابنتين علي ومريم وسالم وقدرية ولكل منهم عدد من الأبناء والبنات، تزوج سالم ثلاث زيجات في حياته آخرها صفية نعمان في عام 60م وهي الزوجة التي وقفت معه في مشوار حياته في اليمن والإمارات وكانت له نعم الزوجة والصديقة.. ولسالم بامدهف خمسة من الأبناء هم منصور، سيف، أحمد، محمد، قيس، وثلاث بنات هن وفاء، صفاء، سناء وجميعهم متزوجون ويشغلون وظائف مرموقة في المجتمع الإماراتي حيث تعيش الأسرة بكاملها في العاصمة أبو ظبي منذ مطلع السبعينيات عندما احتضنته دولة الإمارات ومنحته جنسيتها. وطوال فترة إقامته هناك ظل يعمل كمهندس صوت في الإذاعة، كما عمل في وكالة أنباء الإمارات وفي تلفزيون أبوظبي وظل لسنوات مشرفاً على الفرقة الموسيقية التي عملت مع كبار الفنانين العرب، وعمله كمهندس صوت في الإذاعة هو نفس العمل الذي كان يقوم به في إذاعة عدن في الخمسينيات والستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي.كما أن مؤلف الكتاب لا يكتفي بالإضاءة على حياة الفنان بامدهف بل يزيده ثراءً بالآراء والملاحظات من الأفكار التي كتبها نخبة من الزملاء المبدعين وهم عصام خليدي، مختار مقطري، جمال العمدة، عمر مكرم، إضافة إلى أن الكتاب يحمل روزنامة من (حكايات لها ألحان) لذلك الصوت الدافئ بامدهف كما حصل معه في مشوار هذه الأغنية (نجوى الليل) التي ظلت لفترة طويلة بحوزته وكان يخرجها بين الحين والآخر ليطلع على كلماتها ثم يعيدها إلى مكانها وهذه عادة عندما يكون هناك نص غنائي جميل ويحتفظ به لحين اللحظة المناسبة واللحظة المناسبة جاءت ليلة عقد قرانه على صفية محمد علي (فانوسه) يوم احتفلا به معاً في بيتهما بالمعلا وكان من ضمن ضيوفهما في تلك الليلة السعيدة الأستاذ محمد سالم باسندوة والأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج وهما من الشخصيات العدنية البارزة وآخرون وفي هذا الجمع الخاص وهذه المناسبة دخلت صفية لإعداد وجبة العشاء لزوجها الجديد وضيوفه في الوقت الذي حمل بامدهف العود وبدأ يدندن بلحن الأغنية وما أن وصل إلى المقطع الذي فيه يقول:(يا ليل نجومك عيون في كل عين دمعةيشهد علي السكون والسهد واللوعةوتمد بنورها الحنون بالعطف والسلوىشوف النجوم تهوى.. وتتذكر مثلي أنا وتسهر .. الخ)حتى وقف الجميع في ذهول وبدؤوا يرددون مع بامدهف نفس المقطع، وصفية تشاركهم بصوتها الجميل وبالمناسبة لصفية تسجيلات مشتركة مع بامدهف ولكنها تسجيلات خاصة وقد وصف الأستاذ محمد سالم باسندوة هذه الليلة في مقالة له نشرت في صحيفة (النور) بأنها من ليالي هارون الرشيد.تلك كانت خلاصة مكثفة عشتها مع هذا الكتاب بين نجوى الليل وشجونه والليالي الرشيدية.