تاريخ سلطنة لحج العبدلية، حقبة من الزمن السياسي الذي عرفته مناطق الجنوب من عهود مازالت قراءة الوعي الموضوعي لها لم تصل إلى ما تسيد على قيادة الأمور في ذلك الزمن.ومما قدم من كتب التاريخ حول تاريخ لحج السياسي، تذهب بنا الذاكرة إلى متن هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن، الصادر في عام 1351هـ لصاحبه أحمد فضل بن علي محسن العبدلي والذي عرف بلقب (القمندان) المولود في عام 1884م، الراحل في عام 1943م.يقول مؤلف الكتاب في الفصل الثاني منه: (عاصمة لحج في وقتنا الحاضر مدينة الحوطة وكانت الرعارع وميبه عاصمتي مخلاف لحج في أيام الزريعيين ثم الأتراك. وأول من اتخذ الحوطة عاصمة للحج عمال الإمام المتوكل والإمام المنصور وكان لهم فيها دار حمادي ودار عبدالله المعروفان بموضعيهما هنالك إلى الآن.ولما استقل بالبلاد الشيخ فضل بن علي العبدلي سنة 1145هـ أقرها عاصمة لملكه ونقل عائلته من المجحفة إليها، ويتراوح عدد سكانها الآن بين عشرة آلاف واثني عشر ألف نفس كلهم عرب وفيها من يهود اليمن ومن الصومال وخلطاء كثيرون وفيها الآن رجال الدولة وإدارات الحكومة وأحد عشر مسجداً وثلاثون بئراً للشرب. وأشهر مساجدها جامع السيد عمر بن عبدالله بن حسين المساوى بناه سنة 1083هـ ونقل منبره من جامع الرعارع.وفي سنة 1348هـ جدد بناءه ووسعه السلطان عبدالكريم فضل بن علي محسن العبدلي حتى صار من أفخم مساجد اليمن وأجملها.ومسجد الدولة بناه السلطان أحمد محسن فضل وجدده أخوه محمد بن محسن سنة 1292هـ وهو من أجمل أبنية البلاد على شكل مساجد الهند.وعائلة السادة آل مساوى من أقدم سكان مدينة الحوطة ويقال لها الحوطة الجفارية نسبة إلى الولي الشهير مزاحم بالجفار وله زيارة في كل سنة من شهر رجب وتلك الزيارة أو المولد من أعظم أعياد البلاد اللحجية وأهل السلع ينتظرون شهر رجب وأعياده كموسم الخير فإن الوفود من كل جهة من البلدان المجاورة تصل إلى لحج فتروج سلع عديدة ولذلك صار صباح اليوم التالي للزيارة وعداً وأجلاً لقضاء الدين فيقال إلى صبحية رجب والمراد صبحية اليوم التالي لزيارة رجب.وأهل لحج يدعون السكة النحاسية المضروبة باسم السلطان العبدلي مناصير وأحدها (منصوري) كما كانوا يدعون عملة الإمام المنصور (منصورية) وكانوا قبل ذلك يدعون العملة النحاسية (دارساً) وقد شرعوا الآن يدعونها (بيسة) باللفظ الهندي.وحارات مدينة الحوطة ثلاث عشرة حارة وهي: حارة دار حمادي وحارة دار عبدالله، وحارة الحفيرة، وحارة دبان، وحارة المساوى، وحارة أبي الغيث، وحارة اليهود، وحارة قيصي، وحارة مزاحم، وحارة الحضارم، وحارة وحيدة، وحارة الحسنية، وحارة الشيخ سعيد.ومن أقدم أبنيتها مسجد السيد حسين ابن أحمد المساوى بناه سنة 892هـ، ومن قرى لحج الوهط كانت لآل أبي السرور ثم انتقل إليها وإلى السيلة سكان لخبة والمياه كما تقدم).بتاريخ 7 سبتمبر عام 1917م منحت حكومة بريطانية في عهد الملك جورج الخامس الذي حكم من عام 1910م حتى عام 1936م ويحمل لقب ملك بريطانيا وأيضاً إمبراطور الهند، السلطان عبدالكريم فضل سلطان لحج وسام الشرف في حفل رسمي في عدن أثناء حكم المقيم السياسي البريطاني ميجر جنرال جاي. أم. ستيورات والذي حكم عدن من عام 1916م حتى عام 1920م كما منح من قبل ملك بريطانيا لقب سير ووسام الإمبراطورية الهندية من الدرجة الثانية في شهر فبراير من عام 1918م.عرفت سلطنة لحج في تاريخها النظم الإدارية والقوانين وغيرها من وسائل حكم الدولة العصرية، وهذا ما جعلها أهم سلطنة في جزيرة العرب في تلك الفترة من التاريخ، ومن وثائق هذه السلطنة، نقدم هذه التابعة لأرشيف السلطنة العبدلية وتعود حقوق ملكيتها للأمير محسن بن فضل بن علي أحمد العبدلي.الطريقة المتبعة لانتخاب سلطان السلطنة العبدلية . سلسلة وثائق انتخاب السلطان فضل بن علي بن أحمد العبدلي سلطاناً للسلطنة العبدليةأ- وثيقة رقم (0001 - 71×)(هذه الوثيقة من أرشيف السلطنة العبدلية - جميع الحقوق محفوظة ).(هذه وثيقة لأمر سلطاني صادر من السلطان علي عبدالكريم سلطان لحج بتعيين ونقل سلطات سلطان لحج لنائبه الأمير فضل بن علي بن أحمد العبدلي في إدارة السلطنة أثناء غيابه بتاريخ 9 -10 - 1377هـ الموافق 28 - 4 - 1958م وهي بتوقيع السلطان علي عبدالكريم).والوثيقة تدل على أن هناك دستوراً ينظم الحكم في السلطنة العبدلية حيث أنه لا يمكن ترك منصب السلطان لأي عذر أكان سفراً أو غيره، فارغاً، فعلى السلطان أن ينيب عنه من الأسرة الحاكمة من تتوفر فيه شروط الكفاءة والإخلاص والأمانة.ب - وثيقة رقم (0002 - 71×)(هذه الوثيقة من أرشيف السلطنة العبدلية - جميع الحقوق محفوظة).(هذه وثيقة انتخابية صادرة من الهيئة التلقليدية الانتخابية اللحجية تفيد بعزل السلطان علي عبدالكريم وتعيين السلطان فضل بن علي خلفاً له سلطاناً بتاريخ 25 جمادي الأول 1378هـ الموافق 6 ديسمبر 1958م.والموقعون عليها : 1 - توقيع: غير واضح 2 - توقيع: غير واضح 3 - توقيع: محسن بن علي 4 - توقيع: علي محمد منصر 5 - توقيع عبدالله محمد سلام 6 - توقيع: غير واضح 7 - توقيع منصب الوهط حسن جعفر 8 - توقيع: غير واضح 9 - توقيع: الشيخ أحمد فضل 10 - توقيع أحمد عبدالرب من مشايخ العزيبة 11 - توقيع سيف شيخ آل سلام 12 - توقيع: غير واضح 13 - توقيع: الشيخ عبدالله 14 - إبهام: حسين عبدالعزيز نيابة عن والده العاقل عبدالعزيز البان).والذي يتضح لنا فيها أن منصب السلطان في السلطة العبدلية ليس بالتوريث ولكنها عملية انتخابية تقوم بها الهيئة التقليدية الانتخابية اللحجية المؤلفة من 14 عضواً من الأمراء والمشايخ والعقال الذين هم منتخبون ويمثلون جميع شرائح الشعب ومن مهامها الدستورية عزل السلطان إذا كان بقاؤه سوف يمس الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد وتعيين السلطان الجديد بالانتخاب من بين المرشحين من الأسرة الحاكمة ممن تتوفر فيه شروط الكفاءة والإخلاص والأمانة وهذا ما كان يتم مع أسلافه من السلاطين.ج- وثيقة رقم (1 - 2 000 - 71×)(هذه الوثيقة من أرشيف السلطنة العبدلية - جميع الحقوق محفوظة).(هذه وثيقة خطاب إشعار بروتكولي صادر من السلطان فضل بن علي إلى حاكم عدن السير وليم لوس بتاريخ 28 جمادي الأول 1378هـ الموافق 9 ديسمبر 1958م وهو بتوقيع السلطان فضل بن علي بن أحمد العبدلي).ويتضح لنا في هذه الوثيقة البروتوكول المتبع دولياً بين الدول في حالة انتخاب أو تعيين سلطان أو ملك أو رئيس جديد للدولة بأن يشعر الدول الأخرى، وخاصة تلك الدول التي بينها اتفاقيات ومعاهدات سابقة بالالتزام أو عدم الالتزام بتلك الاتفاقيات والمعاهدات ويطلب منهم الاعتراف به رسمياً وممثلاً شرعياً للدولة مستنداً على الوثيقة الانتخابية.د- وثيقة رقم (0003 - 71×)(هذه الوثيقة من أرشيف السلطنة العبدلية - جميع الحقوق محفوظة).(هذه وثيقة خطاب بروتوكولي صادرة من حاكم عدن السير وليم لوس إلى السلطان فضل بن علي بن أحمد العبدلي بتاريخ 5 رجب 1378هـ الموافق 14 يناير 1959م بالاعتراف به سلطاناً للحج وهو بتوقيع حاكم عدن السير وليم لوس).ويتضح لنا منها التالي: 1 - اعتراف بريطانيا بلحج بأنها مملكة دستورية ديمقراطية لا يورث فيها منصب السلطان بل ينتخب من قبل هيئة تقليدية انتخابية وفقاً لدستور ينظم ذلك.2 - بناء على الوثيقة الانتخابية تلك وبناء على التزام السلطان الجديد المنتخب بالتعهدات والالتزامات مع بريطانيا فقد تم الاعتراف به من حكومة بريطانيا سلطاناً شرعياً للسلطنة العبدلية.3 - تمنيات حاكم عدن للسلطنة العبدلية وشعبها بالازدهار والنمو ودوام العلاقات الودية الكائنة بين حكومة السلطنة العبدلية وحكومة بريطانيا، وهذا دلالة واضحة بأن السلطنة العبدلية دولة مستقلة ذات سيادة.ومن كل ما سبق نستخلص التالي: 1 - إن السلطنة العبدلية مملكة دستورية انتخابية ديمقراطية بحسب التركيبة الاجتماعية والجغرافية لها.2 - يوجد في السلطنة العبدلية مجلس للهيئة التقليدية الانتخابية اللحجية وهي مؤسسة (منتخبة) من مؤسسات الدولة كالمجلس التشريعي (موضوع لاحق) وغيرها، وهذه الهيئة التقليدية تهتم بأمور الدولة العليا وأمنها القومي ومن صلاحياتها الدستورية عزل وانتخاب السلطان من الأسرة الحاكمة.3 - إن منصب السلطان لا يورث في السلطنة العبدلية ولا يوجد منصب ولي العهد أصلاً ولكن هناك نائباً معيناً من قبل السلطان وينتهي بانتهاء السلطان.4 - إن السلطنة العبدلية دولة مستقلة تماماً وذات سيادة ولم تكن في يوم من الأيام تحت شبح الهيمنة أو الاستعمار البريطاني كما كان يشاع عنها.انطلاقاً من هذا الفهم فقد كانت السلطنة العبدلية من دعاة الحرية وكرامة الإنسان، وكانت الديمقراطية والمساواة الحقيقية في حينها والتي كانت نابعة من ديننا وعاداتنا وتقاليدنا وممارستنا لها على الواقع، لذلك فلم نكن بحاجة إلى مراكز أو هيئات أو منظمات أجنبية لكي يعلمونا كيف نقرر مصائر شعوبنا ورفاهيتهم أو ليقوموا بمراقبة العملية الانتخابية التي كانت واضحة المسار وشفافة للكل.وما يؤكد ذلك ما جاء في الوثائق الموضحة أعلاه والتي تثبت صدق قولنا، عن تغيب أو طمس الحقائق عن الشعب لأغراض ذاتية أو سياسية أو أخرى.(هذا الملخص للوثائق أعلاه والتي هي من أرشيف السلطنة العبدلية، معد من قبل مكتب الأمير محسن بن فضل بن علي بن أحمد العبدلي بتاريخ 1433/10/21 هـ الموافق2012/9/8 م).تقول الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي، أستاذ مساعد في قسم التاريخ والحضارة كلية التربية للبنات - الرياض في كتابها القيم (علاقة سلطنة لحج ببريطانيا - 1918 - 1959م) الصادر في عام 1997م حول هذا الجانب القانوني والسياسي من تاريخ سلطنة لحج في تلك المرحلة، وهي رؤية تقاس من خلال الحقبة الزمنية التي أوجدت خصائصها كما صنعت أشخاصها.هذه القراءة تنطلق من نقطة تفصل بين المسافات والمراحل، وتعد الموضوعية في التعامل معها من أهم الركائز في إعطاء الحقب الماضية ما يجب أن يكون عليه التعامل مع التاريخ، فالسياسة لا تصنع خارج إطار ظرفها الزمني، والأحداث لا تتشكل منفصلة عن تلاحق المراحل، والاختلاف في الرؤية يدل على أن الفكرة لا تلد منفردة مقطوعة الصلة عن ما يحيط بها. وكل هذا، علينا النظر إليه في سياقه المرحلي الذي لا يفصل عن الحاضر، بقدر ما يضع حدث السابق في قراءة مسار الراهن كخط امتداد في حركة التاريخ التي تتكون من الماضي والحاضر والمستقبل، وهنا يصبح السابق ليس أحادي الانتماء لظرفه الزمني، بل هو جزء من المعاصر الذي يعد قطب الاتزان بين الفترات، والباحثة تقدم لنا معلومات هامة في هذا الاتجاه الذي يوضح جزء من تكوين تلك السلطنة.وفي هذا المضمار تتحدث: (في يوم الاثنين 20 جمادى الأولى 1370هـ - 26فبراير 1951م أعلن السلطان فضل عبدالكريم في حفل أقيم في الحوطة بهذه المناسبة حضره أهالي الحوطة والقرى المجاورة لها وعدد من زعماء القبائل وأعيان لحج، إصدار دستور لحج مؤكداً أنه تم تبنيه من قبل شعب لحج من خلال اللجنة التحضيرية والجمعية العامة، كما أكد في خطبة الدستور عفوه الشامل عن جميع اللاجئين في عدن أو غيرها، على أن لا يشمل العفو الذين فروا من الخدمة العسكرية بأسلحتهم فأولئك سوف يحاكمون محاكمة عسكرية، ويعد الدستور اللحجي أول دستور يعلن عنه في شبه الجزيرة العربية.وقد استقبلت لحج إعلان الدستور بكل فرح لأنها أدركت أنه وحده صمام الأمان من كل الدسائس وهو القيد للحاكم من الاستبداد بشعبه، وشارك اللحجيون الدستوريون في عدن إخوانهم في لحج مظاهر الغبطة والابتهاج، كما رافق إعلان الدستور مطالبة جماهير لحج باتحاد الجنوب العربي.وبادر السلطان فضل إلى إرسال كتاب إلى جود نائب حاكم عدن أشعره فيه بإعلانه إصدار دستور لحج، وأرفق مع كتابه نسخة من الدستور والأوامر ذات العلاقة بتأسيس مجلس تشريعي بموجبه والذي سيفتتح بعد تعيين أعضائه، كما أرسل السلطان فضل نسخة من الدستور إلى قصر الشكر ليطلع عليه من يشاء وكتب إلى فضل بن احمد وفضل بن عبدالقوي منصر وأحمد مهدي بن علي بأنه عينهم أعضاء في المجلس التشريعي، ولكن بعض الأمراء طالبوا بمناقشة الدستور أولاً، وقبل الموافقة عليه، لأن السلطان لم يقم بعرضه عليهم فغضب السلطان من هذا الطلب بحجة أن الدستور قد تمت الموافقة على نصوصه وأنه أعلن على الملأ.كما أنه سبق وأن طلب من بعض الأمراء الحضور إلى لحج لمناقشة الدستور قبل إعلانه ولكنهم رفضوا.وكان الدستور وثيقة مطولة من الواضح أنه تم إعدادها بعناية بعد دراسة لوثائق أخرى مشابهة، وكان يشتمل على خمس وتسعين مادة في خمسة أبواب وأربعة فصول، اختص الباب الأول بتعريف السلطنة ونظام الحكم فيها أما الباب الثاني الذي تكون من إحدى عشرة مادة فقد تضمن عدداً من البنود الخاصة، بالحقوق الأساسية مثل المساواة أمام القانون والحرية الشخصية وحرية الصحافة ما دامت ضرورية لحماية الشريعة الإسلامية والنظام الاجتماعي، وتتناول بقية المواد حرية الإنسان من السجن وحرمة المنازل وحرية الملكية وحرية التعليم وحرية تكوين الجمعيات والأندية مع منعها إذا أخلت بالآداب والأمن العام، وتركز الباب الثالث على توزيع السلطات موضحاً أن الشعب هو مصدر كل سلطة، وأن السلطة التشريعية بيد السلطان بالتعاون مع المجلس التشريعي، كما أن السلطة التنفيذية ممنوحة للسلطان وأن السلطة القضائية في المحاكم).تلك هي بعض الملامح من تاريخ سلطنة لحج العبدلية وما كان من وضع الحالة السياسية في الجوانب الدستورية والقوانين التي حكمت تلك الفترة من الزمن.
|
ثقافة
من تاريخ سلطنة لحج العبدلية
أخبار متعلقة