أم الصبيان الساحرة
عبد الرحيم لمساقيتقرأ الكف و تحل الطلاسم و تؤلفها و تقرأ الفنجان و تقلب الحقائق تفرق بين الجموع و تؤلف بين اثنين كرها و تربط هذا و تطلق الآخر تقضي الليل في رصد الكواكب و المنازل حيث تستوفي شروط سحرها .. تستنطق المرآة تستقطب كنوز الدنيا ... تراود ماردها ملك الجن الأحمر تقدم كل ليلة قرابينها إليه حمراء ملطخة...قلوب البشر ... نجمة داوود على جدرانها و الشمعدان ... كل شمعة في لون كألوان الطيف ستة و السابع مأسور في بئر السحر كآخر حلقة تأخذها من عهد هاروت و ماروت ... كل عفاريت سليمان المنبوذة في زمنه واقفة على بابها ... حقدا على كل البشر ...تنتظر توقيع عقودها معها و أجرة خطف الوحي من فم الملائكة هناك حيث لم يصل بعد الأنبياء أي من البشر... تأخذ آخر دروسها الإضافية من شيطان صغير اسمه رمرم يعلمها تثقب الصدف لتخرج منه صوت الموج المتكسر هناك في مسامع العاشقين ... في طرف صولجانها نجمة مضيئة من بلور يحوي زمردة خضراء مهداة لها من أمير القماقم الأسود في زيارته الأخيرة يوم السبت حيث طقوس التهويل تجدد نهاية كل أسبوع يكون فيها ضيف الشرف و يقام كل شيء على شرفه اذ لا شرف له و في الأحد التالي توقد شعلة التودد المعجونة بتراتيلها المبهمة المأخوذة مشافهة من لسان النار في الموقد المقدس ... و يحضر احتراقها نساء الغيلان و شيخ السعالى وشمس القراميد المقيمة في قصر العذارى حيث ينتحر جمالها منذ ألف عام و تختزن جثمانه في خاتم البياض كتعويذة ضد عيون البشر ... و لها يوم في كل سنة حين يتزاوج الشمس و القمر و يكون الأسد في حضرة السرطان و عطارد خارجاً عن الزهرة و لا يتحقق ذلك إلا كل سنة مرة ... تعتكف ذلك اليوم في حجرة الظلام جوار نهر الدم لتكتب بقلم من خيزرانة شرقية عمرها قرن من الزمن تكتب هناك.. في تلمودها الأسود بحبرها الأسود المصنوع من أدمغة الصبيان الذين تشق أدمغتهم في كل عقيقة لم يعوذ أطفالها بالناس و الفلق .. تكتب هناك غرورها الأبدي المخزون لكل النساء الآسر لكل الرجال ... إلا واحدا حكيما مغرورا مثلي له في عالم الجن وزن وملف و صورة شخصية و كتاب ألف من قصص غزواته الأسطورية فيهم وهو عندهم ملحمة الحزن يتلونها كقصائد للرثاء..وبعد أن أنهت طلاسمها في وقت متأخر من تلك الليلة و أخذت اللون السابع من عهود السحر الأسود ووقعت العقود المقدمة بختم من دم أصبعها الأصغر الأيسر... لم يبقى الآن الا زيارة أخير الى بئر الأشباح في بابل لتكتب بعد زيارتها هذه... خاتمة لكتابها المذكور سيكون الزمن بين الرحيل والعودة أربعة أشهر و عشرا هذا ما تحكيه الأحجية المكتوبة على ساق العرش المتبقي بين أطلال سبأ... و الطريق لن يكون سهلا .. فالانطلاقة ستكون من بوابة مأرب غسقا... عبر دهليز بابه تحت العمود الثالث ... دخلت أم الصبيان و الخوف قد علقته على قارب في بحر النسيان... و في عنق الدهليز وجدت رفيقتيها جنيتين على لونين سوداء و بيضاء .. البيضاء تمسح الظلام أمامها و الأخرى تنفخ في ناي مصنوع من عظم ساق عذراء وئدت جورا في عهد نواميس الجفاء... و طال المسير أياما في العناء كانت أولى محاطاتها في نابلس حيث تأخذ بقايا تراب منثور هناك مذ مهد الأنبياء ... و أخذت قطعتها الموعودة من ناب لس ذلك الثعبان ، و رحلت في مجهولها حيث لكل خطوة مقال و بيان .. و أخيرا بابل اذ تفارقها رفيقتيها بكلام مبهم : شتات مجموع ، صوت مكتوم، إلاه مزعوم ،أدركت أم الصبيان من وحي المكان أن الشتات المجموع هو الكتاب الممنوع و الصوت المكتوم هو البئر المشئوم و أن إلاه المزعوم هو نمرود الملعون ... أحجية لم تكتمل أخرجت مرآتها تنادي عفاريتها .. لا أحد يستجيب فالمنطقة محرمة حسب النواميس .. أخرجت جثمان الجمال من خاتم التعويذة ، ليتلبس به مرمر خروجا عن النظام .. قال لها كتاب العهد الأصغر في بئر تحت عرش نمرود ... أسرعت تحث الخطى .. وصلت ، نزلت ، فإذا برصد الأقسام .. تمتمت .. بخرت .. نادت .. توسلت .. و كسرت زجاجة عطر ثم صرخت ثلاث صرخات لكل صرخة لون مختلف .. فرفع جدار من رخامة صفراء .. فإذا هي وجها لوجه مع الشيطان .. جمجمة على هامته وفي يده سوطان .. ذرت في وجهه التراب مفخخا بكلمة و ذل سلطان ..خر الشيطان .. أخذت قصيدتها .. طارت في زيها الأسود كالغربان ... عادت في موعدها ... عادت إلى عالمها الخاص حيث لا يشاركها أحد من بني جنسها ... وضعت الكتاب الأسود في غرفتها المحرمة حيث تألف عبقريتها المنقطعة الشبيه ... و أرخت جسدها المنهك من عناء الرحلة على سلهام بال من صوف ... تحكي أنه الناجي الوحيد من معركة والدها مع الموت.. و أنه يمتص التعب في هول حكاياته المنسوجة زوجا مع كل خيط... و غرقت في اللاوجود ... و تعمدت أن يتوقف قلبها عن النبض ليرتاح هو الآخر من عناء السفر .. استمر الأمر لمحات البصر .. افاقت مبتسمة لتنتشي حلاوة النصر .. لكن قلبها المنهك الا من حبي لم يفق .. أخذته بين يديها صفعته .. قلبته ..صبت عليه من ماء عينيها.. لم يتحرك.. لم ينبض .. أعادته إلى مكانه بعد أن قبلته قبلة باردة لا حياة فيها .. ازدادت بهاء ساحراً.. و شيء لمع من عينيها ..أخرجت أشرطتها السبعة .. اختارت أغمقها لونا.. و تخلصت من الباقي .. في هذه اللحظة بالذات ، لم يطر بلبل في السماء و ناح الحمام و سعلت كل حبلى في المخاض، جاءها الغراب فجرا يطلب قصيدة لخفافيش الظلام .. قصيدة تحرر لهم أبصارهم المأسورة في حبة المن .. فالطلاسم المكتوبة على وجهها حزينة تود الخلاص.. فنور البصر المسجون تحتها كان داعية السلام ،، و اليوم قد تابت الطلاسم هناك .. و تتوق إلى قصيدة أم الصبيان ..تبل ريقها الجاف من طول انتظار .. ابتسمت أم الصبيان لحكاية الغراب .. فابتسم الغراب طامعا .. و اطرق لشفتيها متتبعا ،،،هاهقالت : عندما يستفيق الفؤاد لعلي أحقق المراد.انزوى الغراب في شرفة الانتظار .. و في يده سبحة استغفار ممتدة من عهد الخطيئة الأولى المعلقة في عنق قابيل ..ينتظر أحد الشيئين اما القصيدة أو بيت القصيد.و استولى الظلام على أم الصبيان نزلت غرفتها و أخرجت كتاب الغنيمة.. فتحته قلبت أوراقه الجلدية كانت كلها صفراء لا كتابة فيها صدمت أخذت تقلبه الى دفته الأخرى و جدت عبارة حمراء تقول : بللني بالدمع و اقرأني على الشمعأدركت حينها أن كتابته لا تتجلى الا في الليل و لتنال ما فيه لا بد أن يعاني الناس منه فعليها أن تعلن الدمار حتى يتسنى لها قراءته على أكمل وجه ..وضعته و نادت الليل و هي تلوح بمنديلها أرسلت أولى دمعتي المكر و الخديعة أضاءت الصفحة الأولى تقول : بحبر شوك القنافد أكتبيني و بكبريتة حمراء بخريني..أنا الحد أنا الرد أنا الغد .. أسجن السعد في زجاجة.. أبدد الجمال كالعادة.. أوقف حال ذاك و هذا.. أكسي العين سهادا.. أحرق أكبادا.. أسل من الخيمة أوتادا.. أمنح البار عقوقا و عنادا.. أعطي الزوجة حربا و عتادا.. و بكفن الغدر ألف حلما و مرادا..أنا السحر ..أنا الفتنة الكبرى ..أنا سلطة الشر أنا نبض أجساد لا قلوب فيها .. أحني لصاحبي رقاب الغافلين .. أفتح أبواب الطامعين... و رحلت أم الصبيان بين تقاسيم تلك الحروف و كل كلمة تقرأها تنطفئ و تغرق في صمت حروفها .. أنهت مقدمة كتابها.. أقفلته و الرغبة و الرهبة صراع أركانها.لتقضي ميس (أم الصبيان) على الارباك المسيطر عليها و لتفجر الرغبة الجامحة لامتلاك قوى الشر المخزونة في الكتاب منذ الأزل .. أخذت شريطها الأسود و طوقت به بغداد فأضاءت لها عشر صفحات... و أخذت الشريط الأحمر حمرة الدماء تلفه على غزة العزة فأضاءت باقي الصفحات .. سبحت ميس في ظلام الكلمات.. شابت جدران غرفتها من هول ما تسمع و انحنى القمر عرجونا اذ لم يجد عشاقا يسامرهم.. واعتكفت أميرة الدم ليلتها الأخرى تتثبت من تجاعيد بشرة السيف المفتوح أمامها .. و جاء الفجر يحمل بصيص النور لتختفي فيه الكلمات فقامت له تغسل وجهه و أطرافه اذ بقي هو المبجل الوحيد في قاموس ذكرياتها..و في لحظتها و هي تتملى بطلعته البهية على غفلة من شبح الظلام المسيطر عليها حنت و بلا فؤاد الى الورد الشامي وعقيق اليمن و بن من يد يمنية تنسمه بقرفة و حبات هيل معطرة بأريج السفر من الهند إلى المغرب الأقصى .. حيث في درب حكيم و في كل جبل معلم ينتشي من فيض روحانيات المكان مدارج أقطاب و أوتاد تشهد لهم قباب الكرامة التي دنستها توسلات عقيمة و مذابح تنتن طهر المكان... حنت ميس و الفؤاد عالق في طرح نجمي متطرف..حنت و الخوالي للحاضر فاتنة .. و تنهدت تنهيدة خطفها مرمر في لمح البصر أسرها هي الأخرى كي لا يعكر ظلام الشر بعبق الحنين..فيحيا القلب و يفسد نظام الشر ..فدفعت ميس الفجر بجفنها .. و أخرجت الشمس من كفها..رفعت بصرها الى السماء حيث كل الأمل تمنت أمنية وحيدة كوحدتها قالت : ليتني أثقب بالعاشقين السماء ... و عادت إلى جورها .. إلى قبرها .. إلى عالمها المعتم ، رغم نور الصباح ..تذكرت موعدها السنوي لكتابة خاتمة لأسطورتها السوداء ..التي ستحيل الضوء ظلاما .. و التسامح حقدا .. و الرحمة عذابا .. و النعمة نقمة .. و الحب إلى كراهية ..ستخاطب الكواكب لتجلب قبح الأكوان إلى كونها و تأسر الجمال في حسنها .. تفقدت حبرها فإذا القرطاس حافية ..أعدت عدتها .. تختمت بالموت و تلحفت بالفوت ..و خرجت تلتمس بكاء الصبيان في حضرت سكون الليل ... سمعته يغاغي .. فابتسمت و جدار البيت اقتحمت ..فاذا بهزيم يزلزلها .. كان الأب يقبلها .. يعني الأرض يفرشها و الليلة يسجدها ..سمعته يقرأ : قل الله أذن لكم أم على الله تفترون ..آية تطردها.. تبعدها.. تهزمها..رغم اللون .. رغم الكون .. رغم العون ..و خرجت ميس تتلفت ..مسرعة تتسخط... فإلى أين ؟بلغت هناك أقصى الحضر وجدت شبه أم ترمي لقيطها على حافة التخلي... قالت ميس هذه فرصتي .. غنيمتي .. خاتمة كلماتي.. أسرعت إليه و ضعت السكين في أذنه لتقسمه فصين .. ضغطت ... ذبحت .. لكن السكين فقدت ذبحتها فقدت حدها .. حارت ميس و غرقت في الذهول ..أي ليلة هذه .. و فجأة نطق اللقيط نطق الرضيع .. قال ذبحت مرتين .. فقد مل الذبح مني ... جنت المجنونة و انتفض القلب بين أركانها و كأنه يستفيق .. جرت ميس إلى شيخ الأسرار .. تحكي كابوسها الأغرب .. قال أتكلم بعشرة حروف .. أعطته ثمانية من أبجديتها الثمانية و العشرين أرادت السؤال تلكأ في جوفها و تاه سحر البيان من ثغرها ... صاحت.. صه.. صه ..و خطفت بيانها من أحرفه ... ثم رحلت تتلفت .. و سالت أول دمعة على خدها ..مسحتها ميس و تذوقتها .. كانت مرة بحلاوة و باردة بدفء ..ذاك مزيج الحزن بالفرح..عادت ميس تمزق كتب السحر تحرق الوزر .. كتبت القصيدة للغراب بماء من عينيها و قالت : اقرأها على حبة المن مغمض العينين سيتحرر النور من جديد... أدرك مرمر هول ما خطر .. فجاء بجيش عرمرم ليحارب ميس ..فكل شيء تبخر .. و أميرة الظلام لم تعد تلميذة مرمر .. خرجت اليهم ميس لوحدها في يدها سيف من نور يتحدث عن قوة في رقة ... رمت ميس الشمس في عمق السماء مدت لها أعناقهم .. فطفقت ميس مسحا لها .. تحصد أعناق الشر ... تنشر السلام تعيد الوئام ... لم تعد أم الصبيان عدوة للأطفال بل أصبحت جنية باثني عشر عالَما تخطف الأطفالتقول للأمهات لا تخفن فانا أمنح أطفالكن أجنحة بسحر السديموأربط أقدارهم بالحب وأرسلهم حيث لا يأتي المساءطعامهم الورد وثيابهم الحلم..