صاحب الريشة الرقيقة الفنان التشكيلي السوري عدنان حميدة :
لقاء/هيسم شملونيتتسم تجربة الفنان التشكيلي (عدنان حميدة) بالبحث والتجريب، وهو الذي خبر اللوحة والألوان، قدم صياغات تشكيلية تميز لوحته من حيث العلاقات اللونية والخامات المستخدمة، إضافة إلى التكوين وكل ما له علاقة من مكونات للوحة. التقيناه ودار الحديث معه حول تجربته ومفاهيمه الخاصة بالنسبة للوحة والفن التشكيلي بالشكل العام.* بشكل عام ما السبب الرئيس وراء تأخرك للقيام بمعرضك الأول بعد التخرج؟** صحيح لقد تأخرت بالقيام بمعرض فردي، لكن كانت لدي قبلها 8 مشاركات في معارض جماعية مع خمسة فنانين، هذه المجموعة التي اشتغلت هم (يوسف البوشي، باسل الأيوبي، أحمد قطيط، وليد الريمي وأنا)، عملت هذه المجموعة في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات وكانت مجموعة نشيطة جداً.* كيف وصلت إلى قرارك بالإقدام على المعرض الفردي بعد فترة طويلة نسبيا من المشاركات الجماعية؟** كنت أقوم ببعض الدراسات والبحوث الخاصة لذلك، بعدها مررت بفترة من التحضير لتجربة جديدة، وكانت تجربتي في الطبيعة الصامتة والتحويرات الجديدة عليها، ممزوجة بتقنيات هذه التجربة التي أقمت بها معرضي الفردي الأول في عام 1998، هذا المعرض الذي كان في صالة (نصير شورى).* هل إقامة معرض فردي فيه نوع من المسؤولية تختلف عن مستوى المسؤولية في المعارض الجماعية؟** المعرض الفردي مسؤولية، والتجربة كان يجب أن تأخذ حقها من الوقت لتعرض بشكلها الكامل، في الحالة العادية كان من صعب القيام بمعرض فردي لعدة ظروف (علما أن لدي من اللوحات ما يكفي لثلاثة معارض فردية)، المعرض الفردي كمفهوم أو كتجربة يسعى لتقديم ما هو جديد، حتى يراه المشاهد، وليست مجموعة من اللوحات نعرضها ونمضي، فما قدمته كان عبارة عن مجموعة أعمال هي نتاح بحثي، والفنان الجاد لا تكفيه أشهر ولا سنة لعملية البحث بل يحتاج إلى سنوات، وهذا ما يعطي قيمة عالية للوحة، فهي (اللوحة) لا تأخذ قيمتها من قيمة الوقت الذي أنتجت به، بل تأخذ قيمتها من قيمة البحث الذي أنتجها، لذلك نجد الكثير من الفنانين يتأخرون في إقامة المعارض الفردية، وأنا حاليا أحضر لمعرض فردي قادم، ولظروف خاصة أؤجله، رغم أن الكثير من الناس تقول أن تجربتي جيدة وحلوة، لكني أشعر بأن هناك شيئاً آخر يجب أن يقدمه المعرض الفردي، مع العلم أن معارضي الفردية السابقة كانت في عامي 1998 و2001.* ألا تجد معي أنها فترة طويلة للبحث، بين آخر معرض أقمته وبين ما سوف يكون؟** نتيجة للبحث لم أكن أتجرأ أن أعمل معرضا فرديا؟، بل كنت أشارك في المعارض الجماعية، والتي لم أتوقف عنها منذ تخرجي من كلية الفنون وحتى الآن، وهي أما خماسية كما سبق وأسلفت، أو عبارة عن عشرة فنانين، وهذه المعارض الجماعية سنوية وباستمرار، و غالباً ما يكون عندي ما لا يقل عن عشر مشاركات خلال العام.* جاء عدم استمرارك في إقامة المعارض الفردية في أوج نشاط سوق اللوحة التشكيلية في سورية، هل تأثرت بهذا على المستوى الاقتصادي؟** أنا أعمل حتى أحصل على معيشتي من التدريس والرسوم المتحركة، واللوحة لا تخضع لقوانين التجارة ولا تخضع لقوانين السوق بالشكل العام، فعندما تخضع لقوانين السوق فإنها سوف تتأثر على مستوى قيمة المضمون الفني، ولذلك تجد أنه عندي قضيتان في حياتي أنا جاد بهما جداً، أولا قضية الأخلاق والمبادئ، وقضية اللوحة، فاللوحة هي عمل فني خالص لا يباع ولا يشترى بل يقتنى، أنا شخصيا لا أحب كلمة (بيع) للوحة، بل أفضل كلمة (اقتناء).* في معظم أعمالك كنت تهتم بالطبيعة الصامتة وتهرب من الوجوه.. هل من الممكن أن نتحدث عن هذه المسألة ؟** الذي يتابع عملي منذ بداية تخرجي يجد أني كنت أ شارك في المعارض برسوم لأشخاص، بعدها توجهت نحو الطبيعة الصامتة، ومؤخرا أعمل على الدمج بين الأشخاص والطبيعة الصامتة، فقد وجدت من خلال عملي أن الأشياء الموجودة في الكون من جماد وأحياء هي وحدة متكاملة لا انفصال فيها، وبالتالي الإنسان، الجماد، رؤوس الحيوانات، أو الأحياء بالشكل العام بما فيها الإنسان، طالما أنها جميعا تشكل وحدة متكاملة، فهي ليست هدفي بذاتها بل هي وسيلة لإنشاء عمل فني بهدف التشكيل، وإلا إذا كنت أبحث عن المضمون والمعنى (هي قراءات شخصية) فما معنى أن أعمل لوحة فيها قطعة من النبات يخرج منها وجه إنساني أو سمكة؟! حاليا أنا أؤكد أن الأشياء في هذا الكون متشابهة إذا فهمها المتلقي هكذا، ويمكن إن شاء أن يفهمها بطريقة ثانية ومختلفة. وأود أن أضيف بأني كنت في البداية أعمل معتمدا على العقل والتفكير، ولكن بعد ذلك بدأت أعتمد على العاطفة، وجعلت الحكم العقلاني لضبط تكوين اللوحة، أما بقية ما يظهر بها من أشياء يترك للعفوية، ولصيرورة الأحداث أثناء العمل في اللوحة.* ربما.. أسمح لي أن أخالفك في شيء، وهو أننا نرى أن أغلب أعمالك تشبهك وهي غير متروكة على سجيتها..** هي تشبهني هذا صحيح، ويجب أن تشبهني، فأنا أرى أن الفنان يجب أن لا يلهث وراء الأسلوب، أنا ضد هذه القضية، فالفنان بعفويته وتلقائيته سيخرج معه أسلوب، والأسلوب يكون في شخصية اللوحة التي عندما يشاهدها المتلقي يستطيع أن يعرف أنها من إنتاج هذا الفنان أو ذاك، مهما حوت من رسم فيها، لقد سبق في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أن سادت بعض المفاهيم الخاطئة، والتي تقول بأنه يجب على الفنان أن يؤلف أشكالا ويبقى يعمل عليها بدعوى أن (موراندي) عمل على الطبيعة الصامتة فقط، برأيي هذا ليس شرطاً لازماً أن نعمل على شيء واحد فقط، من قال أن هذه قاعدة ويجب التقيد بها؟.. فأنا أحب أن ارسم وجوهاً وطبيعة وطبيعة صامتة، هل كل الأشياء هذه ألغيها لأن الناس قالوا أن أعمل على شيء واحد فقط؟. ليس هذا هو الأسلوب، فالأسلوب يخرج من خلال التكنيك و الألوان والوحدة والتجربة، كثير من الفنانين يقيدون أنفسهم بأشكال، علما أن هناك أشياء أخرى يحبونها، ويرغبون بالعمل عليها.الجدير ذكره أن الفنان التشكيلي (عدنان حميدة) تخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة “دمشق” قسم الإعلان في عام 1985. عمل مدرسا لمادة الرسم والتصوير في مركز (أدهم إسماعيل) للفنون التشكيلية في دمشق، ومحاضرا في قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بـدمشق، كما عمل في مجال الرسوم المتحركة.