الأستاذ/ صالح عبدالله مثنى يكتب عن فصول نضالية
بمزايا الوطن الكبير تشكلت مكونات منطقة الضالع، بانتمائها إلى عمق التاريخ اليمني، فآثارها المكتشفة تمتد إلى خمسة آلاف عام، ويشير بعضها إلى أنّها قد شهدت بدايات مسيرة الحميريين الخالدة، وفي تداخل موقعها وسكانها مع الكثير من محافظات الجمهورية (تعز، إب والبيضاء) تشكل رابطاً موضوعياً لوحدة الوطن، وفي دورها الكفاحي من أجل الحرية والوحدة والدفاع عن كرامة وسيادة اليمن. تمثلت دائماً روح التضحية والإخلاص والوفاء، ولم يشوِّه ذلك سوى تلك الأخطاء المحمولة على قيادات من خارجها، وهي عندما تتطلع إلى استئناف دورها الوطني فإنّها لا تكرر تلك الأخطاء بل تمضي في الطريق الصحيح.خلفيات وإرهاصات الثورة بمنطقة الضالعتوارثت أجيال منطقة الضالع راية المقاومة ضد الظلم والاستبداد منذ أمد بعيد، وازدادت اتساعاً في مواجهة السيطرة التركية والسلطات الإمامية وتواصلت بشكل انتفاضات عارمة ضد الاستعمار البريطاني حتى قيام ثورة (سبتمبر وأكتوبر) المجيدة. جاء الغزو البريطاني الثاني للضالع في مطلع القرن الماضي وفي بداية الثلاثينات دخلت المقاومة مرحلة الانتفاضات الواسعة واندلعت الانتفاضة الأولى بقيادة الشهيد الشيخ صالح سالم الشاعري وبعده في الأربعينات حتى مطلع الخمسينات بقيادة الشهداء الأبطال الشيخ محمد بن عواس والشيخ علي صالح الشاعري والسيد عبدالدائم، وكانت خاتمة الانتفاضات وأوسعها انتشاراً التي وجدت صداها في الكثير من مناطق الجنوب المحتل هي انتفاضة 56 - 58م التي قادها وبرز فيها رتل من شباب المقاومة وفي مقدمتهم الشهيد مساعد علي والشيخ صالح مثنى عامر ومحسن ناجي بن ناجي والشيخ فضل الشاعري، وعلي عامر، واحمد مثنى قائد، وقائد صالح ومحمد مانع صالح، وعلي سعيد ناصر، وقائد عامر، وعثمان صالح فاضل، وصالح محمد جرمل، وشايف خالد واحمد قاسم عبداللاه، وقائد قاسم الحيدي، ومحمد صالح المحرابي ومحمود عبدالله مثنى وآخرون كثيرون غيرهم لا تحضرني أسماؤهم الآن. وبعض هؤلاء برز دورهم في تشكيل وقيادة جبهة الضالع أثناء ثورة أكتوبر المجيدة كما سنأتي على ذكرهم. وعلى الرغم من أنّ سلطات الاستعمار البريطاني قد استغلت حالة التذمر من عسف جيش الإمام عندما غزت الضالع، إلا أنّها جاءت بأساليب إرهاب وقمع وحشي واسع النطاق بهدف فرض سيطرتها على المنطقة وإخضاعها بالقوة، وشملت اعتقال وقتل قادة المقاومة ومقاتليها ونسف بيوتهم وقصف قراهم بالدبابات والطائرات وتشريد سكانها وإحراق مزارعها، ولكن ذلك لم يثن المواطنين عن استمرار المقاومة، بل كانت كل انتفاضة تأتي أكبر من سابقاتها حتى قيام ثورة 14 أكتوبر الظافرة من جبال ردفان الشماء.وكانت منطقة الضالع هي الوحيدة في الجنوب تقريباً التي سقط فيها خمسة ضباط سياسيين انجليز وبعض الحكام التابعين لهم، ومنهم الضابط السياسي (ديفي) - على يد الشهيد محمد بن عواس - اثر قيادته لحملة عسكرية على بلاد الازارق الباسلة، فحين حاول الضابط السياسي اقتياد الشيخ بن عواس، باشره ببندقيته وألقاه صريعاً وكذا المستر (سيجر) الذي مات متأثراً بجراحه في وقت لاحق - على يد السيد عبدالدايم-، عندما حاول اعتراض مسيرته وهو عائد إلى بيته بعد اجتماع حضره مع الشيخ علي صالح الشاعري في منزل الشيخ علي قاسم عبدالرب في قرية (الجليلة) كانوا فيه يتشاورون حول دورة جديدة لمقاومة الاستعمار وقد سقط شهيداً هو والشيخ صالح فاضل الشاعري بين قرى الجليلة واللكمة وجلاس.. كما أقدم الحاج علي الشغادر على طعن احد القادة العسكريين البريطانيين في جحاف. كانت الانتفاضات تتواصل لأنها كانت تجد لها في مدينة قعطبة وأراضي شمال الوطن الملاذ الآمن والداعم وكان بعضها يتراجع لتواطؤ الإمام أحياناً بالتضييق على مقاتليها بفعل الضغوط البريطانية عليه. التحضير لانطلاقة الكفاح المسلح في الضالعلم يتفرق مناضلو انتفاضة 56 - 58م إلا لكي يبحثوا مواصلة المقاومة مرة أخرى، ولكنهم أدركوا - مع اتساع الوعي الوطني- بان الانتفاضات المعزولة يسهل كسرها، وان العمل العسكري وحده لا يكفي، في وقت بدأت فيه التنظيمات الوطنية والقومية بالظهور، ورغم أن العناصر القيادية قد توزعت في اتجاهات مختلفة تحت ضغوط الملاحقة إلا أنهم بقوا على اتصال ببعض، بين من اضطر إلى البقاء في شمال الوطن ومن رحل إلى عدن وآخرون هاجروا إلى الخارج. في نهاية الخمسينات أسست حركة القوميين العرب فرعاً لها في اليمن وقد تبنت الكفاح المسلح أسلوباً لتحرير الجنوب اليمني - بعد أن رفضت بريطانيا مطالبات القوى السياسية الوطنية بالحرية والاستقلال - وكذا قلب نظام الإمامة في الشمال وتوحيد الوطن ، وكان سيف الضالعي من بين ابرز قادته، وقد لعب دوراً بارزاً في استقطاب الكثير من الشباب اليمنيين إليه ومنهم، بالتأكيد من منطقته الضالع، وتحت رعايته، شكلت جمعية ابناء الضالع في عدن كغطاء اجتماعي للعمل السياسي وكان على رأسها من الذين لعبوا دوراً وطنياً كبيراً: الحاج علي صالح المنادي، عبدالله علي المركولة، شعفل عمر علي، علي ناجي يحيى، علي محسن المداد، محمد احمد ناشر وغيرهم، وهي التي كانت مركز النشاط الوطني لأبناء المنطقة، وفي الضالع كان الكثير من القياديين والناشطين على صلة بها وبفرع الحركة وفي مقدمتهم/ الحاج مقبل مثنى ومحسن ناجي بن ناجي، علي شايع هادي، محمد احمد محمد، محمد الجعدي، محمد الفقيه، عسكر ناجي، الحاج مثنى ناصر ، الحاج حسان ومحسن فضل، وعبدالواحد ومحمد الحاج طالب وآخرون وفي الكويت كان هناك الشخصيات الأبرز الذين انخرطوا في فرع حركة القوميين العرب هناك وفي مقدمتهم: محمد البيشي، وعلي احمد ناصر عنتر، وقائد صالح، وصالح احمد مقبل وآخرون. ومن إرهاصات الثورة انه في العام 61م قام الأخ صالح مصلح قاسم - وكان منتسباً لقوات الشرطة بمركز الشعيب - بعملية عسكرية ضد الضابط السياسي من أحد أبناء السلاطين تعبيراً عن احتجاج المواطنين على ممارساته التنكيلية وجاءت هذه العملية ضدهم وربما كانت قد تمت بعد عملية العلفي واللقية ضد الإمام احمد وتأثرا بها وانتقل على الفور إلى أراضي شمال الوطن رغم انه لم يكن مرحباً به هناك. وفي قعطبة وتعز كان لا يزال هناك بعض مناضلي انتفاضة 56 - 58م منهم الشيخ صالح مثنى عامر والشيخ فضل الشاعري والشيح حريز مطهر وغيرهم. عند قيام ثورة (سبتمبر) عادت مجموعة الكويت: محمد البيشي وعلي عنتر والآخرون وتلاقوا مع زملائهم في الضالع وعدن والشمال وكانت مهمتهم الأولى تنظيم عمليات للإطاحة بجبهة الملكيين التي أنشأتها سلطات الاحتلال في محور (الضالع - قعطبة) ودسوا بعضهم في صفوفها - تمكنوا بذلك من تدمير مخازن أسلحتهم وملاحقتهم وإحباط محاولات تهريب مصفحات الجيش الجمهوري من قعطبة إلى الضالع ونظموا عملية إرسال المتطوعين للقتال في صفوف الحرس الوطني للدفاع عن الجمهورية الوليدة. مع انتصار ثورة (سبتمبر) أخذت قيادتها ترعى الاجتماعات الموسعة بصنعاء لمناقشة توحيد كل القوى إلى جانب المقاتلين من المناطق الجنوبية لمد الثورة نحو الجنوب، لكن رفض بعض التنظيمات المحلية والقومية الموافقة على مبدأ الكفاح المسلح ضد الاستعمار أدى إلى انهيار تشكيل جبهة التحرير التي كان قد أعلن عنها في أحد تلك الاجتماعات، ما دفع قيادة فرع حركة القوميين العرب باليمن إلى أن تأخذ على عاتقها المسئولية كاملة، فأجرت حواراً مع التنظيمات الموافقة على مبدأ الكفاح المسلح وأعلنت معها قيام الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في أغسطس 63م وذلك بعد أن أقنعت (قيادة حركة القوميين العرب) الرئيس جمال عبدالناصر بدعم الثورة في الجنوب ومساعدة الجبهة القومية للقيام بها. وبتعاون وثيق بين الجبهة القومية وقيادة ثورة (سبتمبر) والقيادة العربية (المصرية) اخذ التحضير لمد الثورة نحو الجنوب ينتقل إلى حيز التخطيط والتنظيم وشمل ذلك إعداد معسكر (صالة) بتعز للاستقبال والتدريب وخزن الأسلحة واختيار وإعداد وتدريب فرق جيش التحرير من مختلف مناطق الجنوب والفدائيين من عدن واختيار المدن المواجهة للجنوب لخزن الأسلحة والجبهة المحاذية لها لبدء الكفاح المسلح فيها وتأمين خطوط الإمداد منها لجبهات القتال الأخرى وتحديد بدء قيام الثورة واتفق على تسميتها بعملية صلاح الدين، كل ذلك هو ما عرفناه لاحقاً من بعض قادة الثورة ومنهم سيف الضالعي ومحمد البيشي وعلي عنتر، وانه كان واضحاً أن الثورة تهدف في آن معاً المشاركة في الدفاع عن ثورة (سبتمبر) بتأمين حدودها الجنوبية، وتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار وتعزيز المد القومي الناصري في مواجهة المؤامرات الدولية ضد حركة التحرر الوطنية العربية، كانت التقديرات بأن التحضيرات الشاملة ستستغرق وقتاً وعلى الأقل إلى منتصف عام 64م، لذلك تم تحديد يوم 23 يوليو 64م لبدء الثورة وان تكون مدينة قعطبة المركز الرئيسي لخزن الأسلحة تحت مسئولية قيادة جبهة الضالع، وإذا تعذر الوقت من إعداد جبهات القتال كي تبدأ الثورة منها في وقت واحد، يكون بدء القيام بها بعمليات عسكرية ضد القاعدة البريطانية في الضالع باعتبارها اكبر قاعدة بريطانية مواجهة لأراضي جمهورية (سبتمبر).وقد كان يجرى دائماً اعتماد محور (الضالع - قعطبة) كاتجاه أساس في مواجهة بريطانيا للسلطات التركية والامامية سابقاً ، ثم لقرب الضالع إلى المدن الخلفية لتموين الثورة (قعطبة وتعز وإب )، وبالنظر إلى أن فرق جيش التحرير من منطقة ردفان من مجموع المدافعين عن ثورة (سبتمبر) قد أنجزوا تدريباتهم مبكراً ومنهم كان العدد الأكبر من الذين جاؤوا من المناطق الجنوبية وشارك قادتهم في اجتماعات صنعاء وتعز وبتأسيس الجبهة القومية فقد عادوا قبل الآخرين بتكليف الانتظار حتى إبلاغهم من قبل قيادة الجبهة القومية ببدء الثورة. كانت بريطانيا تتابع أخبار حشد الجنوبيين في الشمال وتجمعاتهم وتحفز قيادة ثورة (سبتمبر) لدعمهم ومد الثورة نحو الجنوب، لذلك سارعت بالتصدي لفرق جيش التحرير العائدين والسعي لإخضاعهم أو مهاجمتهم وضربهم بقسوة لإجهاض عملية استكمال التحضيرات التي كانت جارية على قدم وساق لبقية مناطق الجنوب، وكان مناضلو ردفان في مستوى التحدي، ولم ينل من عزيمتهم أن استعداداتهم لم تكتمل بوصول التمويل الكافي من الأسلحة لخوض معركة طويلة، وقد الحقوا الهزائم المتتالية بالعدو وبرهنوا على أن ثورة (14 أكتوبر) التي خاضوا غمارها، بدأت لتستمر، خاصة حين وجدوا رفاقهم من جبهة الضالع التي كان يجري إعدادها بجانبهم ليواصلوهم بإمدادات الأسلحة والذخائر إلى جانب جبهة يافع من الشرق وهكذا استمرت الثورة.. كما برهن مناضلو ردفان لقيادة الجبهة القومية ولرفاقهم في جبهات القتال الأخرى، أن الثورة يمكن أن تنتصر وأن بريطانيا يمكن هزيمتها، فعصر الاستعمار يغرب. إعلان تشكيل جبهة الضالع والشعيب وبدء الكفاح المسلحاستمرت عملية الإعداد والتحضير لاستكمال تشكيل الجبهة، وإرسال فرق جيش التحرير للتدريب في تعز وخزن الأسلحة، وبعدها كان للقيادة أن بقت على أهبة الاستعداد للتوجيهات لبدء المعركة، وفي ابريل من العام64م وصل الرئيس عبدالناصر في زيارة لليمن وقصد التوجه إلى مدينة تعز، هناك حيث يجري الإعداد للثورة وبالقرب من الخطوط المواجهة لسلطات وقواعد الاستعمار في عدن، قرع جرس الإنذار بقوة بخطابه الشهير وإنذاره الذي قال فيه (إن على بريطانيا أن تحمل عصاها على كاهلها وترحل)، وبعدها بفترة وجيزة بدأ الكفاح المسلح في الضالع والشعيب بالهجوم العسكري على القاعدة البريطانية يوم 24 يوليو 64م متأخراً يوماً واحداً عن الموعد المحدد في 23 يوليو، ومعها توسع نطاق الثورة والعمليات العسكرية في ردفان وعدن والتي كانت إلى جانب جبهة الضالع ، أكثر الجبهات اشتعالاً والتي ألحقت بالقوات البريطانية اكبر الخسائر.ومع اشتداد المواجهة التحم مناضلو جبهات الضالع والشعيب وحالمين وردفان بعضهم مع بعض في عمليات منسقة ومشتركة أحياناً وانتقال المقاتلين فيها من جبهة إلى جبهة وكأنهم فرقة واحدة يهاجمون المواقع المعادية ودورياتها ونصب الكمائن وزرع الألغام الأمر الذي أحال حياة القوات البريطانية إلى جحيم، كانت هجمات جيش التحرير توازي حجم تصعيد قوات الاحتلال لعدوانها على المواطنين، فقد شردت معظم قرى ردفان وبلاد الشاعري في الضالع وكانت تقصفها بالطائرات بينما أصبح سكانها من النساء والأطفال والعجزة بدون مأوى، وفي المعادلة النهائية كان جيش التحرير يحرز النصر رغم استشهاد الكثير من قياداته ومقاتليه وغدا يحظى بالتأييد الكامل من قبل المواطنين ليبتعدوا عن موالاة السلطات الإدارية لنظام الاحتلال التي أخذت تعزل جنباً إلى جنب مع تراجع الانتشار العسكري البريطاني من تقاطعات الطرق المؤدية إلى القاعدة البريطانية والجبال المحيطة بها وبعض القرى التي شردوا أهاليها منها وهي قرية الدمنة وجلاس والقراعي....الخ حتى أرغمت على الرحيل في آخر المطاف. وفي الواقع العملي، كانت انتصارات جيش التحرير محمولة على كفاءة قيادتها وشجاعة مقاتليها التي كانت تعكس إيمانهم بقضية عادلة وثقتهم بالنصر وان الحرية هي إلهامهم وهدفهم الذي يرونه قريب المنال. كانت قيادة جيش التحرير تتكون من كوكبة المناضلين، الذين غدا بعضهم في عداد القادة التاريخيين للثورة أو من أبرز رجالها، وتضمُ «رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا» صدق الله العظيم، ومنهم علي احمد ناصر عنتر وصالح مصلح قاسم وعلي شائع هادي ومحسن ناجي بن ناجي وقائد صالح حسين وصالح حسين راشد، يحيط بهم رتل من قادة فرق جيش التحرير ومقاتليه البارزين ومنهم محمود قايد، علي بن علي هادي، والحاج صالح الجريدي وصالح علي الردوع واحمد مثنى قائد وعلي مثنى قائد واحمد الجبري وقائد الذيب ومحمد مانع صالح واحمد قاسم عبداللاه وسيف علي عبداللاه وعمر صالح وصالح احمد الحالمي وعبدالله ناجي وصالح عامر وقاسم سيف وعلي المنصري وقاسم احمد ومحمد الحاج مساعد وصالح الكور ومحمد الحاج الاسود ومحمد علي عبادي ومحسن محمد والعميد عبدالله علي وعلي عبدالرب ومطهر مثنى ومحمد حسين راشد ومحمد عبدالرب لحسون وطاهر ومحمد ناشر الحكم ومحمد واحمد قاسم صالح مرفد وصالح عسكر ومحمد صالح المحرابي وعبدالجبار الازرقي وعلي مسعد حسن ومحمد ناجي سعيد وعلي سعيد ومحمد حريز وقائد مثنى عمر ومحمود صالح وعلي محمد صالح وعلي مثنى علي وعلي عثمان ومحمد السوجري وعبدالرحمن وعبدالمجيد المنصوب وعبدالله صوحل وعلي عبيد ومثنى العبيري وصالح عنتر ومحمد علي هادي وغيرهم كثيرون ممن كانت أسماؤهم تلمع في سنوات الثورة وما زالت تسكن قلوب مواطني منطقة الضالع والجمهورية اليمنية كلها. دور العمل السياسي والتنظيمي في الثورةاكتسب العمل السياسي والتنظيمي أهمية متزايدة في المهام التي كان يمارسها، والمكرَّسة لإحداث التعبئة السياسية للمواطنين وتعزيز الثقة لديهم، بحتمية انتصار الثورة، ذلك أنّ المواطنين بدوا متشككين ومتخوفين من أنْ يتعرضوا للتنكيل والتشريد وتدمير قراهم وممتلكاتهم وتعرِّض حياتهم للخطر، مثلما كان يحصل في الانتفاضات السابقة، التي كانت تنتهي بالفشل، ثمّ كان على العمل السياسي تحريك المواطنين وقيادتهم لخوض أشكال أخرى في العمل الوطني مثل المسيرات والمظاهرات والإضرابات وتشجيع الشباب للالتحاق بالثورة وكذا إعداد المنشورات وتوزيعها، ثمّ في الأخير تأهيل الأفضل لعضوية الجبهة وتشكيل الخلايا التنظيمية في القرى والمدن التي تتولى بدورها ذلك النشاط.أتذكر أنّه في الأيام الأولى بعد بدء الكفاح المسلح جاءت فرقة جيش التحرير إلى قريتنا (ذخار) التي اعتادوا لاحقاً الاحتماء بجبالها بعد العمليات العسكرية التي كانوا يقومون بها، طلبت الالتحاق بهم ولما سمعني الأخ علي عنتر دعاني للوقوف بجانبه ونصب بندقيته بجانبي ونظر إليّ وقال : أعتقد أنّك صغير على المشاركة في العمل العسكري ولكنّك تستطيع أنْ تقوم بها مع مجموعة من الطلبة وفي العمل السياسي بشكل عام، حفزني ذلك كثيراً وفي بداية العام التحقت بمهام كنت أقود أول مظاهرة طلابية في الضالع تعرضت على إثرها للاعتقال مع رفاقي الآخرين بعدها حاولت مرة أخرى الالتحاق بجيش التحرير فلم يسمحوا لي بذلك سوى لوقت قصير جاءنا خلالها صحفيون مصريون أخذ لي أحدهم صورة وأنا أصلي، كتب تحتها (أصغر مقاتل في جيش التحرير يؤدي الصلاة) وأظنها نُشرت في صحيفة المصور أو آخر ساعة وأرسلت بعدها للدراسة في تعز.. في بداية العام 66م أوقفت القيادة المصرية المساعدات عن الجبهة القومية لرفضها الاندماج في جبهة التحرير الذي أعلن في 13 يناير من ذلك العام، وترقب على ذلك التوجيه بعودة الكثيرين من جيش التحرير إلى الداخل والاعتماد المكثف على العمل التنظيمي كوسيلة لتعبئة المواطنين وجمع التبرعات منهم ودفعهم للمشاركة في الثورة التي كان عليها أنْ تقبل تحدي الاعتماد على الشعب والاستمرار بالكفاح المسلح.. بدأنا بإنشاء خلية قيادية واحدة كان يديرها الأخ عوض الحامد عضو القيادة العامة للجبهة، تمكنا بها من نشر الخلايا التنظيمي في معظم قرى المنطقة وأمّنا كسب العناصر المؤثرة فيها، ثم اتفقنا على الاجتماعات المفتوحة مع المواطنين وبدأنا تنظيم المظاهرات.عند العودة في ربيع العام 66م قبلت العمل كمدرسٍ للتمويه وعُيِّنت في مدرسة بجحاف، هناك تواصلت لقاءاتنا مع الأعضاء الناشطين والذين كان لهم تأثير متصاعد بين المواطنين، أتذكر حين كان يأتينا من عدن الأخ صالح محسن أحد الضباط النشطين داخل سلك الشرطة في عدن إلى جانب الأخ المقبلي والأخ أحمد صالح عبده وعلي مقبل حسين في الجيش وكنت أخرج معه ليلاً لملاقاة ضباط أعضاء في التنظيم في سرية الجيش التي كانت تتمركز بالقرب من قرية (قرنة) وننقل من عندهم قذائف هاون وذخيرة لإيصالها لجيش التحرير، وفي تلك المرحلة في النصف الثاني من العام 66م كان العمل التنظيمي في المؤسسات العسكرية قد استقطب الكثير من الضباط وصف الضباط ومع الوقت كان نفوذ الجبهة القومية يتسع بينهم بحجم انتشاره بين المواطنين باعتبارهم جزءاً من المجتمع.تحرير المنطقة والزحف نحو عدنكان التنافس بين الجبهة القومية وجبهة التحرير ومقاطعة المصريين لنا يحفزنا على تطوير نشاطنا بين المواطنين ودمجهم بالعمل السياسي إلى جانب الجبهة بموازاة تصعيد جيش التحرير للعمليات العسكرية, كانت الجبهة القومية أمام تحدٍ مصيري لتثبيت وجودها بين الشعب وفي مواجهة سلطات الاحتلال وأمام العالم الخارجي، إلى أن جاءت الأشهر الأولى من العام 67م ونفوذها في حالة تصاعد وسيطرتها على الرأي العام تتسع على مدى ساحة البلاد، في ربيع العام نفسه جاءنا الأخ فيصل عبداللطيف الشعبي وطرح أمامنا مسئولية تجنيد أعضاء التنظيم وأنصار الثورة في معسكرات للحرس الشعبي، قالوا لنا إنهم سيكونون إلى جانب جيش التحرير نواة جيش الاستقلال التي على الجبهة أن تستعد لانتزاعه، خاصة وان بريطانيا قد أعلنت عزمها على الرحيل في نهاية العام وكان على الجبهة أن تكون بمستوى الاستعداد لإحباط أي محاولة لإضفاء طابع شكلي على الاستقلال حيث كان يجري رصد مخططات لتسليم السلطة إلى قوى موالية أو يسهل السيطرة عليها، وشكلت قيادة للحرس الشعبي مكونة من الأخ محمد البيشي رئيسا والأخ/ سعيد عثمان والأخ/ احمد محسن الحاج نائبين للرئيس وصالح عبدالله مثنى سكرتيراً وكان التجاوب معنا كبيراً حيث تمكنا من إقامة معسكرات التدريب في مختلف أنحاء المنطقة، حينها وصل الوضع في علاقة الجبهة بالمواطنين إلى المرحلة التي أصبح فيها اعتقادنا بان الدعوة للعصيان المدني ستكون خطوتنا التالية، وستكون اختبارنا العملي لحدود تأييد المواطنين لنا، وحازت دعوتنا فعلاً على استجابة شاملة، قمنا على إثرها بتشكيل لجنة شعبية عليا لإدارة شئون المنطقة، حرصت القيادة على أن تختار لها وجاهات وشخصيات اجتماعية تحظى بالاحترام وكان بينهم الوالد المناضل علي محمد ناجي رئيساًَ وإلى جانبه الإخوة: محمد احمد صالح وعسكر ناجي ومحمد عباس والحاج علي حسين والحاج مثنى ناصر وآخرون. في الخامس من يونيو وقع العدوان الإسرائيلي على الدول العربية وأثار غضباً عارماً بين صفوف الشعب ولكنه جاء في وقت استطعنا فيه التعبير عن الغضب والتضامن مع أشقائنا بتصعيد نشاطنا الثوري ضد سلطات الاحتلال، ونحن مأخوذون بأخبار الإذاعات حول العدوان، تشاورت مع رفاقنا في جبل جحاف بان نعمل مظاهرة : عليّ إخراج الطلبة والمدرسين وعليهم حشد المواطنين وإذا لاحظنا أن المشاركة كبيرة سندعو حاكم المركز للرحيل كخيار أفضل من اقتحام المواطنين لإدارته وإحراقها وربما تعريض حياته للخطر ولما كان حضور الناس كبيراً في اليوم التالي اضطر للمغادرة بعد أن لاحظ تردد الشرطة في مواجهة المتظاهرين ، فهو لا يدري إننا قد كسبنا معظمهم واذكر منهم الأخ/ علي مسعد الحصين، وفي اليوم نفسه شكلنا لجنة شعبية لإدارة المركز، برئاسة الوالد الحاج علي حسين وربما كان ذلك أول مركز إداري لحكومة الاتحاد يتم إسقاطه وتحريره في كل الجنوب. وتحركت العجلة وقررنا بعدها التوجه لإسقاط مشيخة (خلة) حيث قام جيش التحرير بمحاصرة مقر المشيخة منذ المساء وفي اليوم التالي كانت الجماهير تزحف للسيطرة التامة على جميع الإدارات التابعة لها وعبرت الشرطة والموظفون عن انضمامهم وتأييدهم للجبهة، ثم بدأ الإعداد للعمل الكبير من أجل إسقاط وتحرير إمارة الضالع وكان ذلك يتطلب تحضيرات واسعة وحشد كل جماهير المنطقة واتخاذ تدابير لمحاصرة المواقع العسكرية للحيلولة دون تمكينها من تعريض المواطنين للخطر، رغم ثقتنا بأن أعضاء التنظيم وأنصارهم فيها يملكون التأثير والسيطرة عليهم وكان الشيء الذي سهل الأمر وحال دون المواجهة مع أنصار السلطة هو أن الأمير والضابط السياسي قد أدركا خطورة الموقف مبكراً وهربا قبل بدء المسيرة الشعبية وضمنا السيطرة السلمية على كل الأوضاع يوم 22 يونيو 67م وبعدها تم اسقاط وتحرير مشيخة (الشعيب) ولكن للأسف بعد مقاومة شرسة تحصن فيها رجال المشيخة بدورهم إلى الوقت الذي اضطر فيه أفراد من جيش التحرير إلى المغامرة والقيام بوضع أصابع المتفجرات حول تلك الدور الحصينة ومع ذلك تمت العملية بأقل خسائر - لم تكن قيادات جيش التحرير ترغب في حصولها - وقد عوضت ذلك لاحقاً بإحاطة أسرهم بكل الرعاية والاحترام. ولتأمين الإدارة السياسية للمنطقة والإشراف على الأوضاع الإدارية شكلت قيادة محلية للضالع كلفت بأن أكون مسئولاُ عنها وتضم كلاً من الإخوة الحاج مقبل مثنى، صالح احمد مقبل، محمد الجعدي، عبيد حسين، احمد محسن الحاج، عبدالله مثنى عبداللاه، محسن احمد الربوعي، سيف القطوي، علي عبده .. وآخرين، وفي الشعيب كانت هناك قيادة محلية ضمت الإخوة: احمد مثنى ، سعيد مقبل، محمد غالب احمد، سعيد الكحيل، صالح حسين مثنى وآخرين. في ذلك الوقت انصرفت قيادة جيش التحرير إلى تشكيل فرقة مشتركة بقيادة الشهيد علي شائع هادي، ضمت فرقاً من جيش التحرير من جبهات القتال في الضالع والشعيب وردفان وحالمين وبدأت مسيرتها لاسناد مجاميع جيش التحرير في المناطق الأخرى أمنت خلالها السيطرة على مشيخة (ردفان العلوي) وسلطنة (الحواشب) مروراً بلحج وعلى مشارف مدينة عدن توزعت على فرق لإسناد فدائيي الجبهة القومية في مختلف أحياء المدينة.. نذكر منها فرقة بقيادة الشهيد/ صالح احمد ناصر عنتر توجهت إلى حي (الشيخ عثمان) وفرقة بقيادة الفقيد قائد صالح حسين توجهت لإسناد الفدائيين (بالتواهي) وأخرى إلى (عدن الصغرى) بقيادة الشهيد قاسم الزومحي . لا نرجو بهذه المناسبة أن يفهم الكلام هذا بأنه إثارة للأحقاد والكراهية، فرغم المعاناة التي سببها الاستعمار، إلا أن الحديث عن المواجهات التي تسقط ضحايا مهما كانت مشروعة فإنه في الحساب التاريخي يعتبر حديثاً عن كارثة إنسانية لم تكن ضرورية لو أن الاستعمار لم يحدث أو أنه رحل بسلام، ولذلك عبرت اليمن وما زالت اليوم عن إخلاصها لبناء علاقات تعاون وصداقه مع الحكومة البريطانية فالتجربة الأوروبية تفيد انه لا يمكن التقدم خطوة إلى الأمام في سبيل التعاون والتكامل بين الشعوب من أجل التطور الاجتماعي والسلام دون نسيان الماضي. صيانة الاستقلال على طريق الوحدة (دور جبهة الضالع) لم تدم فرحة الاستقلال طويلاً، فقد احتدت الخلافات والصراعات داخل الجبهة القومية وبين أوساط قوات الجيش والأمن القائمة حول خيارات النظام الاجتماعي الجديد والنفوذ عليه كادت أن تعصف به، وتضعه تحت هيمنة القوى القديمة من جديد وفي الوقت ذاته كانت العاصمة صنعاء تواجه هجوماً واسعاً يستهدف إحكام الحصار عليها، وإعادة النظام البائد إليها، وبذلك تكون الثورة اليمنية قد تعرضت لهزيمة كبيرة. في الخلافات التي كانت دائرة داخل الجبهة القومية منذ المؤتمر الأول في العام65م حول الموقف من الاشتراكية العلمية كنظرية للتنظيم، تكون الأمور قد وصلت إلى أن برنامج اليسار قد حاز على الأغلبية في المؤتمر الرابع الذي انعقد في مارس من العام 68م في زنجبار، لكنه تعرض إلى حركة انقلابية في العشرين من ذلك الشهر، أقصت قيادته المشاركة في السلطة ما دفع بها إلى الرد بتنظيم انتفاضة 14 مايو ، إلا أنها فشلت وجرى ملاحقة قيادتها التي كانت تضم أغلبية القيادة العامة للجبهة، اضطروا معها إلى النزوح إلى شمال الوطن ثم إلى الضالع وأصبح الانشقاق داخل حكومة الاستقلال عميقاً، أعقبها احتدام الصراع داخل قوات الجيش والأمن لأوضاع ما قبل الاستقلال بدا كما لو انه يتخذ طابعاً قبلياً قائماً على عداءات سابقة وصلت إلى مستوى لجوء احد أطراف الصراع إلى دعم تنظيم انتفاضة 27/ 7 ضد الوضع كله, وبعد فشلها تطورت إلى مواجهة عسكرية بين أبناء ما كان يسمى سابقاً العواذل والعوالق من أبناء شبوة وأبين، وكان محتملاً أن يطمح الطرف المنتصر في أن تكون له اليد الطولى على كامل الوضع لما بعد الاستقلال بعد أن أصبح ضعيفاً بإبعاد جناحه اليساري وجيش التحرير والفدائيين الملتفة حوله، والبعض رأى أن هذا هو الهدف الأساسي للخلاف. أمام هذه التطورات قامت قيادة جيش التحرير والقيادة المحلية في الضالع بجهود حثيثة ومثمرة لمعالجة الانشقاق القائم بين ما كان يسمى اليسار واليمين في الجبهة القومية. أتذكر انه عندما زار الضالع الأخ/ الرئيس قحطان الشعبي في العام 68م، وقام أثناءها بتوزيع عقود أراضٍ بعد إقراره قانون الإصلاح الزراعي، خاطبته في كلمة الترحيب التي ألقيتها كمسئول للقيادة المحلية في المهرجان الجماهيري : (إنكم وانتم تطبقون قانون الإصلاح الزراعي يا فخامة الرئيس تكونون قد حددتم تطور البلاد في الاتجاه الاشتراكي، الأمر الذي سيقود إلى مواجهة مع قوى الثورة المضادة المدعومة من الخارج، وهذا يتطلب وحدة تنظيم الجبهة القومية وحدة الجبهة الداخلية وحدة الحركة الوطنية اليمنية). وبالرغم من إن الأخ/ الرئيس رد على الكلمة في الخطاب الذي ألقاه على الجماهير (بان تنظيم الجبهة القومية موحد وان تنظيم الجبهة القومية متماسك) إلا انه بعد ذلك استدعاني في المساء، وقال (على يدكم أنتم والأخ علي عنتر نحن مستعدون للتفاهم مع الأخوان وهم موجودون عندكم، ولكن بدون الشطط والتطرف)، بعدها أرسل إلينا الأخ فيصل عبداللطيف وبدأ الحوار مع الإخوة سالمين والآخرين, وأثمر بعد فترة وجيزة بالوصول إلى اتفاق وتمت عودتهم إلى عدن. في ذلك الوقت كانت الحرب بين أبناء العوالق والعواذل من محافظتي أبين وشبوة المدعومة من أنصارهم في الجيش والأمن قد دخلت شهرها الثامن، ولإيقاف تلك الحرب طلب الأخ علي عنتر من الرئيس قحطان الشعبي قيادة الجيش الذي كان يقاتل هناك و تفويضه بحل المشكلة، وتوجه على الفور إلى منطقة المواجهة، فأمر الجيش أولاً بالتوقف عن نهب ممتلكات المواطنين وتخريبها ثم أخذ يتنقل بين الطرفين إلى أن تكللت مهمته بالنجاح في وضع نهاية لتلك الحرب التي كانت الحكومة تقف فيها عسكرياً وتستخدم الجيش إلى جانب احد تلك الأطراف، وبعد أسابيع قليلة عاد الأخ علي عنتر إلى عدن، وقد توقفت المواجهة تماماً، ولكن نذر شؤم قد أخذت تلوح من جديد في صراع آخر ومفتوح بين الرئيس ووزير الداخلية لم يكن معه ممكناً الوصول إلى حل، وقامت حركة تغيير في 22 مايو 69م وكلفت كثيراً. حيال الهجوم الملكي الواسع على العاصمة صنعاء وحصارها أثناء السبعين يوماً مارست قيادات الضالع دوراً ضاغطاً على قيادة الجبهة القومية والحكومة بالتدخل للدفاع عن الجمهورية وإرسال كل المساعدات الممكنة، حتى أن الأخ علي عنتر طلب من الرئيس قحطان الشعبي إعطاءه لواء من الجيش ليقوده ويتوجه به للمشاركة في فك الحصار، وهذا ما أكده لي ذات مرة الأخ عبدالله الاشطل الذي كان عضواً قيادياً في الجبهة، بينما توليت رئاسة لجنة لجمع التبرعات في محافظة لحج لدعم المقاومة الشعبية المشاركة في معركة فك الحصار. إننا نعتقد أن كل ذلك قد أسدى قسطاً فعالاً وعبر عن دور وطني لتثبيت الاستقلال وإبقاء جسور التلاحم بين جناحي الثورة اليمنية قائماً، والأمر الذي لا يمكن إغفاله أبداً ونحن نتحدث عن واحدية الثورة اليمنية هو الإشارة إلى أن ثورتي سبتمبر وأكتوبر قد وصلتا في ترابطهما ووحدتهما إلى وضع أن انتصارهما ومصيرهما قد ارتبط وثيقاً بإسنادهما المتبادل للبعض، فحين سمح قيام ثورة سبتمبر بتوفير الأرضية والدعم لقيام ثورة أكتوبر أدى امتداد الثورة نحو الجنوب في بادئ الأمر إلى ضرب جبهات الملكيين وتأمين الأطراف الجنوبية بالكامل، كما مارس قيام نظام ثوري جديد في الجزء الآخر من الوطن في الدعم المباشر وغير المباشر لتبديد أحلام الملكيين باستعادة السيطرة على الوضع في صنعاء, إذ أن القوى الدولية التي كانت تدعم الهجوم ضد جمهورية سبتمبر قد أدركت أن بوسع تأثير المد الوطني للنظام الجديد في الجنوب - بتوجهاته الوحدوية والاشتراكية وامتداداته التنظيمية والسياسية - ، أن يشمل اليمن كله في حال إعادة فرض الأسرة البائدة من جديد, على انه النظام الآخر للثورة اليمنية كلها والذي جاء أساساً بدعم جمهورية سبتمبر ومعها تصبح مصالحها ونفوذها في المنطقة مكشوفة ومهددة، ولذلك بدا واضحاً فيما بعد أن المخططات المعادية قد وجهت كلها لفك عرى الوحدة بين قوى الثورة اليمنية، وكان بادياً للعيان حجم الدسائس والفتن والتدخلات التي ظلت تشعل المواجهات الشطرية، ولكن ذلك قد خلق عقيدة راسخة لدى الوطنيين اليمنيين بان الدفاع عن الحرية مرتبط بتحقيق الوحدة والعكس صحيح أيضاً وان المخططات المعادية لن تمر، وبين صفوف الوطنيين أولئك كان واضحاً بأن الأخ الشهيد صالح مصلح قاسم ظل على الدوام المدافع الأول عن قضية الوحدة بين رفاقه الآخرين في قيادة الشطر الجنوبي وسوطها اللاسع ضد كل المتخاذلين منهم نحوها، وعلى نفس الطريق كان الشهيد علي عنتر كذلك، [c1]* وزير النقل الأسبق[/c]